محمد البريكي: الحداثة تولد من رحم التراث... والحلم يجعلني أحلِّق كالطير

رئيس «بيت الشعر» في الشارقة قال إن الشعراء يصعب إرضاؤهم لكنه يجيد التعامل معهم

الشاعر محمد البريكي
الشاعر محمد البريكي
TT

محمد البريكي: الحداثة تولد من رحم التراث... والحلم يجعلني أحلِّق كالطير

الشاعر محمد البريكي
الشاعر محمد البريكي

بين المنصب الإداري والعمل الإعلامي والشعر تتوزع تجربة الشاعر محمد البريكي، فهو رئيس «بيت الشعر» بالشارقة، وانتقل من العمل الصحافي المكتوب إلى تقديم برنامج تلفزيوني باسم «ديوان العرب» على قناة الشارقة الفضائية، بينما تتوالى قصائده وأعماله الشعرية، ومنها «مدن في مرايا الغمام» و«بدأت مع البحر» و«بيت آيل للسقوط». وفي النقد الأدبي صدر له «على الطاولة - قراءة في الساحة الشعبية الشعرية» و«بيوت الشعر - شهادات وإضاءات» و«تراسل الشعر العربي مع الفنون».
هنا حوار معه حول تجربته ورؤيته للدور الذي يقوم به «بيت الشعر» بالشارقة ونظرائه بعدد من البلدان العربية.

> بداية حدثنا عن المنابع الأولى، كيف أثّرت في شعرك البيئة القروية التي نشأت في أحضانها؟
- عندما كنت أستند برأسي إلى حائط وأنظر إلى البيوت المتراصة، أرى العجب في شوارعها الممتدة، وفي صباحاتها ولياليها المقمرة وطيبة أهلها، وهو ما لون حياتي بالخيال، وجعلني أرقب الشجر والعشب، وأبحث دائماً عن الربيع، وأصبحت حياتي كلها مبنية على الحلم، وأضحت فصول السنة كلها مواعيد أنتظرها لأقتبس منها الجمال، ما بسط روح الشعر في قلبي، وجعلني أكثر ارتباطاً بحياة القرى، وما تنطوي عليه من أشياء يستحيل أن تراها في أي مكان سواها، فالقرى صديقة الشعراء وأنفاسهم في كل صباح وليل، وكل مغامرة غير مألوفة، إنها الحرية التي يطلبها الشعراء في أي زمان، فنيران الشعر لا تخمد أبداً بين طيات القرى، فالشاعر بوسعه أن ينهل منها كل ما يعمق الجمال في روحه.

> ما العوامل الأخرى التي وجّهت بوصلتك روحياً وإبداعياً نحو الشعر؟
- لم أدرِ حين اكتشفت الشاعر في روحي أنني سأظل أعيش على حافة الدهشة والفضول والتفاؤل ولذة الاكتشاف، وربما أكثر الأشياء التي تستثير قلبي وتدفعني للكتابة البحر والأماكن الخضراء، كالذي يعيش على السراب، لا تعييه المسافات ولا يفكر في الوصول أبداً، فرأسي به ملايين الأفكار، وكلما ظننت أنني قادر على الإمساك بفكرة أجدني قادراً على التحليق مثل أي طير. وتقريباً كل عناصر الطبيعة هي مرشدتي إلى الشعر، ومن ثم التعكز على الريح، وكل ما أبصره في الكون ويستريح له بصري ويرهف له سمعي أرنو إليه وأنتظره لكي أصنع منه خبز الشعر وخبز المحبين لدفقات الكلام، إنني أصير إنساناً آخر حين أرى مشاغبات الشعر تشتبك بالخيال وتعطره لتخرج القصيدة وهي راسخة في الوجدان.
> على ذكر التعكز على الريح، من يتأمل عناوين دواوينك كما في «عكاز الريح» و«سكون العاصفة» و«ساحة رقص» يلمس دوماً هذا الإيحاء القوي بالحركة والأصوات واستلهام مفردات الطبيعة... ما الذي يحدد خيارات عناوينك؟
- أرى أحلامي دائماً مشروعة تقود للفرح أو للحزن، لذلك أسافر مع الأحلام الجامحة حتى لا أنفصل عن الوحدة الموضوعية لنصوصي، ومن المفيد حقاً أن أنتصر للشاعر في روحي، أصغي لحركة الأمواج في وجداني، وألتصق أكثر بعناصر الطبيعة، لأنني أجد في مفرداتها كل الرغبات التي تبحث عنها القصيدة. لقد حملت في ذاتي العالم ومضيت نحو قمم مجهولة، وأسرجت التناقض في نفسي، فما خسرت شيئاً وإنما ربحت في النهاية شعري، واستطعت بمفردات صادقة أن أشكل عناوين دواويني وأسبح ضد تيار الرتابة والاصطناع والزيف، فالقصيدة تحب هذا الالتحام التلقائي بالصخب، وتحمل خصوصيتها من حركيتها المنبعثة من حركة الحياة، فالمنابع كلها واحدة.
> يرى كثير من النقاد أن ما يميز تجربتك الشعرية هو المزج الدائم بين الأصالة والحداثة، إلى أي حد تتفق مع هذا الرأي؟
- الأصالة روح كل شاعر، فلن تتشكل التجارب دون ثقافة واطلاع ومعرفة السابق والمؤسس، فالموروث والغوص في تفاصيله هو الفطرة الشعرية، أما التجديد فهو أفق لا يغيب عن الشاعر الذي يتعامل مع قضاياه بديمقراطية وأناة؛ ولم تزل الفكرة تراوده وهو يفكر كيف يروضها وفق مقتضيات العصر حتى تنغمس في أفق غير محدود. هكذا تولد الحداثة من رحم التراث، وتتشكل المعاني والأفكار وفق رؤية الشاعر في البحث عن احتمالات بكر لبناء نص ممتزج بالألفة والمحبة والجنوح للإنسانية، وبرأيي هذا المزج من صميم شعري لأنني مؤمن بهذه الفلسفة في الألفة والإيلاف حيث المزج بين الحاضر والماضي هو ما يجعلني أرى القصيدة من أبعاد أخرى.
> تكتب أيضاً الشعر الشعبي «النبطي» إلى جوار شعر الفصحى. كيف ترى ثنائية «الفصحى والشعبي» في تجربتك الإبداعية؟
- الشاعر كالطفل لديه ولع بتجريب كل شيء، وأنا ابن منطقة جُبلت على كتابة الشعر النبطي وأبدعت فيه، كونه تأريخاً لحياة شعوب أهل الخليج يرصد بعفوية نظرتهم للجمال ويقتبس مفرداته من هالات مضيئة، لذا فمن الطبيعي أن تجد أغلب شعراء الفصيح يكتبون الشعر النبطي بجدارة، والطيران بهذين الجناحين هو دليل استمتاع بمقدرات البيئة الإبداعية التي ينتمي إليها الشاعر، ومحاولة صادقة لاحتضان الشمس والقمر في وقت واحد.
لقد كتبت قصائد كثيرة من وحي بيئتي ومن وحي مفرداتها التي يتغنى بها الناس في كل مكان. وفي الوقت نفسه اندمجت مع القصيدة الفصيحة، وعشت معها تجربة أعتز بها وهو ما جعلني أعيش برؤية متسعة تتوافق مع نشأتي وبيئتي وانتمائي للجذور.
> «الشارقة - غواية الحب الأبدي» عنوان لافت لأحد مؤلفاتك المهمة... ما الذي يميز تلك المدينة برأيك؟
