كير ستارمر... المحامي الاشتراكي أمام تحدي إعادة {العمّال} إلى الحكم

بعد سنوات ضائعة في تيه الحياة السياسية البريطانية

كير ستارمر... المحامي الاشتراكي أمام تحدي إعادة {العمّال} إلى الحكم
TT

كير ستارمر... المحامي الاشتراكي أمام تحدي إعادة {العمّال} إلى الحكم

كير ستارمر... المحامي الاشتراكي أمام تحدي إعادة {العمّال} إلى الحكم

اختار حزب العمال البريطاني المعارض السير كير ستارمر، يوم السبت الماضي، زعيماً جديداً له حلفاً لزعيمه السابق جيريمي كوربن. وكان كوربن قد شغل المنصب منذ سبتمبر (أيلول) 2015، وقاد اتجاه الحزب يساراً وسط انقسامات داخلية تفجرت بين التيار الحركي اليساري الراديكالي المدعوم من العديد من التنظيمات المحلية الراديكالية وبعض النقابات العمالية (بقيادة كوربن) من جهة، والتيار المعتدل الاشتراكي الديمقراطي الذي قاد الحزب إبان توليه السلطة تحت رئاستي توني بلير وغوردون براون للحكومة بين 1997 و2010.
ولقد كسب ستارمر، وهو محامٍ ومرجع قانوني مرموق، الذي دعمه المعتدلون، انتخابات الزعامة ضد مرشحة اليساريين الراديكاليين ريبيكا لونغ - بايلي، والمرشحة الثالثة التي تقف بين الجانبين، ليزا ناندي.

يقال إن الأزمات تصنع القادة، أو تحطّمهم. ولا أزمة أكبر في بريطانيا اليوم من جائحة «كورونا» أو (كوفيد - 19)، التي شلّت البلاد وأصابت عشرات الآلاف، وزجّت برئيس الوزراء في غرفة العناية المركزة إلى جانب الآلاف من مواطنيه.
في هذه الظروف غير المسبوقة في زمن السلم، وجد السير كير ستارمر نفسه يقود أهم حزب في المعارضة البريطانية، بعد أيام قليلة من انتخابه زعيماً لحزب العمال.
لقد كان في طليعة أولويات ستارمر المُعلنة إعادة توحيد صفوف الحزب بعد هزيمة فادحة أمام محافظي بوريس جونسون، ومكافحة ظاهرة معاداة السامية في صفوف حزبه، فضلاً عن الكفاح للحفاظ على أقرب علاقات ممكنة مع الاتحاد الأوروبي بعد انتهاء فترة «بريكست» الانتقالية. لكن ما لم يكن يتوقّعه ستارمر، هو أن تُختبر إمكانياته القيادية في نفس أسبوع انتخابه، وأن تتغيّر أولوياته بشكل جذري، لتُختصر في كلمة واحدة «كورونا».

محامٍ... برتبة «فارس»

وُلد كير رودني ستارمر قبل 57 سنة في حي ساذرك بالعاصمة البريطانية لندن للزوجين جوزيفين ورودني ستارمر، الداعمين لحزب العمال. وسُمّي كير تيمّناً بالسياسي الاشتراكي البارز ومؤسس حزب العمال كير هاردي. في المدرسة، تلقى ستارمر دروساً على عزف آلة الكمان مع نورمان سميث، عازف الباس السابق ضمن فرقة «هاوسمارتنز» الموسيقية. ومما يُعرف عنه أنه من أنصار نادي آرسنال اللندني لكرة القدم، على غرار سلفه جيريمي كوربن. وهو لا يزال يلعب كرة القدم كل أسبوع.
إبان سنواته الدراسية المتوسطة والثانوية، انضمّ ستارمر إلى «اشتراكيي إيست ساري الصغار»، قبل أن يلتحق بجامعة ليدز التي تخرج فيها حاملاً إجازة في الحقوق. ثم تابع دراسته العليا في القانون وحصل على شهادة في الدراسات القانونية العليا المعمّقة في جامعة أوكسفورد (كلية سانت إدموند هول).
عمل ستارمر محامياً في قضايا حقوق الإنسان، ودافع عن النقابات والناشطين. كما شارك في القضية المعروفة بـ«ماك ليبل» التي رفعتها سلسلة مطاعم «ماكدونالدز» ضد هيلين ستيل وديفيد موريس لتوزيعهما منشورات تنتقد ممارسات الشركة. وفي التسجيل المصوّر المرتبط بحملته لزعامة الحزب، قال ستارمر: «أمضيت عمري وأنا أدافع عن العدالة وعن المغلوب على أمرهم في وجه أصحاب النفوذ».

التقدير... والبرلمان

وفي 2003، بدأ ستارمر انخراطه في المؤسسات الرسمية عبر وظيفة تضمن امتثال الشرطة في آيرلندا الشمالية بشكل كامل لقوانين حقوق الإنسان. وبعد خمس سنوات، بات مدير النيابة العامة لإنجلترا وويلز. وأشرف بين عامي 2008 و2013 على ملاحقات قضائية لنواب استغلوا نظام النفقات وصحافيين اتُّهموا بعمليات قرصنة للهواتف وشباب على صلة بأعمال شغب 2011، وتقديراً لهذا الأداء ومكافأة له على خدماته للبلاد، منحته الملكة إليزابيث الثانية لقب «سير» (فارس). ثم في عام 2015، انتُخب نائباً في البرلمان (مجلس العموم) عن حزب العمال ليمثّل دائرة هولبورن وسانت بانكراس الانتخابية في وسط لندن.

كفاءة... لا شعبوية

«الرجل يمثل قطيعة مع الماضي، مع أنه لا يوجد شعار بارز أو سياسة خاصة يمكن فك شيفرتها لفهم مشروع ستارمر. وهذا يجعل من الصعب تحديد ما يمثله السير كير سياسياً. لكن ما هو واضح أنه ليس شعبوياً». بهذه الكلمات رحّبت صحيفة «الغارديان» بانتخاب ستارمر على رأس حزب العمال الذي تميل إليه. وأضافت الصحيفة في افتتاحية نشرتها الاثنين الفائت: «إنه يقدّم العمل الدؤوب والخبرة، لا توجيه أصابع الاتهام»، مشيدةً بتعييناته لـ«حكومة الظل»، بالقول «إن رمزية وظائف حزب العمال الثلاث الكبرى، التي سيشغلها سياسيون من الشمال وويلز واسكوتلندا، تبعث برسالة قوية مفادها أن الحزب يهدف إلى تمثيل البلاد بأكملها». أيضاً رحّبت الصحيفة بعودة إد ميليباند، الزعيم الأسبق للحزب، إلى الخط الأمامي عبر منصب وزير الظل للتجارة والطاقة والصناعة.
واقع الحال، أنه كان لا بد من التغيير بعد الهزيمة المريرة الأخيرة التي مُني بها حزب العمال في ديسمبر (كانون الأول) 2019. كذلك تولّدت قناعة من أن رهانات كوربن لم تؤتِ أُكُلها. وبالفعل، انتُخب ستارمر، المعتدل والمؤيد لأوروبا، زعيماً يشكل عملياً نقلة كبيرة عن الراديكاليين والمؤيدين لـ«بريكست».
لقد فاز هذا المحامي اللامع الذي كان كُلّف منذ ثلاث سنوات بإدارة ملف «بريكست» في حزبه، بنسبة 56,2% من أصوات أعضاء الحزب على منافستيه ريبيكا لونغ - بايلي وليزا ناندي. وفي كلمة متلفزة بعد انتخابه، وعد ستارمر، على الفور، بتجاوز الانقسامات التي يعانيها الحزب والمتمحورة حول الخط الذي يجب أن يتبعه بين التشدد أو الانفتاح، لكن أيضاً الخلاف بين المشككين بالمؤسسات الأوروبية والمؤيدين للاتحاد الأوروبي في قضية «بريكست»، وكذلك بشأن إدارة مسألة معاداة السامية داخل الحزب التي يرى البعض أن كوربن تهاون في معالجتها.
وحقاً، كان لافتاً أن ستارمر عبّر مباشرة بعد إعلان انتخابه عن «اعتذاراته» عن معاداة السامية داخل أكبر حزب معارض في بريطانيا. وفي كلمة بثها، قال: «باسم حزب العمال أعتذر»، متعهداً «بنزع سم» معاداة السامية. وانهالت التعليقات الإيجابية على ستارمر، الذي تزامنت اعتذاراته مع احتفالات عيد الفصح اليهودي. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الزعيم الجديد متزوّج من يهودية ويتربى ولداهما كيهود.

حملة انتخابات الزعامة

من جهة أخرى، لم تكن انتخابات العمال اعتيادية هذه المرة، إذ لم يعلن اسم الفائز خلال مؤتمر استثنائي كما كان مقرّراً، بل عبر موقع الإنترنت الخاص بالحزب احتراماً لإجراءات مكافحة وباء «كوفيد - 19»، في حين سجل كل من المرشحين الثلاثة خطابات معدة مسبقاً تُبّث في حال الفوز. وفي خطابه تعهّد ستارمر بإنهاض الحزب وقيادته مجدداً نحو تولي السلطة، بعد الهزيمة المدوّية في انتخابات ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أمام المحافظين بقيادة رئيس الوزراء بوريس جونسون، وشهدت خصوصاً خسارة حزب العمال معاقل تقليدية له. تلك كانت ثاني هزيمة انتخابية لجيريمي كوربن منذ انتخابه رئيساً للعمال في عام 2015 بفضل دعم قوي من حركيي قاعدة الحزب، وكانت الأسوأ للعمال منذ 1935.
ستارمر، من جانبه، قال بصراحة: «أنا مدرك لحجم المهمة... مهمتنا هي إعادة الثقة في حزبنا. وسأقود هذا الحزب الكبير إلى حقبة جديدة بشكل تخوّلنا حين يكون الوقت مناسباً أن نخدم بلادنا مجدداً من خلال حكومة». وللعلم، من المتوقع أن تجرى الانتخابات التشريعية المقبلة عام 2024 لكن مهمة توحيد الحزب تمثّل أصعب تحدٍّ أمام ستارمر بسبب الانقسامات العديدة والعميقة التي أنهكته خلال السنوات الماضية.

تحدي وباء «كورونا»

لكن في الوقت الحالي، وكحال معظم ساسة العالم، تشكّل جائحة «كوفيد - 19» (كورونا) التحدي الأكبر أمام الزعيم الجديد لحزب العمال. وهنا نشير إلى أن ستارمر كان من أولى الشخصيات السياسية التي تمنّت لرئيس الوزراء جونسون تعافياً سريعاً وكاملاً، بعد إدخاله العناية المركزة في اليوم العاشر من إصابته بـ«كورونا».
كذلك كان ستارمر داعماً لإجراءات الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي التي فرضتها حكومة جونسون، في مسعى لإبطاء تفشي الوباء... وإن كان لم يتوانَ عن توجيه انتقادات قاسية لإدارة الأزمة، خصوصاً بعد تأخر هذه الإجراءات. ونقلت صحيفة «صنداي تايمز» (المحافظة) عن زعيم حزب العمال البريطاني الجديد قوله إن الحكومة البريطانية ارتكبت «أخطاء خطيرة» في التعامل مع تفشي فيروس الوباء، ولم تقدم معدات حماية كافية للعاملين الذين يتعاملون بشكل مباشر مع الجمهور، والتباطؤ في إجراء الفحوص.
ومما قاله ستارمر إن الوزراء «استغرقوا وقتاً طويلاً لشرح سبب تأخرهم في إجراء الفحوص»، ودعا إلى «برنامج لقاح وطني» ضد الفيروس. وأضاف أنه بوصفه زعيماً لحزب العمال، سيقوم بواجبه لعرض حلول. وطبقاً لدراسة، صادرة عن كلية الأطباء الملكية يوم الأحد الماضي، لا يتوجه نحو 20% من موظفي الصحة في بريطانيا، إلى عملهم نظراً لأنهم يخشون من احتمال إصابة زميل أو هم أنفسهم بالفيروس. وقال نحو ربع الأشخاص الذين استُطلعت آراؤهم -وفق وكالة الأنباء الألمانية- إنهم لا يحصلون على معدات حماية كافية لتنفيذ عملهم.
في هذا السياق، فرضت حكومة جونسون، بدعم من المعارضة، عزلاً عاماً للسكان في إطار محاولاتها احتواء تفشي الوباء الذي أودى بحياة أكثر من 7 آلاف شخص في بريطانيا. وأصدرت الحكومة المحافظة كذلك تدابير دعم اقتصادي غير مسبوقة للموظفين والشركات الذين تضرّروا بشكل كبير من الإغلاق.
ويسعى ستارمر الآن إلى لعب دور أكبر في الاستجابة الوطنية لهذه الجائحة، لا سيما أنه حزبه كان غائباً عن الساحة ولم يشارك في بلورة القرارات الأخيرة. وعلى غرار رؤساء الأحزاب الأخرى في المعارضة، تلقى ستارمر دعوة من رئيس الوزراء للمشاركة خلال الأسبوع المقبل في استعراض الوضع المتعلق بانتشار الوباء.
وبعدما كتب جونسون السبت الماضي، على «تويتر»: «بصفتنا رؤساء أحزاب، علينا واجب العمل معاً في فترة الطوارئ الوطنية هذه»، ردّ ستارمر بإيجابية على الدعوة، خلال مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الذي هنّأه بفوزه. وتعهد بالتعاون «بشكل بنّاء» مع الحكومة «بما فيه المصلحة الوطنية»، قائلاً إنه لن يتوانى عن الإشارة إلى ضعف السلطة في الحالة المعاكسة.

