هدم مسجد أثري في صنعاء يفجر سخطاً واسعاً في الأوساط اليمنية

صورة المسجد
صورة المسجد
TT

هدم مسجد أثري في صنعاء يفجر سخطاً واسعاً في الأوساط اليمنية

صورة المسجد
صورة المسجد

فجر هدم الحوثيين مسجدا أثريا في صنعاء سخطا واسعا في الأوساط اليمنية على الصعيدين الشعبي والرسمي، وسط اتهامات للجماعة بأنها تسعى لتجريف تاريخ اليمنيين، وترسيخ الثقافة الحوثية المستوردة من الحوزات الإيرانية.
وكانت الميليشيات أقدمت قبل ثلاثة أيام على هدم مسجد النهرين الأثري وسط مدينة صنعاء العتيقة المسجلة في قائمة المدن الأثرية لدى منظمة اليونيسكو بهدف استبداله بواسطة حسينية حوثية وفق ما ذكرته مصادر مطلعة في صنعاء.
واستهداف الميليشيات مسجد «النهرين» الأثري وسط مدينة صنعاء القديمة جاء عقب اتفاق مسبق بين وزارة الأوقاف في حكومة الانقلاب غير المعترف بها، ومستثمر حوثي لإزالة معالم المسجد الذي يقدر مؤرخون أنه بني في العام الأول للهجرة وتمت توسعته فيما بعد.
وتداول ناشطون محليون على منصات التواصل صوراً عدة تظهر أنقاض المسجد بعد هدمه من قبل الجماعة الحوثية، في حين أثارت تلك الجريمة حالة من السخط والغضب لدى الكثير من اليمنيين والناشطين.
وأكد البعض من الناشطين والعاملين بمجال التراث أن الجماعة بجريمتها تلك لم تراع لا حرمة المسجد القدسية ولا رمزيته التاريخية، كونه - بحسبهم - يعد من الآثار اليمنية الفريدة وذات الأهمية الكبيرة.
اعتداء الأوقاف الحوثية حديثا على المسجد ليس جديدا، بحسب الناشطين كونها «تندرج ضمن سياساتها الإجرامية التي تنتهجها منذ انقلابها بحق المعالم الدينية والتاريخية».
وفيما أثار هدم المسجد غضب الشارع اليمني عامة امتد السخط إلى أوساط بعض الموالين للحوثيين في صنعاء، إذ طالبت الهيئة العامة للآثار والمتاحف في صنعاء والخاضعة للجماعة بمحاسبة الفاعلين، وإحالتهم إلى القضاء، والعمل على إعادة بناء المسجد من جديد.
وعبر موظفون وعاملون في هيئة الآثار والمتاحف عن إدانتهم واستنكارهم الشديدين لمواصلة الجماعة الحوثية الموالية لإيران استهداف المعالم الدينية والأثرية.
وأوضحوا أنه وبموجب قانون الآثار اليمني يعد مسجد النهرين المعتدى عليه مؤخرا من قبل الميليشيات واحداً من أهم المعالم التاريخية والأثرية لمرحلة الحضارة الإسلامية، حيث يجرم المساس به أو هدمه تحت أي ذريعة.
وكان مواطنون وسكان محليون في صنعاء القديمة اتهموا شخصيات نافذة في الجماعة بالوقوف وراء عملية الاعتداء التي وصفوها بـ«السافرة» بحق ذلك المسجد التاريخي.
وقال عدد من السكان لـ«الشرق الأوسط»، إن مساعي الجماعة من وراء استهداف المسجد وتسويته بالأرض جاءت لجهة الاستيلاء على أرضيته لبناء سوق تجارية.
وأوضحوا أن العبث بحق المناطق التاريخية والتراث الإنساني اليمني يأتي ضمن عمليات حوثية منظمة للنهب والاستيلاء على أي مساحات عقارية للاستثمار والتربح غير المشروع من خلالها.
منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم «يونيسكو» حذرت في وقت سابق من استبعاد صنعاء القديمة من قائمة مدن التراث العالمي، نتيجة تزايد التهديدات التي يتعرض لها الطراز المعماري التاريخي في المدينة، بما فيها التشوهات والطلاء الأخضر لشعارات طائفية تحرض على الكراهية، بالإضافة لأعمال الهدم والاستحداث التي تنفذها ميليشيات الحوثي في المدينة.
