القلق داء عابر للأجيال... أي جيل هو الأكثر تأثّراً؟

الجيل إكس في صدارة القلقين وجيلا زد والألفيّة ليسا أفضل حالاً (رويترز)
الجيل إكس في صدارة القلقين وجيلا زد والألفيّة ليسا أفضل حالاً (رويترز)
TT

القلق داء عابر للأجيال... أي جيل هو الأكثر تأثّراً؟

الجيل إكس في صدارة القلقين وجيلا زد والألفيّة ليسا أفضل حالاً (رويترز)
الجيل إكس في صدارة القلقين وجيلا زد والألفيّة ليسا أفضل حالاً (رويترز)

يُسمّى القلق «مرض العصر»، لكن قد يكون من المنطقيّ أكثر، أن يُطلق عليه مرض كل العصور، إذ لم ينجُ منه أيُ جيل. وإذا كانت غالبية الدراسات تشير إلى أنّ الجيل «إكس» (1965 - 1980) هو الأكثر تأثّراً بالقلق، فهذا لا يعني أنّ الأجيال اللاحقة وحتى السابقة، هي بحالٍ أفضل.

تلحظ المتخصصة في علم النفس العيادي يارا بصيبص، أنّه مع تقدُّم الأجيال، يرتفع منسوب القلق. فبين «الجيل الصامت» (1928 - 1945) و«الجيل زد» (1997 - 2012) مسافة 84 عاماً، تبدّلت خلالها مسبّبات القلق وتجلّياته. واجه الجيل الصامت تحديات الحرب العالمية الثانية، لكنه تحصّنَ بالروابط الاجتماعية الوثيقة، وتعاملَ بصلابة مع التجارب الصعبة، ما ساعده في الحَدّ من الضغوط النفسية.

1965 - 1980... الجيل X في صدارة القلقين

الأثقال الماليّة

يُعرف الجيل إكس بـ«الجيل السندويتش»، لأنه يتوسّط جيلَين ينتمي إليهما كلٌ من أهله وأولاده، وتقع عليه بالتالي مسؤولية الاعتناء بالكبار والصغار في آنٍ معاً. هذا واقعٌ لم تسهّله التحديات المادّية التي كان على أبناء هذا الجيل أن يواجهوها، مثل موجة التضخّم العالمي وجائحة كورونا، اللتَين تزامنتا مع ذروة فترة إنتاجيّتهم المهنية، وهُم لم يدّخروا بالتالي ما يكفي من مال لتقاعد مريح.

توضح بصيبص في حديثها مع «الشرق الأوسط»، أنّ «الجيل زد عانى من أحداث محوريّة مثل الأزمات الاقتصادية والتغيّرات الاجتماعية والتوترات السياسية، وقد أسهمت تلك التجارب في ازدياد القلق لديه». وتضيف أنه كان على هذا الجيل التنقّل وسط عالمٍ يتغيّر بسرعة، ما ضاعف التوتّر.

اضطر الجيل إكس إلى التأقلم مع عالم سريع التغيّرات ما ضاعف القلق لديه (رويترز)

التحديات التكنولوجية

اضطرّ أبناء الجيل إكس إلى أن يتأقلموا مع النقلة الدراماتيكية التي شهدها العالم باتّجاه التكنولوجيا والإنترنت، ما زاد القلق لديهم على المستويَين الشخصي والمهني. ووجدوا أنفسهم مضطرّين للتمكّن من تقنياتٍ طارئة عليهم، ولا يستطيعون الاستمرار في حياتهم ووظائفهم من دونها. ولم يأتِ ذلك من دون ضريبةٍ نفسيّة.

الجيل إكس والصحة النفسية

في مختلف مراحل حياتهم، كان أبناء الجيل إكس الأكثر عرضةً لمسبّبات القلق والتوتر، إلا أنهم أكثر صموداً من سواهم. فهم يتميّزون بقدرة كبيرة على التأقلم مع الظروف، لأنهم كبروا وهم يخطّطون لمستقبلهم بشكلٍ مستقلّ. ومن بين سماتهم المرونة، والتجدّد، والقدرة على التحمّل، والتأقلم السريع.

