أمتعة السفر... سباق بين العلامات الكلاسيكية ودور الأزياء

توقعات بزيادة المبيعات 16 في المائة خلال أربع سنوات لتبلغ نحو 5 مليارات دولار

من عرض «شانيل» لربيع وصيف 2016 الذي كان يلعب على مفهوم السفر (تصوير أوليفييه سايون)
من عرض «شانيل» لربيع وصيف 2016 الذي كان يلعب على مفهوم السفر (تصوير أوليفييه سايون)
TT

أمتعة السفر... سباق بين العلامات الكلاسيكية ودور الأزياء

من عرض «شانيل» لربيع وصيف 2016 الذي كان يلعب على مفهوم السفر (تصوير أوليفييه سايون)
من عرض «شانيل» لربيع وصيف 2016 الذي كان يلعب على مفهوم السفر (تصوير أوليفييه سايون)

بينما تشهد مبيعات المنتجات الفاخرة تباطؤاً، فإن مبيعات حقائب السفر تشهد انتعاشاً ونمواً ملحوظاً، حسب الدراسات الأخيرة في هذا الشأن. أمر يؤكد حقيقة يرددها العارفون وهي أن السفر أصبح جزءاً لا يتجزأ من الترف، وربما أصبحت له الأولوية على حساب أشياء أخرى.
وقد أوضح تقرير صادر عن مؤسسة «باين أند كومباني» أن معدلات السفر والسياحة في ارتفاع، بفضل الطبقات الوسطى المتنامية في الصين وغيرها.
ووفقاً للتقرير نفسه، فإن السلع الفاخرة، بما فيها قطاع الأمتعة الفاخرة، شهدت هي الأخرى نمواً إيجابياً في عام 2018 لتصل إلى 260 مليار يورو، وهو اتجاه من المتوقع أن يستمر حتى عام 2025.
فالسفر يحتاج إلى إكسسوارات تسهل الحياة وفي الوقت ذاته تعكس أسلوب وشخصية صاحبها، لهذا كان من البديهي أن يستفيد قطاع الأمتعة الفاخرة ويزيد الإنفاق عليه. وبحسب تقديرات مؤسسة «يورومونيتور» المتخصصة في الأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، من المتوقع أن تنمو المبيعات بسوق سلع السفر العالمية بنسبة 16 في المائة خلال السنوات الأربع المقبلة لتبلغ نحو 5 مليارات دولار.
أمر انعكس على صناعة أمتعة السفر التي تشهد نمواً سنوياً متواصلاً بلغ 3.7 في المائة العام الماضي مقارنة بفئات أخرى مثل الحقائب العادية والساعات التي شهدت معدلات نمو بلغت 1.2 و2 في المائة خلال العامين الماضيين. لهذا ليس غريباً أن تظهر علامات جديدة تحاول تلبية متطلبات المسافرين من أسواق جديدة أو من الأجيال الشابة. كما ليس غريباً أن تتوسع بيوت أزياء عالمية في هذا القطاع بشرائها علامات متخصصة تضمها إليها. مجموعة «إل في آم آش» مثلاً اشترت حصة 80 في المائة من شركة «ريموا» (Rimowa) الألمانية لصناعة الحقائب مقابل 640 مليون دولار أميركي رغم أنها تمتلك «لويس فويتون» التي تأسست على صناعة إكسسوارات السفر ولها باع طويل. شركة «سامسونايت» بدورها توسعت بشراء ماركة «تومي» (Tumi) مقابل 1.8 مليار دولار في إطار استراتيجية لتعزيز مكانتها كأكبر صانع لحقائب السفر. كل هذا يسلط الضوء على الاهتمام المتزايد في قطاع جديد لا يضم سوى عدد محدود من اللاعبين، إلا أنه غني بفرص للنمو، حسبما تؤكده أرقام مبيعات الشركات المتخصصة مثل «رادن» (Raden) الأميركية. فقد تخطت قيمة مبيعاتها مليوني دولار أميركي في الأشهر الأربعة الأولى لانطلاقها، رغم أن الشركة لا تنتج سوى حجمين، تقدر أسعارهما بين 295 دولاراً و395 دولاراً. ما ساعد على نجاحها توفرها على شواحن مدمجة ومقياس وزن وأجهزة استشعار تسمح للمستخدم بالتحقق من موقع الحقيبة عبر تطبيق متاح عبر الإنترنت، إضافة إلى أنها خفيفة الوزن، ما يجعلها رائجة لدى قاعدة متنامية من العملاء كثيري السفر والمهتمين بالتكنولوجيا الرقمية.
من هذا المنظور، كان من المنطقي أن تستثمر مجموعة «إل في آم آش» في حقائب «ريموا»، خصوصاً بعد أن أطلقت هذه الأخيرة حقيبة «ذكية» بعلامة إلكترونية مدمجة يمكنها التواصل مع الهاتف الذكي للمستخدم عبر خاصية «بلوتوث»، وهي الخاصية التي ستشترك فيها مع مجموعة حقائب «لويس فويتون» في المستقبل.
لكن في مقابل هذه الشركات المتخصصة في إكسسوارات السفر، دخلت بيوت أزياء كبيرة الميدان من باب الموضة والأناقة، بعد أن عرفت أن السفر، سواء كان للعمل أو للمتعة، يعد جزءاً من نمط الحياة. ولا شك أن منظر المشاهير ونجوم التواصل الاجتماعي وهم يحملون أو يسحبون حقائب من علامات معروفة، فتح شهية المهووسين بهم للاقتداء بهم.
فجأة لم تعد علامات تجارية فاخرة مثل «سامسونايت» و«تومي» و«دلسي» و«روك لاند» و«بيير كاردان» و«أميركان توريستر» وغيرها من الشركات التي ذاع صيتها وحدها على قائمة حقائب السفر الأكثر مبيعاً. فالمشاهير ساعدوا على الترويج لأسماء أخرى من خلال نشر كل التفاصيل عبر «إنستغرام»، ليبدأ السباق بين علامات عريقة ودور الأزياء الكبرى التي تعتمد أساساً على سمعتها في مجال الموضة وعلى علاقاتها بنجوم الفن والشخصيات المؤثرة.
الشركات المتخصصة لم تقف مكتوفة الأيادي، بل رحبت بالمنافسة، مستعملة استراتيجيات ذكية تعتمد على الجانب الوظيفي وعلى التكنولوجيا، وهي نقطة الارتكاز وفقاً لتاريخ هذه العلامات، التي تشمل بعض الاعتبارات الموضوعية، مثل التصميم والضمان والسحابات والعجلات والمقابض وتحسين المساحة الداخلية وتقديم أحجام تلبي احتياجات المسافرين ومتطلبات شركات الطيران. علاوة على ذلك، السعر، يمكن للمرء أن ينفق آلاف الدولارات على قطعة من الأمتعة قد تكون الأفضل في السوق، لكن ميزانية الجميع لن تسمح بذلك الإنفاق على حقيبة سفر.
من جانب آخر، فرضت المنافسة مع دور أزياء كبرى، على هذه الشركات أن تطور من الشكل الخارجي. شركة «أميركان توريستر» مثلاً عززت حقائبها بإضافة بعض التفاصيل الخارجية مثل الألوان والنقوش الجريئة، كذلك تنوعت الأحجام وخصصت جزءاً من الإنتاج لحقائب للأطفال التي تضم شخصيات «ديزني» وغيرها...
أما علامة حديثة مثل «أواي» (Away) التي ارتفعت شعبيتها بين المسافرين منذ إطلاقها في عام 2015، فاختارت أن تبقى على تطوير الجانب الوظيفي لتقدم أمتعة فاخرة تتحمل السفر المتكرر، لذلك قدمت أمتعة البولي كاربونات المميزة للعلامة التجارية في مجموعة من الألوان والأحجام. كذلك قدمت الأمتعة المصممة من الألمونيوم بأسعار قادرة على المنافسة، أما الشكل الخارجي، فيمكن القول إنه حافظ على الانطباع العملي الذي تعتبره نقطة ارتكاز تميز منتجها.
واحدة من العلامات التجارية الأكثر شهرة للأمتعة هي «سامسونايت» التي لا تبتعد عن قائمة الأعلى مبيعاً رغم انطلاقها منذ أكثر من 100 عام، قدمت «سامسونايت» على مدار رحلتها حقائب صلبة ولينة، وحقائب الظهر، وإكسسوارات السفر. ما زالت تقدم حقيبة سفر وظيفية توفر المتانة والأناقة والقيمة، مع تطوير محدود في الشكل الخارجي.
أما العلامة التجارية «تومي» (Tumi) فتركز على 5 اعتبارات موضوعية: الجودة والمتانة والأناقة والابتكار وخدمة العملاء، من خلال مجموعة من الحقائب العصرية مزودة بملحقات ومصممة من الجلد الفاخر، كما تقدم موديلات أخرى مصممة من خامة النايلون الباليستية المقاومة للتآكل.
