رحلة إلى صحراء دوز التونسية

رحلة إلى صحراء دوز التونسية
TT

رحلة إلى صحراء دوز التونسية

رحلة إلى صحراء دوز التونسية

لا أتذكر السنة التي قمت فيها بهذه الرحلة. لكنني على يقين أنها تمّت في مطلع الألفية الجديدة. وما لا يمكن أن أنساه هو أننا نزلنا إلى الجنوب تحت المطر. وكان صديقي الذي ولد على أطراف الصحراء، وتحديدا في دوز التي تحتضن مهرجانا ينتظم في أواخر شهر ديسمبر (كانون الأول) من كل عام، جدّ مبتهج بالمطر لأن الجفاف الذي كانت تعاني منه البلاد آنذاك، والمتواصل منذ خمس سنوات، قد ألحق أضرارا جسيمة بجميع المناطق؛ خصوصاً المناطق الجنوبية. ومُتطلعا إلى سهول القيروان التي بدت سعيدة بما كانت تحنو عليها السماء بعد أن قست عليها طويلا، قال وسحابة من الحزن تظلل وجهه الأسمر الطويل: «النخيل يبس، والحيوانات تموت بأعداد وفيرة... أحد أقاربي قال لي إن الإبل تبرك، ثم تنفُقُ وعيونها مُفعمة بالدموع... والناس في أسوأ حال... لعل هذا المطر يُخفّفُ عنهم متاعب الجدب الطويل»...
حين اقتربنا من قابس التي كانت تحيط بها واحات بديعة أفسدتها مصانع أنشئت في سبعينات القرن الماضي، ازدادت الأرض عراء ووحشة، وفي الأفق، انتصبت جبال رمادية قاحلة بلا شجر ولا نبات. أشكال بعضها لاحت وكأنها قوافل هائلة من الإبل توقفت فجأة عن الحركة وسط الفيافي الموحشة. ولما تجاوزنا بلدة الحامة، غرب قابس، انخفضت حركة المرور في الطريق، وتجلت ملامح الصحراء بحيث لم نعدْ نرى غيرها. ثم هبط الليل، فسكت الجميع عن الكلام المُباح إجلالا للصمت المهيب الذي انتشر من حولنا وكأنه يوحي لنا بأننا ابتعدنا بما فيه الكفاية عن صخب المدن الكبيرة التي جئنا منها، وإليها سنعود...
ونحن نقترب من دوز في ظلمة الليل الذي بدأ يبرد، قفزت إلى ذاكرتي قصّة واحد من أبنائها الأجلاء، أعني بذلك الكاتب والباحث المرموق محمد المرزوقي (1916 - 1981) الذي كان وما يزال ذاكرة الجنوب التونسي، وخزينة تراثه الشعبي، ومُؤرخ أحداثه الصغيرة والكبيرة، وكاتب سير أبطاله وشعرائه وشيوخ قبائله، وحافظ أساطيره وأغانيه وملاحمه. وقد ذكر لي أحدهم، وهو من أبناء دوز أيضا، أن محمد المرزوقي كان صبيّا يرعى الإبل والأغنام. وذات يوم قرر أن «يصعد» إلى العاصمة البعيدة ليدرس في الجامعة الزيتونية. آنذاك كان الجنوب التونسي منطقة عسكرية فرنسية؛ لذا كانت الحركة فيه صعبة بسبب كثرة القواعد والثكنات العسكرية المنتصبة في كلّ أجزائه ونواحيه. وكان سكانه خاضعين لرقابة مُشدّدة من قبل السلطات الاستعمارية بسبب كثرة الانتفاضات، وحركات التمرد... مُتحديا كل ذلك، حمل الفتى الأسمر النحيل ما يحتاج إليه من زاد في سفرته الشاقة الطويلة، وفي ظلمة ليلة بلا قمر، وبلا نجوم، توكّل على الله، وانطلق إلى العاصمة راجلا. أمضى أسبوعين وهو يسير. ولما وصل إلى العاصمة، ظلّ أياما عدة عاجزا عن الحركة بسبب تورّم ساقيه...
منذ بداية التحاقه بالجامعة الزيتونية، واكب محمد المرزوقي بحماس كبير الحركة الثقافية والسياسية. ففي تلك الفترة، أي في مطلع الثلاثينات من القرن الماضي، كانت تونس تعيش نهضة ثقافية وفنية لم يسبق لها مثيل، مُبشّرة ببروز ما سوف يُسمى فيما بعد «جيل إرادة الحياة». ذلك الجيل الذي انتصر للحداثة الأدبية والفكرية، مُنفتحا على الثقافة الغربية في جميع تجلياتها، وعلى القيم الإنسانية بصفة عامة. ومن بين رموز هذا الجيل يمكن أن نذكر أبا القاسم الشابي الذي حرّر الشعر التونسي من قوالبه الجامدة، ومن لغته الركيكة، ومن معانيه البائسة، ومن أساليبه البالية ليكون في طليعة الحركات الشعرية الجديدة في العالم العربي. وفي الفكر الاجتماعي لمع الطاهر الحداد الذي دافع في مجمل كتاباته عن حقوق العمال في الحرية والعدالة الاجتماعية. كما أنه كان أول من انتصر لحقوق المرأة التونسية من خلال كتابه الشهير: «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» الذي ألهَبَ غضب شيوخ جامع الزيتونة ضده فشنوا عليه هجمات عنيفة وقاسية كانت سببا في وفاته وهو في السادسة والثلاثين من عمره. وأمّا علي الدوعاجي، ومحمد العريبي وغيرهما من «جماعة تحت السور» (تحت السور اسم المقهى الذي كانوا يجتمعون فيه) فقد عبروا عن تمردهم على مجتمع الخمول والجهل والتخلف من خلال القصة القصيرة، والأزجال، والأغاني، والمسرحيات ليكون لهم دور مهم وأساسي في تحديث الثقافة التونسية.
وقد شهدت مرحلة بروز «جيل إرادة الحياة»، صدور العديد من المجلات والجرائد التي ساهمت في إذكاء الثقافة الجديدة، ونشر مبادئ وأفكار رموزها على نطاق واسع خصوصا في العاصمة، وفي بعض من المدن الكبيرة الأخرى، مثل سوسة وصفاقس. ومنذ البداية، وجد محمد المرزوقي نفسه في قلب المعارك الأدبية والفكرية التي كانت مُشتعلة آنذاك، فانتصر للطاهر الحداد، ولأبي القاسم الشابي، ولكل التيارات التقدمية، وكتب في الجرائد والمجلات، وشارك في أنشطة الجمعيات الأدبية والثقافية التي كانت كثيرة في تلك الفترة الساخنة من تاريخ تونس. ولم يكفه ذلك، بل انخرط في النضال السياسي مُنتسبا إلى الحزب الحر الدستوري الذي أسّسَهُ الزعيم بورقيبة مع جمع من رفاقه في خريف عام 1934. ولما اندلعت المظاهرات الكبيرة يوم التاسع من شهر أبريل (نيسان) 1938، كان محمد المرزوقي في الشارع للمطالبة مع المتظاهرين بـ«برلمان تونسي»، مُتحديا رصاص الجيش الفرنسي الذي حَصَدَ في ذلك اليوم المجيد مئات الأرواح. وبسبب ذلك، تمّ اعتقاله، ثم الحكم عليه بالإبعاد إلى الجنوب. ولم يُسْمح له بالعودة إلى العاصمة إلاّ عام 1944.
بعد الحرب الكونية الثانية، عمل محمد المرزوقي مُعلّما في المدارس الابتدائية لسنوات طويلة. ولم يُلْهه عمله ذاك عن مواصلة المشاركة في الأنشطة الثقافية ناشرا في مختلف المجلات والجرائد القصص والأشعار والمقالات. كما أنه لم ينقطع عن المساهمة الفعلية في النضال الوطني. وبعد حصول البلاد على استقلالها عام 1956، شعر محمد المرزوقي أن هناك كنزا مُهدّدا بالانقراض والإهمال، أعني بذلك التراث الشعبي خصوصا في مناطق الجنوب. لذلك انصرف عن كلّ شيء ليهبه وقته الثمين، وكلّ ما تبقى من حياته. ففي ذلك الوقت، كان التمدن المزيّف قد غزا عقول وقلوب نسبة كبيرة من سكان المدن حتى أبناء الأرياف المُتعلمين، فتهالكوا عليه تهالكا جنونيا، مُظهرين الاحتقار لكل ما يمتّ للفن الشعبي بصلة، سواء أكان ذلك في الموسيقى، أم في الأغاني، أم في غير ذلك، مُتنكرين لأصولهم وجذورهم، ولتقاليدهم وعاداتهم القديمة. ولما عاين محمد المرزوقي المخاطر الناجمة عن ذلك، شرع في العمل سابحا ضد التيار المُهيْمن على الحياة الثقافية والفنية في البلاد. وبينما كان المثقفون وأساتذة الجامعة التونسية يقضون جلّ أوقاتهم في مقاهي ومطاعم وفنادق العاصمة والمدن الكبيرة الأخرى يَتَحاورون حول قضايا وأفكار لا صلة لها بواقعهم ولا بواقع بلادهم، وجلّها مستوردة من فرنسا، كان محمد المرزوقي يَجوب وحيدا فيافي وبوادي وصحاري الجنوب جامعا الأغاني والحكايات الشفوية والأساطير القديمة، مُسجّلا تاريخ القبائل، ومُدوّنا بطولات المناضلين الوطنيين الذين واجهوا القوى الاستعمارية، ودفعوا حياتهم ثمنا لذلك. وبسبب نُدرة وسائل المواصلات، بل انعدامها في تلك الفترة، أي الستينات من القرن الماضي، كان محمد المرزوقي يُجبرُ أحيانا على قطع المسافات الطويلة على ظهور الأحمرة أو البغال أو الإبل، غير عابئ بالحر والبرد والعواصف الرملية، ولا بالعديد من المصاعب الأخرى. وعندما ينال منه التعب والإجهاد، كان يلجأ إلى خيام البدو، وإلى أكواخ الفقراء، وبيوتهم البسيطة، ليحصل على قسط من الراحة ثم يواصل رحلته. وكانت ثمرة مجهوداته وأبحاثه المضْنية، أعدادا وفيرة من التسجيلات الإذاعية، ومن المؤلفات القيمة حول التراث الشعبي في مختلف مناطق الجنوب التونسي. وكل هذا شَكّلَ إلى هذه الساعة وثائق مهمة ومَعينا لا ينضب بالنسبة للباحثين والدارسين، وأيضا بالنسبة للشعراء والكتاب والفنانين. ولأن بعضا من البلدان مثل تونس لا تقدّرُ جهود وأعمال أبنائها الأبرار، فإن محمد المرزوقي رحل عن الدنيا من دون أن يحظى بالمكانة اللائقة به، ولم يُعدْ له الاعتبار إلاّ عقب مرور سنوات طويلة على وفاته تماما مثلما هو الحال بالنسبة لكل أبناء «جيل إرادة الحياة»...


