على طول الشارع الرئيسي، تصطفّ مبانٍ مؤلفة من 11 طبقة وتضمّ حدائق مع أراجيح للأطفال في خاركيف ثاني مدن أوكرانيا. لا تتعرض المدينة الواقعة في شرق البلاد إلى عمليات قصف كثيفة، لكنّها تشهد يومياً ضربات منتظمة وعشوائية ومتباعدة، في أي وقت من النهار أو الليل، وتكون أحياناً دامية، خصوصاً على الحيّيَن الشرقي والشمالي الشرقي من المدينة حيث تعيش تامارا بافلوفنا (86 عاماً) مع ابنها فياتشيسلاف: شارع «أبطال العمل»، كما ذكر تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية. وسقطت ثلاثة صواريخ خلال بضع ثوانٍ الجمعة، بعيد الساعة الرابعة بعد الظهر. دمّر أحدها متجراً في الجهة المقابلة من الشارع وسقط الثاني على مبنى، أما الأخير فقد أحدث فجوة كبيرة إلى جانب الرصيف. لم يُصَب أحد بجروح.
ويوم الخميس الماضي، قال رئيس بلدية المدينة إيهور تيريكوف إن ثاني أكبر مدن البلاد تتعرض لقصف عنيف. وقال في خطاب بثه التلفزيون: «انفجارات ضخمة... الاتحاد الروسي يقصف المدينة بشراسة». وأضاف أن نحو مليون شخص لا يزالون داخل خاركيف التي تقع في شمال شرقي البلاد، فيما خرج منها نحو 30 في المائة من السكان أغلبهم من النساء والأطفال والمسنين.
يصرخ شرطي متوجهاً إلى فياتشيسلاف الذي يعيش مع والدته في الطابق التاسع من مبنى، قائلاً: «أغلقوا النافذة، الدخان يتسرب إلى الداخل». فالنيران مشتعلة في الشقّة المجاورة بعدما سقط صاروخ روسي عليها. وبعدما دعاها عناصر الشرطة إلى مغادرة شقّتها، ليس أمام المرأة المسنّة سوى وقت قصير لأخذ بعض الأغراض في حقيبة ظهر صغيرة. المصعد معطّل. تنزل تامارا تسعة طوابق عبر السلالم.
تلفّ رأسها بوشاح أبيض وتنتظر متوترة وتائهة بعض الشيء، على مقعد في أسفل المبنى من الجهة الخلفية. تقول: «ابني يعتني بي منذ ثماني سنوات. هو لا يريد المغادرة ولا أريد أن أقرر بمفردي». وتضيف، كما نقلت عنها «رويترز» في تقريرها من المدينة: «منذ شهر ونصف الشهر، يقصف الروس هنا من دون توقف، على هذا الحيّ». وتقع الحدود مع روسيا على بُعد 30 كيلومتراً.
في بداية غزو أوكرانيا، أراد الروس السيطرة على خاركيف لكنّهم لم يتمكنوا من ذلك. فقد قاومت القوات الأوكرانية وخاضت معارك مريرة لصدّ المهاجم على بعد بضعة كيلومترات من المدينة. واستعاد الأوكرانيون السيطرة على عدد من البلدات الصغيرة في جنوب شرقي البلاد.
في شارع «أبطال العمل»، يوجّه رجال الإطفاء خراطيم المياه نحو الشقة المشتعلة، حيث سقط الصاروخ، التي يتصاعد منها دخان أسود كثيف. في الشقة المجاورة، أغلق فياتشيسلاف بافلوف النافذة ويدخّن سيجارة على الدرج. ويروي: «نختبئ عادةً في الرواق، بين الجدران. عندما أصابت الضربة الثانية الشقة المجاورة، أنقذنا الباب، لقد صدّ كل شظايا الزجاج. حتى القطّ اختبأ». ويقول فياتشيسلاف: «كل شقق المبنى تقريباً باتت فارغة». في الخارج، يعلو صخب ضربات جديدة على الحيّ. يركض السكان الذين خرجوا لمعاينة أضرار الضربة السابقة، للاحتماء في قبو. في حيّ آخر بشرق خاركيف يُسمّى شارع السلام، سقط صاروخ أثناء الليل على فندق عند الساعة العاشرة مساء، بحسب ما أظهرت كاميرات مراقبة تابعة لشركة معالجة جلود مثبّتة في الجهة المقابلة للفندق. في المشاهد بالأسود والأبيض، يظهر فجأة ضباب أبيض وتطايرت قطع خشبية، كما أن إعصاراً اجتاح المكان. بدأت مصابيح سيارتين تومض ودُمّر الجزء الأكبر من الفندق.
وقالت وزارة الدفاع الروسية أمس (السبت)، إن قواتها أسقطت مقاتلة أوكرانية من طراز «سو - 25» ودمرت ثلاث طائرات هليكوبتر من طراز «مي - 8» في مطار صغير بمنطقة خاركيف بأوكرانيا. لكن لم يصدر رد حتى الآن من كييف بشأن ما أعلنته روسيا.
في متجر الجلد، قدِم إيفان لتثبيت ألواح خشبية محل النوافذ التي تكسّرت. وقال من دون الكشف عن اسمه: «كل الواجهات دُمّرت، كل شيء دُمّر، الباب اقتُلع، سنحاول تلحيمه اليوم لحماية المتجر. شظايا الصاروخ مزّقت الحديد كأنّه ورق، سقط كل السقف. إنه العالم الروسي».
في موقف السيارات خلف المتجر، جاء ممثلان عن كنيسة بروتستانتية لجلب أكياس أغذية لعائلة تضمّ طفلاً يبلغ سبع سنوات وطلبا منها أن تصلي كلّ يوم. وتقول الأم يلينا: «نام ابني عند الساعة الثامنة. عند العاشرة، بدأ كل شيء، كان كل شيء يرتجف». وتعيش العائلة في مبنى خلف الفندق. وتضيف: «وقعت ضربتان، وفي وقت لاحق ضربات أخرى، لم نعد نتمكن من النوم، أمضينا الليلة كلّها في رواق».
يوميات سكان خاركيف في شرق أوكرانيا مع القصف الروسي
يوميات سكان خاركيف في شرق أوكرانيا مع القصف الروسي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة