كشف أثري نوبي ـ مسيحي شمال السودان

رسومات بألوان طبيعية تجسد مشهداً تمثيلياً

القبو الذي عُثر فيه على الرسومات (موقع البعثة البولندية للآثار)    -   الرسومات كما تبدو بألوانها الزاهية (موقع البعثة البولندية للآثار)
القبو الذي عُثر فيه على الرسومات (موقع البعثة البولندية للآثار) - الرسومات كما تبدو بألوانها الزاهية (موقع البعثة البولندية للآثار)
TT

كشف أثري نوبي ـ مسيحي شمال السودان

القبو الذي عُثر فيه على الرسومات (موقع البعثة البولندية للآثار)    -   الرسومات كما تبدو بألوانها الزاهية (موقع البعثة البولندية للآثار)
القبو الذي عُثر فيه على الرسومات (موقع البعثة البولندية للآثار) - الرسومات كما تبدو بألوانها الزاهية (موقع البعثة البولندية للآثار)

كشفت بعثة علماء آثار بولندية في مدينة «دنقلا العجوز» بشمال السودان، عن رسومات للسيد المسيح عليه السلام والسيدة مريم العذراء وكبير الملائكة «ميكائيل»، داخل قبو أو جزء من كنيسة يعود للحقبة المسيحية في العصور الوسطى، يرجح أن يكون في عهد دولة «المقرة»، وهي آخر الممالك النوبية المسيحية في السودان.
وتشير القراءات الأولية للكشف الأثري، الذي أجراه الخبير فنسنت فان جيرفن رئيس البعثة، إلى أن أحد الرسومات يمثل ملكاً اسمه ديفيد وهو يستمع لنداء سماوي لحماية المدينة، مرجحاً أن الملك داؤود هو الشخصية التي تظهر في المشهد، وأن المدينة المذكورة في النقش هي «دنقلا العجوز».
وقالت كبيرة مفتشي الآثار في «الهيئة القومية للآثار» السودانية، دكتور حباب إدريس أحمد، لـ«الشرق الأوسط» إن الرسومات التي تم العثور عليها «مميزة جداً، ويبدو واضحاً أنها رُسمت من قبل فنان سوداني نوبي، بألوان طبيعية محلية، وفق ما تظهره النقوش الدينية على الجداريات».
وأضافت حباب إدريس، المشاركة أيضاً في عمل البعثة البولندية، أن مصدر الغرابة في الرسم الأثري «هو الإبداع الكبير الذي يجسد مشاهد تمثيلية ديناميكية للسيدة مريم العذراء وهي تحمل السيد المسيح، ويقوم كبير الملائكة بحمايتهما». وأوضحت أن هناك نصوصاً كُتبت بالإغريقية للملك ديفيد يطلب فيها حماية سماوية لمدينة دنقلا العجوز: «أي أن الملك تحت حماية المسيح والعذراء».
وأشارت حباب إدريس إلى أن هذه الاكتشافات لا تزال في البدايات وتحتاج إلى المزيد من التفسير والدراسة، خاصة أن هناك إشارات في الكشف الأخير إلى فترات تاريخية سابقة للفترة المسيحية في السودان. وأضافت أن البعثة أجرت عمليات ترميم فورية للرسم على الجداريات في مواقعها الطبيعية.
وذكر المركز البولندي لآثار البحر الأبيض المتوسط على موقعه الرسمي أن عالمي الآثار لورنزو دي ليليس وماسيج ويوجو، عثرا على مجمع غامض من الغرف المصنوعة من الطوب المجفف بالشمس، غطت مساحاتها الداخلية بمشاهد تصويرية فريدة من نوعها للفن المسيحي، يعود تاريخها إلى فترة مملكة الفونج بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر الميلادي. ويضيف: «أظهرت اللوحات والدة المسيح، ومشهدا يصور الملك النوبي، ورئيس الملائكة (ميكائيل) الذي تحمي أجنحته المنتشرة كلاً من الملك والمسيح نفسه»، مشيراً إلى أن مثل هذا المشهد لا يوجد ما يماثله في الرسم النوبي.
ويرى المركز في إفادته تناقض ديناميكية وألفة التمثيل مع الطبيعة الهيراطيقية للأشكال المعروضة على الجدران الجانبية، لا تنتمي إلى المجموعة النموذجية لرسومات السيدة مريم العذراء في الفن النوبي. ويشير تقرير البعثة إلى أن الغرفة التي عثر داخلها على رسم الملك ديفيد عبارة عن سرداب ضيق، لكنه يرتفع 7 أمتار فوق مستوى سطح الأرض في العصور الوسطى، يجاور مبنى مقدسا يعرف بكنيسة يسوع الكبرى التي ربما كانت كاتدرائية مدينة دنقلا وأهم كنيسة في مملكة المقرة. ويرجح أن يكون الهيكل المكشوف عبارة عن مجمع تذكاري ملكي للملك داؤود آخر حكام مملكة المقرة المسيحية.
وترى بعثة الآثار البولندية أنه من الصعب للغاية فك نقش باللغة النوبية القديمة المصاحب للمشهد الرئيسي في الرسومات المكتشفة، لكن من خلال القراءات الأولية يمكن تحديدها بوصفها نصوصا لمعرفة الفترة التاريخية بالتقريب لهذه الكشوفات الأثرية المهمة.


مقالات ذات صلة

زاهي حواس يُفند مزاعم «نتفليكس» بشأن «بشرة كليوباترا»

يوميات الشرق زاهي حواس (حسابه على فيسبوك)

زاهي حواس يُفند مزاعم «نتفليكس» بشأن «بشرة كليوباترا»

أكد الدكتور زاهي حواس، أن رفض مصر مسلسل «كليوباترا» الذي أذاعته «نتفليكس» هو تصنيفه عملاً «وثائقي».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق استرداد حمض نووي لامرأة عاشت قبل 20000 عام من خلال قلادتها

استرداد حمض نووي لامرأة عاشت قبل 20000 عام من خلال قلادتها

وجد علماء الأنثروبولوجيا التطورية بمعهد «ماكس بلانك» بألمانيا طريقة للتحقق بأمان من القطع الأثرية القديمة بحثًا عن الحمض النووي البيئي دون تدميرها، وطبقوها على قطعة عُثر عليها في كهف دينيسوفا الشهير بروسيا عام 2019. وبخلاف شظايا كروموسوماتها، لم يتم الكشف عن أي أثر للمرأة نفسها، على الرغم من أن الجينات التي امتصتها القلادة مع عرقها وخلايا جلدها أدت بالخبراء إلى الاعتقاد بأنها تنتمي إلى مجموعة قديمة من أفراد شمال أوراسيا من العصر الحجري القديم. ويفتح هذا الاكتشاف المذهل فكرة أن القطع الأثرية الأخرى التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ المصنوعة من الأسنان والعظام هي مصادر غير مستغلة للمواد الوراثية

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق علماء: ارتفاع مستوى سطح البحر دفع الفايكنغ للخروج من غرينلاند

علماء: ارتفاع مستوى سطح البحر دفع الفايكنغ للخروج من غرينلاند

يُذكر الفايكنغ كمقاتلين شرسين. لكن حتى هؤلاء المحاربين الأقوياء لم يكونوا ليصمدوا أمام تغير المناخ. فقد اكتشف العلماء أخيرًا أن نمو الصفيحة الجليدية وارتفاع مستوى سطح البحر أدى إلى فيضانات ساحلية هائلة أغرقت مزارع الشمال ودفعت بالفايكنغ في النهاية إلى الخروج من غرينلاند في القرن الخامس عشر الميلادي. أسس الفايكنغ لأول مرة موطئ قدم جنوب غرينلاند حوالى عام 985 بعد الميلاد مع وصول إريك ثورفالدسون، المعروف أيضًا باسم «إريك الأحمر»؛ وهو مستكشف نرويجي المولد أبحر إلى غرينلاند بعد نفيه من آيسلندا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا مروي أرض «الكنداكات»... في قلب صراع السودان

مروي أرض «الكنداكات»... في قلب صراع السودان

لا تزال مدينة مروي الأثرية، شمال السودان، تحتل واجهة الأحداث وشاشات التلفزة وأجهزة البث المرئي والمسموع والمكتوب، منذ قرابة الأسبوع، بسبب استيلاء قوات «الدعم السريع» على مطارها والقاعد الجوية الموجودة هناك، وبسبب ما شهدته المنطقة الوادعة من عمليات قتالية مستمرة، يتصدر مشهدها اليوم طرف، ليستعيده الطرف الثاني في اليوم الذي يليه. وتُعد مروي التي يجري فيها الصراع، إحدى أهم المناطق الأثرية في البلاد، ويرجع تاريخها إلى «مملكة كوش» وعاصمتها الجنوبية، وتقع على الضفة الشرقية لنهر النيل، وتبعد نحو 350 كيلومتراً عن الخرطوم، وتقع فيها أهم المواقع الأثرية للحضارة المروية، مثل البجراوية، والنقعة والمصورات،

أحمد يونس (الخرطوم)
يوميات الشرق علماء آثار مصريون يتهمون صناع وثائقي «كليوباترا» بـ«تزييف التاريخ»

علماء آثار مصريون يتهمون صناع وثائقي «كليوباترا» بـ«تزييف التاريخ»

اتهم علماء آثار مصريون صناع الفيلم الوثائقي «الملكة كليوباترا» الذي من المقرر عرضه على شبكة «نتفليكس» في شهر مايو (أيار) المقبل، بـ«تزييف التاريخ»، «وإهانة الحضارة المصرية القديمة»، واستنكروا الإصرار على إظهار بطلة المسلسل التي تجسد قصة حياة كليوباترا، بملامح أفريقية، بينما تنحدر الملكة من جذور بطلمية ذات ملامح شقراء وبشرة بيضاء. وقال عالم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس لـ«الشرق الأوسط»، إن «محاولة تصوير ملامح كليوباترا على أنها ملكة من أفريقيا، تزييف لتاريخ مصر القديمة، لأنها بطلمية»، واتهم حركة «أفروسنتريك» أو «المركزية الأفريقية» بالوقوف وراء العمل. وطالب باتخاذ إجراءات مصرية للرد على هذا

عبد الفتاح فرج (القاهرة)

إردوغان يعلن عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
TT

إردوغان يعلن عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ الصومال وإثيوبيا توصلتا، أمس الأربعاء، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة إلى اتفاق "تاريخي" ينهي التوترات بين البلدين الجارين في القرن الأفريقي.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة، قال إردوغان إنّه يأمل أن يكون هذا "الاتفاق التاريخي الخطوة الأولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين مقديشو وأديس أبابا.

وبحسب نص الاتفاق الذي نشرته تركيا، فقد اتّفق الطرفان على "التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك". واتّفق البلدان أيضا، وفقا للنص، على العمل باتجاه إقرار ابرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما (...) تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية". وتحقيقا لهذه الغاية، سيبدأ البلدان قبل نهاية فبراير (شباط) محادثات فنية تستغرق على الأكثر أربعة أشهر، بهدف حلّ الخلافات بينهما "من خلال الحوار، وإذا لزم الأمر بدعم من تركيا".

وتوجّه الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنقرة الأربعاء لعقد جولة جديدة من المفاوضات نظمتها تركيا، بعد محاولتين أوليين لم تسفرا عن تقدم ملحوظ. وخلال المناقشات السابقة التي جرت في يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) في أنقرة، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارات مكوكية بين نظيريه، من دون أن يتحدثا بشكل مباشر. وتوسّطت تركيا في هذه القضية بهدف حل الخلاف القائم بين إثيوبيا والصومال بطريقة تضمن لأديس أبابا وصولا إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادة مقديشو.

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأربعاء، بعد ثماني ساعات من المفاوضات، سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر. وقال "أعتقد أنّه من خلال الاجتماع الذي عقدناه اليوم (...) سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر" لإثيوبيا.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه "لقد قمنا بتسوية سوء التفاهم الذي حدث في العام الماضي... إثيوبيا تريد وصولا آمنا وموثوقا به إلى البحر. هذا الأمر سيفيد جيراننا بنفس القدر". وأضاف أنّ المفاوضات التي أجراها مع الرئيس الصومالي يمكن أن تسمح للبلدين "بأن يدخلا العام الجديد بروح من التعاون والصداقة والرغبة في العمل معا".

بدوره، قال الرئيس الصومالي، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه إنّ اتفاق أنقرة "وضع حدا للخلاف" بين مقديشو وأديس أبابا، مشدّدا على أنّ بلاده "مستعدّة للعمل مع السلطات الإثيوبية والشعب الإثيوبي". وإثيوبيا هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان لا منفذ بحريا له وذلك منذ انفصلت عنها إريتريا في 1991.