الأسبوع الثالث من القتال في السودان... من يسيطر على الأرض؟

بيانات متضاربة ولا طرف ثالث يؤكد صحة المزاعم

مدينة أمدرمان إحدى مدن العاصمة الثلاث حيث يدور القتال بين الجيش وقوات «الدعم السريع» (رويترز)
مدينة أمدرمان إحدى مدن العاصمة الثلاث حيث يدور القتال بين الجيش وقوات «الدعم السريع» (رويترز)
TT

الأسبوع الثالث من القتال في السودان... من يسيطر على الأرض؟

مدينة أمدرمان إحدى مدن العاصمة الثلاث حيث يدور القتال بين الجيش وقوات «الدعم السريع» (رويترز)
مدينة أمدرمان إحدى مدن العاصمة الثلاث حيث يدور القتال بين الجيش وقوات «الدعم السريع» (رويترز)

دخل القتال بين الجيش وقوات «الدعم السريع» في السودان أسبوعه الثالث، ولا منتصر ولا مهزوم، ولا معلومات «طرف ثالث» يمكن الركون إليها بشأن سيطرة هذا الطرف على الأوضاع على الأرض أو سيطرة الطرف الآخر. بيانات الطرفين تزعم أنها منتصرة، وأن حسم المعركة تبقت له «ساعات»، لكن هذه الساعات طالت لتدخل أسبوعها الثالث، والقتال مستمر «كر وفر»، وأصوات المعركة لا يعلو عليها صوت.
في الساعات الأولى من اشتعال القتال في 15 أبريل (نيسان) المنصرم، استبق «الدعم السريع» الجيش، وأعلن فيها سيطرته على القصر الجمهوري وبيت الضيافة، ومطارات الخرطوم ومروي والأبيض، والقبض على قوة هاجمت موقعه جنوب الخرطوم، فيما قال الجيش إنه تصدى لهجوم غادر تصدى له ودمر بالطيران الحربي معسكرات «الدعم السريع» في مناطق «طيبة، سوبا» التابعين لقوات «الدعم السريع» في الخرطوم، وكلا الجانبين أعلن قرب اكتمال انتصاره.
لكن الحرب استمرت لأسبوعها الثالث دون أن يحقق أي من الطرفين نصراً حاسماً، ففي آخر بياناتهما، قال الجيش إنه بسط سيطرته على معظم ولايات البلاد، بيد أنه اعترف بأن «الوضع معقد قليلاً في بعض أجزاء العاصمة»، وأن الأيام المقبلة «ستشهد انفراجاً كبيراً على الأرض». وكان «الدعم السريع» قد ذكر في بيان رسمي، الجمعة، أنه سيطر على 90 في المائة من ولاية الخرطوم، وأغلق جميع المداخل إليها بواسطة قواته.
ميدانياً، يرى الشهود انتشاراً واسعاً لقوات «الدعم السريع» في أنحاء ولاية الخرطوم، ويقول شاهد، من شمال الخرطوم بحري، إن القوات التي تسيطر على الأرض هي «الدعم السريع»، فيما يقول شهود من أم درمان إن أعداد قوات الدعم السريع تزايدت بشكل كبير في أنحاء مدينة أم درمان المختلفة، بعد أن كانت محدودة.

لقطة من فيديو لمقاتلين من «الدعم السريع» وسط الخرطوم 23 أبريل (أ.ف.ب)

