يتنقل الرسّام الألباني ديفيد كريماذي من حانة إلى أخرى في بلده البلقاني الصغير، ليبدع بريشته المغمّسة بالقهوة بورتريهات لوجوه الزبائن، ساعياً بذلك إلى أن يخفف بواسطة الفنّ القلق الذي يسود المرحلة الراهنة. والحانات في ألبانيا لها أهمية كبرى، إذ إن شرب القهوة خلال استراحات النهار بمثابة أسلوب حياة يشكّل جزءاً من يوميات كل الأجيال والفئات الاجتماعية، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.
بدأ الرسام البالغ (32 سنة)، يتنقل منذ أشهر من حانة إلى أخرى، حاملاً كدسة من الأوراق وفُرش الرسم. وفي كل حانة، يتبادل الحديث مع الزبائن الآخرين، ويعرض عليهم رسم بورتريه مجاناً موفراً لهم بذلك لحظات مسلية.
ويبدو ديفيد واثقاً من أن رسومه بمثابة وسيلة علاجية، على ما يشرح في مقهى «مون شيري» في مدينة دراس الواقعة على ساحل البحر الأدرياتيكي. ويقول الشاب ذو الوجه النحيف إنّ «فن الرسم بالقهوة من أكثر العلاجات نجاحاً، فهو يساعد في التغلب على الأوضاع الصعبة كتلك التي نعيشها بفعل الجائحة أو حتى تلك التي شهدناها ما قبلها عندما وقع الزلزال».
ويلاحظ الرسام أنّ «لحظة من الهدوء والتفكير عند رسم البورتريه تساعد الآخر على اكتساب الثقة بالنفس ورؤية العالم من منظور إيجابي وأكثر انفتاحاً». وتقتنع لورا، وهي تلميذة في المرحلة الثانوية، بكلامه وهو المنتمي إلى مدرسة الرسم الإيمائي، وتبدو مسرورة «بسحر» اللحظة. فيغمس فرشاته في فنجان «إسبريسو»، ويروح يملأ الصفحة البيضاء بخطوطه، ملطفاً سواد القهوة أحياناً بالماء.
وبالقرب منهما، تراقب ألكسندرا المشهد بحشرية، وتقترب هذه الطالبة الطامحة إلى أن تصبح باحثة في علم الأحياء من الفنان مبدية هي الأخرى رغبتها في أن يرسمها.
وقالت لوكالة الصحافة الفرنسية، وهي تنتظر أن يجف الطلاء: «كانت تجربة مفيدة بالنسبة لي، أجد في هذه اللوحة كل مشاعري وهواجسي وأفكاري».
وعلقت أستاذة الإعلام في جامعة «دراس» إيفا الوتشي بأنّ «الجديد في فن ديفيد هو أنّه يبني الجسور مع رفاقه في هذه المؤسسة الألبانية التي هي المقاهي». موضحة أنّ المقاهي في ألبانيا «هي شكل أساسي من أشكال الحياة الاجتماعية والتواصل بين أشخاص يمكنهم أن يعبّروا عن أنفسهم بحرية». ففي هذا البلد، يلتقي الجميع حول فنجان قهوة، من عائلات أزواج المستقبل، إلى المحزونين بعد مراسم الدفن.
وفيما يشير الأطباء إلى أنّ الوباء ألحق أضراراً كبيرة بالصحة النفسية، ترى الطبيبة النفسية في مستشفى «دراس» غريتا غوغا، أنّ «الفن يشكل وسيلة صحية للتواصل يوصي بها الأطباء مَن يعانون اضطرابات القلق والاكتئاب».
فنّ البنّ في ألبانيا... وجوه مرسومة بلون القهوة
فنّ البنّ في ألبانيا... وجوه مرسومة بلون القهوة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة