انحسار مياه المتوسط... لماذا أثارت الظاهرة المعتادة قلقاً؟

رصد التراجع في مصر ولبنان... ومتابعون ربطوها بافتراضات عن «تسونامي»

البحر في مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء بمصر (فيسبوك)
البحر في مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء بمصر (فيسبوك)
TT

انحسار مياه المتوسط... لماذا أثارت الظاهرة المعتادة قلقاً؟

البحر في مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء بمصر (فيسبوك)
البحر في مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء بمصر (فيسبوك)

يكون انحسار المياه بشواطئ البحار بعد حدوث الزلازل، مقدمة لكارثة «تسونامي»، إذا توافرت شروط معينة. وعلى الرغم من مرور أكثر من أسبوعين على وقوع زلزال سوريا وتركيا، وعدم توافر هذه الشروط، فإن مشهد المياه المنحسرة في بعض شواطئ البحر الأبيض المتوسط في مصر ولبنان، أثار مخاوف ليس لها أساس علمي من احتمال وقوع هذه الكارثة.
وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد تراجع مياه البحر وانخفاض مستواه، بمحاذاة الخط الساحلي اللبناني، وفي شواطئ مدينة العريش بمحافظة شمال سيناء، وهو ما أعاد إنتاج تلك المخاوف التي غذتها تصريحات تركية متسرعة بعد وقوع الزلزال، تم التراجع عنها سريعاً.
و«التسونامي» مجموعة من الأمواج العاتية تنشأ من تحرك مساحة كبيرة من المياه، وأحد أسبابه الزلازل، ولكن بشرط أن يكون مركز الزلزال قاع البحر، وأن تكون حركة القشرة الأرضية أثناء الزلزال عمودية وليست أفقية، وهو ما لم يتحقق في الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في 6 فبراير (شباط) الجاري، كما تقول إلهام محمود، خبيرة البيئة وعلوم البحار في الأمم المتحدة، والأستاذة بـ«الهيئة القومية للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء» بمصر.

وتضيف محمود في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «عملت لسنوات طويلة في جامعة العريش، ومشهد انحسار المياه نتيجة عوامل مثل المد والجزر، كان من المشاهد المعتادة، لكن يبدو أن الخوف من تبعات زلزال تركيا جعل الناس يركزون مع أشياء لم تكن في السابق تلفت انتباههم».
وتؤكد خبيرة علوم البحار أن 85 في المائة من حركة القشرة الأرضية خلال زلزال سوريا وتركيا، كانت حركة أفقية، والبقية كانت حركة عمودية، و«التسونامي» ينشأ عندما تكون الحركة عمودية بنسبة أكبر، وهو ما دفع تركيا إلى التراجع السريع عن التصريحات المتخوفة من حدوث «تسونامي».
وأطلق تلك التصريحات مدير مرصد ومعهد «كانديلي لأبحاث الزلازل» هالوك أوزن، بعد الزلزال، وقال إن هناك «تسونامي» يهدد دول البحر الأبيض المتوسط مثل مصر ولبنان. وعلى الرغم من تراجع تركيا عن تلك التصريحات بعد تكشُّف مزيد من البيانات عن الزلزال، فإنها لا تزال تجد صدى، ويتم استدعاؤها لتفسير مشاهد كانت تمر على أعيننا دون أن نركز معها، مثل مشهد تغير لون البحر في محافظة الإسكندرية (شمال القاهرة) الذي تم ربطه هو أيضاً بحدوث الزلزال، كما توضح خبيرة علوم البحار.
وتقول إنه «عندما تتوفر الظروف المناسبة لحدوث (تسونامي) عقب وقوع الزلزال، يكون ذلك خلال يوم على الأكثر من وقوع الزلزال، بينما مر حتى الآن أكثر من أسبوعين، لذلك لا توجد أي مخاوف على الإطلاق».
وتابعت: «أطمئن سكان المتوسط بأن نوع الإزاحة المعروف في المنطقة هو النوع الأفقي وليس العمودي، وبالتالي لن يحدث (تسونامي) مستقبلاً في المنطقة».
وبالإضافة لهذه الأسباب التي ذكرتها خبيرة علوم البحار، إلهام محمود، فإن هناك سبباً آخر، يشير إليه شريف الهادي، رئيس قسم الزلازل بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، وهو مصدر الزلزال.
ويقول الهادي لـ«الشرق الأوسط»: «مصدر الزلزال كان سببه أحد الفوالق البعيدة عن البحر، ولكن لأن هذا الفالق يتقاطع مع آخر يمر عبر البحر، ظن المسؤولون الأتراك أنه يمكن أن يكون له تأثير في حدوث هزات ارتدادية مصدرها البحر، ولكن هذا لم يحدث».
من جانبه، يقول عمرو زكريا، رئيس معهد علوم البحار المصري، إن الانحسار في المياه، حدث بشكل تدريجي، حتى قبل الزلزال، وليس فجائياً؛ لكن التصريحات التي خرجت بعد الزلزال عن احتمال حدوث «تسونامي»، أوجدت ربطاً بين مشهد انحسار المياه والزلزال.
وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا المشهد متكرر؛ ليس في مصر ولبنان فقط، بل في كل دول البحر المتوسط، ولكن بنسب مختلفة»، موضحاً أنه «مفيد للشواطئ المصرية». وأضاف: «هناك شكوى متكررة من تداعيات تغير المناخ، وتسببه في ارتفاع مستوى سطح البحر الذي يؤدي لتآكل الدلتا، ولكن ما يحدث الآن أن هناك انحساراً في مياه البحر».
ولا ينكر رئيس معهد علوم البحار أن الانحسار الواقع حالياً يفوق ما هو معتاد في السنوات السابقة، لذلك فهو يخضع حالياً لدراسة مستفيضة من جانب باحثي المعهد، وسيتم إعلان نتائجها فور الانتهاء منها.