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

نور الكوّا تقدّم مجموعة لوحات «كوكب الشرق»

نور الكوّا أمام مجموعة من لوحاتها (خاص الفنانة)
نور الكوّا أمام مجموعة من لوحاتها (خاص الفنانة)
TT

نور الكوّا تقدّم مجموعة لوحات «كوكب الشرق»

نور الكوّا أمام مجموعة من لوحاتها (خاص الفنانة)
نور الكوّا أمام مجموعة من لوحاتها (خاص الفنانة)

رحلة في الفن التشكيلي لا تشبه غيرها، تأخذنا بها الفنانة السورية نور الكوّا، فتقدّم، في مجموعتها «أُم كلثوم»، 30 لوحة تحكي عن الفنانة الراحلة. تدخل ناظرها إلى عالم «كوكب الشرق» بكل تفاصيله.

ممسكة محرمتها الشهيرة، تُصور الكوّا أُم كلثوم واقفة على المسرح تشدو بصوتها وكأنها تحيي حفلها الغنائي في اللحظة نفسها.

تُرفق الكوّا كلّ لوحة من لوحاتها الثلاثين بإكسسوارات وأدوات استوحتها من شخصية الفنانة الراحلة، تُصوّرها بنظّاراتها السّوداء، وتُلبسها مجموعة من تصاميم أزياء تُبرز أناقة عُرفت بها «كوكب الشرق». أما العنصر الأساس، الذي لا تخلو منه أي لوحة، فهو فريقها الموسيقي.

