الفينيقيون وصلوا إلى المحيط الأطلسي واستقروا في لشبونة

لوحة حجرية تحمل كتابات فينيقية على أطراف العاصمة البرتغالية

الفينيقيون وصلوا إلى المحيط الأطلسي واستقروا في لشبونة
TT

الفينيقيون وصلوا إلى المحيط الأطلسي واستقروا في لشبونة

الفينيقيون وصلوا إلى المحيط الأطلسي واستقروا في لشبونة

بعد عقود من الاكتشافات الأثرية في عدد من الحواضر المنتشرة على ضفاف المتوسط، ترسّخت عند الباحثين المعلومات الوافية التي تؤكد أن الفينيقيين كانوا أولى الحضارات القديمة الكبرى التي بسطت سيطرتها على منطقة المتوسط بكاملها. وكانت ثمة نظريات تستند إلى بعض الآثار المتفرّقة التي عُثِر عليها في محيط قادش ومضيق جبل طارق ترجّح أن المستعمرات الفينيقية امتدّت إلى السواحل الأطلسية، لكنها كانت تفتقر إلى الدلائل الكافية لإثباتها.
أواخر الشهر الماضي، كانت ورشة عمّال تحفر حول مبنى قديم يعود إلى العهد الروماني لتحويله إلى فندق فخم على هضبة قصر القديس جاورجيوس في العاصمة البرتغالية، عندما ظهرت أمامهم لوحة حجرية تحمل كتابات غريبة تبيّن أنها باللغة الفينيقية، وجزء من مقبرة تمتدّ عشرات الأمتار في منطقة الحفريات، مما يؤكد أن الفينيقيين وصلوا إلى المحيط الأطلسي واستقرّوا في لشبونة كما في مالقة وقادش، كما تقول آنا ماريا آرّودا الباحثة في مركز الآثار التابع لجامعة لشبونة.
أما كيف وصلت اللوحة إلى أحد جدران المبنى الروماني القديم، فيقول عالم الآثار البرتغالي جوزيه زامورا إن الرومان، جرياً على عادتهم، أعادوا استخدام الحجارة المصقولة التي أخذوها من المقبرة لتشييد المبنى، وإن «ثمّة مَن دفنوا هناك حسب الطقوس الفينيقية كما تدلّ الكتابات، وإن الفينيقيين وصلوا إلى لشبونة وأقاموا فيها».
ويشير اختصاصيون في التاريخ الفينيقي من معهد التاريخ القديم في روما يتابعون عن كثب أعمال التنقيب في العاصمة البرتغالية، إلى أن اللوحة التي عُثِر عليها أخيراً تؤكد نظرية وجود مستعمرة فينيقية كبيرة في لشبونة تقدّر مساحتها بخمسة عشر هكتاراً كان يسكنها نحو 2500 نسمة في العصر الحديدي، أي في النصف الأول من الألفية الأولى قبل الميلاد.
وتقول الباحثة إليسا دي سوسا في دراسة قدّمتها خلال المؤتمر الدولي التاسع للدراسات الفينيقية الذي عُقِد أخيراً في مدينة ميريدا الإسبانية الواقعة على الحدود مع البرتغال: «إن ما يدعم بقوّة وجود المستعمرات الفينيقية على الوجه الأطلسي لشبه الجزيرة الإيبيرية هي المواد والأدوات التي كانت تُستخدم في بلاد الشرق، مثل القوارير والخزف المطلي باللونين الأحمر والرمادي»، وتضيف: «إن دخول هذه المواد إلى لشبونة لم يحصل بتدرّج، بل بشكل مكثّف منذ القرن السابع قبل الميلاد، وانتشر استخدامها على نطاق واسع بالتزامن مع تراجع استخدام المواد والأدوات المحلّية. وإن دلّ ذلك على شيء، فهو يدلّ على أن ما حصل لم يكن مجرد نقل للمعارف من الفينيقيين إلى السكّان المحليين، بل ترسيخ لتقاليد الإنتاج الشرقية في لشبونة إبّان العصر الحديدي».
وكشفت دي سوسا في دراستها أنه على بعد خمسة كيلومترات من موقع التنقيب المذكور، وعلى الضفة الأخرى لنهر التاج، يوجد موقع فينيقي آخر لا يقلّ أهمية من حيث المساحة والآثار الموجودة فيه. وتقول إن شكل الموقع الذي يقوم حوله جداران وتتوزّع فيه مجموعة من المساكن «يدلّ على أن الموقعين كانا يشكّلان وحدة سياسية وإدارية لمستعمرة أسسها الفينيقيون الغربيّون أواخر القرن الثامن قبل الميلاد»، وتضيف أن الموقع على الضفة خارج المدينة كان مخصصاً للأنشطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، نظراً لطبيعة المباني الدفاعية، وقلّة عدد السكان والعلامات المؤشرة على الثراء، بينما الموقع داخل لشبونة الحالية كان مخصصاً للأنشطة الإنتاجية التي كانت تدور في معظمهما حول صناعة الخزف والفخّار.
وتذكّر دي سوسا أن توزيع المباني في الموقعين يتطابق مع التوزيع الذي كُشف عنه منذ سنوات في مدينة قادش الإسبانية التي كانت أحد أهمّ مراكز الامتداد الفينيقي في شبه الجزيرة الإسبانية، إلى جانب غرناطة وآلمونيكار التي عُثر في جوارها على أكبر مقبرة فينيقية في حوض البحر المتوسط.
وتجدر الإشارة إلى أن عدداً من كبار المختصين بتاريخ الحضارة الفينيقية من إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وتونس ينكبّون حالياً على دراسة اللوحات المنقوشة والكتابات التي عُثر عليها في بعض المواقع الأندلسية، التي يرجّح أنها تحمل مفتاح بداية الكتابة في القارة الأوروبية.