غير أنّ موضوع الصحة النفسية لا يزال أقرب إلى المحرّمات في نظرهم. برأيهم، لا يستأهل العلاج سوى مَن تعرّض لصدمة كبيرة جرّاء الحروب أو الاعتداءات الجنسية. أما طلب المساعدة النفسية لمجرّد المعاناة ضمن العائلة، أو في العمل أو من التنمرّ، فمن شبه المستحيل بالنسبة إليهم.

ما زالت غالبية الجيل إكس تتردّد في طلب المساعدة النفسية (أ.ف.ب)

1981 - 1996... جيل الألفيّة وهاجس النجاح

أبطال الاحتراق الوظيفي

أظهرت دراسة أجرتها شركة «ستاتيستا» العالمية عام 2024، أنّ 50 في المائة من جيل الألفيّة يعدون السبب الأساسي لشعورهم بالقلق والتوتّر، هو مستقبلهم المالي على المدى البعيد.

ومن الطبيعي أن يدور قلق جيل الألفيّة في فلك المال والعمل، وتشير بصيبص في هذا الإطار، إلى أن «أزمة 2008 والركود العالمي أثّرا كثيراً على هذا الجيل الذي واجه صعوبة في العثور على وظائف مستقرة ذات رواتب جيدة. كما كان عبء الديون والقروض الطالبيّة ثقيلاً على كاهلهم».

وأكثر ما يقلق جيل الألفيّة إذن هو النجاح المهني والاستقلال المادي ونَيل إعجاب الآخرين. وبما أنهم من أكثر الأجيال تعليماً، لا يصعب عليهم تحقيق ذلك. إلّا أنّ النجاح لا يأتي من دون ثمن، هو بمعظمه نفسيّ في حالة جيل الألفيّة الذي كان أكثر مَن عانى من الاحتراق الوظيفي، خصوصاً خلال جائحة كورونا.

أكثر ما يقلق جيل الألفيّة هو النجاح المهني (رويترز)

تحقيق الذات أوّلاً

لا يهجس أبناء جيل الألفيّة بالزواج وتأسيس عائلة بقَدر الأجيال السابقة، ويميلون إلى تأخير هذا المشروع، أو الاستغناء عنه كلياً. إذ تبقى الأولوية بالنسبة إليهم تحقيق ذواتهم، و«البحث عن الأمان المالي، وإعادة تقييم مبادئهم، والسعي إلى الموازنة بين العمل والحياة الخاصة»، وفق تعبير بصيبص. وهم متصالحون أكثر من الجيل إكس مع فكرة الاهتمام بصحّتهم النفسية.

1997 - 2012... الجيل زد قلق لكنه يحب ذاته

تنقل بصيبص عن «جمعية علم النفس الأميركية»، أنّ «الجيل زد يواجه مستويات أعلى من التوتر نتيجة عوامل عدة؛ منها التغيّر المناخي، وجائحة كورونا، وغياب المساواة الاجتماعية، وسطوة السوشيال ميديا والذكاء الاصطناعي». وقد أصدرت منظّمة الصحة العالمية تقارير أكدت أن الصحة النفسية للشباب أصبحت قضية مزدادة الأهمية.

كما اصطدم هذا الجيل بظروف وظيفية معقّدة تزامنت وجائحة كورونا. تعرّض الجيل زد لبيئة العمل السامة، حيث يتكدّس العمل، ويغيب الأمان، وتتضاءل الرواتب، وتزداد مخاطر الطرد. لكن في مقابل قلقهم الكبير الذي يتعارض وسنّهم الصغيرة، فإنّ أبناء الجيل زد يفكّرون بالعمل بطريقة مختلفة عن سواهم من أجيال، إذ يرون الوظيفة جزءاً من حياتهم، وليس معنى لحياتهم.

بالنسبة إلى الجيل زد... الوظيفة هي جزء من حياتهم وليست معنى وجودهم (رويترز)

بالتالي، غالباً ما يختارون وظائف لا تسلبهم فرصة الاستمتاع بالحياة، كقضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء، واختبار تجارب جديدة كالسفر وممارسة الهوايات. لكن لا يجب الاعتقاد بأنهم غير طموحين في العمل، لا بل إنهم متطلّبون ويتوقّعون من مديريهم التشجيع والتوجيه والترقية.

وفق بصيبص، «يتمتّع الجيل زد بانفتاحه على الحديث عن الصحة النفسية، ما قد يعطي انطباعاً بأنه يعاني من ضغوط أكبر من سواه». لكن في هذا الأمر إيجابية، إذ بمجرّد البوح بالقلق والتوتّر والتعبير عن المخاوف، يكون الجيل زد قد حطّم المحرّمات المرتبطة بالصحة النفسية، وانخرط في حل المشكلة التي يواجهها.

يختار الجيل زد وظائف لا تحرمه الاستمتاع بالحياة وممارسة الهوايات والسفر (رويترز)

قلق الـBaby Boomers

جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية المولود ما بين 1946 و1964، والمعروف بـBaby Boomers، هو أسطَع دليل على أنّ القلق متوارث عبر الأجيال. ينتمي آباؤهم إلى الجيل الصامت الذي عاصر الحرب، والذي ربّى أبناءه على قواعد صارمة، ومع توقعات عالية منهم، كل ذلك بعيداً عن مظاهر العاطفة والحنان.

هذا الجيل الذي يواجه حالياً هواجس التقدّم في السنّ والتقاعد الوظيفيّ، لطالما ركّز على النجاح المهني وجمع المال وسط ثقافة التنافس في أماكن العمل. وقد انعكس ذلك سلباً على صحته النفسية، في وقتٍ كان فيه علاج تلك الأزمات يُعدُّ وصمة عار.


مقالات ذات صلة

«اليوم الخفي»... طريقة تساعدك على إعادة شحن طاقتك وسط الزحام

يوميات الشرق الآثار طويلة المدى للتوتر تُسهم في زيادة القلق واجترار الأفكار واضطرابات النوم (بيكسلز)

«اليوم الخفي»... طريقة تساعدك على إعادة شحن طاقتك وسط الزحام

من الشائع جداً أن تشعر كأنك تُستهلك من اتجاهات مختلفة بفعل الرسائل النصية، ورسائل البريد الإلكتروني، وقوائم المهام، خاصةً خلال موسم الأعياد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك عندما تختار الأطعمة التي تؤثر إيجابياً على مزاجك فأنت بذلك تغذي التواصل القوي بين الأمعاء والدماغ (بكسلز)

أنت ما تأكله… كيف تحسن مزاجك من خلال الطعام؟

ربما سمعت المقولة الشهيرة: «أنت ما تأكله».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك الـ«إل-ثيانين» يساعد على زيادة مستويات «غابا» و«الدوبامين» في الدماغ (بكسلز)

يخفض القلق ويحسّن النوم والتركيز ويعزز المناعة... تعرف على سحر الـ«إل ثيانين»

يُعد الـ«إل-ثيانين» من أكثر المكملات الطبيعية شيوعاً لدعم الاسترخاء وتحسين النوم وتقليل القلق من دون التسبب في النعاس.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق كلب يرتدي أغطية للأرجل للحماية من المطر في نيويورك (أ.ف.ب)

دراسة: امتلاك كلب يعزز الصحة النفسية للمراهقين

كشفت الأبحاث أن وجود كلب في المنزل قد يُعزز الصحة النفسية للمراهقين، ويضيف العلماء أن هذا قد يُعزى جزئياً إلى مشاركة الميكروبات.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
علوم «الإدراك الداخلي»... الحاسة «السادسة» للإنسان

«الإدراك الداخلي»... الحاسة «السادسة» للإنسان

يُشكل عواطفنا وسلوكنا وقراراتنا... وحتى طريقة شعورنا بالمرض.

