هوس نتنياهو

استغرب متابعو خطابات الأمم المتحدة، الإفاضة المبالغ فيها من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي حول الغزل الأميركي - الإيراني، كما استهجنوا الاختصار المبالغ فيه للموضوع الفلسطيني.

المبالغة في الأمر الأول سببها.. أن نتنياهو يقاتل من أجل حماية مقاولة شخصية، بنى عليها معظم مبررات قيادته لإسرائيل، إذ من دون الملف النووي الإيراني، ومن دون تصريحات محمود أحمدي نجاد، فلم يبق للرجل ما يعبئ به وقود شاحنته، فضلا عن إدراكه، أن الغزل الأميركي – الإيراني، سيحرمه من ميزة المؤثر الحاسم في القرار الأميركي تجاه إيران. فلقد تعود الرجل على أن تكون أميركا مجرد ميليشيا إسرائيلية، تضرب حيث يشاء لها نتنياهو أن تضرب ووقتما يشاء!!

إلا أن المبالغة في أمر اختزال الملف الفلسطيني بأسطر قليلة لا يعني استخفافا من الرجل بهذا الملف، ولا تجاهلا لتأثيره على إسرائيل، بل قد يعني العكس تماما، إذ إن التجاهل وبهذه الصورة، كان رسالة للثنائي أوباما وكيري، اللذين استثمرا جهدا كبيرا ومتواصلا لاستئناف المفاوضات، ويعرف نتنياهو كم هو حيوي لإدارة أوباما أن تستمر المفاوضات وأن تحقق بعض التقدم.

إن تجاهل نتنياهو لهذا الملف كان بمثابة تحذير لكيري بأن مشروعه الفلسطيني – الإسرائيلي مهدد بالانهيار، وأن احتمالات نجاح هذا المشروع تبدو مستحيلة.

وقد عزز هذا الاتجاه تصريحات صدرت عن بعض القادة الإسرائيليين، وصفت فيها المفاوضات بأنها عديمة الجدوى، ويتعين على إسرائيل إيقافها، حتى إن السيدة ليفني، الحمامة الشديدة البياض، آزرت نتنياهو ولكن بلغة يسارية، حين قالت، إن الأشهر التسعة المحددة لبلوغ اتفاق شامل ونهائي، قد لا تكفي، وكررت الجملة الشهيرة التي تقال عادة حين ينفد الزمن من دون نتائج، ليس في المفاوضات مواعيد مقدسة، أي إن التسعة أشهر ستمضي من دون حل، وقد يتطلب الأمر تمديدها لتسعة أشهر أخرى، وهكذا دواليك.

إن إدخال الملف الفلسطيني إلى المسألة الإيرانية، لم يتوقف على خطاب نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بل إنه امتد وتوسع في خطابه السنوي أمام مؤتمر هرتسيليا، حيث وضع شروطه التعجيزية كي تنجح المفاوضات، وقلب المنطق السائد تماما حين اعتبر أن الاحتلال والاستيطان ليسا هما أساس المشكلة، بل إن إسرائيل تخوض حربا دفاعية ضد الفلسطينيين بدأت في مطلع القرن الماضي ولا تزال متواصلة حتى الآن.

إن كثيرين من الإسرائيليين، عدوا أقوال نتنياهو في مؤتمر هرتسيليا نوعا من الكلام غير المنطقي وغير المسؤول، ولعل أبلغ وصف تحليلي لموقف نتنياهو جاء على لسان غيلي هيربار في «معاريف»: «لقد خطب رئيس الوزراء كابن مؤرخ بقدر أكبر مما هو زعيم يفترض به أن يرسم السياسة، ويدعو الناس إلى اتباعه. إن نتنياهو منشغل بهوس الماضي ومنعدم الرؤيا السياسية للحاضر والمستقبل».

وبصرف النظر عن جدوى إقحام الملف الفلسطيني، على المسألة الإيرانية – الأميركية، إلا أن المنهج الذي اختطه نتنياهو في عرضه لسياسته الفلسطينية يؤكد بصورة قاطعة، أن إرث إسحق شامير بشأن إشغال الفلسطينيين والعالم بمفاوضات من أجل المفاوضات يجد الآن انبعاثا جديدا في عهد نتنياهو، ما يجعل من الحل التفاوضي أمرا ميؤوسا منه ما دام يجري بهذه الطريقة، وما دام الأميركيون متوقفين عند نقطة استمرار المفاوضات ولو من دون نتائج.