- الشارقة فضاؤها أخضر، تمهد كل الدروب للشعر، تمنحنا أملاً جديداً في أن يكون الشعر شامخاً وعزيزاً. هذه المدينة ذات الظلال والتاريخ المشرف في عالم الشعراء هي ركن أصيل في الإضاءة على التجارب الشعرية الجامحة، وهي من وجهة نظري مدينة المدن المتفوقة في كل شيء، فلا تشبهها مدن ولا يتقارب معها شيء لأنها متفردة وعظيمة. وعندما وضعت مؤلفي هذا عنها عبرت عن مواجيدي تجاه ألقها الذي لا يحد، وصباحاتها الشعرية الآسرة وأماسيها المسكونة أيضاً بالشعر.
> لك تجربة واسعة في العمل محرراً بالصحافة المكتوبة... هل أثرت تلك التجربة سلباً أم إيجاباً على خصوصية اللغة الشعرية لديك؟
- لا شك أن كتابة أي نوع من الأدب أو اقتصاص مفردات الشاعر في مقالات يأخذ كثيراً من وقت الشعر، وقد حدث مع كثير من الشعراء أنهم انخرطوا في العمل الإعلامي ونسوا الشعر، فالشعر لا يحب شريكاً آخر وهذه حقيقة مسلم بها، لكن مهما بعدت المسافات فأنا لا أنسى شعري تحت وطأة ضغوطات العمل، وأرى أنه من حسن حظي أني أعمل في ميدان قريب من الشعر ويساعد على الإبداع، فكلما اقترب الشاعر من العوامل التي تساعده على التواصل الجمالي مع الشعر يستطيع أن يعيد ترتيب حياته، ومن ثم البحث عن حديقة يلمس في محيطها الخيال المثير، كما أنني أستعيد ثقافتي بالقرب من «بيت الشعر» وأواصل مسيرتي مع القصيدة بحب ودهشة.
> قمت بإعداد وتقديم عدد من البرامج التلفزيونية... ألا يحتاج الشعر إلى لحظات من الخلوة والهدوء، ألا يمكن أن تكون مساحة أضواء العمل الإعلامي مضرة بالشاعر؟
- قدمت برنامجاً شعرياً بامتياز هو «ديوان العرب» عبر قناة الشارقة الفضائية، فكنت أحاور الشعراء كما لو كنت أشارك في ندوة شعرية، أناقش في أدق التفاصيل الخاصة بالضيف، طوال الوقت نتحدث عن الشعر، وهكذا كنت أعيش مع الشعر والجمال وكل ما تحبه نفسي، ولا أعتقد أن هذا النوع من العمل الإعلامي يمكن أن يضر أبداً بالشاعر، لأنه يجعله ينزلق إلى مساحات الإبداع ويحركه إلى الإمام فلا يلتفت لشيء سوى الشعر.
> تعمل مديراً لـ«بيت الشعر» بالشارقة... ما الذي يميزه عن غيره من بيوت الشعر ببلدان العربية؟ وكيف من موقعك ترى عالم الشعراء؟
- إرضاء الشاعر أمر صعب، وتحقيق طموحاته وأحلامه صعب أيضاً، ومحاولة ترويض جموحه مسألة فيها نظر، لكن لكوني شاعراً أزعم أنني لا أجد تلك المشقة في التواصل مع الشعراء، ومن ثم محاولة تذليل الصعوبات. وبكل صدق اسم «بيت الشعر» هو الذي يمنح الألق ويجعل الشعراء في حالة محبة، فهذا البيت التابع لدائرة الثقافة في الشارقة هو بيت الشعراء الذي وجّه به الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة ورعاه رعاية كريمة حتى وصل إلى هذا المستوى المبهر. وبالمناسبة، أؤكد أن «بيت الشعر» بالشارقة لا ينفصل عن هموم نظرائه في بلدان عربية، فنحن نسعى إلى التواصل معهم، ونطمح إلى عمل مشترك لخدمة الشعر والثقافة، ولعل ما يميز «بيت الشعر» بالشارقة هو وجوده في فضاء عام محب للثقافة والفن والإبداع.
> ماذا عن جائزة «الأمير عبد الله الفيصل» التي حازها «بيت الشعر» عن «أفضل مشروع لخدمة الشعر»؟
- ننعم بحرية العمل تحت ظلال الشعر، واتسعت رقعة الجمال بداخلنا، لذلك سعدنا بهذه الجائزة التي هي نتاج طبيعي لكل عمل خلاق في ظل هذه الظروف المتوائمة والمناخ الشعري الثقافي الصحي الجميل.
> أخيراً، كيف تنظر إلى حصولك على الدكتوراه الفخرية في مجال الإدارة والعلاقات العامة من إحدى الجامعات الأميركية؟
- كانت مفاجأة سارة أن تمنحني جامعة «الشمال الأميركي للدراسات العليا» هذه الثقة، غمرتني بفرحة ووضعتني أمام مسؤولية ضخمة تجاه ذاتي، فقد مدت شراعاً لكي أواصل عبوري إلى الجهة الأخرى من التعب المفيد لعملي وطموحاتي وطبيعتي المحبة لكل جد ومثابرة.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«ميدان الثقافة» بوابة تربط بين الماضي والحاضر في جدة التاريخية

