«شعر جذر النبات» يحمي التربة من التآكل

باحثون اكتشفوا فائدته ويدرسون آليات عمله

«شعر جذر النبات» يحمي التربة من التآكل
TT

«شعر جذر النبات» يحمي التربة من التآكل

«شعر جذر النبات» يحمي التربة من التآكل

تشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة «الفاو» إلى أن العالم يفقد كل 5 ثوان ما يعادل ملعب كرة قدم من التربة، وأن استعادة بضعة سنتيمترات منها يستغرق ما يصل إلى ألف عام، لذلك تكتسب الحلول التي تمنع تآكلها أهمية كبيرة.
وتتسبب العديد من النباتات المزروعة، مثل القهوة والقطن وزيت النخيل، في تآكل التربة بشكل كبير، بما يتجاوز قدرتها على التجديد. وأحد الحلول لهذه المشكلة جاءت في دراسة مشتركة بين جامعتي بريستول وإكستر البريطانيتين، توصلت إلى ضرورة تضمين الدورة الزراعية بعض النباتات التي تحتوي على شعر كثيف في جذورها، حيث يلعب شعر الجذور الكثيف دورا محوريا في المساعدة على الحد من تآكل التربة.
وتقدم الدراسة، التي نشرت 3 أبريل (نيسان) 2020، في مجلة «كومينيكيشن بيولوجي»، أدلة دامغة على أنه عندما تتفاعل شعيرات الجذر مع التربة المحيطة، فإنها تقلل من تآكل التربة وتزيد من تماسك التربة بواسطة جزيئات التربة الملزمة.
وسبق للعديد من الدراسات إلقاء الضوء على خصائص الجذر على نطاق واسع مثل قطره وطوله ومساحة سطحه، لفهم دوره في منع تآكل التربة، إلا أن تأثير الخصائص الدقيقة، مثل شعر الجذر، لم يتم توثيقه بشكل جيد.
وخلال الدراسة الجديدة نظر الفريق البحثي في تأثير شعر الجذر، عن طريق المقارنة بين تأثير زراعة نباتات «الأرابيدوبسيس ثاليانا» البري، الذي ينتج شعر الجذر، مقارنة مع نبات لا ينتج الشعر الجذري.
ووجدوا أن النباتات ذات الشعر الجذري، عندما تزرع بكثافة، فإنها تقلل من فقد التربة بالكامل، في حين أن النباتات التي لا تحتوي على شعر لا يمكنها وقف تدفق التآكل.
ووضع الباحثون في تجاربهم شتلات النبات المحتوية على الشعر الجذري، وتلك التي لا تحتوي على شعر جذري في مادة هلامية معقم «الجل» داخل طبق مختبري، ثم تم إخضاعهما لزيادة في قوة الطرد المركزي، ووجدوا أن الشتلات عديمة الشعر كانت أسهل في الإزالة من الجل مقارنة بالشتلات الوفيرة بشعر الجذور.
وترجح كلير غريرسون، أحد المؤلفين الرئيسيين للدراسة من جامعة بريستول للعلوم البيولوجية، أن يكون لشعر الجذور فائدة في تعزيز التربة من ناحيتين، الأولى إما أن الشعيرات تطلق مواد تعزز التربة، وإما تطلق المواد التي تتم معالجتها بواسطة ميكروبات التربة إلى شيء يمكن أن يعززها ويمنع تآكلها.
ويقول تيموثي كوين، الخبير في علوم نظام الأرض بجامعة إكستر، والباحث المشارك بالدراسة: «لقد أعطانا هذا البحث رؤى جديدة لا تقدر بثمن في تأثير تراكيب الجذر المجهرية على السلوك المجهري للتربة».
ويضيف «لقد اندهشت من الاختلاف الذي أحدثته كثافة الجذر في تقليل تآكل التربة إلى الصفر تقريبا، عندما كانت كثافة الجذر عالية، في حين كان فقدان التربة لا يزال كبيرا عندما لم يكن للجذور نفس كثافة الشعر، ونحن متحمسون لاستكشاف كيف يحدث الشعر هذا التأثير الاستثنائي».
ورغم أهمية الكيفية التي يحدث بها شعر الجذور هذا التأثير، التي سيتم بحثها في دراسات تالية، إلا أن خالد أبو حسين، الأستاذ بكلية الزراعة بجامعة أسيوط بمصر، يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن ما توصلت له الدراسة الحالية يعطي فائدة مهمة جدا، تسمح باختيار النباتات الزراعية الأكثر ملاءمة للحفاظ على التربة.
ويضيف أن الحفاظ على التربة أمر لا ينبغي إهماله، حيث إن تآكلها يؤدي إلى تقليل العناصر الغذائية المتاحة للنباتات، وكذلك المساحة الكافية لإمكانية تجذر النبات، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تآكل التربة وتقليل إنتاجية المحاصيل بنسبة تصل إلى 50 في المائة.



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً