بيع مقتنيات تاريخية ضمن مزاد «أمة تقرأ» في دبي

حصد 11 مليون دولار لتوفير 4 ملايين كتاب للطلاب اللاجئين والمحتاجين

قطعة أثرية من كسوة الكعبة عمرها 106 أعوام تم بيعها في المزاد و المر والعويس يتبرعان بمصحفين أثريين ولوحة فنية نادرة
قطعة أثرية من كسوة الكعبة عمرها 106 أعوام تم بيعها في المزاد و المر والعويس يتبرعان بمصحفين أثريين ولوحة فنية نادرة
TT

بيع مقتنيات تاريخية ضمن مزاد «أمة تقرأ» في دبي

قطعة أثرية من كسوة الكعبة عمرها 106 أعوام تم بيعها في المزاد و المر والعويس يتبرعان بمصحفين أثريين ولوحة فنية نادرة
قطعة أثرية من كسوة الكعبة عمرها 106 أعوام تم بيعها في المزاد و المر والعويس يتبرعان بمصحفين أثريين ولوحة فنية نادرة

حصد مزاد خيري أقيم في مدينة دبي الإماراتية نحو 41 مليون درهم (11 مليون دولار)، وذلك من خلال بيع معروضات متنوعة ما بين مقتنيات تاريخية وخيل عربي، إضافة إلى أرقام للسيارات وأخرى للهاتف المحمول، تم المزايدة عليها أول من أمس.
وجاء المزاد في مساعي دعم حملة «أمة تقرأ»، الذي نجح في توفير 4 ملايين كتاب للطلاب اللاجئين والمحتاجين حول العالم، والمساهمة في تزويد أكثر من 2000 مدرسة حول العالم بكتب للقراءة والمعرفة، التي تجاوزت الهدف المعلن في توفير 5 ملايين كتاب لتصل إلى أكثر من 7 ملايين و300 ألف كتاب للطلاب واللاجئين حول العالم.
ونجح المزاد الخيري في بيع جميع المعروضات التي كان من ضمنها قطعة أثرية من كسوة الكعبة عمرها 106 أعوام، تبرع بها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، التي حققت 2.1 مليون درهم (571 ألف دولار)، وهي خضراء اللون مصنوعة من خيوط الذهب والفضة، كان خديوي مصر عباس حلمي باشا قد أهداها في عام 1331 هجرية للكعبة المشرفة، وهي واحدة من مجموعة المقتنيات الفنية الخاصة بمكتب الشيخ محمد بن راشد.
وشهد المزاد الخيري بيع مقتنيات أخرى من حاكم دبي، حيث بيعت لوحة من أشعار كتابه «ومضات من شعر» بتوقيعه الشخصي بمبلغ مليون ومائة ألف درهم (299 ألف دولار) وبيعت لوحتان للفنان عبد القادر الريس وهو أحد فناني الإمارات بقيمة 970 ألف درهم (264 ألف دولار)، كما بيعت لوحة فنية للفنانة الدكتورة نجاة مكي الحاصلة على جائزة الدولة التقديرية في مجال الفنون في 2007 بقيمة 150 ألف درهم (40 ألف دولار).
وقال محمد القرقاوي، الأمين العام لمبادرات محمد بن راشد العالمية إن «دعم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم هذا المزاد الإنساني كان رسالة واضحة حول اهتمامه الشخصي ومتابعته الحثيثة لكل ما يتعلق بتطوير حركة القراءة في عالمنا العربي والإسلامي، وترسيخ العلم والمعرفة بصفتهما أقصر الطرق للقضاء على الجهل وأفضلها في نشر التسامح والتحضر».
وأضاف أن 5 ملايين كتاب من الإمارات للعالم العربي والإسلامي لا شك بأنها ستكون علامة فارقة في مسيرته العلمية والثقافية والمعرفية، وهذه رسالة دولة الإمارات للعالم التي يرسلها كل يوم قادة هذه الدولة المعطاءة، رسالة محبة وعطاء ومعرفة وعلم.
