ميقاتي رئيساً لحكومة من طراز آخر «ولن يكون مطواعاً»

لتأمين الحضور السني الوازن في التركيبة السياسية

TT

ميقاتي رئيساً لحكومة من طراز آخر «ولن يكون مطواعاً»

(تحليل إخباري)
تتخوف مصادر سياسية على تواصل مع أقطاب في الموالاة والمعارضات المتناثرة من أن يكتفي رئيس الجمهورية ميشال عون في الحفاظ على الشكل الديمقراطي بدعوته الكتل النيابية والنواب المستقلين للاشتراك في الاستشارات المُلزمة لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة من دون أن يسهم في تأليفها، في حال أن التركيبة الوزارية لن تأتي على قياس رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل وتلبي طموحاته في تأمين استمرارية الإرث السياسي لعون فور انتهاء ولايته الرئاسية في 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل بعد أن تراجعت حظوظ باسيل لخلافته في رئاسة الجمهورية.
وتقول المصادر السياسية لـ«الشرق الأوسط» بأن مخاوفها تبقى مشروعة لأن معظم القوى السياسية عانت الأمرّين من المحاولات السابقة لتعطيل تشكيل الحكومات من قبل باسيل بتناغم مع الرئيس عون، ولم يفرج عنها إلا بعد أن أيقن بأن التركيبة الوزارية تحفظ له حقوقه لاستخدامها لاحقاً في تعطيل جلسات مجلس الوزراء ما لم تأت مقرراتها استجابة لشروطه مستفيداً من مراعاة حليفه «حزب الله» له.
وتلفت إلى أنه من السابق لأوانه الدخول في استعراض أسماء المرشحين لتولي رئاسة الحكومة، رغم أن اسم الرئيس نجيب ميقاتي يتصدر اللائحة قبل الدخول في اختبار جدي لنيات رئيس الجمهورية، وما إذا كانت لديه الرغبة في إنهاء ما تبقى من ولايته بتسهيل عملية تشكيل الحكومة لتأمين استمرار التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات لوقف التدهور الاقتصادي والمالي بعد أن بلغ ذروته.
وتؤكد المصادر نفسها بأن الرئيس ميقاتي يتهيّب الموقف ولم يكن مرتاحاً للمشهد السياسي الذي أفرزته الجلسة الأولى للمجلس النيابي المنتخب التي خصّصت لانتخاب رئيس المجلس ونائبه وهيئة المكتب، والذي أدى إلى إحداث انقسام حاد غير مسبوق طغت عليه الحماوة السياسية غير المبررة، وتحذّر من لجوء البعض وتحديداً من هم على تواصل مع باسيل إلى استدراج العروض للمرشحين لرئاسة الحكومة في محاولة لخلق منافسة لميقاتي ليست موجودة في الأساس، رغم أنه وإن كان لا يتهرّب من تحمّل المسؤولية فهو في المقابل ليس في وارد تشكيل الحكومة بأي ثمن لتأتي مطابقة لشروط الفريق السياسي المحسوب على عون وتستجيب لطموحات باسيل كجائزة ترضية لخروجه من السباق الرئاسي.
وترى بأن من ينصح عون بوجوب التقيُّد بأصول اللعبة الديمقراطية بفتح الباب أمام اختيار شخصية نيابية لتولّي رئاسة الحكومة بذريعة الاحتكام إلى ما ستحمله الاستشارات الملزمة لا يتطلع إلى تسهيل تشكيل الحكومة، وإنما لوضع العراقيل التي تعيق ولادتها، وبالتالي فإنه يسدي له نصيحة حق يراد منها باطل.
وتعزو السبب إلى أن الجلسة النيابية الأولى تدل على أن الغالبية العظمى من النواب السنّة كانوا في حالة من الإرباك، ولم تسجّل المداولات أي حضور يُذكر لهم لغياب الكتلة النيابية الوازنة ولافتقادهم إلى الناظم الذي لديه القدرة للتدخّل، ليس من باب إثبات الوجود فحسب، وإنما لتأمين التوازن المفقود لواحدة من الطوائف الكبرى في لبنان.
وتضيف بأن لمسات نادي رؤساء الحكومات كانت غائبة من الجلسة، وتكاد تغيب لاحقاً ما لم تلعب دوراً فاعلاً في المعادلة السياسية بعد عزوف أركانها عن خوض الانتخابات، وتقول بأن هناك حاجة إلى تزخيم دورهم رغم التباين في وجهات النظر بدعم ترشيح ميقاتي لتولي رئاسة الحكومة العتيدة للحفاظ على التوازن من خارج البرلمان.
وتؤكد المصادر نفسها، بأن الانقسام داخل البرلمان لا يوحي بقدرة النواب على إنتاج الحلول بالتعاون مع رئيس جديد للحكومة يمكن أن يواجه صعوبة في تحقيق التوازن المطلوب بينه وبين رئيسي الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري، ليس لأنه يفتقد إلى ما يكفيه من الخبرة، وإنما لعدم وجود كتلة نيابية وازنة لمنع الإخلال بمبدأ الشراكة، وتحذر من لجوء البعض إلى تحويل منصب رئاسة الحكومة إلى حقل من التجارب، ما يفتح الباب أمام الصراع على تقاسم النفوذ بين الرئاستين الأولى والثانية، في حين تبقى الرئاسة الثالثة شاهداً على ما يدور من حولها نظراً لتشتُّت النواب السنّة الذي يضعف الموقع الأول لطائفتهم في التركيبة السياسية.
وتجزم المصادر أيضاً بأن لا خيار أمام البرلمان سوى ترجيح كفة ميقاتي لتولي رئاسة الحكومة لتأمين استمرارية التفاوض مع صندوق النقد بدلاً من العودة مع رئيس آخر إلى نقطة الصفر، إضافة إلى أن عامل الوقت لا يسمح بتأخير ولادة الحكومة لأن الكلفة ستكون عالية ولا تملك الدولة الاحتياط المطلوب لمنع الانهيار الشامل ولإعادة التأسيس لبناء علاقات مع المجتمع الدولي ومواصلة الجهود للانفتاح على الدول العربية بعد أن تمكنت الحكومة الحالية من رأب الصدع الذي أصاب علاقات لبنان بدول الخليج العربي.
فالرئيس ميقاتي بعد إجراء الانتخابات غير ما قبلها، أي أنه لن يكون متناغماً على بياض في علاقاته مع عون بلا مقابل يدفع باتجاه تفعيل الحكومة لأنه ليس في وارد ترؤس حكومة تكون نسخة طبق الأصل عن حكومة تصريف الأعمال التي أتعبته وأتعبت البلد وجاءت بوزراء شغلوا حقائب وانشغلوا في نصب الكمائن بدلاً من التفاتهم إلى هموم اللبنانيين وتوفير الحد الأدنى الذي يضمن لهم تأمين لقمة العيش.
لذلك؛ فإن الرهان على عودة ميقاتي إلى رئاسة الحكومة لن يسري مفعوله لتصبح الطريق سالكة أمامه لتشكيل حكومة من نوع آخر بتأييد الأكثرية النيابية لعودته، وإنما بمدى استعداد الرئيس عون للتعاون معه بلا شروط مسبقة يوظفها لترميم صورة صهره في التركيبة الوزارية، خصوصاً أن هناك حاجة ماسة إليه تستدعي منه عدم التفريط بآخر خرطوشة لآخر حكومات «العهد القوي» التي يُفترض بألا تكون على شاكلة سابقاتها من الحكومات التي كانت لباسيل اليد الطولى في الهيمنة عليها بتسليم من عون الذي أدار ظهره للاتهامات التي استهدفته على خلفية تنصيب صهره رئيساً للظل.
وعليه، فإن مجرد اللجوء إلى خيار آخر بتعويم حكومة تصريف الأعمال هو هرطقة دستورية تنمّ عن محاولة للهروب إلى الأمام وستلقى مقاومة داخلية ورفضاً خارجياً يبدأ بميقاتي الذي ليس في وارد إقحام نفسه في مغامرة لا يريدها لأنها تزيد من الكلفة السياسية التي سيدفعها بلا مردود، وقد تضطره إلى تحمّل المزيد من المسؤولية التي تفوق ما يتحمّله اليوم على رأس حكومة تصريف الأعمال، إضافة إلى أنها سترفع منسوب الاحتجاجات الشعبية.
فالكرة الآن في مرمى عون لتسهيل تشكيل حكومة من طراز آخر غير الحكومات السابقة مدعومة سياسياً ومستقلة مهنياً ما يتيح لها حرية التحرك للإفادة من الفرصة الأخيرة لإنقاذ البلد، شرط المجيء بوزراء معظمهم من طينة أخرى غير بعض الوزراء الحاليين، وإلا فلا مفر من التمديد لحكومة تصريف الأعمال، وبالتالي لا شيء يمنع رئيسها من الدعوة لعقد مجالس وزارية لتدبير شؤون المواطنين، وإن كان سيحمل في حال إعادة تكليفه اسم الرئيس المكلف من دون أن يُعطى الفرصة لتشكيل حكومة جديدة إلا إذا كان لأكثرية النواب رأي آخر في تسمية من سيتولى تأليفها.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

