صدر في بغداد شهر مايو (أيار) عام 2019 تقرير «الوضع الصحي في العراق... التحديات وأولويات العمل» لوزير الصحة والبيئة الدكتور علاء الدين العلوان، الذي تطرق فيه إلى كثير من الأمور المتعلقة بصحة المواطن العراقي والأمراض التي تصيب عموم الناس في العراق.
ويصف القرير كيف يعاني العراق الآن من تردي الخدمات الصحية على نطاق العراق، وخصوصاً في محافظات الجنوب والشمال مثل العمارة والموصل، وكيف أن نسبة الفقر ارتفعت في العقود الثلاثة الأخيرة إلى 20 في المائة مقارنة بوضع العراق سابقاً.
ويشير التقرير إلى أن سوء توزيع الطاقات الطبية على جميع محافظات العراق وتمركزها في مناطق محددة ساهم في تدهور البنية الصحية على مدى سنوات طويلة. ولعب الفساد المالي وسوء استخدام الأموال دوره في إضعاف الخدمات الصحية، في حين لعب الفقر دوراً في عدم قدرة المواطن على إنفاق المال الكافي للعلاج. أما تلوث الماء والهواء فقد زاد من انتشار الأمراض المعدية في المجتمع العراقي.
إضافة إلى ذلك، تطرق التقرير إلى محاولة الوزارة في السنوات الأخيرة تحسين مستوى الكوادر الطبية وتعيين الموظفين في القطاع الصحي؛ بهدف تطوير الرعاية الصحية للمواطنين، كما حاولت الوزارة تطوير وصنع الأدوية بدلاً من استيرادها من خارج العراق.
وبصفتي طبيبة مارست عملي في بغداد بداية التسعينات، أستطيع القول إن توزيع الأطباء على كل إرجاء العراق كان مناسباً لحاجة السكان في بداية التسعينات، كما كان الدواء الأساسي للأمراض المزمنة والانتقالية متوافراً رغم حرب الخليج الأولى عام 1991 وحصار الولايات المتحدة الأميركية الذي أسفر عن هجرة الآلاف من أطباء العراق إلى الخارج، وأنا من ضمنهم.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن المستشفيات العراقية تميزت بانضباط كل الموظفين من الكبير إلى الصغير، والعمل بضمير منفتح، والاهتمام بنظافة المستشفى باستمرار رغم تدني الأجور وقت الحروب والحصار، وظل هذا جارياً حتى السنوات الأولى بعد احتلال العراق في 2003، حيث عدت لممارسة عملي الطبي في العراق لفترة قليلة.
وكانت مراكز رعاية الأمومة والطفولة تستقبل بالقليل خمسين من النساء الحوامل والمرضعات يومياً مع تقديم الرعاية اللازمة للجميع، أما الآن فإن القطاع الصحي يشهد أسوأ الخدمات.
والملاحظ أن التقرير لم يتطرق إلى ضرورة استقطاب الكفاءات العراقية في الخارج من أعلى درجة إلى أقل درجة من الأطباء والمهندسين والمدرسين كي يعيدوا بناء الوطن، بعد توفير الدولة المناخ المناسب لهم والأمان.
وتطرح هذه المشاكل الكثير من التساؤلات: أين دور الحكومة ودور الوزارات الأخرى، وأين دور أجهزة الأمن والمخابرات أمام اضطرار الكثير من الكفاءات العراقية إلى الهرب من العراق حفاظاً على أنفسهم وأهلهم، وأين دور الجهات المختصة في تطوير المستشفيات وبنائها المستشفيات وحماية العاملين من العنف وحتى القتل؟ لو كانت هناك نيات حسنة لكان العراق قد تطور كثيراً خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة منذ الغزو الأميركي لأراضيه، وبخاصة أن الموارد المالية الهائلة لا تنقصه.
- طبيبة عراقية مقيمة في النرويج