وفي سياق التعليقات الرسمية على الواقعة نددت كل من وزارة الإعلام والثقافة والسياحة ووزارة الأوقاف في الحكومة الشرعية بهدم المسجد في بيانين منفصلين باعتبارها «جريمة نكراء» استهدفت مسجدا يتجاوز عمره ألفا وثلاثمائة عام.
وقالت وزارة الإعلام اليمنية إن «هذه الجريمة تعد اعتداء سافرا على الحضارة اليمنية والإرث الإنساني والإسلامي، وتعبيرا جليا عن نزعة الحقد الأعمى الذي تحمله هذه الجماعة تجاه كل ما يتصل بالحضارة والثقافة، وتطرفا لم تسبق إليه غير جماعات إرهابية وظلامية تشبه هذه الجماعة الإرهابية كما حصل في أفغانستان وغيرها».
وناشد البيان كل الجهات المعنية المحلية والدولية «بالتدخل العاجل لوقف ما تمارسه هذه الجماعة من تدمير ممنهج للإرث اليمني ومحاولات طمس كل ما يتعلق بالإنسان والحضارة اليمنية في العصر القديم وكذلك الإسلامي». وأضاف «هذه النزعة ليست طارئة حيث عبّر عنها صراحة مؤسس الجماعة الصريع حسين الحوثي الذي دعا لهدم كل آثار الحضارة اليمنية، محددا آثار معين وسبأ وحمير التي اعتبرها أصناما وشركا يجب إزالتها وطمسها».
كما دعا البيان كل الجهات والهيئات الدولية ومعاهد حماية التراث الدولية وعلى رأسها منظمة اليونيسكو لتبني حملة ضغط قوية وتفعيل آليات رقابة على كل المواقع والمناطق الأثرية الواقعة تحت الاستهداف الحوثي العنصري والعمل على حمايتها من أي تشويه وصولاً إلى إصدار قرارات دولية صارمة بحماية الإرث الثقافي اليمني ومعاقبة العابثين به.
وأكد البيان احتفاظ الوزارة الكامل وسعيها لاتخاذ الإجراءات اللازمة في ملاحقة الجناة؛ وفقاً لقانون الآثار رقم 21 لعام 1994 وتعديلاته، ووفقا لكل التشريعات المحلية والدولية المعنية بالآثار والثقافة.
من جهتها عدت وزارة الأوقاف في الحكومة الشرعية هدم مسجد النهرين «غير شرعي وجريمة تضاف إلى سجل جرائم الحوثيين»، وأوضحت أنه بني في القرن الأول الهجري، وتم توسعته في القرنين الحادي عشر والثالث عشر الهجريين، وأنه من المعالم الأثرية التي تستوجب الحفاظ عليه وحمايته.
ودعت الوزارة المنظماتِ الدولية وفي مقدمتها اليونيسكو، إلى التحرك العاجل والجاد لحماية المعالم الأثرية اليمنية، خاصة الواقعة في صنعاء القديمة والمدرجة ضمن قائمة التراث العالمي، وكَفّ يد العبث الحوثية عنها.


مقالات ذات صلة

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

العالم العربي جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

تتزايد أعداد القتلى من قيادات الجماعة الحوثية الذين يجري تشييعهم دون الإشارة إلى أماكن سقوطهم، بالتوازي مع مقتل مشرفين حوثيين على أيدي السكان.

وضاح الجليل (عدن)
أوروبا مدنيون يرتدون زياً عسكرياً يشاركون في تدريب عسكري من قبل جنود أوكرانيين في كييف (أ.ف.ب)

تقرير: بمساعدة الحوثيين... روسيا تجند يمنيين للقتال في أوكرانيا

أفاد تقرير صحافي أن روسيا تقوم بتجنيد رجال من اليمن لإرسالهم إلى الجبهة في أوكرانيا بمساعدة من الحوثيين في اليمن.

«الشرق الأوسط» (لندن )
العالم العربي مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

فرضت الجماعة الحوثية إتاوات جديدة على الكسارات وناقلات حصى الخرسانة المسلحة، وأقدمت على ابتزاز ملاكها، واتخاذ إجراءات تعسفية؛ ما تَسَبَّب بالإضرار بقطاع البناء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

تحليل إخباري ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.