لبنانيون ينتقدون «التعبئة العامة» لمواجهة «كورونا» ويلتزمون بها

لافتة على الأوتوستراد البحري الخالي من السيارات في منطقة ضبية تشير إلى منع العبور (أ.ف.ب)
لافتة على الأوتوستراد البحري الخالي من السيارات في منطقة ضبية تشير إلى منع العبور (أ.ف.ب)
TT

لبنانيون ينتقدون «التعبئة العامة» لمواجهة «كورونا» ويلتزمون بها

لافتة على الأوتوستراد البحري الخالي من السيارات في منطقة ضبية تشير إلى منع العبور (أ.ف.ب)
لافتة على الأوتوستراد البحري الخالي من السيارات في منطقة ضبية تشير إلى منع العبور (أ.ف.ب)

تحولت العاصمة اللبنانية بيروت إلى سجن كبير طوعي لسكانها في سعي إلى الحد من انتشار فيروس «كورونا» مع إعلان الحكومة اللبنانية «التعبئة العامة».
فالجولة الميدانية من منطقة الأشرفية، بشارع بربور، ووصولاً إلى شارع الحمراء، يغيب عنها الازدحام المعهود، وتؤكد التزام السكان بيوتهم، وسط إقفال تام للمتاجر على أنواعها، باستثناء المحلات التي تبيع المواد الغذائية، والتي لا تشهد إقبالاً. فقد لجأت الغالبية إلى الاعتماد على عمال التسليم للحصول على حوائجهم اليومية.
ويختلف التعامل مع الإجراءات الاحترازية لمواجهة انتشار فيروس «كورونا» بين منطقة وأخرى. فعند مدخل مخيم صبرا، يبدو الازدحام على حاله، والشباب لا يزالون يتجمعون في الشارع. يقول أحدهم إنه «لا يطيق البقاء في المنزل، حيث عليه الوجود في غرفة واحدة مع والديه وجدته وإخوته الخمسة. بالتالي الاحتكاك في المنزل خطره أكبر من التجمع في الهواء الطلق».
وفي شوارع بربور، حيث المتاجر كلها مقفلة، بعكس محال بيع الخضار، التي لا يلجأ أصحابها إلى أي من وسائل الوقاية. فما يهمهم هو رزقهم اليومي، على ما يقول أحدهم، مضيفاً: «إذا عملنا نأكل وإذا توقفنا نجوع. وكل ما يكتبه الله لنا لا مهرب منه بكورونا أو من دونها». و«التعبئة العامة»، كما تقول سهام، التي يعمل زوجها في إحدى المطابع، «لا مفعول لها. وهي على العكس كارثة تصيب الفقراء؛ لأن الدولة غائبة. زوجي طرد من عمله. ولا أحد يهتم بأننا سنجوع».
بالتالي، لا يرتبط الحجر المنزلي الذي يلتزم به الناس، بإعلان الحكومة اللبنانية «التعبئة العامة»، بقدر ما يرتبط بظروف اللبنانيين ودرجة الوعي لخطورة الاختلاط والتجمع، كما يقول عماد، وهو صاحب محل للهواتف الإلكترونية، لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً أن «من يملك الوعي يحرص على الالتزام بالإجراءات المفروضة لمنع انتشار الفيروس. أما من يستهتر بالطوارئ الصحية المفروضة، فهو يرفض البقاء في المنزل ويصر على التجول وكأن الدنيا بألف خير».
ونسبة «المستهترين» لا تتجاوز 15 في المائة من مجمل السكان، سواء في بيروت أو في المناطق الأخرى، وفق الجولة الميدانية والاتصالات بالمناطق. ويقول هشام، وهو من بلدة الغازية في الجنوب اللبناني، لـ«الشرق الأوسط» إن «90 في المائة من متاجر البلدة مقفلة. وقد عمدت البلدية إلى حملة توعية عبر حواجز محبة، يقف المشاركون فيها بعيدين عن بعضهم، مزودين بالأقنعة والمعقمات ويقدمون للذين يتجولون من دون أي وقاية، منشورات عنوانها (درهم وقاية خير من قنطار علاج)، تحتوي على وصايا احترازية. كما أن البلدية تنسق مع بلديات القرى المجاورة، وتفرض على المخالفين من أصحاب المتاجر غرامات».
إلا أن المناطق الريفية تمنح سكانها وسائل تجول سليمة في الطبيعة، بعكس الحال في المدن. فأهالي بيروت لا يجدون إلا الشرفات فسحة وحيدة لكسر الضجر. وتقول المحامية رجينا قنطرة، وهي من سكان منطقة الأشرفية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «أهالي الأشرفية يلتزمون الحجر المنزلي، لكنهم يتواصلون مع الجيران عبر الشرفات. حتى إن أحدهم أقام حفلة عيد ميلاده على شرفته. كما أن نادياً رياضياً بمواجهة منزلي، نقل التمارين إلى موقف سيارات قريب. وتمت مراعاة المسافة المطلوبة بين المشاركين الذي قاموا برياضتهم على أنغام الموسيقى، فشاركتهم من شرفتي».
وقنطرة الناشطة في الحراك الشعبي حتى المظاهرة الأخيرة قبل أيام أمام وزارة العدل احتجاجاً على التدخل في التشكيلات القضائية، تقول إن «إعلان التعبئة غير فعال في الوزارات والمؤسسات الرسمية. فهو يستوجب إجراءات ملحقة به. والحكومة عاجزة عن تلبية مطالب الناس المعيشية مع أنها تفرض عليهم الحجر، وليس لديها ما يدعم صمودهم...يطلبون منا مساعدتهم، ولا يساعدوننا».
ويوافق إبراهيم، الذي كان يملك مطعماً في شارع الحمراء على هذا الطرح، فيقول إن «الدول التي تحترم نفسها تحضِّر التعويض مع إعلان التعبئة العامة. أما في لبنان، فالصرخة ستعلو بعد الانتهاء من أزمة الكورونا، لتبدأ أزمة جدية مع أصحاب المؤسسات الذين توقف عملهم وخسروا مصدر رزقهم، مع تدهور الوضع الاقتصادي الذي سبق انتشار الفيروس. عليهم تسديد إيجارات مؤسساتهم، ودفع الضرائب. ومعظمهم صرف العمال والموظفين الذين أصبحوا عاطلين عن العمل. هناك مأساة كبيرة بعد انحسار هذه الأزمة، ولا تملك الدولة أي خطة لمواجهتها».
وترى هيام الشامي، التي تقيم في شارع الحمرا، أن إعلان التعبئة العامة في لبنان، يبقى أخف مما يحصل في دولة أخرى. وتقول إنها «كانت تعتزم السفر إلى أثينا لملاقاة زوجها، لكنها بُلغت أن عليها عدم مبارحة منزلها لمدة 15 يوماً إن هي سافرت، لذا فضلت البقاء في بيروت، حيث يمكنها أن تتجول يومياً مع أخذ الاحتياطات المطلوبة». وتضيف: «لكن الجولة في الحمرا حزينة. كل شيء مقفل. حتى الجامعة الأميركية في بيروت، التي لم تقفل أبوابها سابقاً على رغم كل الحروب التي عرفتها المنطقة». وتقر بأنها «استغنت عن كل الكماليات التي تعودتها ولم تعد تخجل من رفض لقاء الأقارب والأصدقاء؛ لأن للضرورة أحكامها».
وتعتبر ريما أن الحجر المنزلي سمح لها بتنمية مواهبها في الأشغال اليدوية التي حولتها تجارة عبر «إنستغرام»، مع مراعاة مبدأ التدوير، حماية للبيئة. ولا تخفي اغتباطها بتدني نسبة التلوث في بيروت، مع انعدام شبه كامل لحركة السير.


مقالات ذات صلة

انقسام علمي... هل لا يزال من الضروري الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد؟

صحتك هناك انقسام طبي حول إلزامية الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد (رويترز)

انقسام علمي... هل لا يزال من الضروري الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد؟

تحوّل «كوفيد-19» على مر السنوات الماضية من جائحة عالمية إلى فيروس «مستوطن» وفق خبراء الصحة، ما يعني أن وجوده سيصبح مستمراً، فكيف يجب أن نتعامل معه؟

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا» مارك زوكربيرغ (رويترز)

زوكربيرغ: البيت الأبيض ضغط على «فيسبوك» لفرض رقابة على محتوى «كورونا»

أقر الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا» مارك زوكربيرغ بقيام إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالضغط على موقع «فيسبوك» لفرض رقابة على المحتوى المتعلق بجائحة كورونا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم المدير الإقليمي لـ«منظمة الصحة العالمية» في أوروبا هانس كلوغه (أرشيفية - رويترز)

«الصحة العالمية»: جدري القردة ليس وباء جديداً مثل «كوفيد»

قال المدير الإقليمي لـ«منظمة الصحة العالمية» في أوروبا، هانس كلوغه، اليوم (الثلاثاء)، إن جدري القردة ليس وباء جديداً مثل «كوفيد».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم ممرضة تحضر جرعات من لقاح «كورونا» في دار للمسنين بإسبانيا (إ.ب.أ)

بريطانيا: الآلاف يطالبون بتعويضات بعد إصابتهم بمشكلات خطيرة بسبب لقاحات «كورونا»

تقدم ما يقرب من 14 ألف شخص في بريطانيا بطلبات للحصول على تعويضات من الحكومة عن الأضرار المزعومة الناجمة عن تلقيهم لقاحات «كورونا».

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا كوريا الشمالية ستستأنف استقبال الزوار الأجانب اعتباراً من ديسمبر بعد فرض ضوابط صارمة منذ عام 2020 بسبب جائحة «كورونا» (أ.ف.ب)

كوريا الشمالية تستأنف استقبال الزوار الأجانب في ديسمبر

قالت شركات سياحة، اليوم (الأربعاء)، إن كوريا الشمالية ستستأنف استقبال الزوار الأجانب في مدينة سامجيون بشمال شرقي البلاد في ديسمبر المقبل.

«الشرق الأوسط» (سول)

الحوثيون يعلنون استهداف السفينة «جروتون» في خليج عدن للمرة الثانية

صورة بالأقمار الاصطناعية تُظهر حريقاً على سطح ناقلة النفط «سونيون» التي استهدفها الحوثيون في البحر الأحمر (أ.ف.ب)
صورة بالأقمار الاصطناعية تُظهر حريقاً على سطح ناقلة النفط «سونيون» التي استهدفها الحوثيون في البحر الأحمر (أ.ف.ب)
TT

الحوثيون يعلنون استهداف السفينة «جروتون» في خليج عدن للمرة الثانية

صورة بالأقمار الاصطناعية تُظهر حريقاً على سطح ناقلة النفط «سونيون» التي استهدفها الحوثيون في البحر الأحمر (أ.ف.ب)
صورة بالأقمار الاصطناعية تُظهر حريقاً على سطح ناقلة النفط «سونيون» التي استهدفها الحوثيون في البحر الأحمر (أ.ف.ب)

قالت جماعة الحوثي اليمنية المتمردة، السبت، إنها هاجمت السفينة «جروتون» التي ترفع علم ليبيريا في خليج عدن للمرة الثانية، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال العميد يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين المدعومين من إيران في بيان: «انتصاراً لمظلومية الشعب الفلسطيني ومجاهديه، نفذت قواتنا المسلحة عملية عسكرية استهدفت السفينة (جروتون)، وذلك لانتهاك الشركة المالكة لها قرار حظر الدخول إلى مواني فلسطين المحتلة».

وأضاف سريع: «نفذت العملية القوات البحرية وسلاح الجو المسير والقوة الصاروخية. وقد أدت العملية إلى إصابة السفينة بشكل دقيق ومباشر».

وأشار إلى أن هذا الاستهداف «هو الثاني للسفينة بعد استهدافها في الثالث من أغسطس (آب) الحالي».

وأوضح المتحدث العسكري الحوثي أن قوات جماعته «أكدت نجاحها في منع الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، وكذلك فرض قرار حظر الملاحة في منطقة العمليات المعلن عنها على جميع السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي أو التي تتعامل معه، بغض النظر عن وجهتها أو السفن التابعة لشركات لها علاقة بهذا العدو».

كما أكد سريع استمرار عملياتهم البحرية في منطقة العمليات التابعة لهم «وكذلك استمرار إسنادها للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وفي الضفة الغربية حتى وقف العدوان ورفع الحصار عن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة».

ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 يواصل الحوثيون استهداف كثير من السفن في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، ويقولون إن هذه العمليات تأتي «نصرة لغزة».