مسؤول عراقي سابق يكشف عن نقل العراق يورانيوم إلى إيران بأمر من صدام

أكد لـ {الشرق الأوسط} أنه رافق نقلها جوًا إلى قاعدة قرب مفاعل بوشهر

مسؤول عراقي سابق يكشف عن نقل العراق يورانيوم إلى إيران بأمر من صدام
TT

مسؤول عراقي سابق يكشف عن نقل العراق يورانيوم إلى إيران بأمر من صدام

مسؤول عراقي سابق يكشف عن نقل العراق يورانيوم إلى إيران بأمر من صدام

كشف مسؤول عراقي سابق في هيئة التصنيع العسكري الملغاة التي كان يترأسها حسين كامل، صهر الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، عن أن «العراق نقل شحنات اليورانيوم التي كان يمتلكها لتنفيذ برنامجه النووي لإيران حفاظا عليها من حرب عاصفة الصحراء عام 1991».
وقال المسؤول العراقي السابق لـ«الشرق الأوسط» إن «أوامر صدرت إلينا بنقل شحنات اليورانيوم التي كان قد اشتراها العراق من دول أفريقية إلى إيران مع طائرات السوخوي المقاتلة، وتم بالفعل نقل هذه الشحنات بطائرة نقل خاصة من أجل الحفاظ عليها وإعادتها إلى العراق بعد أن تنتهي حرب عاصفة الصحراء، لكن إيران صادرتها واحتفظت بها واعتبرتها جزءا من تعويضات الحرب العراقية (1980 - 1988)، معتبرة أن العراق هو من بدأ بالحرب ضدها».
يذكر أن العراق بدأ مشروعه مع البرنامج النووي السلمي منذ بداية الستينات ولأغراض طبية وعلمية، وكان محدودا في مفاعل «تموز 1» في منطقة التويثة جنوب بغداد، وهو المفاعل ذاته الذي قصفته إسرائيل في يونيو (حزيران) 1981، مما دفع صدام حسين لأن يعمل جديا على برنامج نووي عسكري غاية في السرية. وتمكن العلماء العراقيون وحدهم من تخصيب اليورانيوم كهرومغناطيسيا دونما مساعدة أجنبية، غير أن هذا البرنامج دمر تماما بعد دخول المفتشين الدوليين العراق.
ويعد الدكتور جعفر ضياء جعفر الملقب بـ«أبو القنبلة النووية العراقية» أهم العلماء الذين اشتغلوا على هذا المشروع، بالإضافة إلى العالم الفيزيائي العراقي الدكتور سلمان رشيد سلمان اللامي، الذي مات في جنيف بمرض غامض في عام 1981، وهو العام الذي ضرب فيه مفاعل «تموز»، والدكتور زياد حنا الحداد مهندس مفاعلات الماء الثقيل، والدكتور سعيد عبد الفتاح الدليمي، والدكتور نعمان النعيمي.
«الشرق الأوسط» تابعت المسؤول العراقي الذي كانت درجته مدير عام في هيئة التصنيع العسكري، عبر عدة دول، حيث لم يفصح عن اسمه أو عنوانه وبقي بعيدا عن الأضواء منذ أن خرج من العراق مع صهري صدام حسين، حسين وصدام كامل وزوجتيهما رغد ورنا صدام حسين، إلى الأردن عام 1995، وبقي ملازما لحسين كامل وشقيقه ويتلقى الأوامر منهما باعتباره مصدر ثقة لهما قبل أن يختفي مع مبلغ مالي كبير منحه إياه صهر صدام حسين لغرض استثماره في كندا.
