فرنسا: محددات التفاوض يجب التفاهم عليها بين موسكو وكييف... ولا تفرض فرضاً

قالت إن بوتين تخلى عن مطلب «اجتثاث النازية» لكنه ما زال متمسكاً بتحقيق أهدافه في أوكرانيا

مدينة مايكوليف على البحر الأسود التي ما زالت في مرمى المدفعية الروسية منذ بداية الغزو (أ.ف.ب)
مدينة مايكوليف على البحر الأسود التي ما زالت في مرمى المدفعية الروسية منذ بداية الغزو (أ.ف.ب)
TT

فرنسا: محددات التفاوض يجب التفاهم عليها بين موسكو وكييف... ولا تفرض فرضاً

مدينة مايكوليف على البحر الأسود التي ما زالت في مرمى المدفعية الروسية منذ بداية الغزو (أ.ف.ب)
مدينة مايكوليف على البحر الأسود التي ما زالت في مرمى المدفعية الروسية منذ بداية الغزو (أ.ف.ب)

اختار الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني ثاني يوم يلي انعقاد قمة فرساي لقادة الاتحاد الأوروبي للاتصال مجدداً بالرئيس الروسي الذي سبق لهما أن تحادثا معه يوم الخميس الماضي، أي قبل انطلاق القمة المذكورة. وكما في كل مرة يعمد «الوسيطان» الأوروبيان، إيمانويل ماكرون وأولاف شولتز، اللذان هما الوحيدان من بين كل القادة الأوروبيين المواظبان على إبقاء خيط الحوار قائماً مع الرئيس الروسي، إلى التشاور المسبق مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للتعرف على مطالبه وعلى الرسالة التي يود نقلها إلى بوتين. وكما في اتصال يوم الخميس الماضي، حث ماكرون وشولتز نظيرهما الروسي على أمرين: الأول، الوقف الفوري لإطلاق النار بما في ذلك رفع الحصار عن ماريوبول، والثاني قبول الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وهو ما سبق للأخير أن التزم به. يضاف إلى ذلك، وفق المصادر الرئاسية، نقطتان ركز عليهما زيلينسكي؛ وهما وضع حد لحصار مدينة ماريوبول الساحلية المطلة على بحر أزوف التي يبدو أن القوات الروسية التي تحاصرها منذ 12 يوماً، عازمة على السيطرة عليها بأي ثمن، والثاني الاستعلام عن مصير رئيس بلدية مدينة ميليتوبول المختفي الذي تقول كييف إن الروس عمدوا إلى خطفه ليل الجمعة - السبت. وبحسب باريس، فإن بوتين وعد بالاستعلام عن مصير رئيس البلدية وإطلاع ماكرون وشولتز على النتيجة.

أثر الدمار من جراء القصف الروسي لمنطقة في شمال غربي العاصمة كييف أمس (أ.ف.ب)

ورغم أن تواتر الاتصالات مع بوتين لم يفضِ حتى اليوم إلى أي نتيجة إيجابية سوى المحافظة على قناة للحوار، فإن باريس (ومعها ألمانيا) متمسكتان بالإبقاء عليها. وقالت مصادر الإليزيه إن ماكرون «عازم على استخدام كل المصادر التي توفرها الدبلوماسية للدفع باتجاه الهدفين الرئيسيين (وهما وقف الحرب والجلوس إلى طاولة المفاوضات)»، وأن ذلك يتم بالتوازي مع الاستمرار في فرض أقسى العقوبات على روسيا التي وصفتها بـ«التاريخية»، مقيمة مقارنة مع تلك التي فرضت سابقاً على كوريا الشمالية أو إيران أو سوريا. وذكرت هذه المصادر أن الأوروبيين أقروا في قمتهم يومي الخميس والجمعة فرض سلة رابعة من العقوبات على موسكو، وأن ماكرون أكد أن «لا محرمات» في نوعية العقوبات التي يمكن أن يعمد الأوروبيون أو مجموعة السبع إلى فرضها تبعاً لتطور المجريات العسكرية الميدانية. وتجدر الإشارة إلى أن الأوروبيين أقروا، من الناحية المبدئية، صرف 500 مليون يورو إضافية لشراء أسلحة لأوكرانيا تضاف إلى 500 مليون يورو سابقة للغرض نفسه.
وتقول باريس إن المحادثة مع بوتين كانت «بالغة الصراحة وصعبة»، وإن ماكرون وشولتز سعيا إلى «حشر الرئيس الروسي في الزاوية ووضعه أمام مسؤولياته ووعوده». لكن الخلاصة التي توصل إليها المسؤولان الأوروبيان أن بوتين «ما زال عازماً على تحقيق أهدافه من الحرب» على أوكرانيا. وسبق له أن أكد لهما أنه سيحققها «سواء بالمفاوضات أو بالحرب». لكن التحول (الصغير) الذي لاحظته المصادر الفرنسية أن بوتين تخلى عن الحديث عن «اجتثاث النازية» من أوكرانيا، كما أن الخطاب الروسي لم يعد يركز على تغيير الحكومة في كييف.
حقيقة الأمر أن الساعة ونصف الساعة من التواصل بين القادة الثلاثة لم يبقَ عند العناوين الرئيسية التي هي، بحسب باريس، الوقف الفوري لإطلاق النار والجلوس إلى طاولة المفاوضات والتدابير الإنسانية الملحة، بل تناول الضمانات الأمنية الضرورية التي تطالب بها كييف وعرض ما سيكون عليه وضعها النهائي بعد انتهاء الحرب والتدابير الخاصة بحماية السكان. وبكلام أوضح، وكما يفهم من كلام المصادر الفرنسية، فإن التفاوض يتناول توضيح الشروط التي يتمسك بها كل طرف. وسبق لبوتين أن أعرب عن تمسكه بثلاثة شروط رئيسية هي: حياد أوكرانيا مع ما يتطلب ذلك من قوانين ونوع سلاح القوات المسلحة بحيث لا تعود تشكل تهديداً لروسيا والاعتراف بسيادة موسكو على شبه جزيرة القرم واستقلال الجمهوريتين الانفصاليتين في الدونباس عن كييف، ما يعني دفن اتفاقيات مينسك. وتؤكد باريس أن تعيين «محددات» و«مرجعيات» التفاوض يجب أن يتم بالتفاهم بين موسكو وكييف، لا أن يكون فرضاً «كمن يضع المسدس على صدغ آخر ويدعوه للتفاوض».
وللتخفيف من حدة الشروط الروسية، فإن باريس وبرلين والغربيين بشكل عام يراهنون على أن ما يقومون به من فرض عقوبات على روسيا وتزويد القوات الأوكرانية بالسلاح والعتاد، كل ذلك غرضه جعل كلفة الحرب «باهظة» للرئيس بوتين ودفعه «لتغيير حساباته»، وأن «التواصل» مع بوتين من شأنه أن يوضح له أن بوسعه اختيار الطريق التي يود سلوكها: إما الحرب المكلفة أو طاولة التفاوض. وواضح أن ما يحصل ميدانياً هو الورقة الحاسمة لما يجري وسيجري على طاولة المفاوضات. لكن حتى الساعة، لا تلحظ باريس أن هناك «مؤشرات تدل على أن بوتين قد تخلى عن خيار الحرب»، ولعل ما يعكسه الميدان والحصار الذي تسعى القوات الروسية لفرضه على كييف وعلى عدة مدن والاستعانة بمرتزقة يدل على عكس ذلك تماماً. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن ماكرون وشولتز ردا على اتهامات بوتين بأن القوات الأوكرانية قد ارتكبت «انتهاكات فاضحة» للقانون الدولي الإنساني. ودعا ماكرون إلى وقف انتهاكات القوات الروسية، فيما قالت مصادر الإليزيه إن ما صدر عن بوتين هو بمثابة «أكاذيب»، وإن ما تقوم به القوات الروسية كالحصار غير الإنساني على ماريوبول واستهداف المنشآت الإنسانية مثل المدارس والمستشفيات والمدنيين بشكل عام يمكن أن يعد بمثابة «جرائم حرب»، مشيرة إلى التحقيق الذي أطلقته المحكمة الجنائية الدولية.
ولكن هل يمكن أن تذهب الحرب إلى أبعد مما نعرفه اليوم مثل اللجوء إلى الأسلحة الكيماوية كما سمعت اتهامات في الأيام الأخيرة؟ جواب باريس أن الرئيس الفرنسي مصر على أن تتوقف الحرب بأسرع وقت من أجل «تحاشي الأسوأ من ذلك أو اللجوء إلى أسلحة محرم استخدامها أو تدمير المدن».
وبينت التمنيات من جهة والوقائع الميدانية من جهة ثانية هوة سحيقة. والاتصالات غير المنقطعة مع الرئيس الروسي مفيدة للإبقاء على خيط الحوار، لكنها، على ما يبدو، ليست العامل الذي سيغير مسار الحرب.


مقالات ذات صلة

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ رجال إنقاذ يعملون في موقع تعرض فيه مبنى لأضرار جسيمة بسبب ضربة صاروخية روسية أمس وسط هجوم روسيا على أوكرانيا في زابوريجيا11 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 02:00

أميركا تحذّر روسيا من استخدام صاروخ جديد «مدمر» ضد أوكرانيا

قال مسؤول أميركي إن تقييماً استخباراتياً أميركياً، خلص إلى أن روسيا قد تستخدم صاروخها الباليستي الجديد المتوسط ​​المدى مدمر ضد أوكرانيا مرة أخرى قريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك الأسبوع الماضي (أ.ب)

ماسك ونجل ترمب يتفاعلان مع صورة تقارن زيلينسكي ببطل فيلم «وحدي في المنزل»

تفاعل الملياردير الأميركي إيلون ماسك ودونالد ترمب جونيور، نجل الرئيس المنتخب دونالد ترمب، مع صورة متداولة على منصة «إكس»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا ألسنة لهب كثيفة تتصاعد من مبنى مدمر وسيارة محترقة في منطقة زابوريجيا الأوكرانية نتيجة قصف روسي (خدمة الطوارئ الأوكرانية- أ.ف.ب)

4 قتلى و19 جريحاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 4 أشخاص على الأقل وأُصيب 19، الثلاثاء، في ضربة صاروخية روسية «دمَّرت» عيادة خاصة في مدينة زابوريجيا جنوب أوكرانيا، في حصيلة مرشحة للارتفاع.

أوروبا صورة مركبة تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية تعرضت لأضرار بسبب غارة بطائرة مسيرة على طريق في منطقة زابوريجيا في أوكرانيا 10 ديسمبر 2024 (رويترز)

مسيّرة تستهدف مركبة لوكالة الطاقة الذرية قرب محطة زابوريجيا النووية في أوكرانيا

قال مدير الطاقة الذرية إن مركبة تابعة للوكالة تعرضت لأضرار جسيمة بسبب هجوم بمسيرة على الطريق المؤدي إلى محطة زابوريجيا للطاقة النووية في أوكرانيا، الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (كييف)

روته: يجب تعزيز دفاعات حلف «الناتو» لمنع الحرب على أراضيه

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب تعزيز دفاعات حلف «الناتو» لمنع الحرب على أراضيه

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، اليوم (الخميس)، تحذيرا قويا بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية بحاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».