أما مدينة الخرطوم بحري، فيقول الشهود إن معظم «مفارز» التفتيش بثياب «الدعم السريع»، فيما لا تزال مناطق وسط الخرطوم، بما فيها القصر الرئاسي، وحول القيادة العامة وحي المطار تحت سيطرة «الدعم السريع»، وتدور معارك يومية حولها، وقال الجيش إن تلك القوات هاجمت «المنطقة العسكرية الوسطى»، لكنه أفلح في صدها وتكبيدها خسائر كبيرة. أما جنوب الخرطوم، فحسب اتصالات هاتفية، يقول السكان إنهم يرون قوات الدعم السريع في كل من منطقة «الخرطوم 2» ومنطقة الصحافات، ويمتد وجودها إلى عدد من الأحياء المجاورة.
ويستخدم الجيش الطيران الحربي بفاعلية ضد مراكز تجمعات وسيطرة قوات الدعم السريع على مدار الساعة، ويقول إنه يلحق بهم خسائر كبيرة. وفي آخر بيان، قال المتحدث العسكري إن قواته تواصل رصد «تحركات أرتال العدو» غرب العاصمة، وإنه دمرها فجر الأحد، في كل من «جنوب الزريبة، والمويلح، وفتاشة»، وهي مناطق عسكرية غرب أم درمان، ودعا من أسماهم «أفراد العدو» للكف عن الاستمرار في «المغامرة الخاسرة»، والاستفادة من عفو القائد العام للجيش بتسليم أنفسهم لأقرب وحدة عسكرية.
وكان القائد العام الفريق عبد الفتاح البرهان، قد أعلن في وقت سابق أن الجيش على استعداد للعفو عن أفراد «الدعم السريع» وضباطه واستيعابهم في قواته، ووصفهم بأنهم «أبناء السودان»، مستثنياً من ذلك قيادة «الدعم السريع»، الممثلة في نائبه في مجلس السيادة الفريق محمد حمدان دقلو «حميدتي»، وشقيقه عبد الرحيم، الذي هو أيضاً نائب قائد قوات «الدعم السريع».
ويؤكد شهود أن «الدعم السريع» يسيطر على الأرض في الخرطوم، بينما يسيطر الجيش على الأجواء، مستندين على الطبيعة القتالية لكل من القوتين، فالجيش ينتهج أسلوب الحروب النظامية الممثل في السيطرة على الأرض وتأمينها، بينما تعتمد قوات «الدعم السريع» أسلوب حرب العصابات «اضرب واهرب»، ما يصعب من مهمة الجيش.
وبناء على الطبيعة القتالية لكل طرف، فإن الجيش يتهم «الدعم السريع» باتخاذ المواطنين «دروعاً» بشرية بالانتشار وسط المناطق المأهولة، بينما يوجه «الدعم السريع» اتهامات للجيش بأنه «يقصف المدنيين»، ويقول شهود إن «الدعم السريع» بارع في استغلال حرب المدن للتغطية على ضعف تسليحه، مقارنة بالجيش.
وقامت استراتيجية الجيش بمواجهة «الدعم السريع» طوال الأسبوعين الماضيين، على ضرب مراكز التحكم والسيطرة وخطوط الإمداد، لكن يبدو أن «الدعم السريع» استطاع توفير خطوط إمداد جديدة، أو أنه كان متحسباً لمثل هذه الخطوة، وظل القتال يدور حول مراكز «الدعم السريع» ومواقع الجيش، لكن أحداً منهما لم يحقق نصراً حاسماً.
وقال «الدعم السريع»، في بيان، أمس (الأحد)، إن «الانقلابيين» – يقصد بها قيادة الجيش - هاجموا قواته بالمدافع والطائرات، ونفذوا عمليات قصف مدفعي عشوائي ضد أماكن تجمعات قواته.
وأضاف: «يستعد الانقلابيون وفلول النظام البائد منذ أمس واليوم للهجوم على قواتنا في منطقة بحري الحلفايا وأم درمان والخرطوم جنوب».
ووافق الطرفان على هدنة من أجل الأعمال الإنسانية بضغوط دولية وإقليمية تجددت 6 مرات، لكن لم يتم الالتزام بها مرة واحدة، ولم تتوقف الأعمال القتالية، ودأب كل طرف على اتهام الآخر بخرق الهدنة. وبرغم دخول الأسبوع الثالث، لا يزال القتال مستمراً دون آفاق وقف نهائي لإطلاق النار، ودون احتمالات انتصار وشيك لأحد الطرفين. وذلك على الرغم من اتفاقهما على الدخول في مباحثات وفقاً لوساطة سعودية أميركية وتسمية ممثليهما لتلك المباحثات التي ينتظر أن تنطلق في مدينة جدة السعودية أو جوبا في جنوب السودان، لكنها لم تبدأ بعد، ولم يحدد موعد بدايتها. ويرجح محللون أن سبب تأخر بدء المفاوضات يرجع إلى تأمين «خروج وعودة» ممثلي الطرفين. ودخول الأسبوع الثالث من القتال الضاري، الذي كان كل طرف فيه يزعم تحقيق نصر خاطف وسريع، لكن ذلك لم يحدث، يجعل من «المباحثات المرتقبة» مخرجاً من حرب قد تطول وتطول.