وكانت «الشرق الأوسط» قد التقت بالمسؤول العراقي السابق بهيئة التصنيع العسكري عام 1995 في عمان ورفض وقت ذاك التصريح بأي حديث أو معلومات تتعلق عن عمله أو البرنامج الذري العراقي، مؤكدا أن «الفريق حسين كامل هو وحده المخول بالحديث وأنه فضل طوال فترة عمله في التصنيع العسكري أن يبقى بعيدا عن الأضواء وأنه لا يحب الظهور الإعلامي»، سوى أنه أوضح وقت ذاك وبشكل عابر أنه خرج إلى الأردن مع حسين كامل بناء على أوامر الأخير من «وليس في استطاعتي أن أعصي أوامر السيد الفريق (حسين كامل الذي كان وزيرا للتصنيع العسكري وقتذاك)، ثم إني لم أكن أعلم بأنه (حسين كامل) سيترك العراق متمردا على عمه (صدام)، بل اعتقدت أن الأمر لا يتجاوز السفرة الاعتيادية ومن ثم العودة إلى بغداد».
وبعد عقدين من الزمن يكشف هذا المدير العام في التصنيع العسكري، الذي كان مقربا من وزيرها والشخص الذي أثار وقتها كثيرا من الجدل بسبب صعوده السريع في سلم السلطة بعد أن تزوج ابنة الرئيس، مصير شحنات اليورانيوم تلك التي بحثت عنها القوات الأميركية في العراق كثيرا ولم تجد لها أي أثر.
وقال المسؤول السابق: «قبيل أن تقصف قوات التحالف الدولي العراق في عمليات عاصفة الصحراء، وفي نهاية عام 1990 عندما تأكد لصدام حسين أن الحرب آتية لا محالة أمر بنقل طائرات السوخوي المقاتلة إلى إيران، وتولى عملية الاتفاق مع الحكومة الإيرانية عزة الدوري نائب صدام حسين، وقد عبرنا عن استغرابنا لهذا القرار لكننا لم نعلن أنا وبعض من زملائي عن اعتراضنا، فالاعتراض أو مجرد الاقتراح أو إبداء الاستغراب لأي قرار يصدر عن صدام حسين كان يعني التمرد والخيانة، ومصير من يبدي ذلك كان معروفا، الإعدام، دون محاكمة».
وعن شحنات اليورانيوم، قال المدير العام السابق في التصنيع العسكري، وهو يحمل شهادة دكتوراه في الهندسة الإلكترونية: «كان البرنامج النووي العراقي محاطا بسرية تامة حتى بالنسبة إلينا، والمشاركون فيه كانوا محدودين، إذ لم يكن سوى برنامج في طريقه إلى التنفيذ على الرغم من أنه كانت أمام العراق سنوات كثيرة لتحويله إلى أمر واقع، لكننا كنا نعرف بالتأكيد أن العراق يمتلك شحنات من اليورانيوم دون أن نعرف كمياتها»، وأشار إلى أن «صدام حسين كان قد انشغل لفترة من الفترات خلال الثمانينات باستقبال عدد من رؤساء الدول الأفريقية والبذخ عليهم بالأموال والاهتمام بهم، وكان العراقيون يتساءلون عن سبب هذا الاهتمام المفاجئ بأفريقيا وبدول معينة بالذات دون أن يدركوا أن الحصول على اليورانيوم من هذه الدول هو هدف هذا الاهتمام، وبالفعل كان التصنيع العسكري قد حصل على كميات من اليورانيوم، ولم يكن يعرف مواقع إخفاء هذه الكميات سوى أشخاص قليلين للغاية، ومن الذين يثق بهم حسين كامل الذي كان بالتأكيد يعرف كل شيء، وكان محرما علينا أن نسأل أو نستفسر، بل كانت مهمتنا أن ننفذ فقط»، واصفا سنوات عمله في التصنيع العسكري بـ«السجن المقيت، فأنا وغيري كثير من الكفاءات الأكاديمية لم نكن نرغب في العمل ضمن مؤسسة مثل التصنيع العسكري يقودها شخص جاهل لا يحمل شهادة الدراسة المتوسطة وعلينا إطاعته، في المقابل كانت المؤسسة كريمة معنا وكان حسين كامل يلبي كل ما نريد من أجل تنفيذ مشاريعنا».
وعن معلوماته حول نقل كميات اليورانيوم إلى إيران، قال المسؤول السابق: «فوجئت ذات مساء بتكليفي مع أشخاص محدودين بمرافقة شحنة سيتم نقلها إلى إيران دون أن نعرف ماهية هذه الشحنة، وقال لي من أبلغني بالذهاب أن الفريق حسين كامل يثق بك (بي)، لهذا تم ترشيحي لمرافقة نقل الشحنة التي لا نعرف أي شيء عنها. وفي البداية اعتقدت أن صدام حسين قرر نقل ذهب العراق إلى إيران، لكن عدم اطلاعنا على ماهية الشحنة وأن مهمتنا هي التأكد من وصولها والإشراف على نجاح عملية النقل جعلني أشكك في اعتقادي بأنها شحنات ذهب، ولم يكن مسموحا لأي منا أن يسأل زميله في الرحلة عن هذه الشحنات».
ويضيف: «عملية النقل تمت ليلا بواسطة طائرة نقل عسكرية (يوشن) روسية الصنع كانت قد تهيأت للإقلاع من قاعدة جوية صغيرة قرب مطار صدام (بغداد) الدولي، وكنا لا نتجاوز الـ15 شخصا، أحدنا لا يعرف الآخر ولا يتحدث معه، وكان قد تم شحن كميات اليورانيوم إلى الطائرة قبل السماح لنا بصعودها، وما لاحظناه هو عدد من الصناديق المعدنية المغطاة بقماش خيام (جادر) أسود، وهذه الكمية من اليورانيوم كانت خامًا، أي غير مخصبة، لكنها كانت محكمة الإغلاق ولم تحمل الصناديق أي كتابة أو تفاصيل سوى أرقام مبهمة. مكان تسليم شحنة اليورانيوم حسب المسؤول العراقي السابق في التصنيع العسكري كانت قاعدة بوشهر الجوية القريبة من مفاعل بوشهر النووي الإيراني، وعندما عرفت أننا في قاعدة بوشهر تذكرت قصف القوة الجوية العراقية لهذه القاعدة ولمفاعل بوشهر بواسطة طائرات (الميراج) الفرنسية خلال الحرب العراقية الإيرانية».
ويتابع: «كان هناك أكثر من ثلاثين شخصا إيرانيا في انتظارنا على مدرج المطار، لم نتحدث معهم سوى تبادل السلام وبشكل سطحي، وكان أحد المرافقين لنا هو المخول بالحديث مع الإيرانيين إذ سلمهم أوراقا عن تفاصيل الشحنة. وما أتذكره أن الإيرانيين رفضوا التوقيع على أوراق التسلم وعرفت أنهم قالوا لمسؤول الرحلة إن الاتفاق بين السلطات العراقية والإيرانية أن يتم التسليم بلا توقيع أية أوراق أو عودوا إلى بلدكم ولا تسلمونا أي شيء»، مشيرا إلى أنه «حتى طائرات السوخوي وطائرات الخطوط الجوية العراقية تم تسليمها دون عقود ومواثيق، بل إن تفاصيل العملية نشرت عبر الإعلام المرئي والمقروء».
المسؤول السابق أوضح أنه قرر الكشف عن هذه المعلومات بعد أكثر من عشرين عاما من تركه العراق ليعرف العراقيون والعالم بهذه المعلومات، وبعد أن صار لإيران برنامجها النووي. وقال: «كان لا بد لي أن أكشف عما أعرفه عن هذه الصفقة خدمة لبلدي، شاعرا بالأسف الكبير لما حل بالعراق»، موضحا أنه «يعمل الآن في مجال الاستثمار والتجارة ولا يريد أن يكون تحت الأضواء خشية على حياته وحياة عائلته».
يذكر أن رولف ايكيوس، المسؤول الدولي السابق عن إزالة أسلحة الدمار العراقية، كان قد التقى مع حسين كامل عام 1995 في عمان، وقد اعترف له كامل بوجود برنامج نووي عراقي، وأطلعه على عنوان المستندات والوثائق التي كان يخفيها كامل بمزرعته في منطقة (البوعيثة) في الدورة جنوب بغداد، وعندما طلب ايكيوس تفتيش المزرعة لم يجد شيئا، إذ إن صدام حسين كان قد أمر بعد هروب صهره بنقل جميع الوثائق من مقرات وبيوت ومزارع حسين كامل.



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».