المسافر المحنك دائماً ما يبحث عن أمتعة وظيفية ومميزة في الوقت نفسه، ربما بقفل فريد من نوعه أو خامة غريبة لكن فاخرة وما شابه من تفاصيل مؤثرة. فوفقاً لأرقام الأكثر مبيعاً، ما زالت الشركات التجارية المتخصصة تتصدر المراكز المتقدمة. لكن هذا لم يمنع بيوت الأزياء من دخول المنافسة رغبة منها في الاستفادة من معدلات النمو التي تؤكدها المبيعات، أي كنوع من زيادة استثماراتها داخل سوق مضمونة.
في صيف 2016، قدمت دار الأزياء «شانيل» عرض أزيائها في «لوغران باليه» بباريس الذي حولته إلى مطار. حرصت فيه أن تقدم لزبائنها قطعاً تجمع بين تاريخ «شانيل» في عالم الموضة والشكل العصري والوظيفي لأمتعة السفر، لذلك قدمت تشكيلة فاخرة من الأمتعة المزودة بعجلات مع يد وظيفية يتغير طولها، وفي الوقت نفسه ازدانت من الخارج بشعار شانيل الأيقوني وجلودها المترفة. كذلك قدمت الدار الفرنسية حقائب السفر في شكل مجموعة كاملة، تبدأ بحقيبة يد صغيرة الحجم وتنتهي بحقيبة سفر تضم جميع المستلزمات بفضل الجيوب الداخلية التي تلعب دوراً وظيفياً.
أما علاقة دار الأزياء الفرنسية لويس فويتون بأمتعة السفر فتعود إلى عام 1854، وتطورت مع الوقت لتصبح أخف وزناً وأصغر حجماً حتى تناسب السفر بواسطة الطائرات عوض الباخرات وما كانت تتطلبه من صناديق كبيرة.
في يوليو (تموز) 2016، أطلقت الدار مجموعة معاصرة مزودة بعجلات ويد أكثر وظيفية. وهكذا ظلت أمتعة السفر سلعة لصيقة وأساسية تقدمها الدار إلى حد أن منتجاتها أصبحت لصيقة بسفر المشاهير والنجوم، ولم تستطع أي من الشركات الأخرى زحزحتها عن مكانتها هاته.
أما دار الأزياء الإيطالية غوتشي التي تعد أحد الشركاء الأصليين في سوق صناعة الأمتعة، فيعود تاريخها مع السفر إلى ما قبل إطلاق الدار وتحديداً في نهاية القرن 19. كان غوتشيو غوتشي، مؤسس الدار، مهاجراً إيطالياً يعيش بين باريس ولندن، أعجب بالأمتعة الفاخرة التي رآها مع نزلاء الفنادق، لذلك عندما عاد إلى مسقط رأسه في فلورانسا استغل الخامات عالية الجودة سواء من الجلود أو الأنسجة لينتج أمتعة تحمل شعار الدار، مستغلاً مهارة الحرفيين في المدينة. ورغم تطور حقائب «غوتشي» للسفر من الناحية الوظيفية، فإن التفاصيل الكلاسيكية، بداية من اللون البيج وشعار الدار والشرائط المميزة لألوان غوتشي بالأحمر والأخضر، ظلت كما هي لم تتغير.
أما «فندي» فلها مشاركة محدودة في صناعة أمتعة السفر، في حين تجد الدار الاستثمار الذكي في حقائب اليد متوسطة الحجم التي يمكن حملها في السفر. تقدم أيضاً حقائب كبيرة مزودة بتفاصيل وظيفية توفر قدراً من الرفاهية. من أشهر الموديلات التي قدمتها «فندي» حقيبة «Monster Eyes» المُصممة من القماش مع الجلد، مع علامة مزخرفة بالشعار. كما تقدم شكلاً آخر أكثر وظيفية، مصمماً من الألمونيوم مُزداناً بشعار الدار حتى لا تفقد الحقيبة هويتها، لا سيما أن التصميم يعد مسايرة لما تقدمه العلامات التجارية الأقوى في هذه السوق.
لأن الصناعة الإيطالية معروفة بحرفيتها، خصوصاً فيما يخص الملحقات مثل أمتعة السفر، كان من المتوقع أن نرى أكثر من دار أزياء تتنافس على تقديم أمتعة السفر، ومن بينها دار «برادا» التي تعد الأكثر تنوعاً مقارنة بزميلاتها في الصناعة الإيطالية. قدمت «برادا» تصاميم متنوعة من أمتعة السفر كبيرة الحجم، منها المصمم من القماش الفاخر بألوان داكنة تتحمل السفر، ومنها ما هو مطبع برسوم فنية.


