أينما نظرت حولك، في هاتفك المحمول، في سياراتك، في المنزل، شاشات العرض، أجهزة التحكم عن بعد، إشارات المرور وغيرها، فإن هناك فرصة جيدة في أن تكون الصمامات الثنائية الباعثة للضوء وراء كل جهاز إلكتروني حينما يضيء.
صمامات ثنائية
تلك الصمامات الثنائية الباعثة للضوء أو ما تعرف اختصار باسم «ليد» (LED)، هي نوع من أجهزة أشباه موصلات الحالة الصلبة قادرة على تحويل الطاقة الكهربائية إلى الضوء المرئي، الذي يحوّل الكهرباء مباشرة إلى أضواء... باختصار، هي مصدر ضوئي مصنوع من مواد أشباه الموصلات تبعث الضوء حينما يمر خلاله تيار كهربائي. ولعل أبرز مميزات تلك المصابيح تكمن في توفير الطاقة، وفي عمر تشغيلي أطول، وطاقة حرارية مشعة منخفضة، إضافة إلى كونها خالية من المعادن الثقيلة.
رحلة تلك الصمامات بدأت في عام 1907 حينما اكتشف المهندس البريطاني الكابتن هنري جوزيف روند ما يعرف بظاهرة انبعاث الضوء من أشباه الموصلات استجابة لمرور تيار كهربائي خلالها. وفي عام 1927 نجح المخترع السوفياتي أوليغ لوسيف في تقديم أول مصباح LED بمفهومه الحالي. وفي عام 1993م تمكّن كل من اليابانيين إيسامو أكازاكي وهيروشي أمانو، والأميركي - الياباني شوجي ناكامورا من اختراع أول صمام ثنائي باعث للضوء الأزرق؛ وبسبب ذلك الاختراع تم منحهم جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2014.
اليوم نجح فريقٌ من المهندسين الكهربائيين بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، ولأول مرة، في تصنيع الصمامات الثنائية الباعثة للضوء الأحمر النقي من أشباه موصلات النتريد، التي لطالما كانت عصية على التنفيذ؛ وهو ما سيسهم في بناء الجيل القادم من شاشات العرض الموفرة للطاقة والقائمة على الصمامات الثنائية المتناهية في الصغر الباعثة للضوء، كما سيساعد في إنتاج إضاءة قابلة لضبط الألوان.
يقول الدكتور دايسكه إيدا، أستاذ الهندسة الكهربائية والحاسوبية المساعد في «كاوست»، «يستطيع المهندسون الكهربائيون تصنيع صمامات ثنائية باعثة للضوء الساطع باستخدام مواد مختلفة لإنتاج ألوان مختلفة. ولكن لتحسين تقنيات العرض، يجب على المهندسين دمج الألوان الثلاثة الرئيسية للصمامات الثنائية الباعثة للضوء، الأحمر والأخضر والأزرق، في شريحة واحدة».
ويعني ذلك أنهم في حاجة إلى العثور على مادة واحدة مناسبة لإنتاج الألوان الثلاثة جميعاً. ويجب أن تكون تلك المادة قادرة على إنتاج كل لون بسطوعٍ عالٍ، كما يفضّل أن تتمتع بالقدرة على الإنتاج العالي للطاقة، مع استخدام جهد بطارية قليل نسبيّاً.
توليد الضوء الأحمر
وتُعدّ عائلة من مركبات أشباه موصلات النتريد من أفضل المواد المرشحة لتوليد جميع الألوان. هذه المركَّبات عبارة عن بلورات تحتوي على النتروجين، ويمكن، من الناحية النظرية على الأقل، استخدامها لتصنيع صمامات ثنائية باعثة للضوء بأطوال موجية تقع بين تلك الأطوال الموجية للأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء، والتي تتضمن الطيف المرئي بأكمله.
ولصنع الصمامات الثنائية الباعثة للضوء الأزرق والأخضر، عادة ما يستخدم المهندسون نتريد الجاليوم، لكنهم واجهوا صعوبات في صنع صمامات ثنائية باعثة للضوء الأحمر الساطع والنقي باستخدام هذه البلورات.
يقول البروفسور كازوهيرو أوكاوا، أستاذ الهندسة الكهربائية والحاسوبية في «كاوست» وقائد الفريق البحثي «كانت رؤية الضوء الأحمر بتلك الدرجة من السطوع شبه مستحيلة، فقد نجحت مجموعات أخرى بالفعل في إنتاج اللون البرتقالي، ولكن ليس الأحمر التفاحي. وأخيراً، طورنا نظام نمو بلوري لإنتاج صمامات ثنائية باعثة للضوء الأحمر النقي».
ويؤدي إحلال عنصر الإنديوم محل نسبة كبيرة من الجاليوم إلى إنتاج اللون الأحمر المرغوب فيه، ولكن من الصعب فعل ذلك؛ لأن الإنديوم يتبخر بسهولة من البلورة. لذلك؛ ابتكر الباحثان إيدا وأوكاوا وزملاؤهما مفاعلاً فيه كمية إضافية من بخار الإنديوم فوق سطح البلورة، وهي عملية تُعرف باسم الترسيب العضوي المعدني لطور بخاري؛ إذ يمنع هذا الضغط الإضافي الإنديوم الموجود في البلورة من التبخر.
وعن ذلك يقول أوكاوا «منحنا هذا تركيزاً أعلى للإنديوم عند السطح. وكان هذا سر نجاحنا». والعقبة الأخرى التي كان على الفريق التغلب عليها، تمثلت في كون ذرات الإنديوم من ذرات أكبر من ذرات الجاليوم؛ لذلك فهو يخلق، عند استخدامه، عيوباً في البلورة؛ مما يقلل من جودة الضوء الناتج.
واجه الفريق البحثي هذا التحدي بإضافة الألمنيوم، الذي يتكون من ذرات صغيرة. ويوضح إيدا «إن إضافة ذرات صغيرة تقلل من الضغط الواقع على البلورة؛ مما يؤدي إلى عيوب بلورية أقل».
ويختتم أوكاوا حديثه قائلاً «هناك ميزة أخرى تتمثل في أن هذه الصمامات الثنائية الباعثة للضوء، وهي أنها تعمل بنحو نصف جهد التقنيات المنافسة؛ مما يمنح البطاريات عمراً أطول».