مقالات ذات صلة

مصر: اكتشاف مصاطب ومقابر أثرية تبوح بأسرار جديدة عن سقارة

يوميات الشرق مدخل مقبرة بسقارة

مصر: اكتشاف مصاطب ومقابر أثرية تبوح بأسرار جديدة عن سقارة

ما زالت منطقة سقارة الأثرية تبوح بأسرارها، حيث اكتشفت البعثة الأثرية المصرية اليابانية مصاطب ومقابر ودفنات تكشف مزيداً عن تاريخ هذه المنطقة الأثرية المهمة. …

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

جدد بناء «كشك نور» بالطوب الأحمر، في مكان بارز بمنطقة الجمالية الأثرية بالقاهرة، مطالب خبراء أثريين بتشديد الرقابة على المناطق الأثرية وحمايتها.

منى أبو النصر (القاهرة )
يوميات الشرق في هذه الصورة التي قدمتها جامعة برمنغهام اليوم 2 يناير 2025 يجري العمل على اكتشاف 5 مسارات كانت تشكل جزءاً من «طريق الديناصورات» بمحجر مزرعة ديوارز بأوكسفوردشير بإنجلترا (أ.ب)

علماء يعثرون على آثار أقدام ديناصورات في إنجلترا

اكتشف باحثون مئات من آثار أقدام الديناصورات التي يعود تاريخها إلى منتصف العصر الجوراسي في محجر بأوكسفوردشير بجنوب إنجلترا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الأثر ثلاثي الأصبع (جامعة برمنغهام)

من هنا مرَّت الديناصورات...

اكتشف عامل محاجر بريطاني أكبر موقع لآثار الديناصورات في البلاد، وذلك في محجر بمقاطعة أكسفوردشاير، جنوب شرقي إنجلترا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
ثقافة وفنون ثلاث قطع أثرية من موقع الدُّور في أم القيوين

قطع أثرية يونانية من موقع الدُّور

يحتل موقع الدُّور مكانة بارزة في سلسلة المواقع الأثرية التي كشفت عنها أعمال التنقيب المتواصلة في دولة الإمارات العربية

محمود الزيباوي

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.