اللغة بالنسبة للجيل الجديد أصبحت سلعة

اللغة بالنسبة للجيل الجديد أصبحت سلعة
TT

اللغة بالنسبة للجيل الجديد أصبحت سلعة

اللغة بالنسبة للجيل الجديد أصبحت سلعة

اللغة ليست هدفاً بحد ذاتها، هي أداة تواصل للأمة، للمجتمع... للحضارة التي تنطق بها، وحين تكون الأمة في حال تردٍ أو تراجع أو تقهقر، فمن طبيعة الأمور أن تتقهقر اللغة الناطقة بها. عبر التاريخ نلحظ أن اللغة ترتفع بارتفاع المنسوب الحضاري للأمة؛ عبر منتجاتها وعطائها وفكرها، وقياداتها الحكيمة، وتتقهقر مع تراجع هذه العوامل. اللغة عنصر أساسي من عناصر الهوية، وبالتالي حين يحدث الشرخ بالهوية، يصيب اللغة. ما أريد قوله إن المشكلة لا تكمن في الأستاذ أو في الطالب، أو في الدروس المعطاة. قديماً كان الطالب يقرأ في القرآن الكريم، ويصبح مفكراً، أو عالم لغة، أو أديباً، أو عالم اجتماع. لم تكن وسائل الإيضاح موجودة، ولا التطور التقني، ومع ذلك كان ثمة مستوى راقٍ من العطاء الفكري، والاهتمام باللغة وسلامتها. وبالتالي الكلام الكثير عن تطوير المناهج أمر جيد بحد ذاته، لكن المناهج ليست هي العقدة، وإنما المشكلة في مكان آخر. حين تتطور الأمة وتعود إلى المشهد الحضاري عبر الإنتاج الفكري والصناعي والزراعي... وغيره؛ ترجع اللغة لتأخذ مسارها الطبيعي وتتقدم. نحن لا نتحدث لغة امرئ القيس أو المتنبي، اللغة تتغير وتجدد نفسها بنفسها.
المشكلة في إنسان هذه اللغة وحضارتها، بدليل أنه منذ انتشار العصر الرقمي، استطاعت العربية أن تثبت وجودها في هذا العالم، وفرضت نفسها. نلحظ ذلك من خلال الشركات الرقمية الكبرى، بحيث إنها تهتم بالعربية، وعملت على برمجة الكتيبات التي تنتجها باللغة العربية، وهذا ما ساهم في تعزيز العربية، وأصبحت موجودة بالعالم الرقمي.
المشكلة في الجوهر وأن اللغة بالنسبة للجيل الجديد لم تعد من عناصر الهوية، هي بالنسبة إليهم سلعة، بدليل الكتابة بـ«العربيزي»؛ أي بالحروف اللاتينية. هذا الجيل فقد إيمانه بأن الإنسان العربي قادر على العودة إلى المشهد الحضاري. لذلك يجب أن نعيد الثقة لهذا الجيل، وهذه مسؤولية القيادات، حتى المجامع اللغوية لا تستطيع أن تفعل شيئاً؛ لأنها جزء من المؤسسات الرسمية المتهرئة، لم تعد تقدم رؤىً وحلولاً، لم تعد تقدم خططاً للمستقبل.
من المحيط إلى الخليج؛ نحن شعوب مستهلكة ولا تنتج بشكل فاعل. مظاهر الحضارة ليست تلك التي نعيشها. الحضارة تتجلى في كيفية معالجة المشكلات، وفي الوقت نفسه تقديم رؤى للمستقبل ومواجهة التحديات. تدبّر كيفية تقديم العيش الكريم للشعب، لا أن تقع الدول في ديون مرهقة لشعوبها. الدخول في موضوع اللغة يدفعنا للخوض في مختلف العناصر الحضارية الأخرى. هي جزء من هذا المشهد العربي المليء بالثقوب. وبالتالي حين يكون المشهد العام مشوشاً بالضبابية؛ فمن الطبيعي أن تعكس اللغة هذا المشهد.
* شاعر وناقد وأكاديمي لبناني


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

احتفالية استثنائية بعودة كاتدرائية «نوتردام» في باريس

ضيوف الاحتفالية يتجمعون داخل الكاتدرائية أمس (إ.ب.أ)
ضيوف الاحتفالية يتجمعون داخل الكاتدرائية أمس (إ.ب.أ)
TT

احتفالية استثنائية بعودة كاتدرائية «نوتردام» في باريس

ضيوف الاحتفالية يتجمعون داخل الكاتدرائية أمس (إ.ب.أ)
ضيوف الاحتفالية يتجمعون داخل الكاتدرائية أمس (إ.ب.أ)

في احتفالية استثنائية تليق بمكانة كاتدرائية نوتردام، عادت «السيدة العجوز» إلى العالم مرة أخرى بعد 5 أعوام من حريق مدمر.

وتحولت باريس خلال اليومين الماضيين إلى «عاصمة العالم»، ليس فقط لأن قصر الإليزيه وجّه دعوات لعشرات من الملوك ورؤساء الدول والحكومات الذين حضر منهم نحو خمسين، ولكن أيضاً لأن الاحتفالية حظيت بنقل مباشر إلى مئات الملايين عبر العالم. وقادة الدول الذين قدموا إلى «عاصمة النور» جاؤوا إليها من القارات الخمس.

وبسبب هذا الجمع الدولي، فإن شرطة العاصمة ووزارة الداخلية عمدتا إلى تشكيل طوق أمني محكم لتجنب أي إخلال بالأمن، خصوصاً أن سلطاتها دأبت على التحذير من أعمال قد تكون ذات طابع إرهابي.