الاتحاد الأفريقي يعود للوساطة في السودان

طالب الجيش بالعودة للوثيقة الدستورية... و«السيادة» يعقد أولى جلساته

جانب من احتجاجات أول من أمس في الخرطوم (أ.ف.ب)
جانب من احتجاجات أول من أمس في الخرطوم (أ.ف.ب)
TT

الاتحاد الأفريقي يعود للوساطة في السودان

جانب من احتجاجات أول من أمس في الخرطوم (أ.ف.ب)
جانب من احتجاجات أول من أمس في الخرطوم (أ.ف.ب)

حث الاتحاد الأفريقي قادة الجيش السوداني على اتخاذ خطوات فورية بغية استئناف النظام الدستوري في البلاد. وأكد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فقي محمد، في بيان، أنه يواصل متابعة التطورات السياسية في السودان منذ الانقلاب العسكري الذي وقع في 25 أكتوبر (تشرين الأول)، خصوصاً إعلان الجيش في وقت سابق من الأسبوع الحالي عن تشكيل مجلس سيادة جديد في البلاد.
وجاء في البيان: «يجدد رئيس المفوضية دعوته إلى السلطات العسكرية في السودان إلى الانخراط، دون مزيد من التأخر، في عملية سياسية تؤدي إلى العودة للنظام الدستوري، بالتوافق مع الوثيقة الدستورية التي تم تبنيها في أغسطس (آب) 2019، واتفاقية جوبا للسلام في السودان التي تم التوقيع عليها في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) 2020».
ولفت البيان إلى أن رئيس المفوضية الأفريقية سيوفد مبعوثاً إلى السودان في المستقبل القريب، تلبية لطلب مجلس السلم والأمن، بغية تشجيع الأطراف على التوصل على نحو الاستعجال إلى حل سياسي للأزمة الجديدة في هذا البلد. وكان الاتحاد الأفريقي قد علق مشاركة السودان في فعالياته، على خلفية الانقلاب العسكري الأخير.
وفي غضون ذلك، أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية أن 6 أشخاص قتلوا من قبل الجيش خلال مظاهرات أول من أمس (السبت). وعلى الرغم من رفض قادة «الجبهة الثورية» الإجراءات التي قام بها قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، وعدوها انقلاباً عسكرياً ضد إرادة الشعب السوداني، شارك ثلاثتهم في أول اجتماع لمجلس السيادة الانتقالي، وتعهد أعضاء المجلس بتكوين حكومة مدنية خلال الأيام المقبلة.
وشكل البرهان الأسبوع الماضي منفرداً مجلس سيادة جديداً من 14 عضواً، بعد أن أعاد العمل بعدد من المواد في الوثيقة الدستورية التي علقها عقب استيلاء الجيش وقوات الدعم السريع على السلطة، والانقلاب على الشريك المدني، في 25 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعاد فيه تعيين أعضاء «الثورية» مالك عقار والهادي إدريس والطاهر حجر، بعد أن ترددت أنباء كثيفة عن رفضهم القبول بعضوية المجلس.
وقال المجلس، في بيان له أمس، إنه عقد اجتماعاً بكامل عضويته، برئاسة عبد الفتاح البرهان الذي رحب بالأعضاء الجدد، ووعد برؤية مستقبلية جديدة تحقق أهداف ثورة ديسمبر (كانون الأول) المجيدة، وفي مقدمتها تنفيذ شعارات الثورة في الحرية والسلام والعدالة.
وأضاف أن الأعضاء تعهدوا بتقديم نموذج أمثل في إدارة شؤون البلاد بصورة ترضي الشعب السوداني، وتشكيل حكومة مدنية في الأيام القليلة المقبلة.
وظهر مالك عقار يتحدث في مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، وصف فيه الإجراءات التي تمت في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأنها انقلاب عسكري، وأن السلطة كاملة للجيش، لكن الانقلاب يواجه كثيراً من التحديات، أهمها كيفية التعامل مع ردود الفعل السلمية في الشارع.
وأصدر قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، الخميس الماضي، مرسوماً دستورياً بتشكيل مجلس سيادة انتقالي برئاسته، وعين قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتي» نائباً له، وعضوية كل من شمس الدين كباشي وياسر العطا وإبراهيم جابر ومالك عقار والطاهر حجر والهادي إدريس، ورجاء نيكولا، ويوسف جاد كريم، وأبو القاسم برطم، وعبد الباقي عبد القادر، وسلمى عبد الجبار، وممثل للإقليم الشرقي بعد التوافق عليه.
والتأم أمس، بدار حزب الأمة القومي، اجتماع ضم طرفي قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، والميثاق الوطني، وناقش الأوضاع في البلاد، وعلى رأسها العنف المفرط الذي استخدمته قوات المجلس العسكري الانقلابي ضد المتظاهرين أول من أمس. وقال قيادي بالمجلس المركزي، فضل حجب اسمه، إن ممثلي حركة مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم رفضوا التوقيع على بيان إدانة يحمل العسكريين مسؤولية قتل المتظاهرين السلميين، وتوصيف ما حدث بالانقلاب العسكري. وأضاف أنه لا علم لنا بحضور قادة «الجبهة الثورية» لاجتماع مجلس السيادة الانتقالي، وسنستفسر منهم عن ذلك، مشيراً إلى أن ممثليهم في الاجتماع توافقوا على بيان الإدانة.
وقال القيادي إن مجموعة الميثاق الوطني اقترحت صياغة مشروع وطني جديد، لكن غالبية القوى السياسية تمسكت بالوثيقة الدستورية، وأبدت استعدادها لأي تعديلات يمكن التوافق عليها من جميع الأطراف. وكان المجلس القيادي للجبهة الثورية الموقعة على اتفاقية «سلام جوبا»، ويضم الحركة الشعبية بقيادة مالك عقار، وحركة جيش تحرير السودان المجلس الانتقالي بزعامة الهادي إدريس، وتجمع قوى تحرير السودان برئاسة الطاهر حجر، قد أعلن في بيان الأسبوع الماضي رفضه القاطع لاستيلاء الجيش السوداني على السلطة في البلاد، والانقلاب على السلطة الانتقالية المدنية. وبررت رفضها بأن التعليمات والإجراءات التي اتخذت بواسطة القائد العام للقوات المسلحة ليس لها أي سند قانوني أو دستوري. ولا تزال السلطات العسكرية تعتقل ياسر عرمان، نائب رئيس الحركة الشعبية - جناح مالك عقار.
ومن جانبها، أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية (هيئة نقابية طبية) وفاة متظاهر يبلغ من العمر 15 عاماً متأثراً بإصابته برصاصتين في البطن والفخذ بمستشفى شرق النيل، ليرتفع أعداد القتلى إلى 6 أشخاص.
ومن جهة ثانية، رفضت محكمة سودانية، أمس، الأسباب المقدمة من شركة «زين»، بخصوص عدم تنفيذ الأمر الوقتي بإعادة خدمة الإنترنت إلى المشتركين فوراً إلى حين الانتهاء من الفصل في دعوى التعويض. وقال القاضي طارق عبد اللطيف محمد إن أمر إعادة الخدمة لجميع المشتركين يظل سارياً من صدور الحكم.



مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
TT

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي»، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس» الأربعاء، هنأ خلاله الرئيس الأميركي المنتخب.

وقال السيسي: «نتطلع لأن نصل سوياً لإحلال السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة وشعبيهما الصديقين»، وأضاف: «البلدان لطالما قدما نموذجاً للتعاون ونجحا سوياً في تحقيق المصالح المشتركة»، مؤكداً تطلعه إلى مواصلة هذا النموذج في «هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم».

وأثارت أنباء فوز ترمب تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتصدر وسوم عدة الترند في مصر، مصحوبة بمنشورات لتهنئة للرئيس الأميركي المنتخب. وبينما عول سياسيون وإعلاميون مصريون على ترمب لوقف الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من عام، ووضع حد للتصعيد في المنطقة، أكدوا أن «مواقف الرئيس المنتخب غير التقليدية تجعل من الصعب التنبؤ بسياسة الإدارة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة».

ولا يرى الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري «اختلافاً بين ترمب ومنافسته الخاسرة كامالا هاريس من القضية الفلسطينية»، لكنه أعرب في منشور له عبر «إكس» عن سعادته بفوز ترمب، وعده «هزيمة للمتواطئين في حرب الإبادة».

أما الإعلامي المصري أحمد موسى فعد فوز ترمب هزيمة لـ«الإخوان»، ومن وصفهم بـ«الراغبين في الخراب». وقال في منشور عبر «إكس» إن هاريس والرئيس الأميركي جو بايدن «كانوا شركاء في الحرب» التي تشنها إسرائيل على لبنان وغزة.

وعول موسى على ترمب في «وقف الحروب بالمنطقة وإحلال السلام وعودة الاستقرار». وكذلك أعرب الإعلامي المصري عمرو أديب عن أمله في أن «يتغير الوضع في المنطقة والعالم للأفضل بعد فوز ترمب».

مفاهيم السلام

رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير خارجية مصر الأسبق، السفير محمد العرابي، أكد أن «العلاقات بين مصر والولايات المتحدة لن تواجه عقبات أو مشكلات على المستوى الثنائي خلال عهد ترمب»، لكنه أشار إلى أن «مواقف الرئيس المنتخب من القضية الفلسطينية وأفكاره غير التقليدية بشأنها قد تكون أحد الملفات الشائكة بين القاهرة وواشنطن».

وأوضح العرابي لـ«الشرق الأوسط» أن «ترمب يتبنى مفاهيم عن السلام في الإقليم ربما تختلف عن الرؤية المصرية للحل»، مشيراً إلى أن «القضية الفلسطينية ستكون محل نقاش بين مصر والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة».

وتبنى ترمب خلال ولايته الأولى مشروعاً لإحلال «السلام» في الشرق الأوسط عُرف باسم «صفقة القرن»، والتي يرى مراقبون أنه قد يعمل على إحيائها خلال الفترة المقبلة.

وعدّ سفير مصر الأسبق في واشنطن عبد الرؤوف الريدي وصول ترمب للبيت الأبيض «فرصة لتنشيط التعاون بين مصر والولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة، وربما إيجاد تصور لكيفية إدارة القطاع مستقبلاً».

وقال الريدي لـ«الشرق الأوسط» إن «ترمب يسعى لتحقيق إنجازات وهو شخص منفتح على الجميع ووجوده في البيت الأبيض سيحافظ على الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن».

تصحيح العلاقات

من جانبه، رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن فوز ترمب بمثابة «عودة للعلاقات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة بين القاهرة وواشنطن». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «فوز ترمب هو تدعيم للعلاقة بين القيادة المصرية والبيت الأبيض»، مشيراً إلى أن الرئيس المصري لم يزر البيت الأبيض طوال أربع سنوات من حكم بايدن، واصفاً ذلك بأنه «وضع غريب في العلاقات الثنائية سيتم تصحيحه في ولاية ترمب».

وأضاف هريدي أن «فوز ترمب يسدل الستار على الحقبة الأوبامية في السياسة الأميركية، والتي بدأت بتولي الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2009 واستُكملت في ولاية جو بايدن الحالية»، وهي حقبة يرى هريدي أن واشنطن «انتهجت فيها سياسات كادت تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة». ورجح أن تعمل إدارة ترمب على «وقف الحروب وحلحلة الصراعات في المنطقة».

وزار الرئيس المصري السيسي البيت الأبيض مرتين خلال فترة حكم ترمب عامي 2017 و2019. وقال ترمب، خلال استقباله السيسي عام 2019، إن «العلاقات بين القاهرة وواشنطن لم تكن يوماً جيدة أكثر مما هي عليه اليوم، وإن السيسي يقوم بعمل عظيم».

لكن السيسي لم يزر البيت الأبيض بعد ذلك، وإن التقى بايدن على هامش أحداث دولية، وكان أول لقاء جمعهما في يوليو (تموز) 2022 على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، كما استقبل السيسي بايدن في شرم الشيخ نهاية نفس العام على هامش قمة المناخ «كوب 27».

بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس الدكتور جمال سلامة أن «مصر تتعامل مع الإدارة الأميركية أياً كان من يسكن البيت الأبيض». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات مع واشنطن لن تتأثر بفوز ترمب، وستبقى علاقات طبيعية متوازنة قائمة على المصالح المشتركة».

وعد مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي فوز ترمب فرصة لحلحلة ملف «سد النهضة»، الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دور الوسيط عام 2019.

وهنا أكد العرابي أنه «من السابق لأوانه معرفة الدور الذي ستلعبه إدارة ترمب في عدد من الملفات المهمة لمصر ومن بينها (سد النهضة)»، وقال: «ترمب دائماً لديه جديد، وطالما قدم أفكاراً غير تقليدية، ما يجعل التنبؤ بمواقفه أمراً صعباً».

بينما قال هريدي إن «قضية سد النهضة ستحل في إطار ثنائي مصري - إثيوبي»، دون تعويل كبير على دور لواشنطن في المسألة لا سيما أنها «لم تكمل مشوار الوساطة من قبل».