خيارات المواجهة الإيرانية ـ الأميركية

بقايا طائرة الاستطلاع الأميركية التي أسقطتها إيران أول من أمس (أ.ف.ب)
بقايا طائرة الاستطلاع الأميركية التي أسقطتها إيران أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

خيارات المواجهة الإيرانية ـ الأميركية

بقايا طائرة الاستطلاع الأميركية التي أسقطتها إيران أول من أمس (أ.ف.ب)
بقايا طائرة الاستطلاع الأميركية التي أسقطتها إيران أول من أمس (أ.ف.ب)

أثار نبأ إسقاط إيران طائرة «درون» أميركية، أول من أمس، الكثير من العناوين المثيرة حول دخول العلاقات المتوترة بين الجانبين مرحلة جديدة قد تتحول فيها الحرب الباردة بينهما إلى أخرى ساخنة.
ومع هذا، يعتقد بعض المحللين أن الحادثة ربما تهدف إلى الحيلولة دون حدوث هذا التطور على وجه التحديد.
كيف؟
مع بدء شعور «الجمهورية الإسلامية» بالآلام الاقتصادية الناجمة عن العقوبات التي صممها الرئيس باراك أوباما ونفذها خليفته دونالد ترمب، تدرك القيادة الإيرانية اليوم أن عدم الرد ليس خياراً متاحاً. والسؤال: كيف يمكن الرد؟
من بين الخيارات القائمة الوقوف ساكناً، لكن هذا من شأنه دحض ادعاء «الجمهورية الإسلامية» بأنها قوى كبرى قادرة على ليس الدفاع عن نفسها فحسب، وإنما كذلك استعراض قوتها عبر الشرق الأوسط. كما أن عدم فعل شيء سيحث خصوم النظام بالداخل على تعبئة واستغلال المشكلات الاقتصادية الحتمية الناجمة عن العقوبات، وصولاً إلى الانتخابات العامة العام المقبل.
ويتمثل خيار آخر في رفع درجة الحرارة رويداً رويداً، مع مواجهة مخاطرة إشعال فتيل حرب تدرك إيران جيداً أنه ليس بإمكانها الفوز فيها.
ويبدو أن قيادة طهران اختارت خياراً ثالثاً: اتخاذ خطوات مثيرة لانتباه وسائل الإعلام من شأنها تعزيز الروح المعنوية لدى أنصار النظام بالداخل والخارج دون منح «الشيطان الأكبر» ذريعة لشن انتقام عسكري شامل.
وقد ظهرت ملامح هذه السياسة في الهجوم الذي استهدف ناقلات نفطية في الفجيرة، وفي وقت قريب ناقلات تمر عبر خليج عمان. ويعتبر إسقاط طائرة «درون» الأميركية الحلقة الأحدث في هذه السلسلة. ويجب أن نضيف إلى هذه الحوادث شن هجومين صاروخيين ضد منشآت تتبع شركة نفط أميركية في البصرة ومجمع خاص بمستشارين عسكريين أميركيين في الموصل بالعراق. ويمكن النظر كذلك إلى الكثافة المفاجئة خلال فترة قصيرة للهجمات الصاروخية من جانب المتمردين الحوثيين في اليمن باعتبار أنها جزء من السياسة ذاتها، وإن كان في إطار أوسع.
وقد تشاركت جميع هذه الأحداث في أربعة ملامح أساسية:
أولاً: وقعت جميعها بعيداً، لكن ليس على مسافة كبيرة للغاية، عن مضيق هرمز الذي تعتبره طهران واحدا من آخر البطاقات لديها للعب بها. ومن شأن وقوع هجوم هناك فضح ادعاء إيران بأن لديها القدرة على غلق المضيق أو إبقائه مفتوحاً، حسب رغبتها.
ثانياً: تتضمن جميع الحالات عنصر الإنكار المعقول، فرغم أنه واضح لجميع المتابعين للتطورات أن إيران وحدها قادرة على شن مثل هذه الهجمات، فإنه من الصعب تجميع أدلة ملموسة قادرة على إقناع محكمة قانونية.
ثالثا: جميع الهجمات جرى تخطيطها بعناية لتجنب سقوط ضحايا أو إحداث أضرار مادية فادحة. جدير بالذكر هنا أن ناقلات النفط التي هوجمت في الفجيرة كانت خالية وفي طريقها لتحميل نفط، وليس في طريقها لأسواق عالمية وهي محملة بالنفط الخام. كما أن الناقلات التي استهدفت لاحقاً فتعرضت للهجوم في وقت كان أفراد الطاقم في استراحة، الأمر الذي قلص مخاطرة إيذاء أرواح بشرية.
رابعاً: ترمي هذه الهجمات إلى إظهار قدرة «الجمهورية الإسلامية» على العمل في مساحة جغرافية واسعة نسبياً تمتد عبر عمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والعراق، ناهيك عن مظاهر الوجود التجاري والعسكري الأميركي بالمنطقة.
السؤال هنا: ما الرد الذي تتوقعه إيران؟
من بين الاستجابات الممكنة تعبئة الرأي العام الدولي ضد «أخطار اشتعال حرب جديدة في الشرق الأوسط» على أمل أن يشكل هذا ضغطاً على إدارة ترمب كي لا تزيد من صرامة موقفها في مواجهة إيران. ومن الممكن أن تسد هذه الاستراتيجية الفراغ حتى الربيع القادم عندما تنطلق الانتخابات الرئاسية الأميركية. بعد ذلك، لن يخاطر ترمب ببدء حرب جديدة على مقربة شديدة من مساعيه للفوز بفترة رئاسية ثانية.
يتمثل خيار آخر في المضي في رفع درجات الحرارة والجلبة من أجل إحاطة جهود ترمب لإعادة انتخابه بأصوات طبول الحرب. اليوم، تروج طهران لخطاب أن ترمب رجل سلام يحيط به عدد من الساعين لإشعال الحروب مثل جون بولتون ومايك بومبيو. وإذا قرر ترمب في لحظة ما التخلي عن الرجلين، فستعتبر طهران ذلك انتصاراً جزئياً لها وتنتظر ما تتمخض عنه الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة.



إسرائيل ليست عضواً في «الجنائية الدولية»... كيف تلاحق المحكمة نتنياهو وغالانت؟

بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)
بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)
TT

إسرائيل ليست عضواً في «الجنائية الدولية»... كيف تلاحق المحكمة نتنياهو وغالانت؟

بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)
بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)

تقدم أوامر الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية هذا الأسبوع بحق زعماء إسرائيل و«حماس»، بسبب الجرائم التي تتهمهم بارتكابها في غزة، رؤى مهمة حول مدى اختصاص المحكمة وحدود سلطتها.

وقدم تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» ما يجب أن نعرفه عن النطاق القانوني للمحكمة، حيث تسعى إلى اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت؛ ورئيس الجناح العسكري لـ«حماس» محمد الضيف، الذي قد يكون ما زال على قيد الحياة.

لماذا تدعي المحكمة الاختصاص في هذه القضية؟

لقد انضمت أكثر من 120 دولة إلى معاهدة دولية، وهي نظام روما الأساسي، وهي أعضاء في المحكمة. تأسست المحكمة، التي يقع مقرها في لاهاي في هولندا، منذ أكثر من عقدين من الزمان لمقاضاة الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية وجريمة العدوان.

واتهمت المحكمة نتنياهو وغالانت باستخدام التجويع كسلاح حرب، من بين تهم أخرى، في الصراع مع «حماس» في غزة.

واتهمت المحكمة محمد الضيف، أحد المخططين الرئيسيين لهجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك القتل والتعذيب والعنف الجنسي واحتجاز الرهائن.

لا تعترف الدول القوية، بما في ذلك روسيا والولايات المتحدة والصين، بسلطة المحكمة. ولم تصادق على نظام روما الأساسي، ولا تحترم المذكرات الدولية الصادرة عن المحكمة ولن تسلم مواطنيها للمحاكمة.

لا إسرائيل ولا فلسطين عضوان في المحكمة. ولكن في حين لا تعترف العديد من الدول بدولة فلسطين، فقد فعلت المحكمة ذلك منذ عام 2015، عندما وقع قادة السلطة الفلسطينية، التي تسيطر على جزء كبير من الضفة الغربية.