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


مصر تعوّل على الدعم الأوروبي لتعويض تكلفة استضافة اللاجئين

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا في القاهرة (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا في القاهرة (الرئاسة المصرية)
TT

مصر تعوّل على الدعم الأوروبي لتعويض تكلفة استضافة اللاجئين

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا في القاهرة (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا في القاهرة (الرئاسة المصرية)

تعوّل الحكومة المصرية على تعزيز الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والاستثمارية، لتعويض فاتورة استضافة ملايين اللاجئين على أراضيها، إلى جانب تكلفة التوترات التي تشهدها المنطقة، خصوصاً التصعيد في البحر الأحمر، وتأثيره على تراجع إيرادات قناة السويس.

ووصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بلاده بـ«خط الدفاع الأول عن أوروبا، لمنع الهجرة غير الشرعية»، خلال استقباله، الخميس، في القاهرة، رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا، مؤكداً أهمية «مواصلة التعاون مع أوروبا في قضايا الهجرة ومكافحة الإرهاب»، حسب «الرئاسة المصرية».

الموقف ذاته أكده السيسي، أيضاً في اتصال هاتفي مع رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، الخميس، مشيراً إلى أن بلاده «تستضيف أكثر من 9 ملايين أجنبي، نتيجة الأزمات التي تشهدها المنطقة».

ويرى خبراء مصريون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أن «استضافة القاهرة ملايين اللاجئين وفَّرت حماية لأوروبا من الهجرة غير الشرعية، مما يستلزم ضرورة توفير دعم مناسب للحكومة المصرية، في ضوء الأعباء التي تمثلها استضافة أعداد كبيرة من المهاجرين، على الاقتصاد المصري».

وسبق أن قدّر رئيس الوزراء المصري تكلفة استضافة الأجانب في مصر، بنحو 10 مليارات دولار سنوياً.

ووفق بيان الرئاسة المصرية، فإن السيسي خلال لقائه ميتسولا، أكد «ضرورة دعم الجهود الحثيثة التي تبذلها بلاده لمنع الهجرة غير الشرعية».

