إبراهيم بودربالة... رئيس البرلمان التونسي نقيب محامين سابق وصديق لـ«حزب الإدارة»

إبراهيم بودربالة... رئيس البرلمان التونسي نقيب محامين سابق وصديق لـ«حزب الإدارة»

{عروبي} تحالف مع الرئيس سعيّد ضد معارضيه
السبت - 25 شعبان 1444 هـ - 18 مارس 2023 مـ رقم العدد [ 16181]

فاجأ نقيب المحامين السابق والسياسي المستقل إبراهيم بودربالة المراقبين بفوزه برئاسة مجلس النواب التونسي الجديد، متغلباً على مرشح مبادرة «لينتصر الشعب» المحسوبة على «الدائرة الضيّقة» المقربة من الرئيس قيس سعيّد. ثم بعد انتخابه بساعات استقبله الرئيس سعيّد في قصر قرطاج بصفته الجديدة ما يجعل منه «ثالث الشخصيات الأهم في الدولة» - بعد رئيسي الجمهورية والحكومة - على الرغم من الانتقادات الحادة التي توجّهها قيادات المعارضة التونسية له وللمجلس النيابي الجديد. وهذا بينما يتمسّك بودربالة وأنصاره بتحالفهم مع «حزب الإدارة»، أي مع كل كوادر الدولة بعيداً عن الاعتبارات الآيديولوجية والحزبية. أيضاً، رغم المواقف السياسية المثيرة للجدل التي عبر عنها بودربالة إثر انحيازه الكامل لرئيس الجمهورية منذ 25 يوليو (تموز) 2021 ضد معارضيه، فإن بعض التنسيقيات والمجموعات السياسية التي تزعم أنها الأقرب إلى الرئيس سعيّد ومشروعه السياسي، ذكرت أنها عارضت ترشح عميد المحامين السابق لرئاسة البرلمان الجديد، واعتبرت أنه «لم يكن من بين أعضاء فريق قيس سعيّد ومبادرته السياسية والقانونية» التي بدأها منذ 2013 مع مجموعات من أنصاره. واتهم صلاح الدين الداودي، القيادي في مبادرة «لينتصر الشعب» - المحسوبة على رئيس الجمهورية - الرئيس الجديد للبرلمان بـ«القفر... وركوب الحراك المساند لسعيّد».
عُرف إبراهيم بودربالة منذ مباشرته ممارسة المحاماة عام 1977 باستقلاليته عن كل الأحزاب السياسية القانونية وغير القانونية، وبانفتاحه على كل التيارات ورفض الدخول في صدام مع أي من رموز الحكم والمعارضة، مع انحياز فكري سياسي لأنصار التيار الوحدوي العربي (العروبي)، عموماً، وللتيار القومي الناصري خصوصاً.
في المقابل انخرط بودربالة خلال السنوات الـ45 الماضية في عدد من منظمات المجتمع المدني، بدءاً من الجمعيات والنقابات التي تدافع عن حقوق المحامين وعن الأسرة القضائية الموسعة. ولم ينتم إطلاقاً إلى الحزب الحاكم في عهد الرئيسين الحبيب بورقيبة (1955 - 1987) وزين العابدين بن علي (1987 - 2010)، بل كان له منذ عقود حضور كبير في وسائل الإعلام المستقلة والمعارضة والقريبة من السلطة.
في المقابل، يعتبر رئيس المجلس النيابي الجديد قريباً، فكرياً وسياسياً، من الرئيس التونسي قيس سعيّد الذي لم ينتم بدوره أبداً إلى حزب سياسي، لكنه تعاطف منذ مرحلة دراسته في الجامعة مع أنصار التيار القومي العربي، ومع أفكار بعض زعمائه ورموزه؛ مثل عصمت سيف الدولة، ومع الكتّاب و«المفكرين العروبيين والمسلمين المستقلين»؛ مثل عباس محمود العقاد.
ابن الجنوب التونسي
من الجوانب اللافتة في السيرة الذاتية لإبراهيم بودربالة أن أصوله تعود لمدينة الحامة، في محافظة قابس بالجنوب التونسي، مثل رئيس البرلمان المنحل راشد الغنوشي، وأيضاً جلولي فارس الزعيم الوطني الذي ترأس أول برلمان لتونس بعد استقلالها عن فرنسا (بين 1956 و1964).
وحقاً، تتميّز الحامة، التي تنحدر منها عائلة بودربالة، بكونها كانت طوال قرون موطن كثير من زعماء الثورات وحركات التمرد على السلطات المركزية. كذلك ولد فيها عدد من رموز الكفاح الوطني ضد الاستعمار في ليبيا وتونس؛ مثل محمد علي الدغباجي، الذي أعدمته قوات الاحتلال الفرنسي عام 1924 أمام أهله في الحامة بعد 4 سنوات من قيادته الكفاح المسلح في ليبيا وتونس.
أيضاً كانت الحامة موطن الزعيم النقابي محمد علي الحامي الذي توفي منفياً في 1928 بعد 3 سنوات من تأسيس أول نقابة عمالية وطنية تونسية، كما أنها موطن الشيخ الطاهر الحدّاد، المفكّر الإسلامي المجدّد وأول داعية لتحرير المرأة والأسرة التونسية والعربية، ومؤلف كتاب «امرأتنا بين الشريعة والمجتمع»، الذي أصبح مرجعاً فكرياً للحبيب بورقيبة وقادة تيار الإصلاح في تونس وفي العالم العربي.


سيرة شخصية
ولد إبراهيم بودربالة في أغسطس (آب) 1952 في حي شعبي وفقير بمنطقة باب الفلة، خارج أسوار مدينة تونس العاصمة. وهي منطقة كانت تقيم فيها أسرته الآتية من الحامة، مثل كثير من عائلات المهاجرين الفارين من البؤس والفقر والبطالة والجفاف في الجنوب، وبقية المحافظات المهمشة والفقيرة. وهو الابن الأصغر في أسرته التي كانت تقيم في أحد الأزقة في الحي الذي يربط بين أسوار مدينة تونس القديمة ومقبرة الجلاّز والأراضي الزراعية التي حوله.
درس بودربالة منذ أواسط ستينات القرن الماضي في ثانوية عصرية عوّضت مدارس جامعة الزيتونة تحمل اسم «معهد ابن شرف»، نسبة إلى العلامة والشاعر التونسي الأندلسي ابن شرف القيرواني.
وحصل في يونيو (حزيران) 1972 على شهادة الثانوية - أي البكالوريا حسب النظام التونسي الفرنسي - فالتحق بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية بتونس العاصمة. وكانت الكلية قد فتحت أبوابها قبل سنة، وكانت من بين أكثر المعاهد التونسية اضطراباً بسبب نشاط المجموعات السياسية والنقابية والمواجهات بين قوات الأمن والحركة الطلابية اليسارية التي تمرّدت على حكم بورقيبة منذ 1971.
غير أن بودربالة لم يتعرض إلى الإيقاف والطرد أو التجنيد مثل نشطاء التيارات السياسية في كلية الحقوق، فتخرج في يونيو 1976، وبعد سنة حصل على شهادة «الكفاءة لممارسة مهنة المحاماة». وضمّ في جدول المحامين المتدرّبين في 6 مايو (أيار) 1977، وأدى اليمين القانونية بعد ستة أيام من ذلك، وبدأ تدريبه وممارسة مهنة المحاماة في مكتب المحامييْن الكبيرين الصادق مرزوق ومحمد عزوز.


مسيرة العمل النقابي
في أواخر السبعينات كانت تونس تغلي، وشهدت محاكمات بالجملة لقيادات من المعارضة السياسية والنقابية منها قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل الذي نظم إضراباً عاماً تطوّر إلى مواجهات دامية في يناير (كانون الثاني) 1978، وشجّعت هذه الأجواء بودربالة على الانخراط مبكراً في الشأن العام والعمل النقابي. وفعلاً، انتخب عام 1979 عضوا في الهيئة المديرة لمنظمة المحامين الشّبان. وأعيد انتخابه في مؤتمرها عام 1981 وأسند له منصب أمين عام الجمعية، قبل انتخابه رئيسا لها في مؤتمرها المنعقد عام 1983،
وبعد ذلك بأربع سنوات، رُسم بودربالة في جدول المحامين المخّول لهم المرافعة أمام محكمة التعقيب (محكمة النقض). ومكنته هذه الترقية من الترشّح في المؤتمر العام لـ«الهيئة الوطنية للمحامين». وفي 8 مايو 1987 انتخب عضواً في القيادة العليا للنقابة الوطنية، وصار رئيس محاضرات التدريب. وأعيد انتخابه عام 1989 بالهيئة نفسها، وحافظ على منصبه طيلة 5 سنوات.
وفي مؤتمر المحامين التونسيين يوم 5 يوليو 1992 انتخب إبراهيم بودربالة رئيساً لفرع المحامين بمحاكم تونس الكبرى، التي تشرف على غالبية محاكم البلاد. وأعيد انتخابه في عام 1995 لعهدة ثانية امتدت إلى عام 1998.
بعد هذه النجاحات التي لقي فيها بودربالة دعماً من نقيب المحامين عبد الوهاب الباهي (القومي العربي المقرّب للسلطات) قرّر الترشح لمنصب نقيب المحامين التونسيين (الهيئة الوطنية للمحامين)، لكنه فشل لأنه لم يحظ بدعم المعارضة والسلطة. وبعدها، ظل بودربالة طوال 20 سنة يترّشح دون جدوى لمنصب النقيب إلى أن حالفه الحظ في المرة الثامنة، خلال المؤتمر الوطني الذي عقد عام 2019.


محطة 2021
عام 2021 تحديداً في شهر يوليو، شهدت تونس منعرجاً سياسياً وأمنياً، وازداد الاهتمام بملفات المحاكم والمحامين والقضاء. وهكذا فتحت أبواب قصر قرطاج الرئاسي أمام نقيب المحامين، بينما اتهمه خصومه بالتحالف «المبالغ فيه» مع السلطات ضد المعارضين.
وخلافاً لمواقف غالبية المحامين والسياسيين انحاز بودربالة مبكراً لـ«المشروع السياسي الجديد للرئيس قيس سعيّد». ووافق على أن يكون ضمن الثلاثي الذي كلّف بصياغة مشروع الدستور الجديد مع عميد كلية الحقوق السابق الصادق بلعيد، والخبير في القانون الدستوري الأكاديمي اليساري أمين محفوظ. ومع أن بلعيد ومحفوظ انقلبا لاحقاً على «مشروع» سعيّد، ظل نقيب المحامين داعماً للرئيس وفريقه بلا تحفظ تقريباً.
وبعد انعقاد المؤتمر الجديد لنقابة المحامين مطلع شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، انخرط بودربالة أكثر في مسار دعم الرئيس سعيّد وخريطة الطريق الانتخابية. وترشح لعضوية المجلس النيابي (البرلمان) الجديد غير مبالٍ بانتقادات خصومه والحملات الإعلامية التي استهدفته. وبالفعل، توّج هذا المشوار بانتخابه رئيسا لهذا المجلس.
استقلالية... ولكن
يتساءل مراقبون هنا: هل يعني تسلّم بودربالة رئاسة البرلمان انخراطاً نهائياً في المشروع السياسي لرئيس الجمهورية و«النظام المجالسي» الذي كشفته سلسلة المراسيم الرئاسية التي صدرت أخيراً، ونصّت على حل المجالس البلدية المنتخبة والدعوة إلى تأسيس مجالس محلية وأخرى بلدية وجهوية ووطنية بينها غرفة ثانية للبرلمان؟
كل الفرضيّات واردة. لكن مشوار بودربالة المهني والسياسي يبيّن أنه لم يكن من المحامين والسياسيين المساندين للسلطات بلا قيد أو شرط. إذ كان أحد المحامين الذين شاركوا في الدفاع عن المتهمين البارزين في عدة قضايا سياسية ونقابية رُفعت أمام محكمة أمن الدولة والمحاكم العسكرية والمدنية.
أيضاً كان من فريق المحامين الذين تطوّعوا للدفاع في القضايا التي رفعتها السلطات ضد قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل عام 1978، ثم عام 1980 ضد المجموعة المسلحة التي تدرّبت في ليبيا ودخلت جنوب تونس من الجزائر وخاضت مواجهات مسلحة مع قوات الأمن والجيش التونسي.
أكثر من هذا، كان بودربالة بين المحامين الذين دافعوا عن الموقوفين والمساجين في قضايا سياسية في عهدي بورقيبة وبن علي، منهم مجموعات اليسار وحزب العمال برئاسة حمّة الهمامي ومساجين حركة الاتجاه الإسلامي (النهضة لاحقاً) في محاكمات 1981 و1987، إلا أنه انسحب إلى الصفوف الثانية في المحاكمات السياسية التي وقعت خلال عهد بن علي ثم بعد ثورة 2011، ولم ينخرط مع المحامين الذين دافعوا عن المعارضين السياسيين والنقابيين والمحامين الذين وضعوا قيد الإقامة الجبرية أو تعرضوا للإيقاف بعد منعرج 25 يوليو 2021 الذي تعتبره المعارضة «انقلاباً على الشرعية الدستورية والانتخابية»، بينما يراه بودربالة وأنصار الرئيس سعيّد «حركة تصحيح للمسار».
في ضوء هذه المواقف عيّن الرئيس نقيب المحامين السابق رئيسا للجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية ضمن «الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة». ومثلما تزايد مناصرو بودربالة بعد فوزه برئاسة البرلمان، تضاعف عدد خصومه ومعارضيه من داخل نقابة المحامين ومعظم الأحزاب السياسية التقليدية والجديدة.
بالتالي، فإن الكرسي الجديد الذي يجلس عليه بودربالة يبدو «هشّاً»، لأن نائبي رئيس البرلمان (سوسن المبروك والأنور المرزوقي) ينتميان إلى «الجناح الراديكالي» بين المجموعات المحسوبة على «مشروع» سعيّد. في حين ينتمي عشرات النواب في هذا البرلمان إلى الأطراف السياسية التي تحكم تونس منذ عهد زين العابدين بن علي، وتحديدا من حزب «نداء تونس» الذي تزعمه الرئيس السابق الباجي قائد السبسي.
التحديات كثيرة أمام بودربالة في قصر باردو (مقر البرلمان)، الذي شاءت الأقدار أن يرأسه لأول مرة كهل في الـ71 من عمره اختار منذ شبابه أن يمتنع عن الزواج والتحرّر من قيود العائلة.


تونس تونس

اختيارات المحرر

فيديو