مقالات ذات صلة

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

لمسات الموضة الجينز لا يزال يتصدر منصات الموضة العالمية مثل عرض «ليبرتين» خلال أسبوع نيويورك الأخير (إ.ب.أ)

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

مهما تغيرت المواسم والأذواق، هناك قطع من الموضة تتحدى الزمن وتعتبر بمثابة استثمار سعره فيه.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)

الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
TT

الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

في عالم الموضة هناك حقائق ثابتة، واحدة منها أن حلول عام جديد يتطلب أزياء تعكس الأمنيات والآمال وتحتضن الجديد، وهذا يعني التخلص من أي شيء قديم لم يعد له مكان في حياتك أو في خزانتك، واستبدال كل ما يعكس الرغبة في التغيير به، وترقب ما هو آتٍ بإيجابية وتفاؤل.

جولة سريعة في أسواق الموضة والمحال الكبيرة تؤكد أن المسألة ليست تجارية فحسب. هي أيضاً متنفس لامرأة تأمل أن تطوي صفحة عام لم يكن على هواها.

اقترح المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 قطعاً متنوعة كان فيها التول أساسياً (رامي علي)

بالنسبة للبعض الآخر، فإن هذه المناسبة فرصتهن للتخفف من بعض القيود وتبني أسلوب مختلف عما تعودن عليه. المتحفظة التي تخاف من لفت الانتباه –مثلاً- يمكن أن تُدخِل بعض الترتر وأحجار الكريستال أو الألوان المتوهجة على أزيائها أو إكسسواراتها، بينما تستكشف الجريئة جانبها الهادئ، حتى تخلق توازناً يشمل مظهرها الخارجي وحياتها في الوقت ذاته.

كل شيء جائز ومقبول. المهم بالنسبة لخبراء الموضة أن تختار قطعاً تتعدى المناسبة نفسها. ففي وقت يعاني فيه كثير من الناس من وطأة الغلاء المعيشي، فإن الأزياء التي تميل إلى الجرأة والحداثة اللافتة لا تدوم لأكثر من موسم. إن لم تُصب بالملل، يصعب تكرارها إلا إذا كانت صاحبتها تتقن فنون التنسيق. من هذا المنظور، يُفضَّل الاستثمار في تصاميم عصرية من دون مبالغات، حتى يبقى ثمنها فيها.

