الحكومة الفرنسية تتأهب لقلب صفحة إصلاح «التقاعد»

التصويت اليوم في «الشيوخ» و«النواب»... والنقابات تدرس الخطوات اللاحقة

جانب من المظاهرات في مدينة نانت أمس (أ.ف.ب)
جانب من المظاهرات في مدينة نانت أمس (أ.ف.ب)
TT

الحكومة الفرنسية تتأهب لقلب صفحة إصلاح «التقاعد»

جانب من المظاهرات في مدينة نانت أمس (أ.ف.ب)
جانب من المظاهرات في مدينة نانت أمس (أ.ف.ب)

مرة أخرى، نزل الفرنسيون أمس للتظاهر في العاصمة باريس وعشرات المدن الكبرى والمتوسطة للتعبير عن رفضهم لمشروع قانون التقاعد الذي تريد الحكومة إقراره، وأهم ما فيه رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاما بحلول العام 2027.
واستبقت الأجهزة الأمنية المظاهرات التي تدور لليوم الثامن. وكشفت عن توقعاتها لعديد المحتجين التي تشير إلى تراجع كثافة الاحتجاجات، وقدرت أن إجماليهم على كل الأراضي الفرنسية سيبقى دون المليون شخص، وتحديدا عند 850 ألفا، ما يشكل انحسارا واضحا قياسا لما كان عليه مثلا يوم السابع من الشهر الجاري حيث تجاوز العديد الـ1.3 مليون نسمة. لكن النقابات الثماني الرئيسية التي بقيت متحدة في مواجهة الخطة الحكومية ترى جماعيا أن الأجهزة الأمنية تتعمد إعطاء أرقام منخفضة لأعداد المتظاهرين للإيحاء بأن التعبئة الشعبية إما ليست قوية أو أنها تنهار.
ويعد يوم أمس مفصليا بسبب اجتماع اللجنة المشتركة المشكلة من 14 عضوا بالتساوي من النواب وأعضاء مجلس الشيوخ. ووظيفة اللجنة، التي يهيمن عليها الحزب الرئاسي «النهضة» واليمين التقليدي «حزب الجمهوريين»، والتي بدأت أعمالها صباحا، الاتفاق على نص نهائي سيطرح للتصويت اليوم على المجلسين، بدءا من مجلس الشيوخ صباحا ويعقبه تصويت في مجلس النواب بعد الظهر. وإذا كان التصويت الصباحي مضمونا بالنسبة للحكومة، إلا أن الإشكالية تتناول تصويت النواب حيث لا تتمتع الحكومة بالأكثرية المطلقة، وهي تراهن على أصوات نواب حزب «الجمهوريين» لبلوغها. والحال أن هؤلاء الذين يشغلون 61 مقعدا، منقسمون على أنفسهم بين أكثرية مؤيدة وأقلية رافضة أو عازمة على الامتناع عن التصويت. من هنا، فإن الحكومة وعلى رأسها إليزابيت بورن دأبت في الأيام الأخيرة على محاولة «إغراء» النواب المترددين. وإذا تبين لها وللرئيس إيمانويل ماكرون أن التصويت الإيجابي غير مضمون، فقد تلجأ إلى استخدام المادة 49 الفقرة 3، التي تسمح لها بالتصويت على المشروع ككل وربط ذلك بالثقة بالحكومة، ما يعرضها للسقوط في حال جاء التصويت سلبيا. ورغم أن تدبيرا كهذا منصوص عليه في الدستور، فإن استخدامه سيثير مزيدا من التحفظات، ورفضا شعبيا باعتباره بعيدا عن الممارسة الديمقراطية.

اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن في نانت أمس (أ.ف.ب)

وكان ماكرون قد هدّد باللجوء إلى سلاح حلّ البرلمان الذي يمنحه إياه الدستور إذا أسقطت حكومته. والحال أنه ليس من بين الأحزاب الرئيسية من يريد العودة إلى صناديق الاقتراع، خصوصا حزب «الجمهوريين» الذي يجتاز مرحلة صراع داخلي محموم وهو يتخوف من أن يخسر ما تبقى له من النواب في حال حصلت الانتخابات في الأسابيع أو الأشهر القلية القادمة. من هنا، فإن ماكرون ومعه الحكومة يخوضان رهانا غير مضمون النتائج. ووجه لوران بيرجير أمين عام الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تحذيرا للنواب، داعيا إياهم إلى «تحكيم الضمير» وإلى «الانتباه لما يحصل في دوائرهم الانتخابية وأخذ المعارضة الشعبية للخطة الحكومية بعين الاعتبار». كذلك، فإن نظيره أمين عام الكونفدرالية العامة للشغل، فيليب مارتينيز، نبّه من التبّعات السلبية المترتبة على اللجوء إلى المادة 49 لما فيها من «تنكّر» للديمقراطية.
أما جان لوك ميلونشون، زعيم اليسار المتشدد وحزب «فرنسا الأبية» المعارض، فقد ندد بـ«الوعود» التي تغدقها الحكومة لدفع بعض النواب للتصويت لصالح مشروعها وتمكينها من الحصول على الأصوات التي تحتاج إليها. وخلال المناقشات في مجلس الشيوخ، وافقت بورن على عدد من مطالب اليمين لإرضائه. وقالت أمس، مستبقة أعمال اللجنة المشتركة، إن تأييد المشروع الحكومي «لا يعني دعم الحكومة... والمطلوب من النواب ليس التصويت على دعم الحكومة، بل التصويت على هذا المشروع وحده».
يبدو أن الأمور لا تجري وفق ما تشتهيه النقابات التي أخذت تدرس طبيعة التحرك الذي يمكن أن تلجأ إليه في حال أقر مشروع القانون في مجلسي النواب والشيوخ اليوم. وأول التدابير التي تدرسها النقابات وأحزاب المعارضة اللجوء إلى المجلس الدستوري للنظر في التوافق بين القانون الجديد والنص الدستوري علما بأن أصواتا كثيرة معارضة، نوابا ونقابيين، طالبت ماكرون بطرح مشروع القانون على الاستفتاء الشعبي. والتخوف الذي ينتاب النقابات مرده إلى أن إقرار القانون سيعني تراجع التعبئة الشعبية، خصوصا أن ماكرون والحكومة صما آذانهم عن الاستماع لمطالب الشارع رغم الملايين التي تظاهرت في ثمانية أيام تعبئة ورغم أيام الإضرابات التي أصابت العديد من القطاعات الحيوية مثل الطاقة «إنتاجا وتوزيعا» والنقل بمختلف أنواعه والتعليم والصحة والوظائف العمومية والإعلام الرسمي.
ويرى كثير من المحللين أن سلمية المظاهرات التي نجحت النقابات في تنظيمها كانت أحد الأسباب التي جعلت الحكومة متصلبة في موقفها، بعكس ما حصل زمن مظاهرات وشغب «السترات الصفراء» حيث دفع العنف ماكرون ومعه الحكومة إلى تقديم تنازلات عديدة وإطلاق «الحوار الموسع»، وهما ما مكناه من إنقاذ عهده الأول. وتجدر الإشارة إلى أن أول أيام التعبئة انطلقت في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، ووصلت إلى أوجها في السابع من مارس (آذار) الجاري.
وكان بيّنا منذ البداية أن الحكومة تريد الإسراع في خطتها، وهو ما يفسر قصر المدة التي دامت خلالها المناقشات في مجلسي النواب والشيوخ. وواضح أيضا أن ماكرون يريد قلب هذه الصفحة بأسرع ما يمكن، ليدفع عنه اتهام النقابات التي تعتبر جماعيا أن طريقة إدارة الأزمة تعكس وجود «أزمة ديمقراطية خطيرة»، حيث لا تنظر السلطة التنفيذية لما يجري في الشارع رغم الملايين التي عبّرت عن رفضها لمشروعها الإصلاحي الذي يعتبره الكثيرون أنه «مجحف وغير عادل»، فيما تؤكد الحكومة أن عملية الإصلاح ضرورية للمحافظة على قانون التقاعد متسلحة بأن سن التقاعد في فرنسا هي الأدنى من بين كافة البلدان الأوروبية، وبالتالي يتعين على الفرنسيين العمل لفترة أطول.


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».