خالد البسام

خالد البسام
كاتب ومؤرخ بحريني

حمقى ودجالون

غضب القصاص والمسرحي الروسي الشهير الراحل أنطوان تشيخوف من أحد الصحافيين في أحد الأيام فقال معلقا: «يجب على المعالج النفسي أن لا يتظاهر بأنه يفهم ما لا يفهمه، علينا أن لا نلعب دور الدجال، وعلينا الإعلان بكل صدق أن لا شيء واضح في هذه الدنيا؛ فالحمقى والدجالون هم وحدهم الذين يدعون أنهم يفهمون كل شيء». لقد مضى على هذا الكلام الجميل 127 سنة بالضبط، ولكن يا للهول لم يتغير شيء، فالحمقى والدجالون ما زالوا موجودين في معظم الأوطان وبكثرة أيضا. وهؤلاء يتحدون الجميع كل يوم وكل ساعة، وبثقة عجيبة وبتبجح غير عادي، بل وبغرور غير معقول، ويدعون أنهم يعرفون ويفهمون كل شيء، أي نعم كل شيء، من الإبرة إلى الصاروخ، م

حقوق الحبيبات!

في حوار طويل مع الشاعر الراحل الجميل محمود درويش سألته المحاورة سؤالا لم يخطر على باله حيث قالت له: كيف تخبر امرأة تحبها أنك لم تعد ترغب في لقائها؟ رد درويش على سؤالها باستغراب: وهل أنت من جمعية الدفاع عن حقوق الحبيبات؟ كان الشاعر الراحل يسخر من السؤال رغم أنه يعرف أن للحبيبات في كل الدنيا حقوقا بالفعل، وهي حقوق كثيرة وليست هينة كما يتصور الكثير من الرجال. لا أستطيع التحدث عن حقوق الحبيبات كاملة أولا، ثم إن المهمة صعبة بحيث من المستحيل إحصاء تلك الحقوق التي ربما تزيد على حقوق المحبين من الرجال. غير أن الحب عموما هو من أكثر المشاعر الجميلة في الحياة يجب أن تكون به قوائم طويلة وعريضة من الحقوق و

كومبارس

سألت ممثل كومبارس يعمل في السينما المصرية قبل سنوات عن أهم أدواره التي قدمها، فضحك في الحال وقال: أدوار إيه.. يا أستاذ! أهم دور لي كان في فيلم أسوق فيه شاحنة محملة بالبطيخ، وأظهر فيه لمدة دقيقة واحدة لا أكثر! أما بقية الأدوار فهي أن أقوم بالمشي في الحارة أو أن أعمل جرسونا في مقهى، أو ساعيا يصنع القهوة والشاي للموظفين، وكان لي فيلم كان لا يتعدى دوري فيه تلقي لكمة من البطل وتسيل دمائي بسبب شجاعته! وهناك كومبارس كثيرون يعملون في السينما والمسرح بالكاد يلقون لقمة عيشهم.

يعيش الغزل

كان المطرب الشهير محمد عبد الوهاب يدندن لنا بعوده أغنيته المعروفة «جفنه علم الغزل»، غير أن العشاق العرب لم يتعلموا إلا المزيد من الجهل بالغزل وفنونه. وباعتراف العشاق وكل المحبين عندنا وفي العالم كله ربما، فالغزل يكاد أن يموت بسبب الماديات التي قتلت كل شيء جميل في حياتنا. وفي محاولة جادة لإنقاذ الغزل أجرت دراسة أوروبية تحقيقا جميلا مؤخرا بعنوان «يعيش الغزل» أبرزت أن ظاهرة جديدة في علاقات الرجال بالنساء في فرنسا تقوم على نبذ الأسلوب الصريح والمباشر في التقرب العاطفي، والعودة إلى لعبة الأجداد في اصطياد المحبوبة بشبكة من الكلمات المعسولة والإطراء الأنيق. وقالت الدراسة أيضا: مضى عهد الغزو بالجملة،

شوارب

مع أن الشوارب هي آخر معاقل الرجولة اليوم إلا أنها أصبحت في خطر محدق. فحسب آخر التقارير العربية، فإن آخر ما يفكر فيه العربي هو الاعتزاز بشنبه. بينما لا تفكر النساء في «الشنب الذي يقف عليه الصقر»، ولا صرن يرغبن في الرجال مفتولي الشوارب والعضلات كما كنَّ في الماضي. وبالعكس، فالشنب صار في نظر الكثير من نساء بعض الدول العربية رمزا للتخلف والعصبية ورمزا للرجل الصعيدي المتعصب الذي يظهر في الأفلام وهو يقتل انتقاما لشرفه.

