بوادر تصدّع دعم بلدان أوروبا الشرقية «غير المشروط سابقاً» لكييف

وارسو تقود حملة منع دخول الحبوب الأوكرانية المعفاة من الرسوم الجمركية إلى أراضيها

رئيس وزراء بولندا (أ.ب)
رئيس وزراء بولندا (أ.ب)
TT

بوادر تصدّع دعم بلدان أوروبا الشرقية «غير المشروط سابقاً» لكييف

رئيس وزراء بولندا (أ.ب)
رئيس وزراء بولندا (أ.ب)

منذ بداية الحرب في أوكرانيا تميّز موقف بلدان أوروبا الشرقية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بقيادة بولندا، بدعم عسكري واقتصادي وإنساني غير مشروط لأوكرانيا، ودعوات متكررة لبقية الدول الأعضاء لزيادة مساعداتها إلى كييف في مواجهة الاجتياح الروسي. لكن منذ أيام بدأت تظهر البوادر الأولى لتصدّع هذا الدعم، عندما اتخذت الحكومة البولندية موقفاً يرسم خطوطاً واضحة يقف عندها هذا الدعم في المجال الاقتصادي الذي يتبدّى يوماً بعد يوم أنه كعب أخيل الموقف الأوروبي الموحّد في وجه موسكو.
وكانت وارسو قد أعلنت رفضها السماح بدخول الحبوب الأوكرانية معفاة من الرسوم الجمركية إلى أراضيها، معطلة بذلك الخطة التي وضعتها المفوضية الأوروبية لمساعدة كييف على تصريف إنتاجها وإمداد أسواق الاتحاد بما تحتاج إليه من الحبوب والأسمدة للموسم المقبل. ويأتي هذا الموقف على مسافة أشهر قليلة من الانتخابات العامة المقررة في بولندا مطلع الخريف المقبل، حيث يواجه «حزب المحافظين» المتشدد «القانون والعدالة» اختباراً صعباً أمام المعارضة التي تتجه إلى تشكيل جبهة موحدة ضده. وقد انضمت دول أخرى إلى هذا الموقف البولندي، مثل المجر وسلوفاكيا، فيما تستعد رومانيا وبلغاريا لاتخاذ موقف مماثل يؤكد أن الدعم لأوكرانيا يتوقف حيث تبدأ المصالح الاقتصادية لهذه الدول.
ولا شك في أن هذا الموقف البولندي الجذري المفاجئ برفض دخول الحبوب والمنتوجات الزراعية الأخرى من أوكرانيا، أو عبورها الأراضي البولندية من غير رسوم جمركية، يعود للأجواء الممهدة للحملة الانتخابية، حيث تشير بعض الاستطلاعات أن الحزب الحاكم قد يخسر الأغلبية في البرلمان في حال خاضت المعارضة المعركة في جبهة موحدة. وجاء الإعلان عن هذا الموقف على لسان رئيس الحزب جاروسلاو كازينسكي، الذي لا يتولى أي منصب في الحكومة، خلال أول مهرجان انتخابي أمام جمهور معظمه من سكان الأرياف التي تشكل المعقل الرئيسي للحزب، وحيث خرجت مؤخراً مظاهرات تندد بالاقتراح الأوروبي لدخول الحبوب الأوكرانية إلى بولندا معفاة من الضرائب. وأشارت استطلاعات أخرى أنه حتى في حال فوز حزب «القانون والعدالة» في الانتخابات، فإنه سيحتاج لدعم أحزاب أخرى للبقاء في الحكم.
ويجمع المراقبون على أن قرار الحكومة البولندية انتخابي بامتياز، لأن المزارعين يشكلون كتلة الدعم الكبرى للحزب الحاكم، ولأنهم أوضحوا في الأسابيع الأخيرة اعتراضهم الشديد على اقتراح المفوضية وهددوا باللجوء إلى المظاهرات والإضرابات لمنع تنفيذه. ويتزامن هذا التطور مع ظهور تيار سياسي جديد في المشهد السياسي البولندي يقوده حزب «الكونفيدرالية» اليميني المتطرف الذي يرفع شعارات مناهضة لأوكرانيا والدعم الذي تقدمه له الحكومة الحالية، وترجّح الاستطلاعات حصوله على ما يزيد على 10 في المائة من أصوات الناخبين في الانتخابات المقبلة، الأمر الذي قد يعطيه مفتاح تشكيل الحكومة البولندية الجديدة.
وترى وسائل الإعلام البولندية المستقلة أن الحزب الحاكم قرر التضحية بأوكرانيا للحفاظ على مؤيديه في المناطق الزراعية، وأن هذا الموقف سيفتح جبهة جديدة في المواجهة مع الاتحاد الأوروبي، ويهدر الرصيد المعنوي الذي اكتسبته بولندا منذ بداية الحرب بتقديمها الدعم لجارتها أوكرانيا. وتحذّر مصادر في المفوضية من أن إصرار دول الكتلة الشرقية على نقض الاقتراح، من شأنه أن يتسبب في تصدّع الموقف الأوروبي الموحد ضد موسكو على جبهات أخرى أكثر حساسية.
وتجدر الإشارة إلى أن البوادر الأولى على التغيير في موقف الحكومة البولندية بالنسبة للدعم الذي تقدمه لأوكرانيا ظهرت منذ أسابيع، عندما أعلنت أنها ستتقاضى جزءاً من الإيجار المستحق على اللاجئين الأوكرانيين الذين مضى على إقامتهم أكثر من أربعة أشهر في المساكن التي قدمتها لهم الدولة. ويبلغ عدد اللاجئين الأوكرانيين في بولندا حالياً 1.3 مليون لاجئ، يقيم معظمهم في العاصمة وارسو والمدن الكبرى، حيث بدأت تتكاثر في الفترة الأخيرة حالات تذمر المواطنين البولنديين من أن اللاجئين الأوكرانيين يلقون معاملة أفضل منهم. وليس مستبعداً أن يصبح موضوع الإسكان مصدر توتر بين المحليين واللاجئين بسبب ارتفاع الإيجارات بعد أن زاد التضخم على 16 في المائة.
ويعترف المسؤولون في المفوضية بأن قرار بولندا منع دخول الحبوب الأوكرانية من غير رسوم جمركية فاجأ الجميع، بمن فيهم كييف التي كانت تتفاوض حول الموضوع مع الحكومة البولندية، علماً بأن حكومات رومانيا وسلوفاكيا والمجر وبلغاريا وبولندا كانت قد وجهت رسالة إلى المفوضية مطلع هذا الشهر، تطالب فيها بإجراءات سريعة لتفادي الآثار السلبية التي قد تنجم عن زيادة الصادرات الزراعية الأوكرانية إلى أسواقها، أو بفرض رسوم جمركية على هذه المنتوجات.
وبعد ساعات من القرار البولندي أعلنت المجر عزمها على اتخاذ قرار مماثل في الأيام المقبلة، ما يشكّل أول توافق بين البلدين في المواقف من الحرب. كما أعلنت سلوفاكيا منع دخول المنتوجات الزراعية الأوكرانية بذريعة استخدام المبيدات، لكنها أكدت أنها ستسمح بعبورها إلى بلدان أخرى، في الوقت الذي أعلنت فيه رومانيا وبلغاريا أنهما تدرسان اتخاذ قرار مماثل للقرار البولندي.
وفي أول تعليق لها على هذه التطورات قالت المفوضية أمس الثلاثاء إن التجارة هي من الصلاحيات الحصرية للاتحاد، ولا يحق للدول الأعضاء أن تتخذ قرارات أحادية بشأنها. وردّت الحكومة البولندية على الفور بأن من حقها اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الصحة العامة التي قد تتأثر جراء المبيدات التي تستخدم في أوكرانيا. ويذكر أن المفوضية الأوروبية سبق أن قدمت مساعدات مالية بمقدار 56 مليون يورو لبولندا ورومانيا وبلغاريا للتعويض عن الخسائر الناجمة عن استيراد الحبوب الأوكرانية، لكن هذه البلدان رأت أن هذه المساعدات ليست كافية.


مقالات ذات صلة

13 قتيلاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

أوروبا رجال الإطفاء يعملون في موقع مبنى إداري تضرر جراء الغارات الجوية والصاروخية الروسية في زابوريجيا (رويترز) play-circle 00:36

13 قتيلاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 13 شخصاً اليوم (الأربعاء) في ضربة روسية على مدينة زابوريجيا الأوكرانية، وفق ما أعلن حاكم المنطقة، في حصيلة تعد من الأعلى منذ أسابيع لضربة جوية واحدة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الخليج الأمير محمد بن سلمان والرئيس فولوديمير زيلينسكي (الخارجية السعودية)

محمد بن سلمان وزيلينسكي يبحثان جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية

بحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية- رويترز)

ترمب عن الـ«ناتو»: يدفعون أقل مما ينبغي لكي تحميهم الولايات المتحدة

حضّ ترمب أعضاء حلف «الناتو» على زيادة إنفاقهم الدفاعي إلى 5 % من إجمالي ناتجهم المحلي، مقابل «حماية الولايات المتحدة».

«الشرق الأوسط» (مارالاغو (الولايات المتحدة))
أوروبا رجال إنقاذ في موقع مبنى سكني ضربته غارة جوية روسية على أوكرانيا بمنطقة سومي 4 يناير 2025 (رويترز)

روسيا: وجّهنا ضربات مكثفة للقوات الأوكرانية في منطقة كورسك

قالت وزارة الدفاع الروسية إن قواتها وجّهت ضربات مكثفة لوحدات أوكرانية في منطقة كورسك غرب روسيا، وأفاد الجيش الأوكراني بتصعيد القتال خلال اﻟ24 ساعة الماضية.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
أوروبا دبابة روسية مدمرة في منطقة كورسك (أ.ب)

زيلينسكي: مقتل 15 ألف جندي روسي خلال القتال في كورسك

أكد مسؤول عسكري أوكراني، الاثنين، أن قواته تكبّد قوات موسكو «خسائر» في كورسك بجنوب روسيا، غداة إعلان الأخيرة أن أوكرانيا بدأت هجوماً مضاداً في هذه المنطقة.

«الشرق الأوسط» (كييف)

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

TT

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)
ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)

أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (53 عاماً) استقالته من منصبه، الاثنين، في مواجهة ازدياد الاستياء من قيادته، وبعدما كشفت الاستقالة المفاجئة لوزيرة ماليته عن ازدياد الاضطرابات داخل حكومته.

وقال ترودو إنه أصبح من الواضح له أنه لا يستطيع «أن يكون الزعيم خلال الانتخابات المقبلة بسبب المعارك الداخلية». وأشار إلى أنه يعتزم البقاء في منصب رئيس الوزراء حتى يتم اختيار زعيم جديد للحزب الليبرالي.

وأضاف ترودو: «أنا لا أتراجع بسهولة في مواجهة أي معركة، خاصة إذا كانت معركة مهمة للغاية لحزبنا وبلدنا. لكنني أقوم بهذا العمل لأن مصالح الكنديين وسلامة الديمقراطية أشياء مهمة بالنسبة لي».

ترودو يعلن استقالته من أمام مسكنه في أوتاوا الاثنين (رويترز)

وقال مسؤول، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن البرلمان، الذي كان من المقرر أن يستأنف عمله في 27 يناير (كانون الثاني) سيتم تعليقه حتى 24 مارس، وسيسمح التوقيت بإجراء انتخابات على قيادة الحزب الليبرالي.

وقال ترودو: «الحزب الليبرالي الكندي مؤسسة مهمة في تاريخ بلدنا العظيم وديمقراطيتنا... سيحمل رئيس وزراء جديد وزعيم جديد للحزب الليبرالي قيمه ومثله العليا في الانتخابات المقبلة... أنا متحمّس لرؤية هذه العملية تتضح في الأشهر المقبلة».

وفي ظل الوضع الراهن، يتخلف رئيس الوزراء الذي كان قد أعلن نيته الترشح بفارق 20 نقطة عن خصمه المحافظ بيار بوالييفر في استطلاعات الرأي.

ويواجه ترودو أزمة سياسية غير مسبوقة مدفوعة بالاستياء المتزايد داخل حزبه وتخلّي حليفه اليساري في البرلمان عنه.

انهيار الشعبية

تراجعت شعبية ترودو في الأشهر الأخيرة ونجت خلالها حكومته بفارق ضئيل من محاولات عدة لحجب الثقة عنها، ودعا معارضوه إلى استقالته.

ترودو وترمب خلال قمة مجموعة العشرين في هامبورغ 8 يوليو 2017 (رويترز)

وأثارت الاستقالة المفاجئة لنائبته في منتصف ديسمبر (كانون الأول) البلبلة في أوتاوا، على خلفية خلاف حول كيفية مواجهة الحرب التجارية التي تلوح في الأفق مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وهدّد ترمب، الذي يتولى منصبه رسمياً في 20 يناير، بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25 في المائة على السلع الكندية والمكسيكية، مبرراً ذلك بالأزمات المرتبطة بالأفيونيات ولا سيما الفنتانيل والهجرة.

وزار ترودو فلوريدا في نوفمبر (تشرين الثاني) واجتمع مع ترمب لتجنب حرب تجارية.

ويواجه ترودو الذي يتولى السلطة منذ 9 سنوات، تراجعاً في شعبيته، فهو يعد مسؤولاً عن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، بالإضافة إلى أزمة الإسكان والخدمات العامة.

ترودو خلال حملة انتخابية في فانكوفر 11 سبتمبر 2019 (رويترز)

وترودو، الذي كان يواجه باستهتار وحتى بالسخرية من قبل خصومه قبل تحقيقه فوزاً مفاجئاً ليصبح رئيساً للحكومة الكندية على خطى والده عام 2015، قاد الليبراليين إلى انتصارين آخرين في انتخابات عامي 2019 و2021.

واتبع نجل رئيس الوزراء الأسبق بيار إليوت ترودو (1968 - 1979 و1980 - 1984) مسارات عدة قبل دخوله المعترك السياسي، فبعد حصوله على دبلوم في الأدب الإنجليزي والتربية عمل دليلاً في رياضة الرافتينغ (التجديف في المنحدرات المائية) ثم مدرباً للتزلج على الثلج بالألواح ونادلاً في مطعم قبل أن يسافر حول العالم.

وأخيراً دخل معترك السياسة في 2007، وسعى للترشح عن دائرة في مونتريال، لكن الحزب رفض طلبه. واختاره الناشطون في بابينو المجاورة وتعد من الأفقر والأكثر تنوعاً إثنياً في كندا وانتُخب نائباً عنها في 2008 ثم أُعيد انتخابه منذ ذلك الحين.

وفي أبريل (نيسان) 2013، أصبح زعيم حزب هزمه المحافظون قبل سنتين ليحوله إلى آلة انتخابية.

وخلال فترة حكمه، جعل كندا ثاني دولة في العالم تقوم بتشريع الحشيش وفرض ضريبة على الكربون والسماح بالموت الرحيم، وأطلق تحقيقاً عاماً حول نساء السكان الأصليين اللاتي فُقدن أو قُتلن، ووقع اتفاقات تبادل حرّ مع أوروبا والولايات المتحدة والمكسيك.