غالباً ما تُعتبر «أمل عرابي» من العناصر الأساسية في احتجاجات الشوارع، وبينما يتظاهر عشرات الآلاف من الإسرائيليين لأشهر ضد الخطة الحكومية المثيرة للجدل لإصلاح القضاء، فإن أمل عرابي مبتعدة تماماً عن هذه الاحتجاجات.
أمل ناشطة ومحامية، وهي واحدة من العديد من المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل الذين بقوا على هامش بعض أكبر المظاهرات وأكثرها استمراراً في البلاد، في غياب صارخ ضمن حركة تقول إنها تهدف إلى الحفاظ على المُثُل الديمقراطية للبلاد. تقول أمل عرابي لوكالة «أسوشيتد برس»: «لا أرى لنفسي موضعاً هناك».
وبما أن الأقليات تعاني منذ فترة طويلة من التمييز المنهجي، فمن المحتمل أن يكون الفلسطينيون في إسرائيل هم الأكثر خسارة إذا نُفذت الخطة التي من المرجح أن تُضعف استقلال القضاء. غير أن المجتمع المحلي يحمل شعوراً عميقاً بأن النظام يمر بحالة مزرية من التلاعب كما كان الحال دائماً، ويرى في المظاهرات «حركة يهودية خالصة» غير راغبة في إدراج قضايا تهم الفلسطينيين، تغض الطرف عن الظلم الذي طال أمده ضدهم.
لم تؤد السمات الوطنية التي تميز الحركة الراهنة إلا لتعزيز موقف العديد من الفلسطينيين في إسرائيل بأنه لا مكان لهم هنالك؛ إذ يرفرف علم نجمة داود في كل مكان، ويشدو النشيد الوطني بشوق الروح اليهودية إلى إسرائيل، فضلاً عن المشاركة المكثفة للمسؤولين السابقين في المؤسسة العسكرية التي ينظر إليها المواطنون الفلسطينيون بعين الريبة، إن لم تكن بنظرة عدائية. يقول سامي أبو شحادة، النائب السابق في البرلمان الإسرائيلي: «لا نتحدث عن الاحتلال في هذه المظاهرات. ولا عن العنصرية أو التمييز. ورغم ذلك يخلعون عليها صفة النضال من أجل الديمقراطية».
يقول المنظمون إنهم وجهوا دعوات متكررة إلى الفلسطينيين في إسرائيل للمشاركة في المظاهرات، إلا أنهم يركزون رسالتهم بصفة خاصة على الإصلاح. وأجبرت المظاهرات الحاشدة التي استمرت شهوراً والإضراب العام هذا الأسبوع، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على تأجيل خطة الإصلاح لكنه لم يلغها تماماً، ومن المتوقع للاحتجاجات أن تستمر.
من شأن الخطة بصيغتها الحالية أن تمنح الحكومة السيطرة على من يُصبح قاضياً في إسرائيل، وأن تُحد من المراجعة القضائية لقراراتها وتشريعاتها. وتقول حكومة نتنياهو إن المقترح من شأنه تسهيل عملية التشريع، وكبح جماح السلطة القضائية التي ترى أنها تعاني من تعاطف ليبرالي.
يقول النقاد إن من شأن ذلك إلحاق الضرر بنظام الضوابط والتوازنات في البلاد، وقد حفزت المعارضة من قبل مجموعة واسعة من المجتمع الإسرائيلي، بما في ذلك كبار الاقتصاديين، وكبار المسؤولين القانونيين، وحتى الجيش.
في حين يقول المحتجون إن هدفهم هو حماية المحكمة العليا التي ينظر إليها اليهود على أنها «حصن منيع ضد الطغيان»، ويرى الفلسطينيون في إسرائيل أن المحكمة «خذلتهم مراراً وتكراراً». وقد اعتبروا منذ فترة طويلة أن الديمقراطية في إسرائيل ملطخة بمعاملة الدولة لهم واحتلالها المفتوح الذي دام 55 عاماً للأراضي التي يسعى الفلسطينيون إلى إقامة دولتهم المستقلة عليها.
يملك المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل، الذين يُشكلون خُمس سكانها البالغ عددهم 9.6 مليون نسمة، الحق في التصويت ولديهم ممثلون عرب في البرلمان، مع انضمام حزب عربي واحد مؤخراً إلى ائتلاف حاكم للمرة الأولى، لكنهم عانوا لفترة طويلة من التمييز في مجموعة من المجالات، من الإسكان وحتى الوظائف.
وينظر اليهود الإسرائيليون إلى أحفاد الفلسطينيين ممن بقوا داخل حدود ما أصبحت دولة إسرائيل، على أنهم طابور خامس، بسبب روابطهم وتضامنهم الراسخ مع الفلسطينيين ممن يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي حين صعد الفلسطينيون في إسرائيل، في كثير من الحالات، إلى أعلى المستويات في الحكومة والأوساط الأكاديمية وقطاع الأعمال، لكن السكان ككل أكثر فقراً وأقل تعليماً من اليهود الإسرائيليين.
في معرض انتقادهم للمحكمة العليا، يشير الفلسطينيون في إسرائيل إلى قرار صدر عام 2021 لتأييد قانون مثير للجدل، يُعرّف البلاد بأنها «الدولة القومية للشعب اليهودي»، وهو قانون يُميز ضد الأقليات، ويقولون إن المحكمة العليا تسمح بصفة عامة لإسرائيل بالبناء على أراض محتلة، وتسمح بصفة منتظمة لإسرائيل بهدم منازل المهاجمين الفلسطينيين.
غير أن هذا الوضع القاتم لم يكن كافياً لجرّهم (الفلسطينيين في إسرائيل) إلى المشاركة في الاحتجاجات. وبعد أن شاهدوا حقوقهم الخاصة تُهاجم على مر السنين، يشعر البعض من أبناء المجتمع بالخيانة، نظراً لأن اليهود الإسرائيليين لم يحتشدوا أبداً ضد هذه المظالم بنفس الحماس الذي أبدوه على مدى الأشهر الثلاثة الماضية.
تتساءل الناشطة أمل عرابي: «أين كنتم في سنوات صراعنا؟».
تقول «شير نوساتسكي» مُنظمة الاحتجاجات، إنها تدرك التعقيدات التي تدفع الفلسطينيين في إسرائيل للبقاء بعيداً، لكنها أضافت أن الحركة تواصلت مع المجتمع مراراً وتكراراً، كما تزايد عدد الفلسطينيين الذين يتحدثون في الاحتجاجات.
تتابع نوساتسكي، التي ترأس أيضاً مجموعة ترعى تعزيز الشراكات السياسية بين اليهود والعرب: «لا توجد مجموعة أخرى في المجتمع الإسرائيلي كانت هدفاً لبذل كل هذا الجهد من أجل ضمها إلى الاحتجاجات».
لكن الواقع كان أقل ترحيباً. المسؤولون العسكريون السابقون حاضرون على الدوام، يتفاخرون بإنجازاتهم القتالية ضد الفلسطينيين وغيرهم، لكنها مؤلمة بالنسبة للفلسطينيين في إسرائيل.
من جهة أخرى، نُبذت مجموعة صغيرة من الإسرائيليين اليساريين الذين يعارضون الاحتلال، بعد تلويحهم بالعلم الفلسطيني ومحاولة إثارة القضية الفلسطينية ضمن الاحتجاجات، خشية أن يدفع ذلك بالمزيد من الإسرائيليين القوميين، بعيداً، أو أن يستخدمه البعض لتشويه الاحتجاجات بأنها غطاء لليساريين الراديكاليين.
بعض الفلسطينيين يؤيدون حضور الاحتجاجات ولو كمنبر لعرض وجهة نظرهم. وحاول آخرون الوثوب على المظاهرات وخلقوا حراكهم الخاص بهم، مطالبين إسرائيل بمعاملة جميع المواطنين على قدم المساواة.
تقول الناشطة السياسية ريم حزان إنها قبلت الدعوة للتحدث في مظاهرة، الشهر الماضي، في مدينة حيفا الشمالية، لكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة بعد أن طلب منها المنظمون إدخال تغييرات على خطابها. وتقول نوساتسكي إن جميع المتحدثين يقدمون خطبهم للمراجعة.
تعتبر حزان أن الصراع «منقوص» عندما لا يناقش جذور المشاكل. وتقول: «أيها الأصدقاء، نريد بناء المستقبل معاً، من دون احتلال، في سلام ومساواة».
أغلب الفلسطينيين في إسرائيل يحجمون عن الاحتجاجات الديمقراطية
يرون فيها «حركة يهودية خالصة» غير راغبة في إدراج قضاياهم
أغلب الفلسطينيين في إسرائيل يحجمون عن الاحتجاجات الديمقراطية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة