ما تأثير اقتحام «الأقصى» على «تفاهمات شرم الشيخ»؟

الاتفاق تضمن وضع «آلية للتهدئة» خلال شهر رمضان

عناصر من الشرطة الإسرائيلية خلال اقتحام المسجد الأقصى (أ.ف.ب)
عناصر من الشرطة الإسرائيلية خلال اقتحام المسجد الأقصى (أ.ف.ب)
TT

ما تأثير اقتحام «الأقصى» على «تفاهمات شرم الشيخ»؟

عناصر من الشرطة الإسرائيلية خلال اقتحام المسجد الأقصى (أ.ف.ب)
عناصر من الشرطة الإسرائيلية خلال اقتحام المسجد الأقصى (أ.ف.ب)

يبدو أن محاولات وضع حد للعنف في الأراضي الفلسطينية، على الأقل خلال شهر رمضان، لم تؤت ثمارها، فبعد مرور أقل من 20 يوما على إعلان «تفاهمات شرم الشيخ»، اشتعلت الأوضاع مجددا باقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى، واعتدائها على المصلين، إلى جانب غارات جوية شنتها طائرات حربية إسرائيلية، فجر (الخميس)، على قطاع غزة، إثر «إطلاق قذائف صاروخية على جنوب إسرائيل»، ما ينذر بتفجر الأوضاع على الأرض.
وشهدت الفترة الماضية تكرارا لما اعتبر تصرفات وتصريحات «استفزازية» من جانب الحكومة الإسرائيلية، بشأن التوسع في المستوطنات، أو محو قرى فلسطينية، ما دفع مصر إلى الدعوة لعقد اجتماع في شرم الشيخ، في 19 مارس (آذار) الماضي، بحضور مسؤولين أمنيين وسياسيين من الأردن، ومصر، وإسرائيل، وفلسطين، والولايات المتحدة، بهدف استكمال التفاهم الذي تم التوصل إليه في العقبة في 26 فبراير (شباط) الماضي، و«تهدئة» الأوضاع خلال شهر رمضان. وهو الاجتماع الذي شهد معارضة من الفصائل الفلسطينية. وخلص الاجتماع إلى «استحداث آلية للحد من والتصدي للعنف والتحريض والتصريحات والتحركات التي قد تتسبب في اشتعال الموقف». على أن ترفع هذه الآلية تقارير لقيادات الدول الخمس في أبريل (نيسان) الجاري، عند استئناف فعاليات جلسة الاجتماع في شرم الشيخ.
لكن هذه التفاهمات لم تجد صدى على الأرض، حيث استمرت التصرفات والتصريحات الإسرائيلية «الاستفزازية»، إلى حد «إنكار وجود الشعب الفلسطيني»، والتي وصلت ذروتها عند اقتحام المسجد الأقصى، في ظل إدانات عربية ودولية وأممية.
محاولات وقف هذه التصرفات الإسرائيلية، تعود إلى ما قبل اجتماع العقبة، حيث أكد قادة مصر والأردن وفلسطين، في قمة ثلاثية عقدت في القاهرة يناير (كانون الثاني) على «ضرورة وقف جميع الإجراءات الإسرائيلية الأحادية واللاشرعية، التي تقوض حل الدولتين وفرص السلام». لتتواصل الاجتماعات بعد ذلك بهدف وضع حد لتصاعد العنف.
ورغم أن إسرائيل وافقت في العقبة وشرم الشيخ على وقف الإجراءات والتصرفات الأحادية، فإن تصاعد الأحداث بهذا الشكل يؤكد، وفق الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، أن إسرائيل «لا تضع في تقديرها الاستجابة لأي مطالب سواء كانت في العقبة أو شرم الشيخ». ويقول فهمي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «الوضع في إسرائيل يتضمن مفارقة عجيبة، في ظل قيادتين، حكومة رئيس الوزراء نتنياهو وحكومة المستوطنين، والأخيرة هي من تقرر، وهي الماضية في نهجها التصعيدي».
هذا الانقسام في الداخل الإسرائيلي، سبق وحذر منه الوفد الأميركي المشارك في اجتماع شرم الشيخ، وفق مصادر مطلعة، أكدت لـ«الشرق الأوسط»، في وقت سابق، أن «واشنطن دعت نتنياهو للسيطرة على حكومته».
لكن الوضع على الأرض لا يشير إلى ذلك، حيث تتواصل التصريحات العدائية من جانب وزراء في الحكومة الإسرائيلية. وسط تحذيرات رسمية وبيانات إدانة عربية تؤكد أن «الوضع قد يخرج عن السيطرة»، وأن «هذه التصرفات تقوض جهود التهدئة». ويتوقع أستاذ العلوم السياسية أن «تكون الفترة المقبلة أكثر سوءا، لا سيما مع الحشود الإسلامية المتوقعة في الاحتفال بليلة القدر، وتصميم قطاعات المستوطنين على المضي في مخطط الاقتحامات». ويقول إن «تنفيذ آلية الحد من العنف التي تم الاتفاق عليها في شرم الشيخ يتطلب موقفا دوليا وإقليميا». وأشار إلى أن «مصر تبذل جهودا مقدرة في هذا الصدد، لكن المشكلة في التزام الجانب الإسرائيلي».
وتزامنا مع الإدانات الرسمية، شهدت الساعات الماضية اتصالات مكثفة من مصر وعدة دول عربية تستهدف «احتواء الأوضاع، والضغط على الحكومة الإسرائيلية، تخوفا من انفلات الأمور، وانطلاق انتفاضة فلسطينية شاملة في الأراضي الفلسطينية»، وهو ما سبق وحذر منه رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، ويليام بيرنز في فبراير الماضي.
ويعتقد فهمي أن «الأيام المقبلة ستكون حاسمة إن لم تتم الاستجابة للوضع الراهن»، مشيرا إلى أن «نتنياهو لا يتجاوب مع الالتزامات الدولية تخوفا من تفكك حكومته، ما يؤدي إلى انتخابات جديدة، وهو أمر غير مستبعد». ويوضح أن «التطورات في الداخل الإسرائيلي، لا سيما تشكيل قوة الحرس القومي، سيكون لها ارتداداتها السيئة على الأوضاع في فلسطين».
وبشأن إمكانية أن تلعب واشنطن دورا في «تهدئة» الأوضاع أو الضغط على إسرائيل، يقول أستاذ العلوم السياسية إن «الولايات المتحدة منشغلة حاليا بقضايا داخلية، ولن تتدخل إلا إذا تعرض أمن إسرائيل للخطر، أو تم اختراق (الهدنة) في قطاع غزة، واندلاع ما يعرف بـ(حرب الجبهتين)». وأشار إلى أن «واشنطن تمارس ضغوطا على الجانب الفلسطيني لاستئناف التنسيق الأمني، لكنها لا تملك مقاربة حقيقية للتعامل مع المشهد الإسرائيلي».
ويبدو أن الفترة المقبلة ستكون «حاسمة» لاختبار فاعلية «تفاهمات شرم الشيخ»، وقدرة الأطراف المشاركة في الاجتماع على دفع إسرائيل للالتزام بها، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن. لا سيما مع تطورات سياسية في الداخل الإسرائيلي تشير تداعياتها إلى أن الوضع متجه نحو مزيد من المواجهات والتصعيد.


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي «مستعربون» بزي نسائي تسللوا إلى قلب نابلس لقتل 3 فلسطينيين

«مستعربون» بزي نسائي تسللوا إلى قلب نابلس لقتل 3 فلسطينيين

قتلت إسرائيل 3 فلسطينيين في الضفة الغربية، الخميس، بعد حصار منزل تحصنوا داخله في نابلس شمال الضفة الغربية، قالت إنهم يقفون خلف تنفيذ عملية في منطقة الأغوار بداية الشهر الماضي، قتل فيها 3 إسرائيليات، إضافة لقتل فتاة على حاجز عسكري قرب نابلس زعم أنها طعنت إسرائيلياً في المكان. وهاجم الجيش الإسرائيلي حارة الياسمينة في البلدة القديمة في نابلس صباحاً، بعد أن تسلل «مستعربون» إلى المكان، تنكروا بزي نساء، وحاصروا منزلاً هناك، قبل أن تندلع اشتباكات عنيفة في المكان انتهت بإطلاق الجنود صواريخ محمولة تجاه المنزل، في تكتيك يُعرف باسم «طنجرة الضغط» لإجبار المتحصنين على الخروج، أو لضمان مقتلهم. وأعلنت وزارة

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي مشروع قانون إسرائيلي يتيح لعوائل القتلى مقاضاة السلطة واقتطاع أموال منها

مشروع قانون إسرائيلي يتيح لعوائل القتلى مقاضاة السلطة واقتطاع أموال منها

في وقت اقتطعت فيه الحكومة الإسرائيلية، أموالاً إضافية من العوائد المالية الضريبية التابعة للسلطة الفلسطينية، لصالح عوائل القتلى الإسرائيليين في عمليات فلسطينية، دفع الكنيست نحو مشروع جديد يتيح لهذه العائلات مقاضاة السلطة ورفع دعاوى في المحاكم الإسرائيلية؛ لتعويضهم من هذه الأموال. وقالت صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية، الخميس، إن الكنيست صادق، بالقراءة الأولى، على مشروع قانون يسمح لعوائل القتلى الإسرائيليين جراء هجمات فلسطينية رفع دعاوى لتعويضهم من أموال «المقاصة» (العوائد الضريبية) الفلسطينية. ودعم أعضاء كنيست من الائتلاف الحكومي ومن المعارضة، كذلك، المشروع الذي يتهم السلطة بأنها تشجع «الإرهاب»؛

«الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي تأهب في إسرائيل بعد «صواريخ غزة»

تأهب في إسرائيل بعد «صواريخ غزة»

دخل الجيش الإسرائيلي في حالة تأهب وقصف بدباباته موقعاً في شرق مدينة غزة، أمس الثلاثاء، ردّاً على صواريخ أُطلقت صباحاً من القطاع بعد وفاة القيادي البارز في حركة «الجهاد» بالضفة الغربية، خضر عدنان؛ نتيجة إضرابه عن الطعام داخل سجن إسرائيلي.

كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي وساطة عربية ـ أممية تعيد الهدوء إلى غزة بعد جولة قتال خاطفة

وساطة عربية ـ أممية تعيد الهدوء إلى غزة بعد جولة قتال خاطفة

صمد اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة الذي دخل حيز التنفيذ، فجر الأربعاء، منهيا بذلك جولة قصف متبادل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية استمرت ليلة واحدة (أقل من 24 ساعة)، في «مخاطرة محسوبة» بدأتها الفصائل ردا على وفاة القيادي في «الجهاد الإسلامي» خضر عدنان في السجون الإسرائيلية يوم الثلاثاء، بعد إضراب استمر 87 يوما. وقالت مصادر فلسطينية في الفصائل لـ«الشرق الأوسط»، إن وساطة مصرية قطرية وعبر الأمم المتحدة نجحت في وضع حد لجولة القتال الحالية.

كفاح زبون (رام الله)

بين تناول الطعام من المراحيض والتعذيب الجسدي... معتقل سابق في صيدنايا يوثّق الفظائع

أشخاص يشاهدون عملية البحث عن معتقلين تحت الأرض في سجن صيدنايا (رويترز)
أشخاص يشاهدون عملية البحث عن معتقلين تحت الأرض في سجن صيدنايا (رويترز)
TT

بين تناول الطعام من المراحيض والتعذيب الجسدي... معتقل سابق في صيدنايا يوثّق الفظائع

أشخاص يشاهدون عملية البحث عن معتقلين تحت الأرض في سجن صيدنايا (رويترز)
أشخاص يشاهدون عملية البحث عن معتقلين تحت الأرض في سجن صيدنايا (رويترز)

أمضى رياض أفلار عشرين عاماً بالسجون السورية، عشرة منها في سجن صيدنايا سيئ السمعة الذي شهد بعض أكثر الانتهاكات وحشية خلال عهد بشار الأسد. وكل تلك السنوات وراء القضبان تركت لديه هاجساً واحداً: توثيق الفظائع التي ارتكبت في الموقع.

قال أفلار، وهو مواطن تركي: «أنا متأكد من أننا سنرى بشار الأسد يحاكم ذات يوم»، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

في عام 2017 بعد أشهر قليلة من إطلاق سراحه، شارك أفلار في تأسيس رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا التي تدافع عن معتقلين تجرأوا على تحدي حكم الأسد.

وقال في مقر المنظمة في غازي عنتاب في جنوب شرقي تركيا: «لا نريد الانتقام، نريد العدالة».

هناك، يقوم أفلار وناجون آخرون من صيدنايا بجمع الوثائق والشهادات المرتبطة بالفظائع التي ارتكبت في هذا السجن الذي وصفته منظمة العفو الدولية بأنه «مسلخ بشري».

وعقب سقوط الأسد بعد سيطرة الفصائل المعارضة السورية على العاصمة الأحد، أُطلق سراح آلاف الأشخاص من السجن الواقع في ريف دمشق، وبعضهم محتجز منذ الثمانينات.

امرأة تسير وسط الأغراض المتناثرة داخل سجن صيدنايا (رويترز)

وانتشرت صور المعتقلين السابقين وهم يسيرون أحراراً، لكنهم منهكون وهزيلون، وبعضهم يحتاج إلى المساعدة حتى للوقوف، في كل أنحاء العالم في رمز لسقوط الأسد.

وقال أفلار الذي سجن في عام 1996 أثناء دراسته في دمشق بسبب رسالة أرسلها إلى أقاربه بشأن انتهاكات ترتكبها الحكومة في السجون السورية: «فرحت جداً عندما رأيتهم (أحراراً) لكن صور الجدران والزنزانات أعادتني فوراً إلى هناك». وأضاف: «ما زلت مصدوماً».

«قتل عدد كبير من الأشخاص»

حتى اليوم، يستيقظ أفلار أحياناً في الليل مرتعداً، معتقداً بأنه ما زال خلف القضبان، إذ احتجز في إحدى المرات داخل زنزانة في ظلام دامس لمدة شهرين.

وأوضح الناشط الذي يحمل ندبة ناجمة عن التعذيب الذي تعرض له قبل 25 عاماً: «رأيت أشخاصاً يموتون أمام عينَي، كثيراً ما كان ذلك بسبب الجوع».

وروى أن الحراس كانوا في كثير من الأحيان يلقون وجبات طعام في المرحاض أمام السجناء الذين يتضورون جوعاً، مضيفاً: «كان السجناء يأكلونها من أجل البقاء على قيد الحياة».

وكان جزء من تعافيه من خلال المسرح، وتعلم العزف على آلة الساز، وهو عود طويل العنق يحظى بشعبية كبيرة في تركيا، لكن أيضاً من خلال عمله في المنظمة التي تمكّن من خلالها من مساعدة عدد لا يحصى من العائلات في الحصول على دليل على أن أقاربهم المحتجزين داخل صيدنايا ما زالوا على قيد الحياة.

وقال أفلار إن ذلك كان بفضل موظفين مطّلعين في السجن مرروا سراً وثائق داخلية للمنظمة، من دون تقديم مزيد من التفاصيل.

«لا سجناء جدداً»

واليوم، فرغ سجن صيدنايا الذي سارع إليه مئات السوريين هذا الأسبوع على أمل في العثور على أحبائهم، من المعتقلين.

وقالت رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، إن الفصائل المعارضة بقيادة «هيئة تحرير الشام» أطلقوا سراح أكثر من أربعة آلاف سجين.

وتقدر المجموعة أن أكثر من 30 ألف شخص إما أعدموا وإما ماتوا نتيجة التعذيب، أو المجاعة، أو نقص الرعاية الطبية بين عامَي 2011 و2018.

ومع وجود هذا العدد الكبير من الجثث، اضطرت السلطات لاستخدام «غرف ملح» كأنها مشارح مؤقتة لتعويض النقص في الأماكن المبرّدة.

وأمام هذه الفظائع، لا يفكّر أفلار في العودة إلى هناك، لكنه يقر بأنه «كان يحلم دائماً بأن يصبح سجن صيدنايا يوماً ما مكاناً لتخليد الذكرى».

وأضاف: «أنا سعيد جداً، لأنه لم يتبق فيه سجين واحد. آمل ألا يدخله سجناء جدد مطلقاً».