يأتي المشروع في إطار جهود تعزيز الفنون والثقافة من خلال مراكز متخصصة في مختلف المجالات (واس)
يأتي المشروع في إطار جهود تعزيز الفنون والثقافة من خلال مراكز متخصصة في مختلف المجالات (واس)
TT

«ميدان الثقافة» بوابة تربط بين الماضي والحاضر في جدة التاريخية

يأتي المشروع في إطار جهود تعزيز الفنون والثقافة من خلال مراكز متخصصة في مختلف المجالات (واس)
يأتي المشروع في إطار جهود تعزيز الفنون والثقافة من خلال مراكز متخصصة في مختلف المجالات (واس)

يشكل «ميدان الثقافة» الذي أطلقه «برنامج جدة التاريخية»، التابع لوزارة الثقافة السعودية، بوابةً تربط بين الماضي والحاضر من خلال موقعه المميز الذي عكس تصميمه ووظائفه هذه الثنائية الزمنية ليمثل معلماً حضارياً كبيراً كإحدى الوجهات الثقافية المهمة بالمدينة الساحلية جدة (غرب السعودية).

ويأتي المشروع في إطار جهود إعادة إحياء المنطقة التاريخية، وتعزيز الفنون والثقافة من خلال مراكز متخصصة في مختلف المجالات الفنية والثقافية، وبما يوفر تجارب ثقافية وفنية ثرية متنوعة، تعزز من تجربة الزوار، وتسهم في جعل المنطقة وجهةً سياحيةً عالميةً، وذلك تماشياً مع «رؤية المملكة 2030».

يعد متحف «تيم لاب» الأول من نوعه ويقام وبشكل دائم في منطقة الشرق الأوسط (واس)

ويقع «ميدان الثقافة» الذي يضم مركز الفنون المسرحية (مسرح وسينما)، ومتحف الفنون الرقمية «تيم لاب بلا حدود» (حاصل على جائزة مكة للتميز في فرع التميز الثقافي)، على ضفاف بحيرة الأربعين، ويطل على منطقة جدة التاريخية.

ويقدم مركز الفنون المسرحية فعاليات ثقافية متنوعة تشمل عروضاً مسرحيةً، ومهرجانات عالمية، ودور سينما، وجلسات تجسد أجواء «المركاز»، إلى جانب مطاعم ومقاهٍ تمثل نقاط تجمع وحوار، أما متحف «تيم لاب بلا حدود» فيُبرز الطابع الحديث للثقافة، الذي يجمع بين الفن والعلم والتكنولوجيا. وفي قلب هذا المشهد الثقافي، يبرز «بيت أمير البحر» التاريخي متوسطاً مركز الفنون المسرحية ومتحف «تيم لاب بلا حدود»، ومطلاً على «شارع حمزة شحاتة» (الشاعر السعودي الراحل)، ليعكس الثراء الثقافي المتأصل في الموقع. وقد قام البرنامج وفي إطار جهوده للحفاظ على تراث المنطقة المعماري والثقافي بترميم «البيت» وإعادة تأهيله. ويتميز «بيت أمير البحر» بتصميمه المعماري الفريد، إذ يأتي على شكل هندسي ثماني، ويتكون من دور واحد، وهو محاط بنوافذ كبيرة على شكل أقواس، وقد استُخدم في الماضي مناراً لإرشاد السفن.

مشروع «إعادة إحياء جدة التاريخية» جعل المنطقة مقصداً للزوار من مختلف أنحاء العالم (واس)

ويجسد مشروع «ميدان الثقافة» الهندسة المعمارية التي تعكس القيم الجوهرية لجدة التاريخية، مع رؤية تجديدية دمجت بين الماضي والمستقبل في تناغم فريد، إذ مزج التصميم بين التراث المعماري الغني والنسيج الحضري المترابط، في استمرارية لهوية المنطقة وثقافتها. وفي الوقت ذاته تماشى التصميم مع فلسفة متحف «تيم لاب» التي تقوم على الانسجام بين الزائر والأعمال الفنية، وهو ما يظهر بوضوح في سطح المبنى المائل نحو المسطحات المحيطة، مما يعزز من فكرة الاندماج والانسجام.

ويشتمل «ميدان الثقافة» على مبنيين رئيسيين، بإجمالي مساحة بناء تبلغ حوالي 26 ألف متر مربع ويمتد مركز الفنون المسرحية والسينما على مساحة 16 ألف متر مربع، ويضم مقر مهرجان البحر الأحمر السينمائي، ويتكون من مدخل رئيسي (الردهة)، وقاعة مسرح رئيسية بسعة 868 مقعداً، بالإضافة إلى خمس قاعات سينما بسعة 564 مقعداً، وردهة داخلية (غرفة متعددة الأغراض)، وتسع قاعات للجلسات الحوارية، و«سينماتيك»، ومطعم وثلاثة مقاهٍ.

الممثل ويل سميث يوثق زيارته للمنطقة التي تشهد إقبالاً من الزوار على مدار العام (جدة التاريخية)

فيما تبلغ مساحة متحف «تيم لاب بلا حدود» 10 آلاف متر مربع، ويضم قرابة 80 عملاً مستقلاً ومترابطاً، تُجسِد عالماً واحداً بلا حدود. ويجمع المتحف بين الفنون والتكنولوجيا والطبيعة في مساحة إبداعية مبتكرة، ويُشكل إضافة نوعية للمشهد الثقافي في المملكة.

وكان الحفاظ على الصحة العامة وتعزيز الاستدامة البيئية من الأهداف المهمة التي سعى إليها برنامج جدة التاريخية في تصميم وتنفيذ مشروع «ميدان الثقافة»، إذ تم استخدام وحدات تكييف عالية الجودة، مُجهزة بتقنية تُنقي الهواء بنسبة 100 في المائة، بالإضافة إلى تركيب مصاعد تعمل بدون لمس، وسلالم كهربائية مُزودة بتقنية تعقيم بالأشعة فوق البنفسجية، وذلك للحد من انتقال الفيروسات والجراثيم المسببة للأمراض.

ديفيد فيا نجم الكرة الإسباني خلال زيارة سابقة للمنطقة (برنامج جدة التاريخية)

كما اهتم البرنامج بالحفاظ على الموارد المائية من خلال استخدام نظام يعيد تدوير مياه التكثيف الناتجة عن وحدات التبريد لتلبية احتياجات الري، وهو ما يعزز من كفاءة استهلاك الموارد ويساهم في الحفاظ على البيئة.

وجاء مشروع «ميدان الثقافة» ضمن جهود برنامج جدة التاريخية في إعادة إحياء المنطقة، والحفاظ على تراثها المادي وغير المادي، وإثراء تجربة الزوار، ويعد الميدان معلماً حضارياً وبصرياً متميزاً في جدة، بتصميمه الذي راعى الحفاظ على النسيج الحضري في المنطقة، وجمع بين استخدام الهندسة المعمارية المعاصرة في بنائه، والحفاظ على الطابع المعماري التراثي الذي يستلهم من المباني التاريخية في المنطقة، ويأتي ضمن استثمار تاريخ المنطقة وعناصرها الثقافية المميزة وتحويلها إلى روافد اقتصادية، وجعل المنطقة وجهة مميزة على خريطة السياحة العالمية.