واجه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أمس، اقتراعاً داخل حزب المحافظين بسحب الثقة منه زعيماً للحرب الحاكم، ما يعني تلقائياً سحب الثقة منه رئيساً للوزراء، وذلك بعدما طلب 54 نائباً برلمانياً من حزبه هذه الخطوة، وهي نسبة الـ15 في المائة المطلوبة لإجراء الاقتراع. وفي حال خسر، فسيتعيّن عليه التخلي عن زعامة حزب المحافظين، وبالتالي منصب رئيس الوزراء. لكن المؤشرات ليلاً أوحت بأن معارضيه لم يتمكنوا من جمع أصوات كافية لإسقاطه.
يأتي ذلك على خلفية سلسلة فضائح تورط فيها رئيس الوزراء بمخالفته لقوانين الحظر الصحي إبان فترات الإغلاق بسبب جائحة «كوفيد»، حين أقام وشارك في حفلات داخل مقر مكتبه، ما سدد ضربة للثقة في قيادته للحزب وللدولة. وظل جونسون على مدى شهور يقاوم الدعوات لاستقالته، رغم أنه أول رئيس للوزراء يخرق القانون رسمياً، وهو في منصبه، فيما أصبح يُعرف بفضيحة «بارتي غيت». وكشفت نتائج تحقيق حكومي أنه أشرف على تنظيم حفلات في مكتبه خرقت قواعد الإغلاق واستمرت حتى ساعات متأخرة من الليل وتخللها عراك بين موظفين في حالة سكر.
وكان جونسون قد حقق فوزاً ساحقاً في انتخابات ديسمبر (كانون الأول) 2019 بعد تعهده «إنجاز بريكست» وإكمال عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكنه بعد فضيحة الحفلات تمسّك برفضه التنحي. وأفاد رئيس الوزراء البريطاني، البالغ 57 عاماً، بأنه يتحمّل المسؤولية عن حفلات «بارتي غيت»، وأشار إلى إعادة ترتيب «البيت الداخلي للحكومة»، بينما شدد في الوقت ذاته على أن عليه المضي قدماً في أداء مهامه.
محتج أمام البرلمان يحمل لافتة تشير إلى فضيحة «بارتي غيت» في ديسمبر الماضي (أ.ب)
وأكد ناطق باسم رئاسة الحكومة أن جونسون «يرحّب بالفرصة التي تتيح له عرض موقفه أمام نواب حزبه في البرلمان»، واعتبر أن جلسة سحب الثقة تمثّل «فرصة له لوضع حد لتكهنات مستمرة منذ شهور، والسماح للحكومة بطي الصفحة والمضي قدماً في الانتقال إلى تحقيق أولويات الناس». وقال رئيس «لجنة 1922» المسؤولة عن التنظيم في حزب المحافظين، غراهام برادي، إنه «تم تجاوز عتبة الـ15 في المائة من الفريق البرلماني الساعي للتصويت على الثقة في زعيم الحزب».
وأضاف: «بناء على القواعد القائمة، ستعقد جلسة للنقاش، ثم التصويت»، يعقبه مباشرة عدّ الأصوات وإصدار النتيجة. وأفاد برادي الصحافيين أنه تم إبلاغ جونسون في الليلة السابقة، بعد انتهاء 4 أيام من الاحتفالات الوطنية باليوبيل البلاتيني للملكة إليزابيث الثانية، باكتمال النصاب الذي يحتاجه إجراء التصويت. وقال: «اتفقنا على جدول زمني لإجراء تصويت الثقة، وشاركني الرأي ذاته (رئيس الوزراء)، وهو ما يتوافق أيضاً مع القواعد المعمول بها بأن على التصويت أن يتم فور إمكانية إجرائه بما يتوافق مع المعقول».
ولم يكشف برادي عدد الرسائل بشأن سحب الثقة التي تلقاها جونسون من النواب المحافظين، مشيراً إلى أن البعض وضعوا تواريخ على رسائلهم لما بعد الانتهاء من احتفالات اليوبيل بالملكة لإكمالها 70 عاماً على عرش بريطانيا.