كارل زيمر (نيويورك)

من دون قهوة... كيف تتغلب على النعاس بعد تناول الغداء؟

الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك قد يساعدك في محاربة النعاس بعد تناول الغداء (بكسلز)
الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك قد يساعدك في محاربة النعاس بعد تناول الغداء (بكسلز)
TT

من دون قهوة... كيف تتغلب على النعاس بعد تناول الغداء؟

الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك قد يساعدك في محاربة النعاس بعد تناول الغداء (بكسلز)
الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك قد يساعدك في محاربة النعاس بعد تناول الغداء (بكسلز)

هل تجد صعوبة في إبقاء عينيك مفتوحتين بعد الغداء؟ كثيراً ما يبدأ الناس يومهم بنشاط ثم تنهار طاقتهم بعد الغداء. هناك العديد من الأسباب التي تجعل الأشخاص يشعرون بانخفاض نشاطهم في فترة ما بعد الظهر، وخاصةً بين الساعة الواحدة ظهراً والرابعة عصراً.

كشف الدكتور أنتوني ريفي، اختصاصي النوم السلوكي في مركز هنري فورد الصحي: «الإيقاع اليومي الطبيعي لجسمنا، وهو الساعة الداخلية التي تعمل على مدار 24 ساعة وتساعد على تنظيم عملياتنا البيولوجية، يرسل إشارات إلى الدماغ خلال النهار ليبقينا متيقظين ونشيطين. مع حلول وقت الغداء، تنخفض هذه الإشارات مما قد يجعلنا نشعر بالنعاس».

إليك طرق تساعدك في التغلب على نعاس ما بعد الظهر دون احتساء رشفة من القهوة:

استمع إلى الموسيقى

أثبتت الدراسات أن الاستماع إلى موسيقى مُبهجة يُحسّن المزاج ومستوى الطاقة. للحفاظ على نشاطك خلال النهار بعد الغداء، أنشئ قائمة تشغيل لأغانٍ مُبهجة لتسلية نفسك. ولأن الموسيقى نشاط ممتع في كثير من الأحيان، فإنها تُحفز إفراز هرمون السعادة الذي يُبقيك نشيطاً.

استمر بالحركة

إذا شعرت بالنعاس بعد تناول الطعام بعد الظهر، يمكنك الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك. يعتقد الخبراء أن ممارسة الرياضة تُنشط عقلك وجسمك. كما أنها تُعرّضك للهواء النقي والإضاءة الطبيعية، مما يُحقق لك نتائج جيدة.

اخرج إلى الشمس

اخرج إلى الشمس لضبط ساعتك البيولوجية وتوفير فيتامين «دي» الضروري. يمكن لأشعة الشمس الطبيعية أن تمنع إنتاج هرمون النوم (الميلاتونين) في جسمك. إذا كنت في المكتب، ولا يسمح لك ذلك بالتعرض لأشعة الشمس، يمكنك تشغيل أضواء السقف الساطعة وتجنب الظلام، خاصةً بعد استراحة الغداء.

حافظ على رطوبة جسمك

يُعد الحفاظ على رطوبة الجسم أمراً بالغ الأهمية لأداء وظائفك اليومية. ويؤكد الباحثون أن الجفاف، حتى لو كان خفيفاً، قد يؤدي إلى التعب، مما قد يؤثر على قدرتك على التركيز. يقول الدكتور ريفي: «للأسف، يُصاب الكثير من الناس بالجفاف المزمن لمجرد أنهم لا يشربون كمية كافية من الماء لأداء أنشطتهم اليومية».

تناول غداءً متوازناً

احرص على تناول نظام غذائي متوازن غني بالبروتين والألياف والدهون الصحية خلال النهار. اتباع هذه النصيحة الواعية سيساعدك على التغلب على مشكلة النوم بعد الظهر، التي تأتي فجأةً بعد الغداء، خاصةً بين الساعة الأولى ظهراً والرابعة عصراً.

اتبع نمط نوم جيداً

النوم الجيد ليلاً أمرٌ لا غنى عنه، خاصةً إذا كنت تحاول إدارة انخفاض الطاقة بعد الغداء. يوصي الخبراء بأن ينام الشخص البالغ من 7 إلى 9 ساعات على الأقل ليلاً ليشعر بالنشاط خلال النهار. يوضح الدكتور ريفي: «كمية النوم التي يحتاج إليها كل شخص تختلف من فرد لآخر، وتتغير على مدار حياته».


«الشاطئ الأخير»... فيلم بلجيكي يرصد مأساة واقعية من قلب أفريقيا

صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)
صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)
TT

«الشاطئ الأخير»... فيلم بلجيكي يرصد مأساة واقعية من قلب أفريقيا

صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)
صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)

لم يتخيّل المخرج البلجيكي جان فرانسوا رافانيان أن مقطعاً مصوَّراً عابراً على مواقع التواصل الاجتماعي سيقوده، بعد سنوات من البحث، إلى قلب أفريقيا، وتحديداً إلى قرية نائية في غامبيا، ليغوص عميقاً في مأساة إنسان يُدعى «باتيه سابالي».

الشاب الذي هزّ غرقُه في القناة الكبرى بالبندقية عام 2017 الرأيَ العام العالمي، حين اكتفى العشرات من المتفرجين بالصراخ وإطلاق الإهانات العنصرية بدلاً من مدّ يد العون له، كان مقطعُ الفيديو المصوَّرُ له الشرارةَ الأولى لفيلمه الوثائقي «الشاطئ الأخير»، الذي يحاول أن يعيد لهذا الشاب اسمه وصوته وحكايته.

قال رافانيان لـ«الشرق الأوسط»، إنه يتذكّر اللحظة الأولى جيداً؛ «كان الأمر صفعةً. رأيتُ الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، كما شاهده آلاف غيري في ذلك الوقت. صدمتني اللامبالاة، والكلمات العنصرية، والجمود الكامل أمام غرق شاب لا يحاول أحد مساعدته. في البداية لم أفكّر في فيلم؛ فكّرتُ بصفتي صحافياً: مَن هذا الشاب؟ ماذا حدث؟ ولماذا لم يتحرّك أحد؟».

وأضاف المخرج، الذي عُرض فيلمه للمرة الأولى عربياً في مهرجان «الدوحة السينمائي»، أن الأمر تحوّل إلى هاجس، بيد أنه اصطدم منذ اللحظة الأولى بحقيقة أن التحقيقات في إيطاليا كانت مغلقة بالكامل، مما جعل الوصول إلى أي معلومة أمراً معقّداً وصعباً.

المخرج البلجيكي (الشركة المنتجة)

ولأن الطريق إلى الحقيقة كان مسدوداً، اختار المخرج البلجيكي طريقاً آخر، وهو البحث عن عائلة باتيه. يقول: «استغرق الأمر عامين كاملين لأجد أثرهم في غامبيا، وعندما وصلت أخيراً إلى القرية، أدركت أن الغضب الذي اجتاحني أمام شاشة الكمبيوتر في أوروبا كان صورة مختلفة. فالعائلة دعتني إلى رؤية الأمور من زاوية أخرى: زاوية الفقد، والغياب، والبحث عن المعنى. عند تلك اللحظة تغيّر الفيلم تماماً».

