«ضباب الدماغ»... وصف شائع يبحث عن تعريف طبي

حالة معاناة غير متجانسة تشمل التعب وصعوبة التركيز والتواصل

«ضباب الدماغ»... وصف شائع يبحث عن تعريف طبي
TT

«ضباب الدماغ»... وصف شائع يبحث عن تعريف طبي

«ضباب الدماغ»... وصف شائع يبحث عن تعريف طبي

قد يتفاعل أحدنا في حديث مع أحد زملائه، ثم فجأة يجد صعوبة في تذكر كلمة أو أحد تفاصيل القصة التي يسردها. أو ربما فجأة أثناء حديثه يسأل زميله «معذرة، ماذا كنت أقول؟». أو في لحظة من النهار، يسأل أحدهم نفسه: «أي يوم من الأسبوع نحن؟». أو قد يدخل أحدنا منزله بعد يوم منهك جداً من العمل، ويغيب عن ذهنه تماماً أن ثمة قائمة من الأشياء التي طلبتها زوجته لم ينفذها.
أو قد يبدأ أحدنا في إعادة ترتيب حجرته، ثم يفقد تواصل حبال أفكاره حول ما يود فعله، ويعتريه مزيج من ضبابية التفكير وصعوبة التركيز في كيفية إنجاز هذا الأمر. أو عند تفكير أحدهم في الأشياء التي حدثت في وقت سابق من اليوم، يبدو كل شيء ضبابياً، وبالكاد يتذكر أي شيء منه.
هذه الأحداث قد تكون شائعة مع التقدم في العمر، أو قد تحصل لأحدنا من آن لآخر، ولكن إذا تأثر تفكير أحدنا بها وتفاقم ذلك تدريجياً لديه، بحيث يواجه صعوبة في التركيز أو وضع أفكاره في كلمات أو ترتيب مهامه اليومية، فثمة منْ يطرح أن الأمر قد يكون معاناة مما يسميه البعض «الضباب الدماغي» Brain Fog، أو ضبابية التشويش الذهني في الدماغ. وربما يكون هذا التشخيص صحيحاً، وربما لا يكون.

