حول الاتفاقية الأمنية الخليجية

دارت مؤخرا نقاشاتٌ حادة بين بعض مواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية - وخصوصا في دولة الكويت - حول الاتفاقية الأمنية الخليجية التي جرى اعتمادها من قبل المجلس الأعلى لمجلس التعاون في قمة البحرين التي عُقدت يومي 24 و25 ديسمبر (كانون الأول) 2013 (الدورة رقم 33 للمجلس الأعلى).
فلقد تقدَّمت حكومة دولة الكويت بمشروع إلى مجلس الأمة لاعتماد الاتفاقية. كما أعلن رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم عن نية المجلس التريث في مناقشة المشروع بهدف دراسة كل الآراء الدستورية والقانونية والسياسية قبل اتخاذ أي قرار بشأنها. وأضاف الغانم «نتمنى ألا تقع الكويت في حَرج مع دول مجلس التعاون الخليجي، ولكن في الوقت ذاته دستورنا خط أحمر، لا يمكن المساس به، ولا يمكن القبول بأي أمر يخالف الدستور وقوانين الدولة، سواء كانت اتفاقية أم قانونا أم غيرهما»، وأضاف «لا يمكننا أن ننسلخ عن أشقائنا في دول مجلس التعاون الخليجي وعن عمقنا الاستراتيجي، ولكن ضمن إطار الدستور وقوانين الدولة».
وكان أمين عام مجلس التعاون الخليجي د. عبد اللطيف الزياني قد أعلن أن المجلس قد عالج تحفّظ الكويت على بعض البنود المطروحة في الاتفاقية، بما يتواءم مع القوانين والتشريعات الكويتية، مضيفا أن «الاتفاقية ستساهم في التنسيق بين الأجهزة الشرطية والأمنية في دول المجلس وستعزز الجهد الأمني».
وقد يكون تدارسُ الهاجس الأمني - الذي ارتفعت حرارته مع ازدياد أعمال الإرهاب في بعض مناطق الخليج على إثر تداعيات ما سُمي الربيع العربي - من الأمور الإيجابية التي تحفظ الأرواح والممتلكات وتصون المستقبل. فنحن في الخليج لا نعرف - في ظل الفوضى السياسية والعسكرية والآيديولوجية في العالم العربي - من أي طرف سوف تأتينا «ضربة» أو إساءة، ولكم تخفى ذئابٌ في لباس «حملان» وديعة!؟ لذلك نحن نرى أن التصدي للإرهابيين والذين ينوون شرا بمنطقتنا أمر واجب، نظرا لمشكلة خلل التركيبة السكانية، وأَثرِ ذلك على احتمالات المستقبل. كما أن التنسيق بين الأجهزة الأمنية في دول مجلس التعاون موجود منذ إنشاء المجلس، تنفيذا للمادة (4) من النظام الأساسي، ولقد أقرت الدول الأعضاء ذاك النظام منذ عام 1981، عام إنشاء المجلس.
وكان الرأي السائد في بعض الأوساط الكويتية أنه يجب إعداد الشعب لإقرار هذه الاتفاقية وأن «توضَّح لهم الأمور وتُعرض الاتفاقية من خلال نقاش مجتمعي موسع، تُطرح فيه تفاصيل الاتفاقية كي يكون الرأي العام على دراية كاملة بها»، كما أوضح د. عبد المحسن جمال. (القبس، 17-2-2014). في الوقت الذي رأى فيه جابر محمد الهاجري أن «الاتفاقية الأمنية ما هي إلا محاولة لإنشاء منظومة خليجية موحدة في مواجهة الشعوب»!. (القبس، 17-2-2014).
في حين رأى النائب د. عبد الحميد دشتي أن «التأكيد على وحدة المصير والهدف المشترك وعلى أشقائنا في منظومة مجلس التعاون غاية لا يمكن أن نحيد عنها، وأن أي اتفاقيات يُطلب منا إقرارها والتوقيع عليها، يجب ألا تتناقض مع الدستور وقوانين الدولة التي أقسمنا على احترامها، ولا تبخس المواطنين مكتسباتهم الدستورية» (القبس، 17-2-2014). في حين امتدح النائب عبد الله التميمي موقف رئيس مجلس الأمة الكويتي، مشيرا إلى أن «ما قام به رئيس مجلس الأمة دليل على أن ما قمنا به لرفض الاتفاقية صحيح، وكان في محله، لا يمكن أن تتحول الكويت إلى دولة بوليسية». (القبس، 17-2-2014).
وكان الدكتور عبيد الوسمي قد أشار - في مقابلته مع برنامج «في العمق» من قناة الجزيرة يوم الاثنين 24-2-2013 إلى أن الاتفاقية المذكورة تتعارض مع نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الصادر عن الأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1966، الذي صادقت عليه دول مجلس التعاون الست!؟ وطرح الوسمي عدة بدائل وضروريات قبل المصادقة على الاتفاقية الأمنية منها: ميثاق حقوق الإنسان الخليجي، ومحكمة حقوق الإنسان الخليجية، بحيث يجري ضمان عدم «تغوّل» الاتفاقية الأمنية على الحقوق الأساسية للإنسان الخليجي التي كفلتها المواثيق الدولية.
وهكذا يزداد الجدلُ وتتنوع الآراء فيما يتعلق بالاتفاقية الأمنية، علما بأن التنسيق بين الجهات الأمنية في دول المجلس موجود منذ إقرار النظام الأساسي عام 1981 كما تقدم.
بالطبع الحالة الكويتية مختلفة عن بقية دول مجلس التعاون من حيث العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة المنتخب، وهذه العلاقة تفرض حتميات خاصة بالدولة ذاتها. كما توجد دول خليجية لم تصادق - حتى الآن - على تلك الاتفاقية.
وفي رأينا المتواضع أن المنطقة بحاجة إلى تنسيق أمني في ظل ما تتعرض له من أعمال ونوايا عدوانية من عدة أطراف، وأن وجود فريق من «الملائكة» على هذه الأرض، لا يعني عدم وجود فِرقٍ من «الشياطين»!؟.
ونحن كلنا ضد الجريمة والعدوان والعبث بمقدرات مواطني دول المجلس ومكتسباتهم، لكن القضية في بعض بنود الاتفاقية الأمنية تبدو مختلفة، خصوصا فيما يتعلق بموضوع «الخارجين على القانون»!؟ فمن يُمكن اعتباره خارجا على القانون في بلد خليجي - في ظل قوانينه المحلية - قد لا يكون كذلك في دولة أخرى !؟ كما أن تعريف «الجريمة» في الاتفاقية فضفاض! فما «الجريمة» التي وردت في المادة (3)؟! وكيف يجري تفسير «تدخُّل مواطنيها أو المقيمين بها في الشؤون الداخلية لأي من الدول الأطراف الأخرى»؟!.
فهل عندما يكتب كاتب خليجي عن الازدحام حول المراكز الحدودية والتأخير الذي يُرهق المواطنين؛ يكون قد تدخَّل في البلد الخليجي ذاك؟ ونحن ندرك أن قوانين المطبوعات في بعض دول المجلس تحظر «الإساءة» إلى الدول الشقيقة والصديقة، وأن هذه «الإساءة» أيضا غير موضحة وفضفاضة!؟.
وهل عندما يجري توقيف مواطن في أحد المطارات ويتأخر عن معاملاته، ويلجأ إلى الإذاعة أو الصحافة للتعبير عن الأسف والاحتجاج على ما وقع عليه، يعد قد تدخّلَ في ذاك البلد!؟. ويجب أن تُتخذ الإجراءات القانونية بحق هذا المواطن.
وبرأينا أن الموضوع يحتاج إلى رويّة ورؤية ونقاش عاقل، من حيث عدم التفريط في أمن وسلامة بلدان الخليج ومواطنيها، وعدم المساس بمكتسباتهم القانونية وحرياتهم الشخصية التي ما زالت في بعض الدول محل نقاش طويل.
* كاتب وأكاديمي قطري