عز الدين ميهوبي: لا وجود لبطل من دون عدوّ

روايتان دفعة واحدة لوزير الثقافة الجزائري السابق

عز الدين ميهوبي
عز الدين ميهوبي
TT

عز الدين ميهوبي: لا وجود لبطل من دون عدوّ

عز الدين ميهوبي
عز الدين ميهوبي

بعد غياب طويل عن الساحة الأدبية بسبب انشغالاته السياسية والإدارية، خصوصاً أنه كان وزيراً للثقافة، يعود الروائي والشاعر عز الدين ميهوبي إلى عالم السرد، من خلال روايتين صدرتا مؤخراً، الأولى بعنوان «سيرة الأفعى» التي تتناول القضية الفلسطينية، والصادرة عن دار «العين» المصرية، والثانية «رقصة أوديسا... مكابدات أيوب الروسي» عن دار «الوطن اليوم» الجزائرية، في انتظار صدورها عربياً، وبمناسبة صدورهما التقت به «الشرق الأوسط»، وجاء هذا الحوار:

> كثير من الروايات العربية تناولت موضوع «القضية الفلسطينية» منذ منتصف القرن الماضي، فأي جديد تعتقد أن روايتك «سيرة الأفعى» قد أضافته؟
- أعتقدُ أنّ الإضافة يمكن أن يكشفَ عنها النّقاد أو القرّاء أو المتابعون للسرديات الأدبية التي تناولت القضيّة الفلسطينيّة، هم المؤهّلون للقيام بمقاربات بين مختلف النّصوص. فكرةُ هذه الرواية استمرّت تحفرُ في ذهني أكثر من عشر سنوات، بينما أخذت كتابتُها وتحريرُها أشهُراً قليلة، مع عمليّة التدقيق في الكمّ الهائل من المعلُومات التي شكّلت بتنوعها إسمنتاً لبناء نصّ يستجيبُ -كما أعتقد- لقضيّة يتداخلُ فيها الدين والآيديولوجيا والسياسة والتاريخ والتراث والأسطورة والجوسسة والمؤامرات والاستشراف والنبوءات... هي هكذا قضيّة فلسطين كما رأيتُها في نصّي الذي تجاوز 750 صفحة. روايةٌ ثقيلة ثقل القضيّة. قال لي أحدهم: «كان عليكَ أن تختصرها»، فأجبتُه: «لا يمكنُك أن تطلبَ من الشعبِ الفلسطيني أن يختزل نضاله في انتفاضة، أو عملية استشهادية في نابلس، بعد عقودٍ من التضحيات». ويكفي أنّ عدداً من الدّارسين عدُّوا «سيرة الأفعى» مرافعةً جريئة من أجل الحقّ الفلسطيني، ووصفها آخرون بالرواية/ الأطروحة، لما تضمّنتهُ من معلُومات ذات صلة بإيقاع الرواية وتفاصيل أحداثها. وما يعنيني أيضاً هو الرّهان الذي بنيتُ عليه رؤيتي لما سيكون عليه الغد الفلسطيني، وهو عدم تجزئة الكيان المقاوم، وأن يكونَ التحوُّل الحقيقي باستعادة قطاع 1948 حيويته وحضوره في مسار المقاومة؛ ذلك أن ثلاثة أرباع أحداث الرواية تجري في هذا القطاع، وأغلبُ أبطالها هم منه.
> الجوانب المعرفية التي تحدثت عنها، والتي خاضت في تفاصيل قد لا تعني إلا الباحث المتخصص؛ ألم تخشَ أن يؤثر ذلك سلباً على هذا العمل؛ خصوصاً فيما يتعلق بالإمتاع الذي من المفترض أن يكون أول غاية يسعى إليها أي كاتب من خلال كتاباته؟
- قناعتي الرّاسخة بأنّ أيّ عملٍ أدبيّ، وبدرجة أخصّ الرواية، يتناول قضيّة محدّدة، ويتكئُ على بنية تاريخيّة أو واقعيّة، عليه أن يبحثَ في التفاصيل التي تشكّل قيمة مضافة للنص، وعليه أن يُراعي ذكاء القارئ. والرواية التي لا توفّر للقارئ قدراً من متعة السرد والمعرفة لا يمكنها أن تشكّل حيّزاً استثمارياً في وعي المتلقي. بعض الذين قرأوا الرواية، أخبروني أنّهم احتاروا في تصنيفها، لدرجة أنّهم وقعوا في حالة التباس بين ما هو واقعي وما هو متخيّل أو افتراضي، فتأكدوا من دقّة المعلومات والتواريخ والوقائع، وكيف تمّ توظيفها بشكل يدعو إلى الحيرة. وهناك من تساءل كيف أمكنني كتابة نصّ بتفاصيل دقيقة في حيفا ويافا وتل أبيب والقدس وأشدود ومدن عالميّة لم أزرها، وكان جوابي بسيطاً هو أنّني استفدتُ طيلة عشر سنواتٍ من معرفة خرائط المدن والشوارع والساحات وأسماء الأعلام والأماكن على امتداد التّاريخ. هكذا قرأتُ فلسطين ومكوناتها، والكيان الصهيوني ومكوّناته، وعدتُ إلى المتون الدينية والتاريخيّة والمخططات، وأقمت بيني وبين شخوص الرواية، الذين تجاوز عددهم الخمسين، المسافة التي تجعلني قادراً على وضعهم في مسارات دقيقة دون أيّ انفلات. وجعلتُ البطلة ريناد حاملةً للخطاب الذي يستشعرُه كل مناضل صادقٍ من أجل قضية فلسطين دون إسفاف.