ويبلغ عدد النواب المحافظين في البرلمان الحالي 359 نائباً، فيما يتم التصويت على سحب الثقة سرياً. ويقضي القانون بأن يحصل الفريق الفائز على الأغلبية البسيطة، أي نصف النواب «زائد واحد»، كما يقضي القانون أيضاً بأنه لن يكون ممكناً إجراء تصويت مشابه بحق نفس الشخص قبل مرور عام. لكن يمكن للحزب أن يبدّل القواعد الداخلية للسماح بخطوة مشابهة تتحدى سلطة رئيس الوزراء قبل انقضاء عام. وفي حال خسارة زعيم الحزب موقعه، فلن يكون بإمكانه الترشّح في انتخابات رئاسة الحزب مرة أخرى.
وتسري تكهّنات منذ فترة بأن جونسون قد يواجه تحدياً لزعامته، في وقت تتراجع شعبيته في أوساط المحافظين وفي استطلاعات الرأي العام في بريطانيا. واعتقد كثيرون أنه سيواجه تصويتاً لسحب الثقة في وقت سابق من العام، في وقت تصاعدت حدة السجال المرتبط بـ«بارتي غيت»، لكنه تمكن من كسب الوقت جراء حرب أوكرانيا وقيامه بدور ريادي في الاستجابة لها. لكن انتهاء تحقيق الشرطة في الفضيحة الذي تم بموجبها تغريم عشرات موظفي الحكومة والمسؤولين لحضورهم تجمّعات مخالفة للقانون خلال الوباء، ونشر التقرير الحكومي، أعادا إثارة الجدل حول وضع رئيس الوزراء. وكان النائب المحافظ جيس نورمان من بين آخر الشخصيات التي أعلنت عن عدم رضاها حيال رئيس الوزراء، إذ نشر رسالة على الإنترنت، صباح أمس (الاثنين)، موجّهة إلى جونسون شرح له فيها سبب فقدانه ثقته به. وبينما عدّد سلسلة مشكلات في ولايته، كتب نورمان: «عملك على إطالة هذه المهزلة عبر بقائك في السلطة لا يشكّل إهانة للناخبين فحسب... بل يجعل من حدوث تغيّر حاسم في الحكومة في الانتخابات المقبلة أمراً مرجحاً أكثر».
لكن كثيراً من أعضاء الحكومة الذين كانوا مرشحين بصورة غير رسمية لخلافة جونسون، سارعوا للدفاع عنه. وقالت وزيرة الخارجية ليز تراس على «تويتر» إن «رئيس الوزراء يحظى بدعمي بنسبة 100 في المائة وأشجّع بشدة الزملاء على دعمه». بدوره، قال وزير الصحة، ساجد جاويد، لقناة «سكاي نيوز»، إن «رئيس الوزراء سيقاتل ويدافع عن موقفه بحجته القوية للغاية». غير أن استطلاعات الرأي أظهرت وجود شعور سائد بعدم الرضا على خلفية فضيحة «بارتي غيت»، إذ أكد عدد كبير من المستطلعين أنهم يعتقدون أن جونسون كذب بشأن الحفلات، وعليه الاستقالة.
يذكر أن حزب المحافظين مُني بانتكاسات انتخابية كثيرة في عهد جونسون، بما في ذلك خسارتهم مقاعد في معاقلهم التقليدية لصالح الليبراليين الديمقراطيين في انتخابات فرعية ومئات المقاعد في انتخابات المجالس محلية مطلع مايو (أيار). كما يتوقع أن يخسر الحزب مجدداً في انتخابات فرعية مقررة أواخر الشهر الحالي في جنوب غربي وشمال إنجلترا.
جونسون يواجه معارضيه في حزب المحافظين
نواب سعوا إلى «حجب الثقة» منه على خلفية مشاركته في فضيحة «بارتي غيت»
جونسون يواجه معارضيه في حزب المحافظين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة