الطغاة لا يتعلم بعضهم من بعض

الطغاة لا يتعلم بعضهم من بعض
TT

الطغاة لا يتعلم بعضهم من بعض

الطغاة لا يتعلم بعضهم من بعض

سينهض من صميم اليأس جيلٌ
مريـدُ البـأسِ جبـارٌ عنيد
يقـايضُ ما يكون بما يُرَجَّى
ويَعطفُ مـا يُراد لما يُريد
هذه الأبيات ليست نبوءة من الجواهري الكبير، بل تقرير لطبيعة الحياة التي لا نريد أن نفهمها غالباً، خصوصاً أولئك الذين جمّدت السلطة في دمائهم الزمن وأوهمتهم بأنهم محصنون ضد انعطافاته وانفجاراته غير المتوقعة، حين نحاول حبسه في عنق زجاجة. هناك زمن يكبر خارج زمننا... زمن لا ينتمي إلينا، ولا ننتمي إليه، وعدم تسليمنا بهذه الحقيقة، لا يقود إلا إلى انفجار رؤوسنا، ورؤوس من حولنا. وأكثر من هذا، أثبتت انتفاضتا لبنان والعراق، كم أننا مخطئون في فهم هذا الجيل، على وضوحه البالغ، كما عبّر أحد الناشطين في صفحته على «فيسبوك». إنه جيل، كما يقول، «لم يقرأ (رأس المال) لماركس، و(فلسفتنا) لمحمد باقر الصدر، ولا (في سبيل البعث) لميشيل عفلق... يعرف لعبة البويجي أكثر من تاريخ حزب الدعوة، ويهتم بشحن موبايله أكثر من اهتمامه بأسعار النفط».
ولكن هذا ليس صحيحاً تماماً. تصور نمطي يسقطه كل جيل على الجيل الذي يأتي بعده. وكما يقول لنا أحد المنتفضين في بغداد، الذي ما زال في بداية العشرين: «لقد حصرتمونا في أطر ضيقة لا تتعدى صفحات (فيسبوك) و(إنستغرام). وها نحن نثبت خطأكم الكبير».
كلام صائب تماماً. لكننا لم نحصرهم فقط في مواقع افتراضية، بل في أقفاص واقعية، وقسمناهم طوائفَ ومذاهبَ وشيعاً.
إن ما يحدث في العراق ولبنان ينسف على الأرض كل تصوراتنا السابقة عن هذا الجيل. وحسب تقرير التنمية البشرية، الذي استشهدنا به سابقاً في هذا السياق، فإن هناك 100 مليون شاب؛ أي 30 في المائة، من 370 مليون عربي، وهو الجيل الأكثر تمدناً في تاريخ المنطقة، والأكثر مستوى تعليمياً. لكن هذا الجيل، وهذه حقيقة أخرى لا يراها البعض، أو لا يريد أن يراها عن سابق إصرار، خصوصاً السياسيين، مختنق سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ونفسياً... وحينما تحين اللحظة الذاتية والموضوعية المناسبة، كما يعلمنا التاريخ، والدروس القريبة للربيع العربي، سيعبّر هذا الجيل عن نفسه بأشكال مختلفة، ليس أقلها الانفجار. لا بد من أن يفعل ذلك مهما تأخر الزمن، فهي قوانين الطبيعة والحياة.
ولكن هذا ليس كل شيء. هناك شيء أكبر بكثير وراء هذه الانفجارات المتتالية، متعلق بمعنى الوطن نفسه، وكينونته، ووجوده، كما تعلمنا الآن الجماهير اللبنانية والعراقية، التي ابتليت بالطائفية المتخلفة العمياء. إنها تريد وطناً... و«وطناً» يعني «وطناً»، وليس خانات طائفية، ودينية، وفئوية... «وطناً» لا ينظر إلى وثائق الأحوال الشخصية لأبنائه، ولا يقسّمهم أقساماً: قسم ينازع قسماً على موائد الغنائم المنهوبة أصلاً، ولا يصنفهم مكونات تتقاتل على المحاصصة.
وحتى يتحقق ذلك، وحتى يجمّع الوطن أعضاءه المتناثرة هنا وهناك، ويكون الكل في واحد والواحد في الكل، ستتوالى الهزات العربية حتى تهتز الأرض بها، ويلفظ التاريخ العربي ما في جوفه من نتوءات وأطعمة فاسدة.
لكن بعض السلطات العربية أثبتت، وعن جدارة، أنها لا تتعلم شيئاً، ولا تجيد سوى فنون الحيلة والمكر والالتفاف، وإذا لم ينفع كل ذلك، فالرصاص رخيص، كما يحدث الآن في العراق من عمليات قتل جبانة على يد الميليشيات المنفلتة المرتبطة ارتباطاً عضوياً بالسلطة العراقية، فحصدت نحو 500 فتى، أكبرهم لم يتجاوز الخامسة والعشرين، و15 ألف جريح... لحد الآن! في فترة زمنية استثنائية!
لو كان الطغاة يتعلم بعضهم من بعض، لَوفّروا علينا كثيراً من الدم والعذاب، ولوفّروا رقابهم أيضاً.



مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
TT

مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية

في سابقة جديدة، تسعى من خلالها وزارة الثقافة المصرية إلى تكريس «تقدير رموز مصر الإبداعية» ستُطلق النسخة الأولى من «يوم الثقافة»، التي من المقرر أن تشهد احتفاءً خاصاً بالفنانين المصريين الذي رحلوا عن عالمنا خلال العام الماضي.

ووفق وزارة الثقافة المصرية، فإن الاحتفالية ستُقام، مساء الأربعاء المقبل، على المسرح الكبير في دار الأوبرا، من إخراج الفنان خالد جلال، وتتضمّن تكريم أسماء عددٍ من الرموز الفنية والثقافية الراحلة خلال 2024، التي أثرت الساحة المصرية بأعمالها الخالدة، من بينهم الفنان حسن يوسف، والفنان مصطفى فهمي، والكاتب والمخرج بشير الديك، والفنان أحمد عدوية، والفنان نبيل الحلفاوي، والشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، والفنان صلاح السعدني، والفنان التشكيلي حلمي التوني.

أحمد عدوية (حساب نجله محمد في فيسبوك)

وقال الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري في تصريحات الأحد، إن الاحتفال بيوم الثقافة جاء ليكون مناسبة وطنية تكرم صُنّاع الهوية الثقافية المصرية، مشيراً إلى أن «هذا اليوم سيُعبِّر عن الثقافة بمعناها الأوسع والأشمل».

وأوضح الوزير أن «اختيار النقابات الفنية ولجان المجلس الأعلى للثقافة للمكرمين تم بناءً على مسيرتهم المميزة وإسهاماتهم في ترسيخ الهوية الفكرية والإبداعية لمصر». كما أشار إلى أن الدولة المصرية تهدف إلى أن يُصبح يوم الثقافة تقليداً سنوياً يُبرز إنجازات المتميزين من أبناء الوطن، ويحتفي بالرموز الفكرية والإبداعية التي تركت أثراً عظيماً في تاريخ الثقافة المصرية.

وفي شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، رحل الفنان المصري الكبير صلاح السعدني، الذي اشتهر بلقب «عمدة الدراما المصرية»، عن عمر ناهز 81 عاماً، وقدم الفنان الراحل المولود في محافظة المنوفية (دلتا مصر) عام 1943 أكثر من 200 عمل فني.

صلاح السعدني (أرشيفية)

كما ودّعت مصر في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2024 كذلك الفنان التشكيلي الكبير حلمي التوني عن عمر ناهز 90 عاماً، بعد رحلة طويلة مفعمة بالبهجة والحب، مُخلفاً حالة من الحزن في الوسط التشكيلي والثقافي المصري، فقد تميَّز التوني الحاصل على جوائز عربية وعالمية عدّة، بـ«اشتباكه» مع التراث المصري ومفرداته وقيمه ورموزه، واشتهر برسم عالم المرأة، الذي عدّه «عالماً لا ينفصل عن عالم الحب».

وفي وقت لاحق من العام نفسه، غيّب الموت الفنان المصري حسن يوسف الذي كان أحد أبرز الوجوه السينمائية في حقبتي الستينات والسبعينات عن عمر ناهز 90 عاماً. وبدأ يوسف المُلقب بـ«الولد الشقي» والمولود في القاهرة عام 1934، مشواره الفني من «المسرح القومي» ومنه إلى السينما التي قدم خلالها عدداً كبيراً من الأعمال من بينها «الخطايا»، و«الباب المفتوح»، و«للرجال فقط»، و«الشياطين الثلاثة»، و«مطلوب أرملة»، و«شاطئ المرح»، و«السيرك»، و«الزواج على الطريقة الحديثة»، و«فتاة الاستعراض»، و«7 أيام في الجنة»، و«كفاني يا قلب».

الفنان حسن يوسف وزوجته شمس البارودي (صفحة شمس على فيسبوك)

وعقب وفاة حسن يوسف بساعات رحل الفنان مصطفى فهمي، المشهور بلقب «برنس الشاشة»، عن عمر ناهز 82 عاماً بعد صراع مع المرض.

وجدّدت وفاة الفنان نبيل الحلفاوي في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الحزن في الوسط الفني، فقد رحل بعد مسيرة فنية حافلة، قدّم خلالها كثيراً من الأدوار المميزة في الدراما التلفزيونية والسينما.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

وطوى عام 2024 صفحته الأخيرة برحيل الكاتب والمخرج بشير الديك، إثر صراع مع المرض شهدته أيامه الأخيرة، بالإضافة إلى رحيل «أيقونة» الأغنية الشعبية المصرية أحمد عدوية، قبيل نهاية العام.