«حزب الله» يستهدف الجولان بمسيّرات... وقتيلان بغارة إسرائيلية على جنوب لبنان

الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)
الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

«حزب الله» يستهدف الجولان بمسيّرات... وقتيلان بغارة إسرائيلية على جنوب لبنان

الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)
الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)

أفادت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام، اليوم الأحد، بمقتل شخصين جراء غارة إسرائيلية على بلدة حولا في جنوب لبنان. وقالت الوكالة الرسمية إن الغارة استهدفت منزل القتيلين في منطقة الحمامير، مشيرة إلى أنهما راعيا ماشية.

وذكرت الوكالة في وقت سابق اليوم بأن شخصاً أصيب ووقعت أضرار مادية كبيرة جراء غارة إسرائيلية على بلدة بنت جبيل في جنوب البلاد.

وذكرت الوكالة الرسمية أن الغارة «العنيفة» تسببت في أضرار كبيرة بالمباني القديمة لسوق بنت جبيل والمحال التجارية والمنازل، كما تضررت العديد من السيارات.

وأعلن «حزب الله» اللبناني، في وقت سابق اليوم، شن هجوم جوي بسرب من المسيرات الانقضاضية على مقر «كتيبة الجمع الحربي» في ثكنة «يردن» الإسرائيلية في الجولان المحتل.

وقال الحزب، في بيان أوردته قناة «المنار» التابعة له، إن المسيرات «استهدفت رادار القبة الحديدية في الكتيبة وأماكن استقرار وتموضع ضباطها وجنودها وأصابت أهدافها بدقة».

وأضاف أن الهجوم «أدى إلى تدمير الرادار وتعطيله وإيقاع الضباط والجنود بين قتيل وجريح»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الألمانية.

بدوره، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي في وقت سابق اليوم أن طائرات حربية أغارت الليلة الماضية على أهداف بجنوب لبنان رداً على عمليات إطلاق قذائف صاروخية باتجاه شمال إسرائيل، وفق ما ذكرته وكالة أنباء العالم العربي.

وتفجر قصف متبادل شبه يومي عبر الحدود بين الجيش الإسرائيلي من ناحية و«حزب الله» وفصائل فلسطينية مسلحة في لبنان من جهة أخرى مع بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.