«متمرد» بارز

على صعيد آخر، برز نجم كير ستارمر خلال السنوات الماضية، وصار حديث الإعلام عندما انضمّ في عام 2016، بعد التصويت لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، إلى النواب العماليين «المتمردين» على ما رأوه غياب دور كوربن القيادي خلال الحملات التي سبقت استفتاء «بريكست». وانضم ستارمر في وقت لاحق من العام ذاته إلى كبار شخصيات الحزب كمتحدّث باسم العمال بشأن «بريكست»، وظل في هذا الموقع حتى الأسبوع الماضي. كما برز من خلال انتقاداته الدقيقة والذكية لنهج المحافظين خلال جلسات النقاش في البرلمان التي كثيراً ما طغى عليها التوتر. ثم إنه يُعزى إليه كذلك الدفع بحزب العمال لتبني سياسة داعية لاستفتاء ثانٍ، وهي خطوة رحّب بها الكثير من أنصار الاتحاد الأوروبي. لكنّ آخرين رأوا أن هذه السياسة همّشت ناخبي الحزب السابقين في شمال إنجلترا وويلز المدافعين المؤيدين للخروح من الاتحاد الأوروبي.

إعادة توحيد الحزب

الراصدون يرون اليوم أن عودة العمال للعب دور معارضة فعال في بريطانيا مرهون بقدرة ستارمر على توحيد صفوفهم، وبالذات، بعدما خسروا مقاعد كانت مضمونة لهم فيما كانت معاقل عمالية تقليدية. ويُذكر أنه على مدى السنوات الماضية، شهد العماليون انقسامات حيال أجندة كوربن اليسارية وكيفية التعامل مع «بريكست» والخلاف بشأن أسلوب التعاطي مع تهمة وجود نزعات معادية للسامية داخل صفوف الحزب. لهذا تعهد ستارمر بتوحيد صفوف الحزب، وإعادته إلى السكة التي من شأنها أن توصله إلى السلطة. وسعى أيضاً لكسب أنصار كوربن عبر التشديد على سجلّه كمدافع عن حقوق الإنسان، وتأكيد «اشتراكيته» والدفاع عن بيان حملة انتخابات ديسمبر (كانون الأول) الذي تعهد ببرنامج استثمارات ضخم وعمليات تأميم.
وفي المقابل، حظي بدعم الوسطيين في الحزب الذين يرون أنه أكثر براغماتية من سلفه ومواقفه مدروسة بشكل أفضل. وقال ستارمر لـ«الغارديان» عبر بث صوتي هذا الأسبوع: «يمكننا قول ما نريده بشأن الكيفية التي نرغب من خلالها تغيير العالم... لكننا إذا خسرنا الانتخابات، فلن تكون لدينا فرصة للقيام بذلك».
في هذه الأثناء، يرفض ستارمر الإفصاح عن السياسات الحالية التي ينوي إبقاءها على حالها، خصوصاً في الوقت الحالي في أوج أزمة تفشي «كوفيد - 19»، واكتفى بتأكيد أنه «ستكون هناك حاجة للقيام بأمور جذرية».


مقالات ذات صلة

قمة «بريكس» تكسر «عزلة بوتين»... وتتحدّى ضغوط الغرب

حصاد الأسبوع جانب من مدينة قازان (أيستوك فوتو)

قمة «بريكس» تكسر «عزلة بوتين»... وتتحدّى ضغوط الغرب

استكملت موسكو تحضيراتها لاستقبال «الحدث الأكبر على صعيد السياسة الخارجية»، وفقاً لوصف الكرملين. إنها قمة مجموعة «بريكس» التي أعدت لها موسكو طويلاً، ورتّبت بدقة تفاصيلها وفعالياتها، بصفتها رئيساً للمجموعة هذا العام. وستستضيف القمة مدينة قازان (عاصمة تتارستان) الواقعة على نهر الفولغا، وسيشارك فيها عشرات الزعماء والمسؤولين. المشهد أراد منه الكرملين أن يُظهر للعالم فشل سياسة عزل الرئيس فلاديمير بوتين الذي سيكون أمامه يومان طويلان جداً في الفترة بين 22 و24 أكتوبر (تشرين الأول)؛ إذ يحفل جدول أعماله بلقاءات على أعلى مستوى مع عشرين زعيماً مشاركاً في أعمال القمة.

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وخلفه أعلام الدول الأعضاء في مجموعو "بريكس" (آ فب/غيتي)

«بريكس»... عملاق اقتصادي يواجه تحدّيات كبرى

> مما لا شك فيه أن مجموعة «بريكس»، التي تعقد قمتها هذا العام للمرة السادسة عشرة بصيغتها الموسّعة، تحوّلت إلى كتلة اقتصادية عملاقة، وبالأخص مع انضمام خمسة بلدان.

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع بارو

جان نويل بارو: اقتصادي من عائلة سياسية مرموقة... على رأس الدبلوماسية الفرنسية

عُيّن أخيراً جان نويل بارو، البالغ من العمر 41 سنة والمنتمي إلى تيار الوسط اليميني، وزيراً للخارجية الفرنسية في الحكومة الجديدة برئاسة ميشال بارنييه. ويتولى بارو المنصب خلفاً لستيفان سيجورنيه الذي لم يمكث فيه سوى ثمانية أشهر. بارو هو رابع رئيس للدبلوماسية الفرنسية منذ انتخاب الرئيس إيمانويل ماكرون لأول مرة، في عام 2017، والثالث منذ بداية ولايته الثانية في عام 2022؛ وذلك أن الأزمة السياسية التي أثارها حلّ «الجمعية الوطنية (مجلس النواب في البرلمان)» خلطت الأوراق وأنهت مهام أعضاء الحكومة السابقة بطريقة عاجلة. ومن ناحية ثانية، جاء استقبال خبر تعيين الوزير الجديد متبايناً، ففي حين عَدَّ البعض أن وزير الخارجية الجديد «كُوفئ» على ولائه للرئيس ماكرون، واستفاد من تاريخ والده السياسي البارز، رأى آخرون أنه سياسي كفء على دراية تامّة بالملفات المهمّة، وخاصّة الأوروبية منها، إضافة إلى علاقته الجيّدة مع رئيس الحكومة بارنييه.

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع سيباستيان ليكورنو

حكومة بارنييه: تشكيلة وزارية ذات توجه يميني

بعد أكثر من أسبوعين من المباحثات المُضنية، التي قادها رئيس الوزراء ميشال بارنييه، تشكلّت الحكومة الفرنسية الجديدة، المكوّنة من 41 وزيراً، بعضهم لا يتمتع بخبرة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
حصاد الأسبوع هربرت كيكل... أحدث زعماء اليمين المتطرف الأوروبيين (رويترز)

النمسا تسعى للتعايش مع يمين متطرف حاضر... بأقل قدر ممكن من الاستفزاز

انضمت النمسا إلى قافلة دول أوروبية سبقتها بالتصويت لحزب يميني متطرف حقق فوزاً معنوياً مهماً في الانتخابات العامة.

راغدة بهنام (برلين)

قمة «بريكس» تكسر «عزلة بوتين»... وتتحدّى ضغوط الغرب

جانب من مدينة قازان (أيستوك فوتو)
جانب من مدينة قازان (أيستوك فوتو)
TT

قمة «بريكس» تكسر «عزلة بوتين»... وتتحدّى ضغوط الغرب

جانب من مدينة قازان (أيستوك فوتو)
جانب من مدينة قازان (أيستوك فوتو)

يكاد الاهتمام السياسي والإعلامي في روسيا يكون منصباً بالكامل على مجريات قمة «بريكس» المنتظرة والنتائج المتوقعة منها؛ ذلك أنها «الحدث الأكبر فعلاً»، كما قال مساعد الرئيس لشؤون السياسة الدولية يوري أوشاكوف. وفضلاً عن منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي الذي تراجعت أهميته بعض الشيء خلال السنوات الأخيرة، فإن قمة «بريكس» تُعد المناسبة الوحيدة التي تنظمها موسكو على هذا المستوى منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.

32 دولة مشاركة

يشارك في القمة ممثلو 32 دولة، بينهم وفقاً لأوشاكوف 24 رئيساً أو رئيس وزراء، علماً أن الدعوة وُجهت إلى 38 بلداً، هي البلدان التي تتمتع بعضوية المنظمة أو أبدت رغبة بالتعاون معها. وفي هذا الشأن تقول موسكو إن واشنطن مارست ضغوطاً كبرى على بعض البلدان لمقاطعة القمة، أو على الأقل لتقليص مستوى الحضور فيها.

بيد أن روسيا، باعتبارها البلد المستضيف لهذا الحدث، دعت زعماء بلدان «رابطة الدول المستقلة»، وجميعهم أكدوا مشاركتهم. كذلك وجهت الدعوات للدول التي ترأس اتحادات التكامل الإقليمي في جنوب شرقي آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط.

وبناءً عليه، يُنتظر حضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والأمين العام لـ«منظمة شنغهاي للتعاون» تشانغ مينغ، والأمناء العامّين لـ«رابطة الدول المستقلة» و«الاتحاد الاقتصادي الأوراسي» و«دولة الاتحاد» مع بيلاروسيا، بالإضافة إلى رئيسة بنك التنمية الجديد ديلما روسيف. ويعتقد أوشاكوف أن «التمثيل الجغرافي الرفيع المستوى والواسع النطاق في قمة قازان يشهد على دور (بريكس) ومكانتها على الساحة الدولية، وأيضاً الاهتمام المتزايد بهذه الرابطة من جانب الدول التي تنتهج سياسة خارجية مستقلة».

أبعاد السياسة... وحوار الاقتصاد

يبرز في التحضيرات التي قامت بها موسكو التركيز على البُعد السياسي للحدث، على الرغم من أن أجندة الحوار في القمة تبدو مخصّصة أكثر للقضايا الاقتصادية.

وإلى جانب اللقاءات الثنائية التي تعوّل عليها موسكو كثيراً، رتّب الكرملين متعمّداً شقّين للقمة يحمل كل منهما دلالات مهمة.

الشق الأول، بطبيعة الحال، هو اجتماع الدول الأعضاء في المنظمة، وهي عشرة بلدان حالياً بعدما توسّعت المجموعة العام الماضي بضم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر وإيران وإثيوبيا. وهو سيخصص لموضوع «تعزيز التعدّدية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين»، وهذا في الواقع شعار الرئاسة الروسية لمجموعة «بريكس» في عام 2024.

أما الشق الثاني فهو اجتماع بصيغة «بريكس بلس»، الذي يضم أيضاً ضيوف القمة وممثلين عن دول أعربت عن رغبة في الانضمام إلى المجموعة، وهنا يبرز أكثر البُعد السياسي الذي تتطلّع إليه موسكو، لكون اللقاء يعقد تحت شعار «بريكس والجنوب العالمي... بناء عالم أفضل بشكل مشترك».

توسيع المجموعة

موسكو سعت إلى تجاوز التباينات الداخلية في المجموعة حول ملف التوسيع المحتمل لـ«بريكس»، وكان قد برز الخلاف سابقاً بشكل واضح بين الصين، المتحمسة للتوسيع، والهند التي وضعت تحفّظات على التعجّل في هذا الشأن. لكن الرئاسة الروسية توصلت، على ما يبدو، إلى «حل وسط» يرضي الطرفين الكبيرين، ثم إنه خلال الاستعدادات للقمة نوقشت فكرة إطلاق مستوى من التعاون من دون ضم بلدان جديدة حالياً... عبر ابتكار صيغة «الدول الشريكة» لمجموعة «بريكس». وتشير التقديرات الروسية إلى أن عدد البلدان التي ترغب بالانضمام رسمياً إلى المجموعة يبلغ اليوم 34 بلداً، الأمر الذي يعني أن مستقبل المجموعة ماضٍ نحو تعزيز حضورها بشكل واثق على الصعيدين السياسي والاقتصادي في العالم.

