لم تغب السياسة كلياً عن زيارة الملك تشارلز إلى ألمانيا، رغم أن رأس العرش البريطاني لا يتعين عليه الخوض في السياسة؛ إذ يمثل رأس الدولة بشكل رمزي فقط. وتوجّه الملك البريطاني بخطاب وُصف بالتاريخي أمام البرلمان الفيدرالي الألماني، ليصبح أول رأس عرش بريطاني يلقي كلمة أمام «البوندستاغ»، امتدح فيه الدعم البريطاني - الألماني المشترك لأوكرانيا. وقال بأن الحرب على أوكرانيا «تهدد أمن أوروبا وقيمنا الديمقراطية»، مضيفاً بأن بريطانيا وألمانيا أخذتا مواقف «قيادية» في دعم أوكرانيا «لمواجهة الاعتداء عليها».
وامتدح تشارلز في خطاب ألقى جزءاً كبيراً منه باللغة الألمانية أمام النواب، قرار ألمانيا تزويد أوكرانيا بالأسلحة، ووصفه بالقرار «الشجاع والمهم والمرحب به». ويعكس كلام الملك موقف بريطانيا من الحرب في أوكرانيا، وهو موقف يلاقي تأييد معظم الأحزاب البريطانية.
ولكن الجزء الأكبر من خطاب الملك ركز على العلاقات البريطانية - الألمانية، وبخاصة مع خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي. وكان الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير الذي أقام مأدبة عشاء رسمية على شرف الملك قبل ليلة، ألقى كلمة أيضاً شدّد فيها على أن الزيارة هي «لإعادة إطلاق» العلاقات الألمانية - البريطانية بعد «بريكست»، مشيراً إلى أن البلدين ما زالا مقربين في الكثير من النواحي. وشارك في مأدبة العشاء المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي أُجلست إلى جانب قرينة الملك كاميلا التي ترافق زوجها في الزيارة، إضافة إلى الرئيس الألماني الأسبق يواكيم غوك. وكررت رئيسة «البودنستاغ» باربيل باس وهي تقدم الملك، كلام الرئيس الألماني عن إعادة إطلاق العلاقات الألمانية - البريطانية، وشدّدت هي أيضاً على قرب هذه العلاقة وثباتها.
وتحدّث تشارلز في كلمته أمام «البودنستاغ» كذلك عن العلاقة التاريخية والثقافية بين البلدين، وعن ارتباط عائلته بألمانيا، مشيراً إلى والدته الملكة إليزابيث التي زارت ألمانيا بشكل رسمي 15 مرة. وتتحدر الأسرة الملكية البريطانية من أصول ألمانية، وكان الأمير فيليب والد تشارلز يتحدث اللغة الألمانية بطلاقة وجزء كبير من عائلته يعيش في ألمانيا. وحتى أن العائلة الملكية البريطانية كانت تحمل كنية ألمانية هي زاخن - كوبور وغوتا، غيّرها الملك جورج الخامس بعد الحرب العالمية الأولى إلى ويندسور، بسبب زيادة الكراهية تجاه ألمانيا لتسببها بإشعال الحرب. وبقيت العائلة المالكة البريطانية محافظة على روابطها الأسرية في ألمانيا حتى بعد الحرب العالمية الثانية، رغم أنها حاولت إبعاد نفسها عن ألمانيا النازية.
ولقيت زيارة الملك تشارلز تغطية واسعة في الصحافة الألمانية التي ركّزت على اختيار الملك ألمانيا لتكون محطته الخارجية الأولى بعد توليه العرش، وإلغاء زيارته إلى فرنسا بسبب الاحتجاجات. كما امتدحت الصحافة إتقانه اللغة الألمانية التي اعتمدها في الكلمات الرسمية التي ألقاها. ولم تكن المرة الأولى التي يتوجه فيها تشارلز إلى «البوندستاغ» وباللغة الألمانية، فهو ألقى كلمته قبل عامين فقط، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، ولكنه كان آنذاك ما زال أمير ويلز.
وزار تشارلز بعد كلمته أمام «البوندستاغ» مطار تيغيل في برلين الذي أغلق قبل عام وحوّلته حكومة برلين إلى مركز تأوي فيه اللاجئين الأوكرانيين. والتقى مع الرئيس الألماني عدداً من اللاجئين الأوكرانيين الذين وصلوا إلى ألمانيا.
ولاقت زيارة الملك البريطاني ترحيباً في ألمانيا بشكل عام، ليس فقط من الطبقة السياسية ولكن أيضاً من الألمان. وفي ختام كلمته أمام «البوندستاغ»، لاقى تصفيقاً حاراً من النواب باستثناء كتلة نواب اليسار المتطرف «دي لينكا» التي انتقدت إعطاء الملك منبراً للتحدث إلى النواب. وعلى الصعيد الشعبي، أظهر استطلاع أجراه معهد «يوغوف» للأبحاث، أن نصف الألمان يعتبرون زيارة الملك علامة للتقارب البريطاني - الألماني بعد «بريكست».
ورأت القناة الألمانية الأولى، أن زيارة تشارلز تأتي في وقت تعهدت فيه حكومة ريشي سوناك بأن تكون إصلاح العلاقات بين لندن وأوروبا أولوية، خاصة بعد الاتفاق الشهر الماضي مع المفوضية الأوروبية على وضع آيرلندا الشمالية بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي. وذكرت القناة بأن الملك استقبل آنذاك رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال زيارتها لندن لإجراء المفاوضات مع رئيس الحكومة. وأشارت إلى أن الزيارة أثارت جدلاً آنذاك بسبب اتهام الملك بالتدخل في قضايا خلافية داخل البلاد، ولكنها أضافت بأن دفاع الحكومة عن استقبال الملك لرئيسة المفوضية يشير إلى أن حكومة سوناك مصرّة على إعادة تعميق العلاقات مع أوروبا.