يشير رافانيان إلى أن «أصعب ما واجهته في البداية لم يكن الطبيعة أو الظروف، بل بناء الثقة مع العائلة»، مضيفاً: «عندما تصل إلى قرية بعيدة، وتكون غريباً، عليك أن تدرك أن لكل عائلة سرديّتها الخاصة. كان عليّ أن أجد الطريقة المناسبة للوقوف بالكاميرا، وأن أتجنّب أي منظور قد يُشعِرهم بأننا نمسك بموقع قوة أو وصاية. الثقة كانت المفتاح، لا الأدوات ولا الموقع ولا التقنية».

وعن ظروف التصوير في القرية، يشرح رافانيان أن «الفريق كان صغيراً للغاية؛ كنت أنا، ومدير التصوير، ومساعدة تنتمي إلى مجتمع الفولا، تتحدث لغتهم وتفهم ثقافتهم. ولم تكن المسألة لغةً فقط، بل سلوكاً ومعتقدات ونظرة إلى الحياة. كنا نقيم في القرية أياماً طويلة بلا كهرباء، نصحو مع الفجر وننام مع المغيب؛ لا فنادق ولا راحة، فقط الحياة اليومية كما هي. وكل 8 أيام نعود إلى المدينة لشحن البطاريات وإحضار حاجات العائلة، ثم نعود من جديد. كان الوجود الدائم ضرورياً، لأن أقرب مدينة تبعد أربعين دقيقة بالسيارة، ولأن الحياة في القرية تبدأ وتنتهي مبكراً».

المخرج حاول تسليط الضوء على هوية العائلة في فيلمه (الشركة المنتجة)

اختار المخرج ألّا يُظهر باتيه، رغم امتلاكه صوراً عدّة له سواء من العائلة أو من الإنترنت، لكنه لم يرغب في استخدامها، وهو ما يفسّره قائلاً: «أردتُ أن يراه الجمهور من خلال غيابه، كما تعيشه عائلته. أردتُه غائباً، حاضراً بالصوت وبالأثر. فالصوَر قد تعيد تجسيده، لكنها قد تُسطّح ما تعرّض له، بينما الصوت، صوت العائلة وذاكرتها، يعيد إنسانيته كاملة».

وعن كيفية حماية العائلة في هذا النوع من الأفلام الحسّاسة، يقول رافانيان إن ما فعله يشبه عمل الصحافة أكثر منه عملاً سينمائياً؛ فالعائلة لم تكن تعرف تفاصيل ما حدث في القناة، ولم يرغب في أن يضع الفيديو أمامهم أو أن يعرّضهم لصدمة جديدة. وحين سألته الأم عمّا وقع لابنها، قال لها الحقيقة بالكلمات. ويضيف: «لم تشأ أن ترى الفيديو، واكتفت بأن تعرف. كان هناك أيضاً تقريرٌ من 200 صفحة صادر عن السلطات الإيطالية، لم يكن من حقّهم الحصول عليه، فساعدناهم على الوصول إليه. كان الفيلم أيضاً وسيلة لكشف الحقيقة لهم، ولإنصافهم أسرياً».

لم يُنكر المخرج البلجيكي وجود صعوبات عدّة أثناء التصوير في غامبيا، من الإجراءات الأمنية والبيروقراطية المعقّدة، إلى عدم اعتياد السكان على الكاميرا، فضلاً عن عزلة القرية نفسها وافتقارها إلى الكهرباء والمياه العامة، واعتماد حياتها اليومية على الزراعة وتربية النحل. لكنه، رغم ذلك، لا يُخفي سعادته بهذه التجربة التي وثّقت اسم «باتيه سابالي».