- ضباب دماغي
الضباب الدماغي مصطلح فرض نفسه في عناوين ومحتويات الدراسات الطبية الحديثة، وهو موضوع يستحوذ على الكثير من الاهتمام الطبي اليوم. ويتوالى صدور مجموعات من الدراسات الطبية حوله في الآونة الأخيرة، مدفوعاً بشكل رئيسي مع ظهور التداعيات والمضاعفات «المحتملة» بصفة طويلة الأمد للإصابات بكوفيد - 19 Post - COVID - 19. ولكن رغم استخدام المرضى لهذا المصطلح لوصف ما يُعانون منه، لا تزال الملامح الإكلينيكية لهذه الحالة غير واضحة. وضمن عدد أبريل (نيسان) القادم من مجلة طب الأعصاب وجراحة المخ والأعصاب والطب النفسي Journal of Neurology، Neurosurgery and Psychiatry، سيعرض باحثون من مركز علوم الدماغ الإكلينيكية في جامعة إدنبرة بالمملكة المتحدة دراستهم الطبية بعنوان «ما هو ضباب الدماغ؟».
وقال الباحثون في خلفية دراستهم: «يستخدم مصطلح ضباب الدماغ بشكل متزايد في اللغة الدارجة (العامية)، لوصف الصعوبات في المجال المعرفي. لكن ما هو ضباب الدماغ؟ ما نوع المعاناة التي يتحدث عنها الناس؟ وما الذي يمكن أن يخبرنا به وصفهم لها عن الآليات الفيسيولوجية المرضية الكامنة؟». وأوضحوا: «من أجل فهم أفضل لظواهر ضباب الدماغ، فحصت هذه الدراسة أوصاف الأشخاص (الذين يشكون منها) لها. وتوصلنا إلى أن مصطلح ضباب الدماغ هو لوصف معاناة غير متجانسة، تشمل التعب وصعوبة التركيز وصعوبات التواصل والنسيان والبطء الذهني والإجهاد المعرفي المفرط، كارتباط بمجموعة من الأمراض، التي كان من أكثرها ما بعد الإصابة بكوفيد - 19، والاضطرابات النفسية واضطرابات المناعة الذاتية وتعاطي المخدرات وبعض السلوكيات».
وقال الأطباء في كليفلاند كلينك عندما تحدثوا عن هذا الموضوع: «لا يوجد تعريف رسمي أو تشخيص طبي واحد لضبابية الدماغ. وغالباً ما يتكون من مجموعة أعراض معرفية Cognitive Symptoms يعاني منها الشخص. ويمكن أن تكون ضبابية الدماغ أشياء مختلفة لدى الكثير من الأشخاص المختلفين. ويمكن أن يتضمن أياً مما يلي أو كله:
- مشكلة في التركيز.
- صعوبة في الانتباه.
- مشكلة في تذكر التفاصيل المألوفة مثل الأسماء أو الأماكن أو الكلمات.
- البطء في رد الفعل ومعالجة المعلومات.
- التعب العام أو الخمول.
- كثرة فقدان التواصل في خطوات التفكير الذهني».
ويوضح الدكتور أندرو إي بودسون، رئيس قسم علم الأعصاب الإدراكي والسلوكي في نظام بوسطن للرعاية الصحية ومحاضر في علم الأعصاب في كلية الطب بجامعة هارفارد، قائلاً: «ضباب الدماغ ليس مصطلحاً طبياً أو علمياً. بل يتم استخدامه من قبل الأفراد لوصف شعورهم عندما يكون تفكيرهم بطيئاً وضبابياً وغير حاد. وكلنا نعاني من هذا الشعور من وقت لآخر. وربما لم يكن بإمكانك التفكير بوضوح (لفترة مؤقتة) عندما كنت مريضاً بالأنفلونزا أو بمرض آخر. ولكن ماذا لو لم يعد تفكيرك إلى طبيعته؟».
وفي دراستهم الحديثة، أفاد الباحثون البريطانيون بأن البعض يقترح أن أصل «ضباب الدماغ» يعود إلى «متلازمة فاج (إنهاك أو كدح) الدماغ» Brain Fag Syndrome. وهي حالة معقدة من الوهن العصبي Neurasthenia، وتتكون من أعراض بدنية Somatic ومعرفية Cognitive. ووصفها قديماً الدكتور تانستول البريطاني لأول مرة في عام 1850 بأنها نتيجة لإجهاد عقلي شديد دون إجهاد جسدي شديد. ومُدرجة في الإصدار الرابع للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية DSM - IV. ولكن الذي يصنع الفرق بينها وبين ضباب الدماغ، أن ما يبدأ ويتسبب بها في الأصل (وربما حصرياً) هو أي نوع من إجهاد الدماغ ذهنياً، وخاصة في التحصيل الأكاديمي أو الضغوطات الذهنية.