من بين مجموعة لوحاتها لكوكب الشرق «يا مسهرني» (نور الكوّا)

لماذا اتّخذت الكوّا قرارها هذا برسم مجموعة «أم كلثوم»؟ تردّ، لـ«الشرق الأوسط»: «كلنا نحبّها، ومعجَبون بقامتها الفنية في العالم العربي، وبصوتها الذي رافقني منذ الصّغر، وحفظت كلمات أغنياتها من كثرة إعاداتي وصلاتٍ من حفلاتها، (كوكب الشرق) تعني لي كثيراً لأنها تتداخل مع مراحل حياتي».

تقول نور الكوّا إن مشوارها في الفن التشكيلي مرّ بتطورات متلاحقة، بدأته برسم الأشخاص والوجوه المرتبطة حالتُها الجسدية بأصحاب الهمم. هؤلاء الذين يعانون احتياجات خاصة أسهموا في ترجمة معاني الإنسانية بالنسبة لها. ورغم تحولات مختلفة مرّت بها، فإنها أبقت على هويتها الخاصة. دراستها الجامعية في هندسة العمارة الداخلية تحمل للوحاتها نفحة مختلفة.

وعن كيفية ولادة كل لوحة تروي نور الكوّا: «أستمع لأغنيات أم كلثوم، وأنا أنفّذ اللوحة، ومن هنا ينبثق اسم كل لوحة من الأغنية التي تأخذني إلى عالمها. أغوص في الأداء بحماس الجمهور الذي يحضر الحفلات، وأنطلق برسم اللوحة بخيالي الممزوج بصورة من صورها الحقيقية. فهذا اللاوعي الذي يعمل على أساسه الرسّام يُسهم في إيصال الأحاسيس المطلوبة للمتلقي. وأحاول، أثناء الرسم، إحياء تلك اللحظات الخاصة».

أم كلثوم وفرقتها الموسيقية بريشة نور الكوّا (خاص الفنانة)

تُركّز نور الكوّا على فريق أم كلثوم الموسيقي، فنجد بعضاً من أفراده الأساسيين يحضرون بوضوح. «فريقها هذا رافقها في جميع حفلاتها الغنائية. وهناك 3 أحجار أساسية من العازفين، وهم: محمد القصبجي على العود، ومحمد عبدو صالح على القانون، وسيد سالم على الناي. كانت لهم شعبية كبيرة، لذلك ركّزت عليهم وقدّمتهم بوضوح في أعمالي يرتدون الطربوش الأحمر».

من بين لوحات نور الكوّا الخاصة بأم كلثوم «يا مسهرني»، و«عصيّ الدمع»، و«عن العشاق سألوني»، و«لسه فاكر»، وكذلك لوحات أخرى بعناوين أغنيات مشهورة لكوكب الشرق. نرى الفنانة الراحلة تطلّ من صفحات تاريخها الغنائي تشدو بصوتها «غلبني الشوق»، و«ألف ليلة وليلة» وغيرها.

لوحة «افرح يا قلبي» بريشة نور الكوّا (خاص الفنانة)

في غاليري «غاليرست» في السوديكو بالأشرفية، تعرض نور الكوّا بعضاً من هذه اللوحات، وتقول: «تنقلت بها في معارض عدّة، ومن بينها في سوريا، كما رسمت لوحات أخرى للعندليب الأسمر وصباح فخري وفريد الأطرش».

وتؤكد نور الكوّا أنه على الرسام أن يتمتع بركيزتين رئيسيتين ليترك بصمته الخاصة: «الممارسة والثقافة تُولّدان منه فناناً يختلف عن غيره. وعندما يتمكّن من أدواته، ويصقل فنّه بالثقافة، يكون قد أصاب الهدف».

لم تلجأ نور الكوّا إلى فن الكاريكاتير في أعمالها: «ابتعدت عنه تماماً، سيما أن هناك من استخدم هذا الفن لرسم أم كلثوم وغيرها، ومن بينهم جورج بهجوري. عملتُ في المساحة التي تترجم مشاعري وتوافق رؤيتي، واللافت أنني أتأثر بالأغنية التي أستمع إليها كي أختار ألوان اللوحة، أتفاعل معها لا شعورياً وتبدو واضحة. والموسيقى نفسها تتحكّم بريشتي كي أبرز لغة الجسد والنظرات».