رابح صقر وناصر نايف يفتتحان «صدى الوادي» بليلة طربية في وادي صفار

وادي صفار معروف بمكانته التاريخية وموقعه الحيوي (موسم الدرعية)
وادي صفار معروف بمكانته التاريخية وموقعه الحيوي (موسم الدرعية)
TT

رابح صقر وناصر نايف يفتتحان «صدى الوادي» بليلة طربية في وادي صفار

وادي صفار معروف بمكانته التاريخية وموقعه الحيوي (موسم الدرعية)
وادي صفار معروف بمكانته التاريخية وموقعه الحيوي (موسم الدرعية)

ساعات من الطرب والحماسة شهدتها أولى حفلات برنامج «صدى الوادي» في وادي صفار، مع صقر الأغنية الخليجية رابح صقر، والفنان ناصر نايف، ضمن فعاليات موسم الدرعية.

وانطلقت، الخميس، أولى حفلات برنامج «صدى الوادي»، في مشهد جمع بين القيمة التاريخية للمكان والإيقاع الفنّي الذي يُقدّمه موسم الدرعية 25-26، ضمن برامجه التي تمزج بين التاريخ والتراث والسياحة والترفيه.

وبدأت الأمسية على المسرح المفتوح بتصميمه الذي ينسجم مع الطبيعة الآسرة لوادي صفار شمال غربي مدينة الرياض، مع الفنان السعودي الشاب ناصر نايف الذي تفاعل معه الجمهور وهو يؤدّي أغنياته المُحبَّبة.

وتصاعدت حماسة الحضور مع ظهور صقر الأغنية الخليجية رابح صقر الذي لفت الأنظار بأدائه في عدد من أغنياته، أبرزها: «يوم ما أنا ضحّيت ما أقصد جحود»، و«حبيبي اللي همّه رضاي»، إلى جانب أداء ناصر الاستثنائي في «نسايم نجد»، و«خلي الليالي سعادة»، ومجموعة أخرى من الأغنيات التي أشعلت شتاء وادي صفار في أولى حفلات موسم الدرعية هذا العام.

الفنان ناصر نايف خلال الحفل (موسم الدرعية)

الفنان رابح صقر خلال الحفل (موسم الدرعية)

ويأتي اختيار وادي صفار لتنظيم الأمسية لما يمثّله من قيمة تاريخية وموقع حيوي كان على مدى العصور مَعْبراً للمسافرين وقوافل التجارة، وملتقى اجتماعياً لأهالي الدرعية، قبل أن يتحوَّل اليوم إلى مسرح مفتوح يحتضن فعاليات ثقافية وفنية تعكس حضور الموسم وتنوّع عروضه. ويندرج هذا الحفل ضمن برنامج موسيقي واسع يشارك فيه فنانون من أبرز الأسماء العربية؛ من بينهم: فنان العرب محمد عبده، وقيثارة العرب نوال، وراشد الفارس، وأميمة طالب، وفنانو حفل اليوم، الجمعة، عايض يوسف، وزينة عماد، بالإضافة إلى مجموعة من المواهب السعودية الممّيزة.

أجواء تراثية وطربية في ليالي «صدى الوادي» (موسم الدرعية)

ويُقدّم برنامج «صدى الوادي» سلسلة من الحفلات التي تستضيف أبرز الفنانين في العالم العربي، عبر إثراء التجربة الفنية لزوار موسم الدرعية من خلال عروض موسيقية متنوّعة تشمل السامري وفنون الأداء الجماعي، وتُبرز جماليات المكان بتكوينه الطبيعي وشواهده التاريخية.

وتشمل تفاصيل «صدى الوادي» تجربة متكاملة تبدأ باستقبال الزوار بطابع الضيافة السعودية، مروراً بعروض شعرية وغنائية، وصولاً إلى مرافق فنّية ومعارض تفاعلية، من بينها معرض السامري الذي يُقدّم سرداً بصرياً وثقافياً لتراث فنون الأداء النجدية عبر تقنيات رقمية وآلات موسيقية معروضة، بما يعزّز دور البرنامج في الحفاظ على الفنون التقليدية وإبرازها بأسلوب معاصر.