مع أن المخمل لا يحتاج إلى إضافات فإن إيلي صعب تفنن في تطريزه لخريف وشتاء 2024 (إيلي صعب)

المصممون وبيوت الأزياء يبدأون بمغازلتها بكل البهارات المغرية، منذ بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول) تقريباً، تمهيداً لشهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول). فهم يعرفون أن قابليتها للتسوق تزيد في هذا التوقيت. ما يشفع لهم في سخائهم المبالغ فيه أحياناً، من ناحية الإغراق في كل ما يبرُق، أن اقتراحاتهم متنوعة وكثيرة، تتباين بين الفساتين المنسدلة أو الهندسية وبين القطع المنفصلة التي يمكن تنسيقها حسب الذوق الخاص، بما فيها التايورات المفصلة بسترات مستوحاة من التوكسيدو أو كنزات صوفية مطرزة.

بالنسبة للألوان، فإن الأسود يبقى سيد الألوان مهما تغيرت المواسم والفصول، يليه الأحمر العنابي، أحد أهم الألوان هذا الموسم، إضافة إلى ألوان المعادن، مثل الذهبي أو الفضي.

المخمل كان قوياً في عرض إيلي صعب لخريف وشتاء 2024... قدمه في فساتين وكابات للرجل والمرأة (إيلي صعب)

ضمن هذه الخلطة المثيرة من الألوان والتصاميم، تبرز الأقمشة عنصراً أساسياً. فكما الفصول والمناسبات تتغير، كذلك الأقمشة التي تتباين بين الصوف والجلد اللذين دخلا مناسبات السهرة والمساء، بعد أن خضعا لتقنيات متطورة جعلتهما بملمس الحرير وخفته، وبين أقمشة أخرى أكثر التصاقاً بالأفراح والاحتفالات المسائية تاريخياً، مثل التول والموسلين والحرير والمخمل والبروكار. التول والمخمل تحديداً يُسجِّلان في المواسم الأخيرة حضوراً لافتاً، سواء استُعمل كل واحد منهما وحده، أو مُزجا بعضهما ببعض. الفكرة هنا هي اللعب على السميك والشفاف، وإن أتقن المصممون فنون التمويه على شفافية التول، باستعماله في كشاكش كثيرة، أو كأرضية يطرزون عليها وروداً وفراشات.

التول:

التول كما ظهر في تشكيلة المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 (رامي علي)

لا يختلف اثنان على أنه من الأقمشة التي تصرخ بالأنوثة، والأكثر ارتباطاً بالأفراح والليالي الملاح. ظل طويلاً لصيقاً بفساتين الزفاف والطرحات وبأزياء راقصات الباليه، إلا أنه الآن يرتبط بكل ما هو رومانسي وأثيري.

شهد هذا القماش قوته في عروض الأزياء في عام 2018، على يد مصممين من أمثال: إيلي صعب، وجيامباتيستا فالي، وسيمون روشا، وهلم جرا، من أسماء بيوت الأزياء الكبيرة. لكن قبل هذا التاريخ، اكتسب التول شعبية لا يستهان بها في القرنين التاسع عشر والعشرين، لعدد من الأسباب مهَّدت اختراقه عالم الموضة المعاصرة، على رأسها ظهور النجمة الراحلة غرايس كيلي بفستان بتنورة مستديرة من التول، في فيلم «النافذة الخلفية» الصادر في عام 1954، شد الانتباه ونال الإعجاب. طبقاته المتعددة موَّهت على شفافيته وأخفت الكثير، وفي الوقت ذاته سلَّطت الضوء على نعومته وأنوثته.

التول حاضر دائماً في تشكيلات المصمم إيلي صعب خصوصاً في خط الـ«هوت كوتور» (إيلي صعب)

منذ ذلك الحين تفتحت عيون صناع الموضة عليه أكثر، لتزيد بعد صدور السلسلة التلفزيونية الناجحة «سيكس أند ذي سيتي» بعد ظهور «كاري برادشو»، الشخصية التي أدتها الممثلة سارة جيسيكا باركر، بتنورة بكشاكش وهي تتجول بها في شوارع نيويورك في عز النهار. كان هذا هو أول خروج مهم لها من المناسبات المسائية المهمة. كانت إطلالة مثيرة وأيقونية شجعت المصممين على إدخاله في تصاميمهم بجرأة أكبر. حتى المصمم جيامباتيستا فالي الذي يمكن وصفه بملك التول، أدخله في أزياء النهار في تشكيلته من خط الـ«هوت كوتور» لعام 2015.