> تدعو في روايتك هذه إلى ضرورة التعرف على ثقافة «الآخر» خصوصاً ثقافة العدو المحتل، من أجل فهم حقيقيٍّ للواقع الفلسطيني، وبالتالي الواقع العربي. هل لهذا الجهل بالآخر علاقة بقدرتنا على إيجاد حل حقيقي للقضية الفلسطينية؟
- سقطَ كثيرٌ من أدبيات القضيّة الفلسطينيّة في شعبويّة، «نحنُ البطل»، وحين نبحث عن العدوّ لا نجدُ لهُ أثراً، وكأنّ حالة دُون كيشوتية سكنت بعض الأعمال الروائية، ما استدعى تغييب العدوّ في النصّ، في حين أنّ البطل لا يكون بطلاً إلّا بوجود طرفٍ آخر يسعى لتدميره، بينما هو يعمل على مقاومته؛ لهذا فإنّ ما يمكن قوله بشأن مضمون «سيرة الأفعى» ورؤيتها مستقبل القضية، هو أنها أخذت منحى ليس فيه أي التفاف، حيث أجهزة العدوّ بمخططاتها تأخذ حيّزاً كبيراً في بنية الرواية، وبالتالي لا جدوى من جعل شخصية العدو مضمرة، أو لا تكاد تظهر أمام بطل خرافي يطلع كطائر العنقاء ليستعيد الجوهرة المسروقة. هناكَ صراعٌ حقيقي تُستخدمُ فيه كلّ الأدوات، وعلينا أن نقرأه ونفهمه ونقاومه. وهذا ما دفعني إلى أن أقرأ كثيراً عن تركيبة المجتمع الإسرائيلي، وأوظّف قدراً من أدبياتِه السياسية ومخططاته في محاولة تفكيك الوطن العربي، وهي دقيقة وموثّقة، وعلى الأجيال أن تقرأها ولا تُهملها، ولو من خلال عملٍ روائي. وأعتقدُ أنّني لم أخطئ حين قلتُ إنّ روايتي تتكئُ على وقائع حقيقية ملقّحة بسرديات مبتكرة تقتربُ من الواقع. ومحصّلة الرواية أنّ علينا أن نقرأ كثيراً لنمسك بخيوط اللعبة، وأنّ السّلام الذي لا تلازمهُ القوّة هو الذي جعل فلسطين التّاريخيّة تنكمشُ كتنُّورة امرأة مستلبة؛ لهذا كنتُ أقول دائماً إنّني أسعى إلى أن أجعل من الزخم الذي تشهده هذه القضية، في أبعادها الدينية والآيديولوجية والسياسية والأمنية والعسكرية، أرضية أساسية للتعرف على واقع النضال الفلسطيني بتعقيداته، فضلاً عن فهم بنية المجتمع الإسرائيلي الطارئ، وهي المفردة التي تتكرّرُ في متنِ الرواية، والتي ترتكز على فكرة أن الله منح اليهود هذه الأرض، ولا يحق لأي قوّة أن تنازعهم فيها، وليس أدلّ على ذلك من أن منسوب التطرف يزيد يوماً بعد آخر، حتى صار المتطرفان: إيتمار بن غفير وزيراً للأمن الداخلي يجاهرُ بإنهاء وجود الفلسطينيين في أرضهم، وسموتريتش وزير الماليّة يدعو لمحو مدينة حوّارة الفلسطينيّة من الوجود، وبالتالي سيطرة الذهنية الأمنية، وانتشار النزعة الدينية والعنصرية وثقافة الابتزاز باسم معاداة السامية وتفوق العنصر الصهيوني... فرواية «سيرة الأفعى» مفتوحة على كل المرجعيات الدينية والسياسية التي تأخذ لبوساً مختلفة في تلك الأرض، حيث تتناطح الأديان وينتظر الأنجليكانيون معركة القيامة الأخيرة «هرمجدون» التي تنسف الجميع، وأمام هذا المنطق الانتحاري، اقتضت الحاجة وضع بدائل نضالية تتجاوز منطق التسوية والتنسيق الأمني، منطلقها أن تجدّد المقاومة الفلسطينية أدواتها، وتدرك بوعي كبير أنّ خريطة فلسطين التاريخية تتغيّر حدودها كل يوم، فالمقاومة باتت أمراً حتمياً لا مجرّد خيار، لأنها مسألةٌ شرعيّة من أجل استعادة حقّ مغتصب، فالعالم الدّاعمُ للكيان الصهيوني حتّى إن كان يُغمض عينيه إزاء ممارسات الاحتلال، يُدرك أنّ حبل الكذب قصير، وأنّ الطارئين سيرحلُون مهما طال الزّمن كما تنبّأ درويش وأحرار فلسطين، وكما تقول أدبيات حُكّام الكيان الغاصب.
> في سياق الحديث عن التعرف على الآخر، فإن ذلك يستحيل عملياً من دون ترجمة أدبياته. ما رأيك كأديب ومثقف عربي في الترجمة من وإلى العبرية؟
- تجتهدُ كثيرٌ من مراكز البحث الفلسطينيّة في تعريف الجمهور بما تُنتجه مختلف المنظومات الصهيونيّة، سياسيّة ودينيّة وإعلاميّة وثقافية، وهذا مهمُّ لمعرفة العدوّ ومخططاته، وهو أيضاً يذهبُ بعيداً في معرفة تفاصيل ما تنتجهُ المنظومات العربيّة... وبالتّالي عندما تسألني عن الترجمة من وإلى، هُم لا ينتظرون جواباً منّي أو من النخب العربيّة. نحنُ في نظرهم عدوٌّ يجبُ فهمه.
> تخوض روايتك الأخرى «رقصة أوديسا... مكابدات أيوب الروسي» التي صدرت قبل أيام، في الراهن الجزائري والدولي في آن واحد، ولعلّها تكون أول رواية عربية تتناول الحرب الروسية الأوكرانية الجارية أحداثها حالياً، ولكن بمنظور مقارباتيٍّ يظهر جليّاً من قفز السارد بين الداخل والخارج والـ«نحن» و«الآخر»... أليست هذه دعوة للنظر إلى الصورة الكبرى التي قد تجعلنا نعي حقيقة واقعنا بنحوٍ أقرب للحقيقة؟
- تستهويني الرواية «المُعوْلَمة»، التي تلامسُ تحوّلات العالم، بما يجعلُنا طرفاً فيه. يمكنُ للقارئ أن يجد هذا في «اعترافات أسكرام» و«إرهابيس» و«سيرة الأفعى» وأخيراً «رقصة أوديسا»، وهي مرافعة ضدّ الحرب، حتّى إن تداخلت مواقف أبطال الرواية، التي رأيتُ أن يكون بطلُها جزائريّاً درس الكوريغرافيا في الثمانينات بالبولشوي (موسكو) ويتزوّج من كلاريسا، وهي عازفة كمان أوكرانية، والدها يعيش على ذكرياته في الجيش السوفياتي، وأمها مناوئة للرّوس، وبينهم يجدُ أيّوب الجزائري نفسه في مأزق، لأنّ زوجته انتهت رهينة في آزوفستال... ولكن يوجد عالمٌ آخر، من الإرهاب والخوف، عاشه الزوجان في التسعينات بالجزائر، ومحاولة أيوب عبور البحر وما يكابده... في عالم اليوم ليس هناك آخر، لأنّ أنت الـ«نحنُ والآخر» في آن واحد. وفي اعتقادي، أنّ «رقصة أوديسا»، هي أوّلُ رواية عربية تلامسُ ما يحدثُ في أوكرانيا من زاوية زواج مختلط، بدأتُهُ افتراضياً، وتأكّد لي لاحقاً أنّهُ حقيقي.
> لم تختلف نظرتك في هذه الرواية حول ظاهرة «الحرقة» أو الهجرة غير الشرعية للجزائريين عبر قوارب الموت، عن النظرة السائدة في أنها خيار شخصي يهدف إلى محاولة النجاة من واقع اجتماعي ما. أليست هذه الظاهرة أيضاً ورقة ضغط مهمة توحي بوجود رغبة سياسية خفية تجعل من المستحيل القضاء عليها، وليست فقط خياراً شخصياً يعمد إليه المهاجر وإن كان مضطراً؟
- لم تعد «الحرقة» مجرّد ظاهرة أو ورقة يتم استخدامها سياسياً أو أمنياً، لكنّها لم تعد تختلفُ عن التحوّلات التي يشهدها العالم، كالتغيُّر المناخي، وسطوة الثورة الرقميّة والذكاء الاصطناعي، وبروز ثقافة الجَنْدر والتلاعب بالجنس؛ ذلك أنّ الهجرة لم تعد مقصورة على الجنوب المدفوع بالحاجة والجوع وطلب الأمان، بل هناك النزوح الذي فرضته الحروب، وهو أخطرُ من الهجرة السريّة، كون الدّافع فيه ليس الجوع ولكن السياسة. وأيّوب، في «رقصة أوديسا»، عندما غامر لإنقاذ زوجته وابنته، كان يواجهُ إفرازات حربٍ وصراع جيوسياسيّ في رقعة من العالم، هو يدفع فاتورة صراع الجبابرة، حتّى إن كان برفقتِه، في أثناء عبور البحر المتوسّط، شبابٌ أخذتهم الأحلام بعيداً، وانتهوا في قاع البحر، والتهمتهم الحيتان، بقيَ أيوب يقاوم ليبقى حيّاً، مُسلّحاً بالذكريات وألمِ فقْدِهِ من كانوا معه، فيصنعُ من حالة الوحدةِ والخوفِ عوالم لم يكن يفكّر بها، لكنّهُ مُكرَهٌ على أن يواجه البحرَ والحربَ معاً.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

رحيل رائد الحمض النووي وحائز «نوبل» جيمس واتسون عن 97 عاماً

جيمس ديوي واتسون أمام سبورة في أبريل/نيسان 1993، يشرح عمله لاكتشاف البنية الجزيئية للحمض النووي (أرشيفية- أ.ف.ب)
جيمس ديوي واتسون أمام سبورة في أبريل/نيسان 1993، يشرح عمله لاكتشاف البنية الجزيئية للحمض النووي (أرشيفية- أ.ف.ب)
TT

رحيل رائد الحمض النووي وحائز «نوبل» جيمس واتسون عن 97 عاماً

جيمس ديوي واتسون أمام سبورة في أبريل/نيسان 1993، يشرح عمله لاكتشاف البنية الجزيئية للحمض النووي (أرشيفية- أ.ف.ب)
جيمس ديوي واتسون أمام سبورة في أبريل/نيسان 1993، يشرح عمله لاكتشاف البنية الجزيئية للحمض النووي (أرشيفية- أ.ف.ب)

توفي العالم الأميركي الحائز على جائزة نوبل، جيمس واتسون، أحد مكتشفي بنية الحمض النووي «دي إن إيه»، عن عمر ناهز 97 عاماً، وفق ما نقلت شبكة «بي بي سي» البريطانية.

وفي عام 1953، توصل واتسون إلى بنية اللولب المزدوج للحمض النووي بالتعاون مع العالم البريطاني فرانسيس كريك، وهو الاكتشاف الذي مهَّد الطريق لتطور سريع في علم الأحياء الجزيئي.

وشارك واتسون في جائزة نوبل عام 1962 مع موريس ويلكنز وكريك تقديراً لهذا الاكتشاف، وقالوا آنذاك: «لقد اكتشفنا سر الحياة».

لكن سمعة واتسون تعرضت لضرر كبير بسبب تصريحاته المثيرة للجدل حول العرق والذكاء؛ ففي أحد البرامج التلفزيونية، قال إن الجينات قد تسبب فرقاً في متوسط معدل الذكاء بين السود والبيض.

وأدت تصريحاته لاحقاً إلى شعوره بالعزلة عن المجتمع العلمي، كما فقد منصبه كمستشار فخري في مختبر كولد سبرينغ هاربور بنيويورك.

وفي عام 2007، صرح لصحيفة «تايمز» بأنه كان يشعر بـ«تشاؤم طبيعي تجاه مستقبل أفريقيا»، موضحاً أن السياسات الاجتماعية قائمة على افتراض أن ذكاء سكان أفريقيا مماثل للغربيين، بينما أشارت الاختبارات إلى عكس ذلك.

وفي 2019، بعد إعادة تصريحاته التي اقترحت مرة أخرى وجود رابط بين العرق والذكاء، قام المختبر بتجريده من ألقابه الفخرية، بما في ذلك مستشار فخري وأستاذ أول وعضو مجلس أمناء شرفي.

وقال المختبر في بيان: «تصريحات الدكتور واتسون مرفوضة وغير مدعومة بالعلم».

رحلة اكتشاف الحمض النووي

تم اكتشاف الحمض النووي لأول مرة في عام 1869، لكن العلماء لم يعرفوا حتى عام 1943 أن الحمض النووي هو المادة الوراثية في الخلايا.

وبمساعدة صور التقطتها الباحثة روزاليند فرانكلين في كلية كينغز، تمكن كريك وواتسون من بناء نموذج مادي للجزيء دون علمها. أما موريس ويلكنز، شريكهم في جائزة نوبل، فقد عمل مع فرانكلين لتحديد بنية جزيء الحمض النووي.


«الكأس المقدسة» لقتل «الخلايا الزومبي»... كيف يسعى أثرياء الصين للعيش حتى 150 عاماً؟

اكتشاف صيني لطول العمر مستخلص من حبوب العنب (بكسلز)
اكتشاف صيني لطول العمر مستخلص من حبوب العنب (بكسلز)
TT

«الكأس المقدسة» لقتل «الخلايا الزومبي»... كيف يسعى أثرياء الصين للعيش حتى 150 عاماً؟

اكتشاف صيني لطول العمر مستخلص من حبوب العنب (بكسلز)
اكتشاف صيني لطول العمر مستخلص من حبوب العنب (بكسلز)

حين التقط ميكروفون تابع للتلفزيون الصيني مؤخراً حديثاً جانبياً بين الرئيس الصيني شي جينبينغ ونظيره الروسي فلاديمير بوتين حول إمكانية العيش حتى سن 150، وربما إلى الأبد، أثار ذلك دهشة المتابعين حول العالم.

لكن في مختبرات شركة «لونفي بيوساينسز» (Lonvi Biosciences)، وهي شركة ناشئة في مدينة شينغن الصينية ومتخصصة في أبحاث طول العمر، لم يُبدِ أحد أي استغراب، وفق تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.

وقال ليو تشينغهوا، المدير التقني للشركة: «العيش حتى 150 عاماً أمر واقعي تماماً. في غضون سنوات قليلة سيصبح هذا ممكناً».

مركب من مستخلص العنب يتخلص من «الخلايا الزومبي»

تعمل الشركة على تطوير حبوب مضادة للشيخوخة تعتمد على مركّب مستخلص من بذور العنب يُعرف باسم بروسيانيدين «سي 1»، يقال إنه يساعد في «تنظيف الجسم من الخلايا الزومبي»، أي الخلايا الهرمة التي تضعف الأنسجة.

ورغم أن ليو لا يؤمن بإمكانية القضاء على الموت تماماً كما لمح بوتين عبر عمليات زرع الأعضاء، فإنه يرى أن علم طول العمر يتقدم بوتيرة مذهلة قد تجعل المستحيل قريب المنال.

وقال: «خلال من 5 إلى 10 سنوات، لن يُصاب أحد بالسرطان».

هوس الخلود من الإمبراطور الأول إلى مليارات الاستثمار

والهوس بالخلود ليس جديداً في الصين؛ فقد بدأ منذ أكثر من ألفي عام مع الإمبراطور تشين شي هوانغ الذي أمر بالبحث عن جرعات سحرية تضمن له الحياة الأبدية، لكنه توفي في التاسعة والأربعين، ربما بسبب تسمم زئبقي ناتج عن «علاج مضاد للشيخوخة».

ورغم أن فكرة الخلود طالما بدت ضرباً من الخيال، فإن الاهتمام الرسمي والخاص بالصين جعل من أبحاث إطالة العمر فرعاً مشروعاً ومربحاً من الطب الحديث.

وتستثمر الحكومة الصينية مليارات الدولارات في هذا المجال، في محاولة للحاق بالغرب، وربما تجاوزه في التقنيات الحيوية والذكاء الاصطناعي والطب الوقائي.

أبحاث تتسارع بسرعة مذهلة

وأوضح البروفسور فاديم غلاديشيف من كلية الطب بجامعة هارفارد، الذي زار الصين مؤخراً، أنه «قبل سنوات لم يكن هناك شيء، أما الآن فهم يتقدمون بسرعة مذهلة».

وأشار إلى أن العلماء الصينيين باتوا يلحقون بسرعة بنظرائهم الغربيين في أبحاث إطالة العمر، مستشهداً بتجارب تربط أجهزة الدوران بين فئران صغيرة وكبيرة السن لتمديد حياة الأخيرة.

وبحسب صحيفة «الشعب» الصينية، بلغ متوسط العمر في الصين العام الماضي 79 عاماً، أي أعلى بـ5 سنوات من المتوسط العالمي، لكنه لا يزال دون متوسط اليابان البالغ 85 عاماً، وبعيداً عن الـ150 عاماً التي تحدث عنها شي.

مشروع غامض لإطالة عمر القادة

مع انتشار حديث «المايك المفتوح» بين بوتين وشي، استعاد بعض المعارضين الصينيين في الخارج فيديو يعود إلى عام 2019 يُظهر عرضاً ترويجياً من المستشفى العسكري رقم 301 في بكين، الذي يعالج كبار المسؤولين.

الفيديو، الذي حُذف بسرعة من الإنترنت، تحدث عن «مشروع صحة القادة 981» الهادف إلى إطالة أعمار كبار الشخصيات إلى 150 عاماً.

وأكد أن «متوسط عمر القادة الصينيين أطول من نظرائهم في الدول المتقدمة»، مشيراً إلى جهود المستشفى في الحفاظ على حياة شخصيات مثل ماو تسي تونغ (مؤسس جمهورية الصين الشعبية وزعيم الحزب الشيوعي الصيني منذ منتصف ثلاثينات القرن العشرين حتى وفاته عام 1976)، ودنغ شياو بينغ (الزعيم الصيني الإصلاحي الذي تولّى القيادة بعد وفاة ماو وتوفي عام 1997).

أثرياء الصين يلحقون بأثرياء أميركا

مع تحسن مستويات المعيشة، ازداد الاهتمام بين الأثرياء الصينيين بمنتجات مكافحة الشيخوخة.

شركة تايم باي (Time Pie) في شنغهاي، التي بدأت ببيع المكملات الغذائية، باتت تنظم مؤتمرات علمية وتنشر مجلة بعنوان «تقدم في العمر ببطء، وعش حياة جيدة».

وأوضح مؤسسها المشارك غان يو أن «أحداً في الصين لم يكن يتحدث عن طول العمر، كان ذلك شأناً للأثرياء الأميركيين فقط، أما الآن فكثير من الصينيين لديهم المال والرغبة في العيش أطول».

طموحات أكثر واقعية

وفي مؤتمرات شنغهاي الأخيرة، تداخلت العروض الجادة للعلماء مع تسويق الأجهزة والعقاقير الغريبة: كبسولات تبريد بدرجة 200 تحت الصفر، وغرف ضغط، وكريمات تجميلية تدّعي وقف الشيخوخة.

ومع ذلك، شارك علماء بارزون مثل غلاديشيف وستيف هوارفاث، مطوّر «ساعة الشيخوخة» البيولوجية، الذي قال إن العلم أصبح أكثر جدية، وأضاف: «لم يعد أحد من العلماء يتحدث عن الخلود في المؤتمرات، فذلك هراء».

«الكأس المقدسة» المستخلصة من العنب

بالمقابل، شركة «لونفي» في شينغن لا تزعم السعي إلى الخلود، لكنها تؤمن بأن منتجاتها يمكن أن تساعد البشر في بلوغ 120 عاماً بصحة جيدة.

ويعتمد منتجها الرئيسي على نتائج دراسة نُشرت في مجلة «Nature Metabolism» عام 2021، أشارت إلى أن الفئران التي عولجت بمركّب بروسيانيدين «سي 1» عاشت أطول بنسبة 9.4 في المائة.

ورغم أن المجلة لاحقاً نبهت إلى «أخطاء في البيانات»، فقد دعمت دراسات لاحقة النتائج الأولية.

وقال المدير التنفيذي للشركة يب تسزو (Zico): «هذه ليست حبة جديدة فحسب، إنها الكأس المقدسة».

وأكد أن الجمع بين هذه الحبوب ونمط حياة صحي ورعاية طبية جيدة، يمكن أن يدفع البشر لتجاوز المائة عام.

في المقابل، رأى ديفيد فورمان من معهد باك بجامعة ستانفورد، أن النتائج «واعدة» لكنها تحتاج إلى تجارب سريرية واسعة لإثبات فاعليتها.


تركي اليوسف: أحبُّ الشخصيات التي لا تشرح نفسها

تركي اليوسف: أحبُّ الشخصيات التي لا تشرح نفسها
TT

تركي اليوسف: أحبُّ الشخصيات التي لا تشرح نفسها

تركي اليوسف: أحبُّ الشخصيات التي لا تشرح نفسها

لفت المسلسل السعودي «الضارية» الأنظار بعد انطلاق حلقاته محققاً نسبة مشاهدات عالية وسط اهتمام بلغته البصرية الجريئة، واهتمامه بعالم التهريب والولاءات المُتبدّلة الجديد على الدراما السعودية.

ويقوم الممثل تركي اليوسف ببطولة العمل عبر شخصية تمثل عودة لأدوار الشر التي تميز بها، وعن ذلك يقول لـ«الشرق الأوسط»: «أحبُّ الشخصيات التي لا تشرح نفسها، بل تدع الجمهور يكتشفها. وفي (الضارية) مثلاً، الشرّ ليس حالة عدوانية، بل طريقة للبقاء. حاولتُ أن أقدّم القسوة بلا افتعال، وأترك مساحة للصدق أكثر من الأداء».

ودافع اليوسف عن كثرة ظهوره في أدوار الشر، عادّاً انجذابه للأدوار القاسية «لا يعني التكرار؛ فالدور (شخصية عباس) جذبني لأنه يتيح مساحة للغوص في عقل شخصية تعرف الخطر بوصفه جزءاً من يومها».

ويرى الفنان السعودي أن أدوار الشرّ تمنحه «فرصة للتعبير عن جوانب إنسانية عميقة»، موضحاً أن اختياره شخصية عباس في «الضارية» جاء بسبب «صدق النصّ، وعمق الشخصية».