هل توجد رغبة حقيقية لحماية اللاعبين أصحاب البشرة السمراء؟

الإساءات العنصرية الموجهة لمهاجم ريال مدريد فينيسيوس أصبحت معتادة... والمسؤولون صامتون

كيف أصبحت كرة القدم عاجزة عن حماية لاعب شهير مثل فينيسيوس من العنصرية (رويترز)
كيف أصبحت كرة القدم عاجزة عن حماية لاعب شهير مثل فينيسيوس من العنصرية (رويترز)
TT

هل توجد رغبة حقيقية لحماية اللاعبين أصحاب البشرة السمراء؟

كيف أصبحت كرة القدم عاجزة عن حماية لاعب شهير مثل فينيسيوس من العنصرية (رويترز)
كيف أصبحت كرة القدم عاجزة عن حماية لاعب شهير مثل فينيسيوس من العنصرية (رويترز)

في عام 1997، تعرض الظهير الأيسر البرازيلي السابق روبرتو كارلوس لإساءات عنصرية أثناء مشاركته في أول مباراة كلاسيكو له مع ريال مدريد. وكان مشجعو برشلونة يقلدون أصوات القرود في كل مرة يلمس فيها كارلوس الكرة، ويحملون لافتات عنصرية، بل قام بعضهم بكتابة كلمة «قرد» على سيارته حتى يراها في وقت لاحق بعد نهاية المباراة! ومع ذلك، لم تُوجه أي تهم أو تُفرض أي عقوبات على أي شخص. وحتى عندما اشتكى كارلوس من ذلك على الملأ، على أمل الحصول على أي تضامن أو دعم في هذه الأوقات الصعبة، جاء رد الفعل مخيباً للآمال تماماً، حيث قال عنه لاعب خط وسط برشلونة ومنتخب إسبانيا آنذاك، جوسيب غوارديولا: «هذا الرجل يتحدث كثيراً، ويتحدث أكثر من اللازم. إنه لا يعرف جماهيرنا، ولم يكن هنا منذ فترة طويلة بما يكفي لتبرير مثل هذه الأشياء!».
سيكون من الجيد أن نتخيل أننا أحرزنا بعض التقدم في هذا الشأن خلال الربع قرن الماضي، بحيث يتمكن لاعبو كرة القدم من أصحاب البشرة السمراء من ممارسة أعمالهم في واحد من أكبر دوريات العالم من دون التعرض للعنصرية، وأن اللعبة نفسها لم تعد تُقلل من شأن ما يحدث في هذا الصدد. ومع ذلك، فإن ما يحدث الآن مع النجم البرازيلي فينيسيوس جونيور يجعلنا نطرح العديد من التساؤلات.
في البداية، من الصعب تحديد متى بدأ فينيسيوس يتعرض للعنصرية من جمهور الفرق المنافسة. لقد قلدت الجماهير أصوات القرود في ملعب «سون مويكس» في مايوركا مؤخراً، كما كانت هناك صيحات قليلة من جانب جماهير أوساسونا خلال دقيقة الصمت؛ حداداً على ضحايا الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، فضلاً عن اللافتة التي كانت معلقة على جسر على أحد الطرق السريعة بالقرب من ملعب تدريب ريال مدريد مزينة باللونين الأحمر والأبيض لقميص أتلتيكو مدريد.
لكن هذا الأمر مستمر منذ أكثر من عام، في تحدٍّ مروّع للجميع من قبل أشخاص مجردين من الإنسانية. وبطريقة ما، فعندما تطول مدة هذه الإساءات العنصرية، فإنها تصبح معتادة بشكل أكبر، ولا يشعر البعض بالصدمة بعد ذلك عند رؤيتها. وهناك شعور بأن المدير الفني لريال مدريد، كارلو أنشيلوتي، يشعر بحزن أكبر في كل مرة يتحدث فيها عن ذلك. لكن فينيسيوس نفسه يتعامل مع الأمر ببساطة! وعلى الرغم من أن الأحداث الفردية تلقى بعض التغطية في وسائل الإعلام الإسبانية، فإنه ليس هناك اهتمام بالصورة الأوسع، كما يبدو أنه ليس هناك رغبة قوية وحقيقية لتغيير هذا الأمر. يتعرض أحد أعظم لاعبي كرة القدم في العالم للعنصرية بشكل أسبوعي، ولا يتحرك أحد لمواجهة ذلك!