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» استعملت فيها ماريا غراتزيا تشيوري التول كأرضية طرزتها بالورود (ديور)

ما حققه من نجاح جعل بقية المصممين يحذون حذوه، بمن فيهم ماريا غراتزيا تشيوري، مصممة دار «ديور» التي ما إن دخلت الدار بوصفها أول مصممة من الجنس اللطيف في عام 2016، حتى بدأت تنثره يميناً وشمالاً. تارة في فساتين طويلة، وتارة في تنورات شفافة. استعملته بسخاء وهي ترفع شعار النسوية وليس الأنوثة. كان هدفها استقطاب جيل الشابات. منحتهن اقتراحات مبتكرة عن كيفية تنسيقه مع قطع «سبور» ونجحت فعلاً في استقطابهن.

المخمل

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» اجتمع فيها المخمل والتول معاً (ديور)

كما خرج التول من عباءة الأعراس والمناسبات الكبيرة، كذلك المخمل خرج عن طوع الطبقات المخملية إلى شوارع الموضة وزبائن من كل الفئات.

منذ فترة وهو يغازل الموضة العصرية. في العام الماضي، اقترحه كثير من المصممين في قطع خطفت الأضواء من أقمشة أخرى. بملمسه الناعم وانسداله وألوانه الغنية، أصبح خير رفيق للمرأة في الأوقات التي تحتاج فيها إلى الدفء والأناقة. فهو حتى الآن أفضل ما يناسب الأمسيات الشتوية في أوروبا وأميركا، وحالياً يناسب حتى منطقة الشرق الأوسط، لما اكتسبه من مرونة وخفة. أما من الناحية الجمالية، فهو يخلق تماوجاً وانعكاسات ضوئية رائعة مع كل حركة أو خطوة.

تشرح الدكتورة كيمبرلي كريسمان كامبل، وهي مؤرخة موضة، أنه «كان واحداً من أغلى الأنسجة تاريخياً، إلى حد أن قوانين صارمة نُصَّت لمنع الطبقات الوسطى والمتدنية من استعماله في القرون الوسطى». ظل لقرون حكراً على الطبقات المخملية والأثرياء، ولم يُتخفف من هذه القوانين إلا بعد الثورة الصناعية. ورغم ذلك بقي محافظاً على إيحاءاته النخبوية حتى السبعينات من القرن الماضي. كانت هذه هي الحقبة التي شهدت انتشاره بين الهيبيز والمغنين، ومنهم تسلل إلى ثقافة الشارع.

يأتي المخمل بألوان غنية تعكس الضوء وهذه واحدة من ميزاته الكثيرة (إيلي صعب)

أما نهضته الذهبية الأخيرة فيعيدها الخبراء إلى جائحة «كورونا»، وما ولَّدته من رغبة في كل ما يمنح الراحة. في عام 2020 تفوَّق بمرونته وما يمنحه من إحساس بالفخامة والأناقة على بقية الأنسجة، وكان الأكثر استعمالاً في الأزياء المنزلية التي يمكن استعمالها أيضاً في المشاوير العادية. الآن هو بخفة الريش، وأكثر نعومة وانسدالاً بفضل التقنيات الحديثة، وهو ما جعل كثيراً من المصممين يسهبون فيه في تشكيلاتهم لخريف وشتاء 2024، مثل إيلي صعب الذي طوعه في فساتين و«كابات» فخمة طرَّز بعضها لمزيد من الفخامة.

من اقتراحات «سكاباريللي» (سكاباريللي)

أما «بالمان» وبرابال غورانغ و«موغلر» و«سكاباريللي» وغيرهم كُثر، فبرهنوا على أن تنسيق جاكيت من المخمل مع بنطلون جينز وقميص من الحرير، يضخه بحداثة وديناميكية لا مثيل لها، وبان جاكيت، أو سترة مستوحاة من التوكسيدو، مع بنطلون كلاسيكي بسيط، يمكن أن ترتقي بالإطلالة تماماً وتنقلها إلى أي مناسبة مهمة. الشرط الوحيد أن يكون بنوعية جيدة حتى لا يسقط في خانة الابتذال.