«الشينوغرافيا»... فن تفتقده معظم المعاهد والأكاديميات العربية

الكتاب الفائز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

«الشينوغرافيا»... فن تفتقده معظم المعاهد والأكاديميات العربية

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

قلة قليلة جداً من الدراسات المنشورة على شكل كتب مؤلفة أو مترجمة، في عموم البلدان العربية، انتبهت وحددت المسافة بين تطور التشكيل والتحولات الحاصلة في صناعة الخشبات الحية للمسرح. وهذا ربما يعود لطبيعة المفهوم الضيق، الذي طالما ألصقه العرب بفن المسرح منذ أن تعرفوا على حداثته في نهايات القرن التاسع عشر؛ حيث ظل يقتصر عندنا في الغالب على النص والتمثيل. عكس ما هو حاصل في أوروبا، حيث تزخر المكتبات بمئات الكتب التي تطرقت إلى تحليل المسافات بين التشكيل والمسرح و«الشينوغرافيا». إلا أن الدراسات والبحوث المطبوعة، تبدو متقاربة جداً بالطرح والاعتماد على مصادر أجنبية (فرنسية وإنجليزية) لا تتسم بدقتها وموضوعيتها، جنباً إلى جنب ضعف ترجمتها إلى اللغة العربية، الأمر الذي انعكس سلبياً على مناهجنا العربية التدريسية في معاهدنا وأكاديمياتنا في الوطن العربي. فهي تجاهلت عظمة عصر النهضة الإيطالي الذي لولاه لما قدر لمصمم الديكور أن يخرج من جبة الفنان والمهندس، ولما قدر للبنيات المسرحية أن تتطور لتخلق مهنة اسمها شينوغرافية (تصميم المشهد). هذا كله غاب عن أغلب الدراسات والبحوث العربية، بسبب الضعف الذي تعاني منه الكتب المترجمة إذ إن أغلب المصادر التي تستند عليها مواد البحث لا تمتاز دقتها وأمانتها العلمية، بسبب إغفالها العديد من المصادر الأجنبية الأخرى وبالذات، المصادر الإيطالية العريقة ذات الصلة الوثيقة الأكثر حميمية وموضوعية بمادة البحث (الشينوغرافيا) والتي جاءتنا من عصر النهضة الإيطالية للفنون.
وتأتي جائزة دائرة الثقافة للبحث النقدي التشكيلي في إمارة الشارقة في دورتها الثانية عشرة الجديدة، لتفتح آفاقاً أكاديمية جديدة لفهم المسافة بين التشكيل و«الشينوغرافيا»، بشمولية متنوعة واسعة، لتحقيق إمكانية فهم تاريخ «الشينوغرافيا»، واتجاهاتها، وأساليبها ومدارسها وتوجهاتها، ومراحل تطورها، وهو الأمر الذي سيفتح المجال لتصويب المصطلحات المتداولة في عدد لا يستهان به من الدراسات والتطبيقات في مجالات المسرح والنقد التشكيلي والمسرحي.
لكن معظم البحوث والدراسات ومصادرها العربية، لم تراعِ الترجمة الحرفية لمصطلح «الشينوغرافيا» الذي يتألف من كلمتين باللغة اللاتينية، التي هي أساس اللغة الإيطالية والفرنسية والإسبانية. «الشينا» وتعني المشهد و«غرافيا» وتعني التصميم (تصميم المشهد) ويلفظها الباحثون والدارسون والمسرحيون العرب والإنجليز بحرف (السين) عوضاً عن (الشين) اللاتيني.