مقالات ذات صلة

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

شمال افريقيا الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

كثَّفت المملكة العربية السعودية، جهودَها الدبلوماسية لوقف التصعيد في السودان، إلى جانب مساعداتها لإجلاء آلاف الرعايا من أكثر من مائة دولة عبر ميناء بورتسودان. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أمس، اتصالات هاتفية، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، بحث خلالها الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف السودانية، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، بما يضمن أمنَ واستقرار ورفاه السودان وشعبه.

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

مصر تتابع التحقيقات في مقتل أحد مواطنيها بإيطاليا

مقر وزارة الخارجية المصرية في العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة (الخارجية المصرية)
مقر وزارة الخارجية المصرية في العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة (الخارجية المصرية)
TT

مصر تتابع التحقيقات في مقتل أحد مواطنيها بإيطاليا

مقر وزارة الخارجية المصرية في العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة (الخارجية المصرية)
مقر وزارة الخارجية المصرية في العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة (الخارجية المصرية)

تتابع مصر التحقيقات التي تجريها السلطات الإيطالية في ميلانو حول ملابسات واقعة مقتل شاب مصري (19 عاماً). ووفق إفادة لوزارة الخارجية والهجرة المصرية، الجمعة، وجه وزير الخارجية والهجرة المصري، بدر عبد العاطي القنصلية المصرية في ميلانو بمتابعة إجراءات وسير التحقيقات مع السلطات الإيطالية، والوقوف على تقرير جهات الاختصاص لمعرفة ملابسات واقعة الوفاة، فور الانتهاء من التحقيقات.

وبحسب صحيفة «كوري ديلا سيرا» الإيطالية، فإن الحادث وقع بمنطقة «كورفيتو»، والشاب المصري سقط خلال وجوده على دراجة نارية «سكوتر» يقودها شاب تونسي، في أثناء محاولتهما الفرار من ملاحقة الشرطة «بسبب سير الشابين عكس الاتجاه بالطريق». وأوضحت الصحيفة أن المدعي العام فتح تحقيقاً في الحادث، بينما جرى توقيف الشاب التونسي قائد الدراجة النارية للتحقيق معه.

وتصدرت إيطاليا المرتبة الأولى من حيث استقبال المهاجرين المصريين في 2023 بحسب بيانات «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء»، فيما تقدر أعداد الجالية المصرية في إيطاليا بأكثر من 650 ألف مصري، بوصفها أكبر جالية مصرية في أوروبا التي يوجد فيها 1.5 مليون مصري على الأقل، وفق تقديرات شبه رسمية.

وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي (الخارجية المصرية)

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الأوروبية، السفير جمال بيومي، قال لـ«الشرق الأوسط» إن مثل هذه الحوادث يصاحبها تحرك عاجل من القنصلية المصرية لمتابعة سير التحقيقات ونتائجها. وأضاف أن التعامل في التحقيقات يجري وفق قوانين الدولة التي وقع فيها الحادث، ويكون هناك تواصل بين مسؤول القنصلية وعائلة الضحية باستمرار مع تمكينهم من الاطلاع على ما يسمح به من معلومات حول القضية، مشيراً إلى "ضرورة عدم استباق نتائج التحقيقات حول ملابسات الواقعة.

وبحسب وسائل إعلام إيطالية فإن والد الشاب المصري يقيم في إيطاليا منذ 11 عاماً، ويتعاون مع السلطات الإيطالية في التحقيقات، وسبق أن طالب بـ«الكشف عن ملابسات وفاة نجله بناء على التحقيقات التي تجرى مع الشاب التونسي الموقوف، وأحد قوات الشرطة».

وتداول مغردون على مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الأيام الماضية، مقاطع فيديو، قالوا: «إنها لأعمال شغب في ميلانو ضد الشرطة على خلفية مقتل الشاب المصري»، فيما نفى والد الشاب المصري «علاقة الأسرة بهذه الأعمال»، وفق تقارير إعلامية.

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق قال: «إن مثل هذه الحوادث لا تؤثر عادة على العلاقات الدبلوماسية، خصوصاً حال التأكد من عدم وجود تعمد في الواقعة»، لافتاً إلى أنه حال «ارتكاب الضحية خطأ»، فإن القنصلية المصرية «لا يمكنها سوى محاولة العمل على إنهاء الإجراءات بأسرع وقت».