- التهابات واستجابات
وضمن سياق عرض الأطباء في كليفلاند كلينك لهذه الحالة، شرحت الدكتورة كاميني كريشنان، المتخصصة في علم النفس العصبي بكليفلاند كلينك، سبب انتشار هذه الحالة، ولماذا قد يحدث ضباب الدماغ كأحد الأعراض لحالات مرضية أخرى شائعة. وقالت: «عندما يكون لديك عجز في هذه المجالات (مثل الشعور بالارتباك أو التشويش أو التشتت أو ضعف التفاعل أثناء المحادثة مع الغير أو صعوبة التفكير خلال المواقف المعقدة أو إجراء العمليات الحسابية)، قد تشعر وكأنك تعاني من مشاكل في الذاكرة. لكن المشكلة تتعلق بطريقة حصول الدماغ على المعلومات الصحيحة والحفاظ عليها. إذا لم تحصل على المعلومات بطريقة صحيحة، فلا يُتوقع منك التمسك بها».
وهنا يأتي السؤال: ما الذي يسبب عدم قدرة الدماغ على سهولة استقبال المعلومات؟ وتجيب قائلة: «حسناً، لا توجد إجابة محددة. ضبابية الدماغ هي نوع من مظاهر عمليات الالتهاب أو الاستجابة المزمنة للضغط النفسي. ولكن يمكن أن تحدث ضبابية الدماغ أيضاً بسبب التغيرات الهرمونية أو اختلال توازن السكر في الدم».
ومن المنطقي أن يعتمد علاج ضباب الدماغ على وضع تعريف طبي له، وعلى معرفة أسبابه على وجه الدقة، وعلى إزالة أو تخفيف تأثير السبب الكامن وراءه. ولذا، وللإجابة على سؤال: كيف يمكنني التخلص من ضباب الدماغ؟ يقول أطباء كليفلاند كلينك: «بشكل عام، لا توجد أي أدوية أو علاجات معروفة تصحح ضباب الدماغ بشكل مباشر. ولكن لمعالجة معظم الضغوطات المزمنة بشكل سريع، تقترح الدكتورة كريشنان التركيز على تحسين نومك، والحصول على تغذية جيدة، وممارسة الرياضة لمدة 30 دقيقة يومياً في خمسة من أيام الأسبوع، وأخذ فترات راحة عقلية طوال اليوم لبناء قدرتك العقلية. ويمكن أن تتراكم هذه التغييرات الصغيرة في حياتك اليومية بمرور الوقت وتؤثر بشكل كبير على استجابة جهازك المناعي لتقليل الالتهاب». وتوضح هذا الدكتورة كريشنان بالقول: «الفكرة هي أن تتحدى نفسك كل يوم لتقليل أي ضغوطات قدر الإمكان في حياتك». وتضيف: «نوصي الأشخاص بأخذ استراحات من 20 إلى 30 دقيقة حتى قبل أن يتعبوا، من خلال القيام بنوع من الأنشطة المركزة مثل المشي أو الاستماع إلى الموسيقى أو إغلاق عينيك والراحة».
* استشارية في الباطنية

- 5 حالات صحية شائعة قد تتسبب بضباب الدماغ
 


مقالات ذات صلة

كيف تتغلب على مشاعر القلق؟

صحتك القلق قد يتسبب في مشكلات نفسية وجسدية للشخص (رويترز)

كيف تتغلب على مشاعر القلق؟

يسيطر القلق على أفكار كثير من الأشخاص، إذ يميل البعض إلى توقع حدوث الأحداث المروعة أو الكارثية في المستقبل ويعتقدون أن القلق قد يساعد على منع حدوثها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الحبوب تستهدف الأغنياء فقط نظراً لتكلفتها المرتفعة (رويترز)

مليارديرات يطوِّرون حبوباً لـ«إطالة عمر الأثرياء»

يعمل عدد من المليارديرات على تطوير حبوب لإطالة العمر، يقول الخبراء إنها تستهدف الأغنياء فقط، نظراً لتكلفتها المرتفعة المتوقعة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك ممرضة تقيس ضغط دم أحد الأشخاص داخل «مركز شرق آركنساس الصحي العائلي» في ليبانتو (أرشيفية - رويترز)

6 خطوات للحفاظ على ضغط دم آمن خلال الطقس البارد

مع دخول فصل الشتاء، وزيادة برودة الأجواء، ما التأثير الذي قد يخلفه هذا الجو على صحتنا؟ وهل له تأثير على ضغط الدم؟

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك صناديق من عقاري «أوزمبيك» و«ويغوفي» من إنتاج شركة «نوفو نورديسك» في صيدلية بلندن (رويترز)

دراسة تكشف ميزة جديدة لأدوية إنقاص الوزن مثل «أوزمبيك»: تحمي الكلى

أفادت دراسة جديدة بأن أدوية السمنة الشائعة، مثل «أوزمبيك»، قد تساعد أيضاً في حماية الكلى.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك صورة توضيحية لتشريح العين وتقنيات الحقن المستخدمة (الشرق الأوسط)

تقنيات حديثة لحقن الأدوية في شبكية العين

أظهرت إرشادات نُشرت لأول مرة في دراسة حديثة، فوائد فريدة من نوعها توفرها حقن الحيز فوق المشيميّة للمرضى الذين يعانون من مشكلات في شبكية العين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

ما سبب زيادة انتشار مرض الكبد الدهني خلال السنوات الأخيرة؟

تقوم الكبد بالعديد من الوظائف الحيوية بالجسم (رويترز)
تقوم الكبد بالعديد من الوظائف الحيوية بالجسم (رويترز)
TT

ما سبب زيادة انتشار مرض الكبد الدهني خلال السنوات الأخيرة؟

تقوم الكبد بالعديد من الوظائف الحيوية بالجسم (رويترز)
تقوم الكبد بالعديد من الوظائف الحيوية بالجسم (رويترز)

أكد طبيب أميركي أن النظام الغذائي السيئ هو المحرك الرئيسي لـ«مرض الكبد الدهني»، وأن الاستهلاك المتزايد للمشروبات الغازية ومشروبات الطاقة ورقائق البطاطس والأطعمة شديدة المعالجة ساهم في تفاقم المشكلة خلال السنوات الأخيرة.

ويعد مرض الكبد الدهني أكثر أمراض الكبد شيوعاً على مستوى العالم. وقديما كان يفترض الكثير من العلماء أنه يرجع في الأساس إلى استهلاك الكحول.

إلا أن الدكتور بين غالاردت، المتخصص في الطب الوظيفي في مدينة فورت كولينز بولاية كولورادو، أكد لموقع «نيوزويك» أن العديد من مرضاه المصابين بمرض الكبد الدهني هم من القصر الذين لا يشربون الكحول على الإطلاق، الأمر الذي دفعه للبحث في النظام الغذائي والصحي لأولئك المرضى جنبا إلى جنب مع النظر في نتاج الدراسات السابقة لمعرفة السبب الرئيسي وراء هذا المرض.

وقامت إحدى هذه الدراسات بتحليل بيانات من أكثر من 4600 مراهق وشاب بالغ تتراوح أعمارهم بين 12 و29 عاماً، تم جمعها بين عامي 2007 و2016. وكشفت نتائجها أن حوالي 18.5 في المائة من هذه المجموعة مصابون بمرض الكبد الدهني وأن العامل المشترك بينهم هو وجود خلل بالتمثيل الغذائي لديهم نتيجة اتباع نظام غذائي غير صحي وارتفاع نسبة السكر في دمائهم.

وقال الدكتور غالاردت: «مرض الكبد الدهني هو مرض مرتبط بخلل في التمثيل الغذائي. وهذا يؤكد على فكرة أنه مرض قائم على سكر الدم».

ولفت إلى أن الأمر الذي زاد من انتشار هذا المرض في السنوات الأخيرة هو سهولة الوصول إلى الأطعمة غير الصحية عالية الدهون والسكر، وخاصة في المناطق ذات الدخل المنخفض.

وأوضح غالاردت، الذي يمارس الطب الوظيفي منذ 25 عاماً: «أصبح الأطفال وصغار السن يصابون بمرض الكبد الدهني بمعدل متزايد بسبب الخيارات الغذائية السيئة. وتؤدي المشروبات الغازية ومشروبات الطاقة ورقائق البطاطس والأطعمة شديدة المعالجة إلى ارتفاع نسبة السكر في الدم ثم انخفاضها لاحقاً. وهذا يدفع الجسم إلى تخزين الغلوكوز في الكبد وإطلاقه لاحقاً حسب الحاجة».

ويُعرف مرض الكبد الدهني بأنه مرض صامت مع أعراض قليلة أو معدومة، وقد يكون من الصعب اكتشافه.

وقال غالاردت: «الطريقة الصحيحة الوحيدة لتشخيص الإصابة بمرض الكبد الدهني هي الموجات فوق الصوتية».

وتقوم الكبد بالعديد من الوظائف الحيوية، بدءا من إزالة السموم من المواد الضارة واستقلاب العناصر الغذائية إلى إنتاج الصفراء للهضم.

وقد يؤدي مرض الكبد الدهني إلى خلل في هذه الوظائف وضعف إزالة السموم، الأمر الذي قد يتسبب بمشاكل صحية خطيرة وقد يهدد الحياة.

وأشار غالاردت إلى أن أول شيء يمكن للناس القيام به من أجل منع مرض الكبد الدهني هو الحفاظ على استقرار نسبة السكر في الدم قدر الإمكان.

وأكد إمكانية تحقيق ذلك من خلال الحفاظ على نظام غذائي صحي، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، والبقاء رطباً عن طريق شرب الكثير من الماء، وتقليل المشروبات السكرية والتأكد من الحصول على قسط كافٍ من النوم.