فمن الذي يفعل ذلك بالضبط؟ وأين العقوبات المتمثلة في خصم النقاط، وإقامة المباريات دون جمهور، والغرامات المالية الباهظة لردع كل من تسول له نفسه توجيه مثل هذه الإساءات العنصرية؟ وأين الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (الويفا) والاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، اللذان يستغلان موهبة فينيسيوس أحسن استغلال للترويج لمسابقاتهما الخاصة، لكنهما لا يحركان ساكناً لمواجهة العنصرية التي يتعرض لها؟
إننا لم نرَ سوى عبارات الإدانة المعتادة، والمراوغة المعتادة! وأشارت رابطة الدوري الإسباني الممتاز إلى أنها لا تملك سلطة فرض العقوبات الرياضية، لكنها بدلاً من ذلك تحيل جميع القضايا إلى القضاء، الذي ثبت مراراً وتكراراً أنه طرف غير مناسب تماماً في هذه القضية! وبعدما تم تصوير مشجعي أتلتيكو مدريد وهم يهتفون: «فينيسيوس، أنت قرد» في مباراة فريقهم ضد ريال مدريد في سبتمبر (أيلول) الماضي، رفض مكتب المدعي العام في مدريد توجيه أي اتهامات لهذه الجماهير، بحجة أن الهتاف كان «غير محترم»، لكنه لم يستمر سوى بضع ثوانٍ، ومن الممكن رؤيته في إطار «التنافس الشرس» بين الناديين!
والغريب أن هذه هي طريقة التفكير السائدة في قطاعات كبيرة من المجتمع الإسباني، فهناك من يرى أن الإساءة العنصرية هي شيء شبه طبيعي في الإطار الرياضي، أو أنها مجرد شكل غير مهذب من صحيات الاستهجان! وسنظل نسمع وجهة النظر التي تقول إن الأمر برمته ما هو إلا عبارة عن محاولة من جانب جماهير الفرق المنافسة لتشتيت تركيز فينيسيوس، وهو ما يحدث بالفعل في بعض الأحيان! وهناك وجهة نظر أخرى ترى أن فينيسيوس هو من يتسبب في زيادة العنصرية ضده بسبب الرقصات التي يؤديها بعد إحرازه للأهداف، وبسبب سلوكه على أرض الملعب. في سبتمبر الماضي، قال ضيف في أحد البرامج التلفزيونية الشهيرة إنه يتعين على فينيسيوس أن «يتوقف عن تقليد القرود»!
وفي المقابل، أدان نادي أتلتيكو مدريد مشجعيه وحذرهم من أن «الجميع مسؤول» عن ضمان استمرار العلاقات القوية بين الناديين. وفي البرامج التلفزيونية والإذاعية، غالباً ما يحظى سلوك فينيسيوس بتغطية واهتمام أكبر من الإساءات التي يتعرض لها، كما لو كان من الطبيعي أن يتعرض لهذه العنصرية! في الحقيقة، يعد هذا خير مثال على الكيفية التي يتحول بها ضحية العنصرية إلى الشخص الذي يُلام على ما يحدث!
ووصل الأمر إلى أن بعض التقارير الصحافية قد أشارت إلى أن فينيسيوس بدأ يشعر بالملل من معاملته بهذه الطريقة، ويفكر في الرحيل عن الدوري الإسباني الممتاز! لكن الحقيقة أن هذه المشكلة لا تقتصر على كرة القدم الإسبانية وحدها، وأي شخص يعتقد ذلك فإنه لا يفهم طبيعة المشكلة من الأساس، والدليل على ذلك أن اللاعبين السود بالدوري الإنجليزي الممتاز يتعرضون لإساءات عنصرية قوية على وسائل التواصل الاجتماعي في إنجلترا. ورغم كل ذلك، يكتفي أصحاب المصلحة بالخروج كل أسبوع للتأكيد على أنه يجب القيام بشيء ما لمواجهة هذه القضية! وفي كل أسبوع يلعب فينيسيوس وسط صيحات الاستهجان والصفارات والإساءات العنصرية! لكن السؤال الذي يجب طرحه الآن هو: إذا كانت كرة القدم لا تستطيع حماية لاعب مثل فينيسيوس بهذه الموهبة والشهرة والثروة، فما الذي يمكن أن يحدث لأي شخص عادي يتعرض للعنصرية؟


مقالات ذات صلة

«السوبر الإسباني»: الريال والبرشا يشعلان الرياض بـ«كلاسيكو الأرض»

الرياضة من تدريبات الريال استعدادا للنهائي (رويترز)

«السوبر الإسباني»: الريال والبرشا يشعلان الرياض بـ«كلاسيكو الأرض»

تتجه أنظار الملايين من عشاق الكرة العالمية، مساء اليوم، صوب العاصمة السعودية، الرياض، وذلك لمتابعة القمة المرتقبة و«الكلاسيكو» التاريخي المتجدد (كلاسيكو الأرض)

سلطان الصبحي ( الرياض)
رياضة عالمية ميشيل مدرب جيرونا ولاعبيه يحتفلون بالانتصار على اوساسونا وانتزاع قمة الترتيب (ا ف ب)

جيرونا... «مفاجأة الموسم» يتحدى عمالقة إسبانيا على الصدارة

مع معاناة ريال مدريد وبرشلونة وأتلتيكو مدريد للحفاظ على ثبات المستوى وإهدار نقاط ثمينة في الأسابيع القليلة الماضية، تقدم جيرونا للصدارة وتربع على قمة ترتيب

«الشرق الأوسط» ( مدريد)
رياضة عالمية المهاجم الدولي أليخاندرو (أ.ب)

غوميز نجم الأرجنتين يرفض الاتهامات بتعاطي المنشطات

نفى المهاجم الدولي الأرجنتيني أليخاندرو (بابو) غوميز، الأحد، تعاطيه المنشطات، وذلك رغم إيقافه لمدة عامين.

«الشرق الأوسط» (روما)
رياضة عالمية مجلس مدينة مدريد طلب من السكان البقاء في منازلهم وعدم الخروج إلا للضرورة (لاليغا)

تأجيل مباراة أتلتيكو مدريد وإشبيلية بسبب الأمطار

أجلت رابطة الدوري الإسباني لكرة القدم مباراة أتلتيكو مدريد وضيفه إشبيلية الأحد في ختام منافسات المرحلة الرابعة، بسبب سوء الأحوال الجوية والأمطار الغزيرة.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
رياضة عالمية بيلينغهام  (رويترز)

أنشيلوتي يثني على تألق بيلينغهام في الـ«ريمونتادا»

أشاد الإيطالي كارلو أنشيلوتي المدير الفني لريال مدريد بفوز فريقه على مضيفه ألميريا 3-1 في الجولة الثانية من الدوري الإسباني لكرة القدم. وتقدم ألميريا بهدف

«الشرق الأوسط» (مدريد)

مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
TT

مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

أثارت قرارات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر لـ«ضبط أداء الإعلام الرياضي» تبايناً على «السوشيال ميديا»، الجمعة.

واعتمد «الأعلى لتنظيم الإعلام»، برئاسة خالد عبد العزيز، الخميس، توصيات «لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي»، التي تضمّنت «تحديد مدة البرنامج الرياضي الحواري بما لا يزيد على 90 دقيقة، وقصر مدة الاستوديو التحليلي للمباريات، محلية أو دولية، بما لا يزيد على ساعة، تتوزع قبل وبعد المباراة».

كما أوصت «اللجنة» بإلغاء فقرة تحليل الأداء التحكيمي بجميع أسمائها، سواء داخل البرامج الحوارية أو التحليلية أو أي برامج أخرى، التي تُعرض على جميع الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمواقع الإلكترونية والتطبيقات والمنصات الإلكترونية. فضلاً عن «عدم جواز البث المباشر للبرامج الرياضية بعد الساعة الثانية عشرة ليلًا (منتصف الليل) وحتى السادسة من صباح اليوم التالي، ولا يُبث بعد هذا التوقيت إلا البرامج المعادة». (ويستثنى من ذلك المباريات الخارجية مع مراعاة فروق التوقيت).

وهي القرارات التي تفاعل معها جمهور الكرة بشكل خاص، وروّاد «السوشيال ميديا» بشكل عام، وتبعاً لها تصدرت «هاشتاغات» عدة قائمة «التريند» خلال الساعات الماضية، الجمعة، أبرزها «#البرامج_الرياضية»، «#المجلس_الأعلى»، «#إلغاء_الفقرة_التحكيمية»، «#لتنظيم_الإعلام».

مدرجات استاد القاهرة الدولي (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وتنوعت التفاعلات على تلك «الهاشتاغات» ما بين مؤيد ومعارض للقرارات، وعكست عشرات التغريدات المتفاعلة هذا التباين. وبينما أيّد مغرّدون القرارات كونها «تضبط الخطاب الإعلامي الرياضي، وتضمن الالتزام بالمعايير المهنية»، قال البعض إن القرارات «كانت أُمنية لهم بسبب إثارة بعض البرامج للتعصب».

عبّر روّاد آخرون عن عدم ترحيبهم بما صدر عن «الأعلى لتنظيم الإعلام»، واصفين القرارات بـ«الخاطئة»، لافتين إلى أنها «حجر على الإعلام». كما انتقد البعض اهتمام القرارات بالمسألة الشكلية والزمنية للبرامج، ولم يتطرق إلى المحتوى الذي تقدمه.

وعن حالة التباين على مواقع التواصل الاجتماعي، قال الناقد الرياضي المصري محمد البرمي، لـ«الشرق الأوسط»، إنها «تعكس الاختلاف حول جدوى القرارات المتخذة في (ضبط المحتوى) للبرامج الرياضية، فالفريق المؤيد للقرارات يأتي موقفه رد فعل لما يلقونه من تجاوزات لبعض هذه البرامج، التي تكون أحياناً مفتعلة، بحثاً عن (التريند)، ولما يترتب عليها من إذكاء حالة التعصب الكروي بين الأندية».

وأضاف البرمي أن الفريق الآخر المعارض ينظر للقرارات نظرة إعلامية؛ حيث يرى أن تنظيم الإعلام الرياضي في مصر «يتطلب رؤية شاملة تتجاوز مجرد تحديد الشكل والقوالب»، ويرى أن «(الضبط) يكمن في التمييز بين المحتوى الجيد والسيئ».

مباراة مصر وبوتسوانا في تصفيات كأس الأمم الأفريقية 2025 (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وكان «الأعلى لتنظيم الإعلام» قد أشار، في بيانه أيضاً، إلى أن هذه القرارات جاءت عقب اجتماع «المجلس» لتنظيم الشأن الإعلامي في ضوء الظروف الحالية، وما يجب أن يكون عليه الخطاب الإعلامي، الذي يتعين أن يُظهر المبادئ والقيم الوطنية والأخلاقية، وترسيخ وحدة النسيج الوطني، وإعلاء شأن المواطنة مع ضمان حرية الرأي والتعبير، بما يتوافق مع المبادئ الوطنية والاجتماعية، والتذكير بحرص المجلس على متابعة الشأن الإعلامي، مع رصد ما قد يجري من تجاوزات بشكل يومي.

بعيداً عن الترحيب والرفض، لفت طرف ثالث من المغردين نظر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى بعض الأمور، منها أن «مواقع الإنترنت وقنوات (اليوتيوب) و(التيك توك) مؤثرة بشكل أكبر الآن».

وحسب رأي البرمي، فإن «الأداء الإعلامي لا ينضبط بمجرد تحديد مدة وموعد وشكل الظهور»، لافتاً إلى أن «ضبط المحتوى الإعلامي يكمن في اختيار الضيوف والمتحدثين بعناية، وضمان كفاءتهم وموضوعيتهم، ووضع كود مهني واضح يمكن من خلاله محاسبة الإعلاميين على ما يقدمونه، بما يمنع التعصب».