عودة الرومانسية

بعد اختفاء دام سنوات طويلة عادت كتب الرومانسية إلى الظهور في الصفوف الأولى لعرض الكتب بالمكتبات الكبرى في العالم، بسبب الإقبال الكبير عليها في الفترة الأخيرة. وبالمقابل اضطرت كثير من دور النشر الغربية والمتخصصة في نشر الكتب الرومانسية إلى زيادة طباعتها من هذه الكتب.

الرضا المستحيل

منحت دولة عربية رئيس وزرائها الذي كان ذاهبا إلى الأمم المتحدة مبلغ مائة ألف دولار تكاليف رحلته وإقامته في نيويورك، لكن المسؤولين في وزارة المالية بعد أسبوع فوجئوا بشيء لم يتوقعوه على الإطلاق. فقد قام هذا الرئيس «القنوع» بإرجاع عشرات الآلاف من الدولارات أي ما تبقى من المبلغ المخصص له إلى خزينة الدولة.

الربائد وأرشيون!

في بداياتنا الصحافية كانت قاعة أرشيف الجريدة هي الملاذ لنا في البحث عن المعلومات، والحصول على وثائق هنا وهناك. كانت القاعة جميلة مملؤة بالرفوف وفوقها الملفات السوداء الثقيلة، والتي كان يحفظ فيها كل شيء من الصور والوثائق والرسومات والأفلام والخرائط وغيرها. كان الأرشيف وقتها، وأنا أتحدث عن نهايات الثمانينات الميلادية، كنزا لا ينضب ومحراب علم وثقافة لا يشق لهم غبار. وفي جميع الأوقات كان الزملاء يبحثون عن كل شيء يفيد مضوعاتهم وتحقيقاتهم ومقالاتهم. الأرشيف تعني باللغة الإنجليزية كلمة «archives».

الشبشب ضاع!

بينما كانت الفتاة تقوم بغسل ملابسها فوق سطح منزلها كانت تتعمد مغازلة جارها المعجبة به. وعبر محاولات إغراء كثيرة له لجذب انتباهه لكي يقع في غرامها، ومن ثم يقوم بالزواج منها بأسرع طريقة ممكنة، وتخلف منه صبيان وبنات. وطوال فترة الغسيل التي تمتد إلى نحو ربع ساعة قضتها في الغسيل والمغازلة في وقت واحد كان الشاب لا يعيرها اهتماما ولا يعرف شيئا عن تلك الفتاة التي راحت تغني بعد أن نال من قلبها من الحزن: «أحمد الشبشب ضاع أحمد عايزاك تأدبني أحمد فين المأذون أحمد عايزاه بجنون أحمد مأذون وهندخل». سمعت الأغنية وأنا أسير قبل يومين بقرب من مقهى شعبي في وسط القاهرة ولم تصدق أذناي ما تسمع.

أبوة جميلة

كانت أمنية المفكر والكاتب المصري الشهير سلامة موسى هي أن يعيش مائة عام وأن يموت وعلى صدره كتاب. ومع أن أمنية موسى لم تتحقق كما أراد، إلا أن هذا الرجل العبقري لا يزال يعيش معنا بأفكاره وكتاباته الجميلة. وبجانب تلك الأفكار والكتب التي ألفها في حياته كان موسى من الكتّاب القلائل الذين كانت كتاباتهم تتسق مع حياتهم، وأفكارهم مع مواقفهم. ولعل من أجمل تلك المواقف هي رسائله التي كتبها إلى ابنه رؤوف عندما كان طالبا في لندن بنهاية الخمسينات، التي نشرها الابن فيما بعد في كتاب جميل عن والده سماه «سلامة موسى..