كما أشار إلى آثار التوترات التي تشهدها المنطقة على الاقتصاد المصري، وقال إن «بلاده تكبَّدت خسارة، تُقدر بنحو 7 مليارات دولار، من إيرادات قناة السويس، في عام 2024، بسبب الهجمات التي قام بها الحوثيون على السفن التجارية، في باب المندب»، كما تناول «آليات تفعيل الشراكة الاستراتيجية والشاملة مع الاتحاد الأوروبي، في محاورها كافة».

وفي مارس (آذار) الماضي، توافقت مصر والاتحاد الأوروبي على ترفيع العلاقات إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية الشاملة»، ووقّع الجانبان في ختام قمة عُقدت بالقاهرة شارك فيها السيسي، ورئيسة المفوضية الأوروبية، ورؤساء دول وحكومات قبرص وإيطاليا والنمسا واليونان، «إعلاناً مشتركاً» بشأن شراكة استراتيجية شاملة.

وثمَّنت رئيسة البرلمان الأوروبي الدور المصري في حماية استقرار وأمن المنطقة وشعوبها، كما أكدت «حرص الاتحاد الأوروبي على تعزيز التنسيق المستمر مع مصر، في جميع القضايا»، وفق الرئاسة المصرية.

ويقدم الاتحاد الأوروبي حزمة تمويل لمصر، في صورة مساعدات مالية، وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، مطلع يناير (كانون الثاني) الحالي، إن بلاده «تلقَّت شريحة أولى قيمتها مليار يورو، من حزمة تمويل، من الاتحاد الأوروبي، حجمها 7.4 مليار يورو».

ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير جمال بيومي، أن «الجانب الأوروبي يقدم مساعدات للقاهرة في صورة منح وليست قروضاً، تقديراً للسياسة المصرية تجاه المهاجرين واللاجئين»، وقال إن «مصر تستضيف ملايين اللاجئين، ولم تكن معبراً لنقل المهاجرين إلى أوروبا، كما فعلت بعض الدول الإقليمية»، عاداً ذلك «محل تقدير أوروبي».

ووفق الحكومة المصرية فإنه «لم تبحر من مصر أي مراكب غير شرعية منذ عام 2016، بفضل إجراءات حاسمة، تقوم بها، لمواجهة الهجرة غير المشروعة».

وأشار بيومي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الاتحاد الأوروبي يقدم تسهيلات كثيرة للحكومة المصرية، غير المنح، من بينها سياسة مبادلة الديون باستثمارات مباشرة»، إلى جانب «تعزيز التبادل التجاري، والتوسع في استثمارات الطاقة والغاز»، وقال إن «مصر تستهدف أن تكون مصدراً أساسياً للطاقة في أوروبا».

ويرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، إكرام بدر الدين، أن «مصر تقوم بدور مزدوج في ملف المهاجرين واللاجئين»، وقال إن «استضافة القاهرة ملايين الفارين من الصراعات والنزاعات في المنطقة، يوفر ملاذاً آمناً لهم، ويوفر الحماية لأوروبا في الوقت نفسه، أمام أعداد كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين»، وإن «استمرار الدعم الأوروبي لمصر ضروري لتحقيق المصالح الأوروبية».

ويتوقف بدر الدين، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، مع التقارب السياسي بين مصر والاتحاد الأوروبي تجاه معظم التطورات الإقليمية، مشيراً إلى أن «هناك مصلحة مصرية وأوروبية مشتركة للتهدئة في البحر الأحمر، وتأمين حركة الملاحة».

وخلال لقائه رئيسة البرلمان الأوروبي، ناقش السيسي جهود وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وضرورة تطبيق «حل الدولتين»، بوصف ذلك خياراً وحيداً لتحقيق السلام المستدام في المنطقة، إلى جانب الأوضاع في ليبيا والسودان والصومال، وضرورة الحفاظ على وحدة تلك الدول وأمنها.