لماذا تراهن روسيا على مصر كمركز أفريقي للحبوب؟

عقب تراجع سعر القمح بسبب الأزمة العالمية

وصول أكبر شاحنة محملة بالقمح الروسي إلى ميناء دمياط في 9 مارس الماضي (الصفحة الرسمية لميناء دمياط)
وصول أكبر شاحنة محملة بالقمح الروسي إلى ميناء دمياط في 9 مارس الماضي (الصفحة الرسمية لميناء دمياط)
TT

لماذا تراهن روسيا على مصر كمركز أفريقي للحبوب؟

وصول أكبر شاحنة محملة بالقمح الروسي إلى ميناء دمياط في 9 مارس الماضي (الصفحة الرسمية لميناء دمياط)
وصول أكبر شاحنة محملة بالقمح الروسي إلى ميناء دمياط في 9 مارس الماضي (الصفحة الرسمية لميناء دمياط)

من بين تبعات الحرب الروسية - الأوكرانية، تراجع الطلب على القمح الروسي بسبب العقوبات الغربية على روسيا التي تَحول دون سير عمليات توريد القمح على النحو السابق، في الوقت عينه تزداد الحاجة المصرية لاستيراد القمح بعد تراجع المحصول الأوكراني الذي كانت تعتمد عليه مصر قبل الحرب. معادلة جمعت مصر وروسيا على طاولة المصالح المشتركة.
وصرّح نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، بأن «مصر ستصبح مركزاً للحبوب الروسية في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا». وقال في مقابلة مع برنامج «نيوز ميكر» على «آر تي أربيا»، (الأربعاء)، إن «مصر اعتمدت خلال السنوات الأخيرة على الحبوب الروسية، لا سيما القمح، بسبب جودتها وسعرها». وأضاف أن «جميع الشروط تنطبق على مصر لتصبح مركزاً للحبوب الروسية لتوريد مجمع الصناعات الزراعي الروسي».
شهد القمح الروسي أكبر تراجع في الأسعار خلال مارس (آذار) الماضي، حسب تقرير نشرته وكالة أنباء «تاس» الروسية، الثلاثاء الماضي، وذكر التقرير أن «أسعار القمح لم تشهد هذا الانخفاض منذ 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، بعدما وصل سعر القمح من الدرجة الثالثة في روسيا إلى 11550 روبلاً للطن في 29 مارس الماضي». وأرجع خبراء هذا الانخفاض إلى تحقيق فائض من القمح على خلفية قلة الطلب من المصدّرين.
من جانبه يرى الدكتور سعد نصار، أستاذ الاقتصاد الزراعي ومستشار وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، أن «مصر أفضل الدول المرشحة لتكون مركزاً للحبوب الروسية»، ويوضح، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «مصر تسعى لأن تضم مركزاً لوجيستياً لتخزين الحبوب وإعادة تصديرها للدول العربية والأفريقية، لا سيما أنها تتوفر لديها الشروط اللازمة للوفاء بهذا الدور المحوري، بدايةً من الصوامع التي زادت طاقتها من نحو 1.4 مليون طن في 2014 إلى 5.5 مليون طن راهناً».
ويضع نصار موقع مصر الجغرافي شرطاً ثانياً يؤهلها لأن تجتذب الرهان الروسي، ويضيف أن «مصر أكبر دولة زراعية في المنطقة سواء من حيث الإنتاج أو الاستهلاك، غير أن ما تراهن عليه روسيا ليس التوريد للسوق المصرية فحسب بينما الاعتماد عليها في التخزين والتوريد لبقية الدول لا سيما بعد تبعات الحرب».
ويعدد نصار أسباب الاتجاه الروسي نحو مصر، ويقول إن «مصر لديها موانئ عدة فضلاً عن قناة السويس، هذه الشبكة تعزز أواصر العلاقات المصرية بالعالم، كما أن اتفاقيات التجارة الدولية التي أبرمتها مصر سهّلت المهمة، مثلاً اتفاقية المشاركة المصرية - الأوروبية التي تسمح لمصر بتصدير سلع زراعية من دون تعريفة جمركية. أيضاً منطقة التجارة الحرة العربية منذ 2005، ومنطقة التجارة الحرة الأفريقية التي انطلقت في 2019».
واتجه البنك المركزي الروسي، مطلع العام الجاري، لإدراج الجنيه المصري ضمن سلة أخرى من العملات تمهيداً لتطبيق آلية تسوية مدفوعات التبادل التجاري بالعملات المحلية بدلاً من الدولار.
وشهد حجم التعامل التجاري بين مصر وروسيا «انتعاشة» ملحوظة، فمن جانبها علّقت يلينا تيورينا، مديرة قسم التحليلات باتحاد الحبوب الروسي، قائلة إن «مصر هي الدولة صاحبة الريادة في استيراد القمح الروسي»، حسب تصريحات أدلت بها لـ«آر تي أربيا». أيضاً في مارس الماضي، استقبل ميناء دمياط «أكبر» شحنة من نوعها من القمح الروسي، وبلغت حمولتها 100 ألف طن من القمح، لصالح الهيئة العامة للسلع التموينية.
ورأى الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعي في جامعة القاهرة، أن التعامل التجاري بين مصر وروسيا بالعملات المحلية خطوة ستغيّر وجه العلاقات، وقال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «ارتفاع قيمة الدولار مقابل الجنيه المصري (الدولار يعادل 30.9 جنيه) أجّج الأزمة الاقتصادية الراهنة التي تعاني منها مصر جراء الحرب، من ثم إدراج عملات أخرى ضمن التعاملات التجارية الدولية من شأنه حلحلة الأزمة وتخفيف الضغط على الدولار، لا سيما إذا كانت السلعة المقصودة هي سلعة استراتيجية مثل القمح».
وعن اتجاه روسيا لتعزيز العلاقات التجارية مع مصر، يرى أستاذ الاقتصاد الزراعي أنه اتجاه «صائب» وله تبعات كثيرة، ويوضح أن «الحلول المستدامة تأتي من رحم الأزمات، صحيح أن الحرب رمت بظلالها على العالم، غير أنها نبهت مصر لضرورة التحرك بوتيرة أسرع في ملف الأمن الغذائي، من ثم حدثت تحركات دولية حثيثة على شاكلة توطيد العلاقات الروسية - المصرية سواء في منطقة تجارة حرة، أو اعتبار مصر مركزاً استراتيجياً لتخزين وتصدير الحبوب الروسية وعلى رأسها القمح».


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


«النواب» المصري لتنظيم أوضاع اللاجئين

مجلس النواب المصري خلال جلسة سابقة (مجلس الوزراء المصري)
مجلس النواب المصري خلال جلسة سابقة (مجلس الوزراء المصري)
TT

«النواب» المصري لتنظيم أوضاع اللاجئين

مجلس النواب المصري خلال جلسة سابقة (مجلس الوزراء المصري)
مجلس النواب المصري خلال جلسة سابقة (مجلس الوزراء المصري)

يتجه مجلس النواب المصري (البرلمان) إلى تنظيم أوضاع اللاجئين في البلاد. ويناقش «النواب»، الأحد، مشروع قانون جديد يتضمن «إنشاء لجنة دائمة تختص بشؤون اللاجئين وتنظم حقوقهم والتزاماتهم».

ويرى برلمانيون أن القانون الجديد «تحرك ضروري الآن مع استمرار تدفقات النازحين الهاربين من مناطق التوتر والصراع في المنطقة إلى المدن المصرية». وتحدثوا عن «التشريع الجديد يحمل امتيازات للاجئين».

وتقدِّر مصر أعداد اللاجئين والمهاجرين والأجانب المقيمين على أراضيها بأكثر من 9 ملايين، وفق رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، الذي أشار في أكتوبر (تشرين أول) الماضي، إلى أن «أعداد الأجانب زادت في بلاده خلال الفترة الأخيرة من جراء الأحداث التي تشهدها المنطقة».

ويجري «النواب» مناقشات حول تقرير أعدته «لجنة الدفاع والأمن القومي» بمجلس النواب، نهاية الشهر الماضي، حول التشريع الجديد، الذي سبق أن أحالته الحكومة المصرية للبرلمان في يونيو (حزيران) من العام الماضي.

وبحسب «لجنة الدفاع» يستهدف التشريع الجديد «وضع تنظيم قانوني لحقوق اللاجئين والتزاماتهم داخل مصر استناداً لنصوص الدستور المصري والاتفاقيات الدولية التي انضمت لها مصر، من خلال إنشاء (اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين) تتبع رئيس مجلس الوزراء، وتتولى إدارة شؤون اللاجئين كافة، والبيانات الإحصائية الخاصة بهم».

أيضاً ينظم مشروع القانون «إجراءات طلب اللجوء ومواعيد البت فيها»، كما «يمنح أولوية لطالبي اللجوء من ذوي الإعاقة والمسنين والنساء والأطفال وضحايا الاتجار بالبشر والتعذيب»، ونص كذلك على «منح اللاجئين الحق في الحصول على وثيقة سفر».

وكان وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي المصري، محمود فوزي، قد أكد في إفادة سابقة، أن «الواقع الحالي أكد الحاجة الضرورية لوجود قانون ينظم توفيق أوضاع اللاجئين وحصرهم، بشكل يكفل حقوقهم المتعارف عليها في المعايير الدولية، ويحفظ للمجتمع المصري استقراره وأمنه القومي».

سودانيون في مكتب شؤون اللاجئين بالقاهرة (مكتب مفوضية شؤون اللاجئين)

وتشير «لجنة الدفاع» إلى أن «مصر تعد ثالث أكثر دولة على مستوى العالم استقبالاً لطلبات اللجوء في عام 2023».

«يستهدف القانون الجديد تقنين أوضاع اللاجئين الذين لم يحصلوا على تصاريح إقامة داخل مصر»، وفق رئيس «لجنة الدفاع والأمن القومي» بمجلس النواب، النائب أحمد العوضي، الذي أوضح أن «التشريع الجديد ينظم الوضع القانوني للنازحين والفارين من مناطق الصراعات والتوترات ولجأوا إلى مصر في الفترة الأخيرة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «القانون لا يخاطب من قننوا أوضاعهم ويقيمون في المدن المصرية منذ سنوات».

العوضي عدّ القانون الجديد مهماً للحكومة المصرية لـ«ضبط إجراءات اللجوء وإقامة اللاجئين»، وقال إنه «ينص على امتيازات عديدة للاجئين، منها، حق العمل وتأسيس الشركات»، مشيراً إلى أن القانون «يقرر أيضاً التزامات على اللاجئين، أهمها، احترام الدستور والقانون المصريَين».

وبحسب وكيل «لجنة الشؤون العربية» بمجلس النواب، النائب أيمن محسب، فإن «القانون سيوفر بيانات دقيقة عن اللاجئين في مصر، والدول التي ينتمون إليها، وأسباب لجوئهم، بما يساعد الحكومة على تقدير تكلفة إقامتهم».

وقدر رئيس مجلس الوزراء المصري، في وقت سابق، التكلفة المباشرة لاستضافة مصر بما يزيد على 9 ملايين شخص، بأكثر من 10 مليارات دولار سنوياً. (الدولار الأميركي يساوي 49.30 جنيه في البنوك المصرية).

محسب أوضح أن «القانون الجديد كذلك يمنح امتيازات عديدة للاجئين، منها، حق الرعاية الصحية، والتعليم المجاني للأطفال في المدارس المصرية، خصوصاً في مرحلة التعليم الأساسي»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «استمرار التوترات في منطقة الشرق الأوسط دون أفق للتهدئة، تجعل صدور القانون أمراً ضرورياً، لتنظيم إقامة النازحين إلى مصر».

وارتفع عدد المسجلين لدى «مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» في مصر، إلى 818 ألف لاجئ من 60 دولة، وأشارت «المفوضية» في إفادة، الخميس الماضي، إلى أن «الجنسية السودانية تحتل المرتبة الأولى من حيث أعداد المسجلين بواقع 537 ألفاً و882 لاجئاً، والجنسية السورية في المرتبة الثانية بواقع 148 ألفاً و938 لاجئاً».