وزاد: «عام القراءة في دولة لإمارات سيصبح عاما للقراءة في عالمنا العربي بفضل دعم القيادة وبفضل وجود أهل الخير وبفضل الوعي الذي يتحلى به شعب الإمارات وجميع المقيمين على أرضه في أداء رسالتهم الإنسانية تجاه ملايين الأطفال المحرومين من القراءة ومن الكتب».
وبين القرقاوي أن مبادرات محمد بن راشد العالمية عبر المؤسسات المنضوية تحتها ستبدأ خلال الفترة القادمة، وبالتعاون أيضا مع الهلال الأحمر الإماراتي، في دراسة الاحتياجات من الكتب في الدول العربية كافة وفي مخيمات اللاجئين بالتعاون مع المنظمات الدولية المعنية لتوزيع 7 ملايين كتاب والتأكد من تحقيقها أكبر أثر إنساني، خصوصا من خلال التركيز على الكتب الدراسية والعلمية التي ستسهم في تغيير حياة الأطفال للأفضل وتوفر لهم مصادر وفيرة للتعلم. وتابع: «اليوم نجحنا من خلال هذا المزاد بتجاوز الهدف المنشود وهو الوصول إلى 5 ملايين كتاب وذلك قبل 4 أيام على الموعد المحدد لانتهاء الحملة حيث تخطى مزاد أمة تقرأ جميع التوقعات ليس فقط على مستوى التبرعات التي جمعت نتيجة لحصيلة المزايدات على المعروضات، بل على مستوى التفاعل الكبير الذي يميز المشهد الإماراتي دومًا، خصوصا عندما تتعلق القضية بالمساهمة في المصالح العامة للشعوب من دون استثناء، أو احتساب للحدود الجغرافية أو الثقافية». كما شهد المزاد بيع لوحة خطية ومخطوطة مصحف شريف تعود للقرن الـ19 الميلادي، من المقتنيات الفنية الخاصة لمحمد المر رئيس المجلس الوطني الاتحادي السابق، وقد رسى المزاد على اللوحة الخطية بقيمة 110 آلاف درهم (29.9 مليون دولار)، وتضم اللوحة سورة القدر، في حين بيعت مخطوطة المصحف الشريف بقيمة 250 ألف درهم (68 ألف دولار)، وهي مخطوطة مصحف مغولي هندي مزخرف ومذهب وتقع المخطوطة في 520 صفحة وتعود إلى ما قبل العام 1227 هجريا.
كما بيع مصحف آخر تبرع به عبد الرحمن العويس، وزير الصحة ووقاية المجتمع بمبلغ 250 ألف درهم (68 ألف دولار)، الذي كتب في شهر جمادى الأولى من العام الهجري 1093 الموافق لمايو (أيار) من العام 1682 ميلاديا.
وقدمت هيئة الطرق والمواصلات في دبي خمسة أرقام للسيارات ثنائية دعمًا للمزاد، وسجل الرقم «R10» أعلى قيمة مزايدة محققًا 9.7 مليون درهم (2.6 مليون دولار)، بينما حقق الرقم «T13» نحو 5 مليون درهم (1.3 مليون دولار)، إضافة إلى بيع أرقام أخرى.
وحقق المزاد لبيع الفرس «دي لمار» نحو 260 ألف درهم (70 ألف دولار) وهي الفرس العربية الأصيلة، التي قدمها مربط دبي للخيول العربية دعمًا لمزاد: «أمة تقرأ»، وهي من السلالات العربية الأصيلة. ومن ضمن المعروضات التي ضمها المزاد الخيري لحملة «أمة تقرأ» 10 أرقام هاتف جوال تقدمت بها مناصفة كل من شركة مجموعة الإمارات للاتصالات «مجموعة اتصالات» وشركة الإمارات للاتصالات المتكاملة «دو»، حيث تم شراء أحد الأرقام المقدمة من اتصالات بقيمة 2.5 مليون درهم (680 ألف دولار)، في حين بلغت حصيلة بيع أرقام اتصالات مجتمعة 4.1 مليون درهم (1.1 مليون دولار)، وحقق أحد أرقام شركة دو منفردًا مبلغ 1.6 مليون درهم (435 ألف دولار)، وبلغت حصيلة أرقام المشغل الثاني للاتصالات في الإمارات نحو 2.5 مليون درهم (680 ألف دولار).



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)