وعلى الرغم من سيطرة «حماس» على غزة منذ عام 2007 ولا تعترف الجماعة المسلحة بخضوعها لدولة فلسطينية، فقد قضت المحكمة بأن لها ولاية قضائية على الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية.

وقال ديفيد شيفر، السفير الأميركي السابق والمفاوض الرئيسي في النظام الأساسي الذي أنشأ المحكمة: «أود أن أزعم أن هذا يجعل تصرفات (حماس) أكثر عرضة للمحكمة الجنائية الدولية. إن السلطة القضائية للمحكمة الجنائية الدولية لا تقتصر على (حماس) فقط، بل إن (حماس) أثبتت دورها كسلطة حاكمة لذلك الجزء من دولة فلسطين، وبالتالي فإن هذه السلطة تحمل المسؤولية، بما في ذلك ارتكاب جرائم فظيعة».

ومن الأهمية بمكان بالنسبة لسلطة المحكمة أن اختصاصها يمكن أن يمتد إلى ما هو أبعد من الدول الأعضاء. ويمنح نظام روما الأساسي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بموجب ميثاق الأمم المتحدة، سلطة إحالة جرائم الفظائع المرتكبة في أي دولة -عضو في المحكمة الدولية أم لا- إلى الهيئة القانونية للتحقيق.

وقد أحال مجلس الأمن السودان إلى المحكمة في عام 2005 بشأن الوضع الإنساني في دارفور، وأحال ليبيا في عام 2011 رغم أن كلتا الدولتين ليست عضواً في المحكمة.

وقال الخبراء إنه نظراً للتوترات الحالية بين الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس (بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة)، فمن غير المرجح أن يحيل المجلس بالإجماع فرداً إلى المحكمة للمحاكمة في أي وقت قريب.

وأشار شفير إلى أنه «نظراً للطبيعة غير الوظيفية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في السنوات الأخيرة، فمن غير المرجح أن تنجو أي إحالة مقترحة لأي حالة معينة في العالم من الفيتو».

هل سعت المحكمة إلى محاكمة زعماء من دول غير أعضاء؟

بالفعل، سعت المحكمة إلى محاكمة زعماء من دول غير أعضاء، فروسيا ليست عضواً في المحكمة، ولكن في عام 2023 أصدرت مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بشأن غزو موسكو الكامل لأوكرانيا، التي لم تصبح عضواً بعد ولكنها منحت المحكمة الاختصاص ودعتها للتحقيق.

كما أصدرت المحكمة مذكرات اعتقال بحق عمر حسن البشير، الرئيس السابق للسودان، والعقيد معمر القذافي، الزعيم السابق لليبيا. ولا تتمتع أي من الدولتين بعضوية المحكمة.

في عام 2017، بدأ المدعي العام للمحكمة التحقيق في مزاعم جرائم الحرب في أفغانستان، بما في ذلك أي جرائم ربما ارتكبها الأميركيون. ورداً على ذلك، فرضت واشنطن عقوبات على فاتو بنسودا، المدعية العامة للمحكمة في ذلك الوقت، وألغت تأشيرة دخولها. وأسقطت المحكمة تحقيقاتها في وقت لاحق.

هل يمكن للمحكمة إنفاذ أوامر الاعتقال؟

في حين أن نطاق المحكمة قد يكون عالمياً تقريباً من الناحية النظرية، فإن قوتها في نهاية المطاف في أيدي أعضائها.

لا يمكن للمحكمة محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم غيابياً وليس لديها آلية لمحاكمة المتهمين. إنها تعتمد على الدول الأعضاء للعمل كجهات منفذة واحتجاز المشتبه بهم قبل أن يتمكنوا من المثول للمحاكمة في لاهاي. ومع ذلك، لا تلتزم جميع الدول الأعضاء بالاتفاق.

قال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الجمعة، إنه دعا نتنياهو لزيارة بلاده، وهي عضو في المحكمة، وأنه سيتجاهل التزامه الرسمي بالتصرف بناءً على مذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة.

في سبتمبر (أيلول)، زار بوتين منغوليا، وهي عضو آخر، من دون أن يتم القبض عليه.

وزار البشير جنوب أفريقيا، وهي أيضاً عضو، لحضور قمة الاتحاد الأفريقي لعام 2015.