الفصائل العسكرية تحتج على هيئة التفاوض.. وتتوقع انهيارًا للهدنة

الهيئة تعقد أول اجتماع لتقييم محادثات جنيف

الفصائل العسكرية تحتج على هيئة التفاوض.. وتتوقع انهيارًا للهدنة
TT

الفصائل العسكرية تحتج على هيئة التفاوض.. وتتوقع انهيارًا للهدنة

الفصائل العسكرية تحتج على هيئة التفاوض.. وتتوقع انهيارًا للهدنة

لا تبدو فصائل المعارضة المسلحة التي اجتمعت قبل يومين في تركيا للتباحث بالتطورات الأخيرة وتحديد موقفها من نتائج الجولة الماضية من مفاوضات جنيف، وخصوصًا من وثيقة «مبادئ التسوية السياسية» التي أعدها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، مرتاحة للمسار العام الذي تتخذه العملية السياسية، لا سيما في ظل استمرار خروقات النظام للهدنة، وهو ما دفع الفصائل لرفع الصوت وتوجيه «احتجاج شديد اللهجة» لهيئة التفاوض مطالبة إيّاها برفض الاستمرار بالمحادثات في جنيف في حال استمر الوضع على ما هو عليه «خدمة لنظام الأسد».
ووضع القادة العسكريون المعارضون خلال الاجتماع الذي عقدوه الأربعاء مجموعة من الملاحظات على «ورقة دي ميستورا» طارحين وبقوة على الطاولة العودة لمسار الحل العسكري بعد ارتفاع إمكانية انهيار الهدنة المستمرة منذ أكثر من شهر. وهو ما أشار إليه عضو المجلس العسكري في الجيش الحر أبو أحمد العاصمي، الذي حضر الاجتماع، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هناك نقطتان أساسيتان تمحور النقاش حولهما؛ الأولى الفائدة من الاستمرار بالالتزام بالهدنة في ظل تمادي النظام بخروقاته، وآخرها في الغوطة الشرقية، ومساندة المجتمع الدولي له بالترويج لفكرة أن الهدنة حقيقة قائمة»، لافتًا إلى أنه وبذلك «يتم تكبيل يدي المعارضة، بينما النظام مدعوما من روسيا وإيران يحقق التقدم تلو الآخر مهاجمًا مناطقنا وكذلك مناطق تسيطر عليها جماعات متطرفة».
أما النقطة الثانية التي ركّز عليها الاجتماع، بحسب العاصمي، فهي «استمرار المفاوضات من دون أن يقوم النظام بأي بادرة حسن النية لجهة فك الحصار والإفراج عن المعتقلين»، مذكرًا بأن «هاتين الخطوتين عبارة عن شرطين وضعناهما على الطاولة للاستمرار بالمحادثات، ولكن لم نر من يستجيب لهما». وأضاف: «لقد وجهنا وبصراحة احتجاجًا شديد اللهجة للهيئة العليا للتفاوض، وشددنا على عدم إمكانية الاستمرار بالخضوع لهذه الوقائع خدمة للأسد». وأردف قائلاً: «بالنهاية نحن من يسيطر على قسم كبير من الأرض والحاضنة الشعبية تؤيدنا بذلك».
وأوضح العاصمي أن ما يجعل الفصائل متريثة باتخاذ موقف نهائي من موضوع الخروقات النظامية المستمرة للهدنة، هو «عدم المخاطرة بفقدان دعم أصدقاء الشعب السوري، علمًا بأنه عمليًا شبه مقطوع»، وقال: «أصلاً نحن نتوقع أن تنهار الهدنة قريبًا ومعها العملية التفاوضية، لأننا لن نكتفي بعد اليوم بتسجيل الخروقات».
ويأتي تهديد الفصائل بعدم الالتزام بالهدنة ردًا على خروقات النظام بعد أيام من دعوة محمد علوش، الممثل السياسي لـ«جيش الإسلام» وكبير مفاوضي وفد الهيئة السورية العليا في جنيف، القائد العام لـ«حركة أحرار الشام الإسلامية» مهند المصري إلى «توحيد الصفوف وإشعال الجبهات». وكان المصري علق على «ورقة دي ميستورا»، بقوله: «شعبنا العظيم لم يُفوِّض أحدًا للتوقيع على استسلامه. لم نخرج دفاعًا عن شعبنا لإنقاذه مؤقتًا من البراميل والقصف، ليتم قتلُه لاحقًا تحت التعذيب في سجون نسخةٍ جديدةٍ للنظام الحالي».
وفي هذا الإطار، قالت مصادر عسكرية معارضة لـ«الشرق الأوسط» إن «جيش الإسلام» يدرس فعليًا الانسحاب من مفاوضات جنيف، خصوصًا بعد قيام النظام بخرق كبير للهدنة في منطقة الغوطة الخاضعة بقسم كبير منها لسيطرته (أي جيش الإسلام).
وفي حين من المتوقع صدور وثيقة عن اجتماع الفصائل، أوضح رئيس المكتب السياسي في «جيش التوحيد» رامي الدلاتي الذي شارك أيضًا في لقاء الفصائل في تركيا، أن النقاش تركز بشكل خاص على تقييم أداء الهيئة العليا للتفاوض وورقة دي ميستورا، لافتًا إلى أن المباحثات السياسية أخذت الحيز الأكبر على حساب المداولات العسكرية.
من جهته، قال الدكتور منذر ماخوس عضو الوفد المفاوض الناطق باسم الهيئة العليا للمفاوضات لـ«الشرق الأوسط»: بأنه انعقد أمس، أول اجتماع للهيئة العليا للتفاوض لتقييم ما جرى خلال الفترة الماضية، بعد محادثات جنيف التي جرت خلال العشرة أيام الماضية. والاجتماع تم، بهدف أن تقرر موقفها من المحطة المقبلة المقررة من قبل المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا في الشهر المقبل، خاصة فيما يتعلق بأطروحات بشار الأسد ووليد المعلم والجعفري الذين يتحدثون عن تكوين حكومة وحدة وطنية تحت مظلة النظام، وليست هيئة حكم انتقالي تستمد شرعيتها من قرارات الأمم المتحدة.
وفيما يتعلق بخلاصة تقييم الهيئة العليا، لما جرى من مفاوضات وأحداث على أرض الواقع، قال ماخوس: «لم نحقق أي تقدم حقيقي حتى الآن، حيث إن المباحثات ركزت على أمور إطارية إجرائية، ولم ينجز حتى اللحظة بحث قلب العملية، وهي التفاوض حول تشكيل هيئة الحكم، ذات صلاحيات تنفيذية كاملة».
أما منذر ماخوس، المتحدث باسم الهيئة العليا للتفاوض، فنفى علمه بأي طرح يقضي بإدخال تعديلات إلى وفد الهيئة المفاوض في جنيف، لافتًا إلى أن الهيئة ستجتمع في الرياض مطلع الأسبوع المقبل لتقييم الجولة السابقة من المفاوضات، ووضع خطة عمل للجولة المقبلة في 9 أبريل (نيسان) المقبل، «خصوصًا أن الأيام الماضية شهدت على تغييرات مهمة، أبرزها تصريحات النظام السوري، الذي يقدم مقاربات تتناقض بالمطلق مع المقاربات التي نعتمدها، وهذا لا شك سيتم مناقشته وتحديد موقف منه».



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.