وحقاً، حدّد الكرملين أولوياته في هذا الشأن عبر الإشارة إلى أن «أبواب (بريكس) مفتوحة للدول ذات التفكير المماثل والتي تتشارك في المبادئ والأهداف الأساسية». ولكن مع هذا، أقرّ «صانعو السياسة» الروس بأن المجموعة لم تتبنَّ بعدُ نهجاً موحّداً حيال ملف التوسيع وضم أعضاء جدد.

وهنا أوضح أوشاكوف أن «بعض الدول ترى أن علينا أن نتوقّف عند الأعضاء العشرة وتأجيل التوسع، في حين يؤيد البعض الآخر قبول أعضاء جدد، بل وحتى تسمية دول محددة يمكن أن تصبح أعضاء في المنظمة».

على أي حال، يتركز الخلاف - كما تقول أوساط روسية - حول المخاوف من تشتيت الجهد وظهور عراقيل قوية أمام توحيد المواقف في حال وُسعت عضوية المجموعة بشكل عجول. وبالفعل، يرى البعض أن المطلوب حالياً «بذل أقصى جهدنا لضمان اندماج الدول الأعضاء حالياً بسلاسة في جميع أشكال التعاون»؛ ولذا يبدو أن إحدى نتائج القمة الأساسية ستتركز على إقرار الصيغة الروسية حول «الدول الشريكة».

أولويات اقتصادية

جدير بالذكر أن الكرملين كان قد حدّد منذ مطلع العام أولويات روسيا في فترة رئاستها للمجموعة، وعلى رأسها تطوير آليات الاعتماد على العملات المحلية في التبادل التجاري بين الأعضاء، ودفع مسار إنشاء عملة موحّدة على الرغم من الصعوبات البالغة التي تعترض طريقه.

ولقد أجمل وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف، على أبواب القمة، قائمة بالمهام المطروحة حالياً، عبر الإشارة إلى تطوير «نظام مستقل للتسويات المالية» لمجموعة «بريكس». وتكلّم عن «آفاق لصناعة العملات المشفّرة» في روسيا والدول الشريكة. كذلك أشار سيلوانوف إلى أن حزمة القوانين التي اعتُمدت أخيراً في روسيا لتنظيم سوق العملات المشفّرة «تفتح فرصاً جديدة لاستخدام الأصول الرقمية في التجارة الدولية»، وأنه «بات حالياً من الممكن استخدام العملة المشفّرة كوسيلة للدفع في التجارة مع الشركاء الأجانب».

ورأى الوزير الروسي أنه في سياق تجزئة الاقتصاد العالمي والقيود السياسية من الغرب، بات إنشاء نظام مالي مستقل خاص بالمجموعة على رأس المهام المُلحّة.

وفي هذا الإطار أيضاً، تبحث المجموعة إنشاء نظام إيداع مشترك، وإطلاق شركة تأمين خاصة بدول المجموعة لتقديم خدمات التأمين في إطار العلاقات التجارية بين دول «بريكس». وتعوّل موسكو على أن نشاط مجموعة «بريكس» المشترك سيسفر عن دفع جدّي لمعدلات التنمية في بلدانها. وفي هذا الصدد، أشار الوزير سيلوانوف إلى الحصة المتزايدة لدول «بريكس» في الاقتصاد العالمي. ووفقاً لمعطياته، فإن المجموعة باتت تتقدم بالفعل على «مجموعة السبع» من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وسوف تستمر في زيادة نفوذها الاقتصادي.

وفي سياق متصل، فإن العنصر الرئيسي في قوة المجموعة يكمن - كما يقول الكرملين - في كونها «تجمع فرص التجارة والاستثمار وتبادل التكنولوجيات والمعرفة الجديدة». وبحسب الوزير سيلوانوف، فإن هذا الواقع «يعطي زخماً إضافياً لتنمية اقتصاداتنا»، ثم هناك عنصر ثانٍ مهم يكمن في محاربة هيمنة الدولار الأميركي. وهذا العنصر يشكل إحدى ركائز تحرك الكرملين في إطار «بريكس». وعلى الرغم من بطء التقدم في هذا المسار، ترى القيادة الروسية أن تحقيق اختراقات كبرى أمر ممكن، مع وصول حجم التبادل بالعملات المحلية إلى نحو النصف مع بعض بلدان المجموعة.