في بحثه، ركز د. الفنان كاظم نوير الزبيدي، الذي حاز على الجائزة الأولى في هذه الدورة بجدارة أكاديمية مقتدرة على الصعيد اللغوي والمعرفي، على أهمية «الشينوغرافيا» وما أصابها من متغيرات كثيرة في زمننا المعاصر، من فن للزخرفة وديكور لتصبح فن إبداع الصور والرؤى خلال تفعيل الإضاءة والألوان والرسم والشعر والآليات الرقمية والمعطيات السينمائية الموحية المصحوبة باستخدام ما تستحدثه التطورات التكنولوجية. وترجمة وتعريف المصطلحات الفنية والفلسفية والفكرية في هذا البحث، اتسمت بدقتها وأهميتها وبتسلسلها التاريخي. وقد رصد الباحث التحولات والمراحل والتنوعات في مسيرة فن الشينوغرافيا المتداولة في تاريخ المسرح الحديث، كما سلط في بحثه الأضواء على ما هو بنائي وتصويري للعرض المسرحي، وركز على فلسفة الفن التشكيلي المعاصر بمنهجية وتسلسل تاريخي مدعوم بشرح المصطلحات بمهنية دقيقة، كما أكد الباحث على أهمية «الشينوغرافيا» على ضوء ما أصابها من متغيرات كثيرة في زمننا المعاصر، من فن للزخرفة وديكور لتصبح فن إبداع الصور والرؤى خلال تفعيل الإضاءة والألوان والرسم والشعر والآليات الرقمية والمعطيات السينمائية الموحية المصحوبة باستخدام ما تستحدثه التطورات التكنولوجية. كما سلط الأضواء على ما هو بنائي وتصويري للعرض المسرحي، وركز على فلسفة الفن التشكيلي المعاصر بمنهجية مهنية، وختم بحثه بشرح مدعوم بمصادر عربية وأجنبية عن علاقة «الشينوغرافيا» بالمسرح والرسم.
إن الغاية من الجائزة، أي جائزة ليس فقط تتويج المجتهدين وطبع وترويج منتجاتهم وأعمالهم، ولكن أيضاً الوقوف عند الخلل الذي يصيب البحث، بتشخيصه بغية إصلاحه مستقبلاً من قبل المعنيين في بحوثهم ودراساتهم. وهذا ما سعى إليه الفنان كاظم نوير أستاذ مادة الرسم، الذي ذكر بأن أغلب المتخصصين في «الشينوغرافيا»
ولجوا التخصص من باب التمثيل وليس من باب الفنون التشكيلية، وأحياناً بالصدفة بعدما لم يجدوا خياراً آخر للاستمرار في الدراسة بأغلب معاهدنا وأكاديمياتنا العربية التي تفتقد فروعاً متخصصة لدراسة الشينوغرافيا. لذلك فإن خريج قسم التمثيل والمسرح في معظم المعاهد والأكاديميات في الدول العربية بعيد إلى حد كبير عن الفن التشكيلي، وقريب أشد القرب من الأدب بكل توجهاته، وهذا واحد من الأسباب المهمة في ظاهرة التراجع الذي يعيشه المسرح العربي في العقود الأخيرة. أما في أوروبا، فالأمر مختلف، إذ إن المسرح و«الشينوغرافيا»، يواصلان تقدمهما الحثيث من خلال التخصص الدقيق في الكتابة والبحث والدراسة والتطبيق.
وكان الموضوع الذي طرح للمسابقة مفترقاً بعض الشيء عن كثير من الدراسات النقدية العربية فهو يراوح بين جنسين ويحمل في داخله إشكالية الفنون المعاصرة نفسها، ويحتمل الكثير من التنظير والتأصيل والمقاربات التأويلية، وذلك ما سمح بانفتاح على تاريخ الفن والفلسفة والنقد وعلم الجمال، وبمنهج بحثي في ترتيب المفاهيم والمباحث مع الأخذ بنظر الاعتبار التداخل والخصوصية لكل من الجنسين الفنيين.



مبادرة سويسرية لإنشاء مركز عالمي للصحراء

مبادرة سويسرية لإنشاء مركز عالمي للصحراء
TT

مبادرة سويسرية لإنشاء مركز عالمي للصحراء

مبادرة سويسرية لإنشاء مركز عالمي للصحراء

أطلقت مجموعة من النخب السويسرية مبادرة عالمية لإنشاء مركز عالمي لجذب الباحثين وأصحاب المصالح والرؤى المكرسين لفهم وحماية الصحراء، ليكون رمزاً لممارسة مستقبلية تجمع بين الوعي التاريخي والبحث الابتكاري والمسؤولية الاجتماعية.

المبادرة كانت من فكرة الروائي الطارقي والسويسري إبراهيم الكوني، واستضافتها جامعة نيويورك أبوظبي، بمشاركة المفكّر السويسري، والأكاديمي، دكتور ريتّو زورغ، رئيس مركز دراسات «روبرت فالسر» في بيرن، والأكاديمي السويسري، المحاضر في جامعة كوبنهاغن، دكتور يان لوب، وسفير سويسرا المعتمد لدى دولة الإمارات العربية المتّحدة دكتور آرثر ماتّلي.

وفي الندوة التي عقدت بحضور أكاديميين وإعلاميين، كشف المشاركون عن أن مهمة المركز ستسهم في دعم البحث والاستكشاف العلمي للصحراء وتعزيز فهم أعمق لبيئة الصحراء، وتعزيز ثقافة وفن وأدب الصحراء، ودعم الاستدامة وضمان الحفاظ على الصحاري وإمكاناتها بمسؤولية للأجيال القادمة.

وحسب دكتور ريتو سورغ فإن المجموعة جلبت معها خبرة واسعة في إدارة وتطوير مشاريع دولية يتقاطع فيها الأدب والأكاديمية والقطاع الخاص، مع إدراك منا أن تحقيق رؤية إبراهيم الكوني لمركز صحراوي متعدد التخصصات يتطلب دعم شركاء من مجموعة واسعة في المجالات الأكاديمية، خاصة العلوم الطبيعية والاجتماعية إلى جانب مستشارين ورعاة محليين.

المبادرة وضعت التعليم والتواصل العام نصب عينيها، حسب البيان الصادر عنها، وذلك من خلال إنتاج المعرفة حول الصحراء ونشرها على نطاق واسع لردم الفجوة بين البحث والمشاركة العامة.

وقال الروائي إبراهيم الكوني في كلمة ألقاها أمام الحضور إن «الصحراء هي الأسطورة في أبجديّة وجودنا، والهجرة فيها هي درس هذه الأبجدية. أمّا الرّعي فهو المدرسة، لأن التجربة برهنت على أن مَن أعجزه أن يروّض نفسه على رعي الأنعام، فهيهات أن يفلح في رعي الأنام، لهذا السبب كان الرعي حرفة الأنبياء، لأن من رَبَّى في نفسه الصبر على شقاوة الأنعام، وحده يستطيع أن يخوض مغامرة ترويض الأنام على الإيمان».

وأضاف: «لقد كان الإنسان الحضري منذ الأزل، يتلقّى رؤيا الخلاص من أنفاس روح النموذج الهجري، كما حدث مع تجربة كل ملحمةٍ نبويّة، أفلا يكون اختيارنا اليوم لواقع هذا المكان البرّي (الإمارات) بمثابة فألٍ حسنٍ، لإطلاق سراح أوّل حرفٍ في أبجديّة تشخيص طبيعة هذه الأحجية، المدعوّة في لغتنا صحراء، لا بصفتها مسقط رأس النبوّة وحسب، ولكن بوصفها مسقط رأس التكوين، الذي استطاع هنا أن يحقق بالإرادة في العمل، وبالحكمة في العقل، حلم التطوير في مفردة، (evolution)، لا بالردّة عن التطوير، المترجمَة في مفهوم التثوير (revolution)، التي أغرقت واقع عالمنا بنزيف الدمّ، لتجهض مشروع النهضة، الذي تغنّت به الآيديولوجيات المفلسة، لتغدو الإمارات النموذج في استثمار السلم، لا في احتراف العنف، في تجربة التغيير، بإدمان أفيونٍ سحري، هو: الحبّ، ليغدو فصل الرأسمال فيه الإنسان من جانب، والطبيعة، التي يسكنها هذا الإنسان، من جانبٍ آخر، بوصفها المستودَع الذي يحتضن نشاط هذا الإنسان؟ وهو اليقين الذي تحوّل قاسماً مشتركاً أعظم بين سويسرا والإمارات، ليكون سرّ تفوّقهما، ليجعلهما قِبلة كلِّ مُريدِ حقيقة، في عالمٍ تغترب فيه الحقيقة، فلا يُدهشنا أن ننتدبهما اليوم ليكونا هما الشاهدَين على مبادرتنا في إنصاف هذا الفردوس (الصحراء)، المعجونِين من طينته، ولكننا المنكرون لنعمته، فنعمل أخيراً ما من شأنه أن يمكّنه من أن ينطق بحجّته، ليترافع عن نفسه!».