جعجع يعلن استعداده الانسحاب لصالح «لائحة بكركي» وجنبلاط يقطع طريق الرئاسة عليه وعلى عون

«8 آذار» لم ترَ جديدا في مبادرة زعيم «القوات».. والراعي أكد أن لا مرشحين لديه

رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام خلال استقباله السفير الفرنسي في بيروت باتريك باولي أمس (دالاتي ونهرا)
رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام خلال استقباله السفير الفرنسي في بيروت باتريك باولي أمس (دالاتي ونهرا)
TT

جعجع يعلن استعداده الانسحاب لصالح «لائحة بكركي» وجنبلاط يقطع طريق الرئاسة عليه وعلى عون

رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام خلال استقباله السفير الفرنسي في بيروت باتريك باولي أمس (دالاتي ونهرا)
رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام خلال استقباله السفير الفرنسي في بيروت باتريك باولي أمس (دالاتي ونهرا)

قطع رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط الطريق أمس على إمكانية دعم فريقه لترشيح كل من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، بإشارته إلى أنه سيبلغ رئيس الحكومة الأسبق، رئيس تيار المستقبل، سعد الحريري، إذا التقاه في باريس الأسبوع المقبل، «أننا لن ننتخب لا عون ولا جعجع».
وقال جنبلاط، في حديث تلفزيوني أمس: «إننا بحاجة إلى رئيس دولة قوي وليس إلى رئيس مسيحي قوي»، مذكرا بما انتهت إليه عهود رؤساء سابقين بالقول: «الرئيس كميل شمعون كان رئيسا قويا وانتهى عهده بحرب أهلية، وانتهى عهد بشير الجميل باغتيال، وكذلك الرئيس أمين الجميل الذي انتهى عهده بالحرب الأهلية».
وقال جنبلاط، الذي تبنى ترشيح النائب في كتلته هنري حلو واضعا تأييده في إطار «تراث الاعتدال منذ أيام والده بيار الحلو»، إن «عون لم يترشح للرئاسة، ولا يوجد سوى مرشحين، المرشح الأول هو سمير جعجع عن فريق (14 آذار) والمرشح الثاني هو حلو»، واصفا عون بأنه «مرشح افتراضي لـ(حزب الله)».
وفي حين اكتفت مصادر في «القوات اللبنانية» بالتعليق لـ«الشرق الأوسط» على مواقف جنبلاط بالقول إنها «ليست بجديدة»، لم تأخذ القوى السياسية بكثير من الاهتمام المبادرة التي أطلقها جعجع، أول من أمس، لحل المأزق الرئاسي، مع تصدر ملف سلسلة «الرتب والرواتب» واجهة الاهتمام الرسمي أمس، إثر فشل عقد البرلمان جلسة تشريعية وإعلان موظفي القطاع العام والمدرسين الذين ينتظرون زيادة على رواتبهم الإضراب المفتوح حتى تحقيق مطالبهم.
وبينما شهد البرلمان أمس سلسلة من الردود والاتهامات المتبادلة لناحية الفريق الذي يتحمل مسؤولية تعطيل انعقاد البرلمان، برز موقف لافت للبطريركية المارونية، التي ردت على جعجع، من دون أن تسميه، نافية الكلام عن «وجود أي لائحة لديها بأسماء مرشحين للرئاسة». وأكدت أنها «لم ولن تتدخل في لعبة الأسماء وليس لديها أي مرشح معين».
وكان جعجع أبدى، في حديث تلفزيوني ليل الاثنين، جهوزيته لأي «اقتراح يخرجنا من الأزمة إذا كان هناك أي اقتراح في الأفق»، وقال إن «لائحة بكركي التي تضم (الوزراء السابقين) دميانوس قطار وروجيه ديب وزياد بارود، مقبولة لدي»، متسائلا في الوقت ذاته: «ولكن هل يقبل بها الفريق الآخر؟». واقترح جعجع على عون النزول إلى البرلمان وخوض المنافسة في الجلسة المقبلة (19 يونيو)، داعيا قوى «14 آذار» إلى التفاهم مع فريق «8 آذار» على اسمين والتصويت عليهما في مجلس النواب.
ولم يرَ فريق «8 آذار» جديدا في اقتراحات جعجع، وقال القيادي في التيار الوطني الحر، الوزير السابق ماريو عون إن «جعجع لم يأتِ بجديد في مبادرته، في حين أن فريق (8 آذار) كان ينتظر منه خطوة براقة كإعلان انسحابه من الانتخابات كي يفسح في المجال أمام خلط جديد للأوراق وإمكان حلحلة الملف الرئاسي».
واعتبر عون، في حديث إذاعي، أن دعوة جعجع عون إلى الترشح «قديمة وتتركنا في الدوامة نفسها»، وأكد أن «فريق (8 آذار) أعلن موقفه في تأييد عون كمرشح توافقي»، نافيا أن يكون لدى عون خطة بديلة، ومعوّلا في الوقت ذاته على «الحوار الذي يجري مع تيار المستقبل والتي من الممكن أن تتغير فيها الأمور في أي وقت من الأوقات».
في المقابل، أثنى مصدر مسيحي في «14 آذار» لـ«الشرق الأوسط» على «إيجابية جعجع وشجاعته في مواجهة الاستحقاقات وتحمل المسؤوليات الديمقراطية». وقال إن ذلك «ليس بجديد على جعجع الذي اتبع خيار الانفتاح منذ موافقته على اتفاق الطائف، وكرره في عام 2005 حين وحد المسار المسيحي مع المسلم، في إشارة إلى تحالف القوات مع تيار المستقبل، وكذلك في عام 2014 حين ترشح للرئاسة وفق برنامج «14 آذار»، مؤكدا أنه «رجل دولة ولا يتنازل عن قناعاته، في حين أن المرشح الخصم (عون) يستمر في استجداء رضا (حزب الله) والمستقبل لإيصال نفسه إلى القصر».
في موازاة ذلك، شدد رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري على أن «تعطيل مؤسسة لا يؤدي إلى إنقاذ مؤسسة أخرى»، في إشارة إلى موقع الرئاسة، معتبرا أن «الهدف الأول والثاني والثالث والعاشر والأحد عشر كوكبا، حسب التعبير القرآني، هو انتخاب رئيس الجمهورية، ولكن هذا لا يمر على جثث المؤسسات الأخرى بتعطيلها».
وقال بري، خلال كلمة ألقاها في البرلمان مع تعذر اكتمال نصاب الجلسة التشريعية أمس: «ما يحصل اليوم لا يخدم انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية، موضحا أن «تعطيل مؤسسة يؤدي إلى تعطيل كل المؤسسات الأخرى، وهذا ضد النص الدستوري الذي يتحدث عن التعاون بين المؤسستين». وتابع: «حينا إذا استقالت حكومة يجب أن يتوقف كل شيء، وحينا آخر إذا تأخر انتخاب رئيس جمهورية يجب أن يتوقف كل شيء في البلد»، معربا عن اعتقاده بأنه «علينا ألا نجعل انتخابات رئاسة الجمهورية، التي هي أعلى مركز وأعلى مسؤولية في البلد ورأس الدولة، في مهب مصالح معينة».
وأبدى بري خشيته من «أن محاولات تعطيل التشريع وتعطيل الحكومة الآن، كل واحد له هدف منها، هناك من لا يريد قانونا انتخابيا جديدا، وهناك من قد لا يكون يريد انتخابات أبدا».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.