في «جزيرة النساء» الإستونية... التقاليد المحلية تواجه الاندثار

يبلغ عدد سكانها 686 شخصاً والصعوبات الاقتصادية تزيد من معدل الهجرة

ماريا ماتاس مسؤولة التراث في كينو تطعم دجاجاتها (أ.ف.ب)
ماريا ماتاس مسؤولة التراث في كينو تطعم دجاجاتها (أ.ف.ب)
TT

في «جزيرة النساء» الإستونية... التقاليد المحلية تواجه الاندثار

ماريا ماتاس مسؤولة التراث في كينو تطعم دجاجاتها (أ.ف.ب)
ماريا ماتاس مسؤولة التراث في كينو تطعم دجاجاتها (أ.ف.ب)

منذ قرون عدة على جزيرة صغيرة تكسوها الغابات في بحر البلطيق، تزرع نساء يرتدين تنانير بخطوط حمراء ويضعن أوشحة على رؤوسهن، الأرض، ويحرسن المنارة، ويترأسن المراسم الدينية.
أما الرجال على جزيرة كينو الواقعة على مسافة 10 كيلومترات من سواحل إستونيا، فيبحرون على مدى أسابيع، بل أشهر، تاركين للنساء تولي شؤون الحياة في واحدة من آخر المجتمعات في العالم التي تقودها نساء.
وحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، فإن نمط الحياة على الجزيرة يواجه الاندثار، إذ تدفع الصعوبات الاقتصادية عدداً متزايداً من سكان الجزيرة إلى المغادرة بحثاً عن عمل في مكان آخر. وتقول مارية ماتاس، وهي دليلة سياحية ومسؤولة التراث في كينو لوكالة الصحافة الفرنسية، «نناقش كلنا يومياً، ونحن على طاولة المطبخ، موضوع استمراريتنا».
وتتمحور الحياة في كينو على تقاليد قديمة وأغانٍ شعبية تندرج ضمن ثقافة فريدة من نوعها، ضمتها اليونيسكو إلى قائمة التراث العالمي الشفوي.
وتضيف ماتاس بقلق: «سنفقد هذه الحياة في حال لم يعد الناس يقيمون هنا».
ويبلغ عدد سكان الجزيرة المسجلين 686 شخصاً، إلا أن 300 منهم يقيمون فيها طوال السنة، أي أقل من النصف عما كان عليه العدد قبل الأزمة المالية العالمية في 2008 التي ضربت إستونيا في الصميم.
وتضم الجزيرة، البالغة مساحتها 16 كيلومتراً مربعاً، بعض الطرقات المعبدة، وفقط متجرين صغيرين للمواد الغذائية ومتحفاً وكنيسة، فضلاً عن مدرسة صغيرة لا يزيد عدد تلاميذها عن 36، فيما كان العدد نحو مائة قبل سنوات قليلة.
ويوضح الصياد مارغوس لارينتس، وهو يقوم بتدخين أسماك اصطادها قبل فترة قصيرة، «الفقمة وطيور الغاق تطرح المشكلة الأكبر» على الصيد.
وهذان النوعان محميان بعدما اندثرا تقريباً في منتصف القرن الماضي بسبب الصيد الجائر. ومنذ ذلك الحين، عادا بأعداد كبيرة، وباتا يهددان بدورهما الأسماك المحلية. وأظهرت دراسة أجريت عام 2010 أن كمية الأسماك المصادة تراجعت 10 مرات، وعدد بعض الأنواع الأخرى مائة مرة.
ويرى مارغوس وزوجته مارج، على غرار كثيرين، أنهما لم يعودا قادرين على تحصيل لقمة العيش من البحر. وشأنهما في ذلك شأن كثيرين، باتا يؤمنان حاجاتهما من المواد الغذائية من خلال تربية الحيوانات وزراعة الأرض. وتوضح مارية ماتاس أن شغل الصوف والحياكة، وهي وسيلة تقليدية لكسب العيش، لم تعد مجدية على الصعيد الاقتصادي، مؤكدة: «كل هذه الأمور التي كانت مهمة في الماضي لم تعد كذلك الآن».
وقد غادر الكثير من الصيادين الجزيرة بحثاً عن عمل في النرويج أو فنلندا. خلال لقاء أسبوعي صباحي، تتبادل 12 امرأة من كينو المستجدات والشائعات والذكريات حول طاولة وضعت عليها الأسماك المملحة والبسكويت والشوكولا.
وهن يتحدثن عن الرجال الذين اختاروا البقاء على الجزيرة، وباتوا يخوضون مجالات كانت سابقاً حكراً على النساء.
وتشير ميراسي سالمه: «أوسكار كان من أوائل الرجال الذين راحوا يعملون في الحقول».
ويُروى في الجزيرة أن سالمه، وهي شخصية نسائية لها ثقلها، أصرت على أن يأتي زوجها أوسكار للعمل معها في المزرعة، عندما كانا في سن الخامسة والعشرين.
وتقول سيدة أخرى مستذكرة ذلك: «كنا نضحك لرؤية رجل يعمل معنا في الحقل».
ويستقطب نمط الحياة المميز هذا، السياح. فيزور الجزيرة 30 ألف شخص، نصفهم من إستونيا، والنصف الآخر من أوروبا وآسيا. وفي غياب الفنادق والمطاعم، يستقبل سكان الجزيرة هؤلاء الضيوف في منازلهم. إلا أن السياحة لا تزدهر إلا في فصل الصيف. قد تكون أدوار النساء والرجال تغيرت، إلا أن ثمة مهمة لا تزال تقع على عاتق السيدات، وهي المحافظة على ثقافة كينو العائدة لقرون غابرة. عندما كان الرجال يخرجون إلى البحر، كانت النساء بحسب التقليد، ينظمن المهرجانات والمآتم والزيجات في مراسم قديمة ومعقدة تمتد أحياناً لأيام عدة.
فحفلات الزواج في كينو فريدة من نوعها، وتتخللها ثلاثة أيام من الموسيقى والرقص والطقوس السابقة لحقبة المسيحية، منها السحر الأزرق الذي له فوائد وقائية، حسب التقليد المحلي، ويقوم على تغطية رأس العروس بقماش أبيض مطرز بالأحمر يعتقد أنه يوفر لها {حماية خارقة}، حتى وصولها إلى منزل زوجها.
وتشكل الأغاني الشعبية، مع إتقان العزف على الكمان أو الأكورديون، مؤهلات ضرورية للنساء اللواتي يرتدين في غالب الأحيان تنورة بخطوط حمراء خاصة بجزيرة كينو.
المغنية فيرفيه كوستر، البالغة 92 عاماً، التي تعتبر تجسيداً لروح نساء كينو المميزة تشارك الرأي. ففي غرفة الجلوس في منزلها، تروي سنوات عملها في مياه البحر الجليدية، وفي حراثة الحقل، وهي تضع جوارب صوف في قدميها فقط، وتقول «كان الوضع قاسياً جداً».
لكنها عرفت الراحة والشهرة بفضل 400 أغنية تتمحور حول حياة الجزيرة والطبيعة، والحب خصوصاً. ورغم مغادرة عدد كبير، الجزيرة، إلا أن البعض يعود إليها.
فقد عادت عازفة الكمان ماريا ميلكسون إلى كينو، بعد دراستها الجامعية، وهي تنقل الإرث الموسيقي إلى أطفال الجزيرة في مركز ثقافي مصنوع من الخشب.


مقالات ذات صلة

إيران: عيادة للصحة العقلية لعلاج النساء الرافضات للحجاب

شؤون إقليمية امرأتان تشربان الشاي في الهواء الطلق بمقهى شمال طهران (أ.ب)

إيران: عيادة للصحة العقلية لعلاج النساء الرافضات للحجاب

ستتلقى النساء الإيرانيات اللاتي يقاومن ارتداء الحجاب، العلاجَ في عيادة متخصصة للصحة العقلية في طهران.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا صورة جرى توزيعها في يناير 2024 لنساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

شهادات «مروعة» لناجيات فررن من الحرب في السودان

نشرت «الأمم المتحدة»، الثلاثاء، سلسلة من شهادات «مروعة» لنساء وفتيات فررن من عمليات القتال بالسودان الذي يشهد حرباً منذ أكثر من عام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
آسيا صورة من معرض الصور الفوتوغرافية «نو وومنز لاند» في باريس للتعرُّف إلى العالم الخاص للنساء الأفغانيات (أ.ف.ب)

معرض صور في باريس يلقي نظرة على حال الأفغانيات

يتيح معرض الصور الفوتوغرافية «نو وومنز لاند» في باريس التعرُّف إلى العالم الخاص للنساء الأفغانيات، ومعاينة يأسهن وما ندر من أفراحهنّ.

«الشرق الأوسط» (باريس)
آسيا امرأة يابانية مرتدية الزي التقليدي «الكيمونو» تعبر طريقاً وسط العاصمة طوكيو (أ.ب)

نساء الريف الياباني يرفضن تحميلهنّ وزر التراجع الديموغرافي

يعتزم رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا إعادة تنشيط الريف الياباني الذي انعكست هجرة السكان سلباً عليه.

«الشرق الأوسط» (هيتاشي (اليابان))
الولايات المتحدة​ صورة للصحافية الأميركية - الإيرانية مسيح علي نجاد مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (صفحتها على موقع «إكس»)

واشنطن تتهم مسؤولاً في الحرس الثوري الإيراني بالتخطيط لاغتيال صحافية في نيويورك

وجّهت الولايات المتحدة اتهامات جديدة إلى مسؤول في الحرس الثوري الإيراني وآخرين بمحاولة خطف صحافية أميركية من أصل إيراني في نيويورك واغتيالها.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

الرياض وطوكيو نحو تعاون أعمق في مختلف المجالات الفنية والثقافية

الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان (الشرق الأوسط)
الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان (الشرق الأوسط)
TT

الرياض وطوكيو نحو تعاون أعمق في مختلف المجالات الفنية والثقافية

الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان (الشرق الأوسط)
الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان (الشرق الأوسط)

وقّع الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي مع توشيكو آبي وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية في اليابان، الجمعة، مذكرة تفاهم في المجال الثقافي، عقب مباحثات جمعتهما في العاصمة اليابانية طوكيو، تناولت أهمية تعزيز العلاقات الثقافية المتينة التي تربط بين البلدين.

وتهدف «مذكرة التفاهم» إلى تعزيز التعاون والتبادل الثقافي بين الرياض وطوكيو في مختلف القطاعات الثقافية، وذلك من خلال تبادل المعرفة في الأنظمة والتنظيمات المعنية بالشؤون الثقافية، وفي مجال الرسوم المتحركة، والمشروعات المتعلقة بالمحافظة على التراث بجميع أنواعه، بالإضافة إلى تقنيات الحفظ الرقمي للتراث، وتطوير برامج الإقامات الفنية بين البلدين، وتنمية القطاعات الثقافية.

بحث اللقاء سبل تنمية العلاقات عبر المشروعات الاستراتيجية المشتركة في مختلف المجالات الفنية والثقافية (الشرق الأوسط)

وكان الأمير بدر بن عبد الله، التقى الوزيرة توشيكو في إطار زيارته الرسمية لليابان، لرعاية وحضور حفل «روائع الأوركسترا السعودية»؛ حيث بحث اللقاء سبل تنمية العلاقات عبر المشروعات الاستراتيجية المشتركة في مختلف المجالات الفنية والثقافية.

وهنّأ وزير الثقافة السعودي، في بداية اللقاء، نظيرته اليابانية بمناسبة توليها منصب وزيرة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية، مشيراً إلى أن مشاركة السعودية بجناحٍ وطني في معرض «إكسبو 2025» في أوساكا تأتي في ظل العلاقات الوطيدة التي تربط بين البلدين، متمنياً لليابان حكومة وشعباً التوفيق في استضافة هذا الحدث الدولي الكبير.

وتطرّق اللقاء إلى أهمية تعزيز التعاون القائم بين هيئة الأدب والنشر والترجمة والجانب الياباني، لتدريب الطلبة السعوديين على فن صناعة القصص المصورة «المانغا».

وتأتي مذكرة التفاهم امتداداً لعلاقات الصداقة المتميزة بين السعودية واليابان، خصوصاً في مجالات الثقافة والفنون عبر مجموعة من البرامج والمشروعات والمبادرات المشتركة. كما تأتي المذكرة ضمن جهود وزارة الثقافة في تعزيز التبادل الثقافي الدولي بوصفه أحد أهداف الاستراتيجية الوطنية للثقافة، تحت مظلة «رؤية السعودية 2030».

حضر اللقاءَ حامد فايز نائب وزير الثقافة، وراكان الطوق مساعد وزير الثقافة، وسفير السعودية لدى اليابان الدكتور غازي بن زقر.