يُمثِّل الحفاظ على معدل إنتاج النفط مع خفض بصمته البيئية في الوقت ذاته تحدياً عالمياً، كما يُشكِّل أهمية كبيرة لدى المملكة العربية السعودية، حيث يساعد الجهد البحثي المشترك - الذي حدث بمحض الصدفة بين تخصصين علميين من المستبعد التقاؤهما - في التوصل إلى حلٍ لمشكلة استمرت لعقود في مجال الاستخراج المُحسَّن للنفط.
ووفق منصة «هارفارد بيزنس ريفيو» فإن مصطلح البصمة البيئية، الذي ابتكره باحثون من جامعة كولومبيا مع بداية تسعينات القرن الماضي، هو مؤشر لقياس مدى تأثير الأنشطة البشرية في البيئة. هذا المؤشر يقيس مقدار الموارد البيئية المطلوبة من أجل تأمين نمط حياة مناسب للبشرية.
في هذا السياق يحشد كلٌ من البروفسور حسين حُطيط، أستاذ موارد الطاقة وهندسة البترول، والبروفسور ساتوشي هابوتشي، أستاذ العلوم الحيوية، خبراتهما المتخصصة من أجل الاستعانة بالبوليمرات في تحسين استخراج المركبات الهيدروكربونية من مخزونها الكامن تحت سطح الأرض على أفضل نحوٍ ممكن.ويسعى حُطيط إلى تحسين عملية استخراج النفط عن طريق الاستعانة بحلولٍ قائمة على البوليمرات، التي هي عبارة عن مواد مصنوعة من سلاسل طويلة ومتكررة من الجزيئات، تكون لها خصائص فريدة من نوعها، اعتماداً على نوع وكيفية الترابط فيما بينها.
ويشرح فكرته قائلاً: «عند مزج البوليمرات بالماء، تُكوِّن سائلاً لزجاً يساعد على استخراج النفط على نحوٍ أكثر كفاءة».
هذه الطريقة التي أُطلق عليها «الغمر بالبوليمرات»، يمكن أن تحقق انخفاضاً في التكاليف التشغيلية وتَحِد من البصمة البيئية عن طريق التقليل من كمية المياه المستخدمة. لكن البوليمرات المستخدمة هي جزيئات كبيرة الحجم جداً، وقد تنجم عنها مشكلاتٌ تشغيلية ذات صلة بتفاعلها مع الصخور على مستوى المقاييس متناهية الصغر.
وهنا يأتي دور فريق العلوم الحيوية بقيادة هابوتشي، إذ يعملون على تطوير أدوات تصويرٍ جزيئي جديدة، بما يشمل التصوير أحادي الجزيء لجزيئات البوليمرات.
وكانت مجلة «اكتشافات كاوست» KAUST Discovery البحثية الصادرة عن جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) قد نشرت تحقيقاً إخبارياً في عام 2019 عن التصوير أحادي الجزيء للبوليمرات، الذي نفَّذه هابوتشي بمعاونة فريقه. وبينما كان حُطيط يطالع المجلة، وقعتْ عيناه على الخبر بمحض الصدفة، فتواصل مع هابوتشي ليطرح عليه فكرة التعاون فيما بينهما.
من جانبه، يقول هابوتشي: «لم تكن لدي أي معرفة مسبقة بمجال هندسة البترول، لكن عندما انتهى الاجتماع الأول بيننا، تجلتْ أمامي بوضوح فرصة سانحة للاستفادة من الأداة التي كنا قد طورناها».
ويستطرد شارحاً: «توفر طريقة التصوير، التي ابتكرناها أداة ممتازة من أجل توصيف تدفق البوليمرات في حيز مجهري على المستوى الجزيئي، ومن شأنها أن تقدم رؤى كاشفة بالغة القيمة في مجال الاستخراج المُحسَّن للنفط».
وحالياً، يستكشف الباحثان مجالات أخرى للتعاون فيما بينهما. يقول حُطيط: «عندما بدأنا هذا الجهد التعاوني، لم يكن لدينا أدنى فكرة عن النتائج التي سيفضي إليها. ولكن بفضل ما تحقق من نتائج فنية ناجحة، لا سيما تضافر الجهود بين فريقينا والاهتمام المتبادل بتشارك المعارف والخبرات الفنية، أبصرنا الفرص الممكنة للتعاون فيما بيننا من أجل إيجاد حلولٍ لمشكلاتٍ أخرى».
من المتوقع أن ينصبّ تركيز الفريقين على المسائل المتعلقة بالطاقة والبيئة، حيث تكون المشكلات على درجة كبيرة من التعقيد، ويتطلب الوصولُ إلى حلولٍ لها انتهاجَ سُبُلٍ غير تقليدية. ويتفق الفريقان على أن التسهيلات الاستثنائية والدعم منقطع النظير، اللذين توفرهما المختبرات المركزية في «كاوست»، يُعَدان من أبرز عوامل نجاح عملهما المشترك.
آليات لتحسين استخراج النفط وتقليل بصمته البيئية
باحثو «كاوست» يطورونها
الاثنين - 29 رجب 1444 هـ - 20 فبراير 2023 مـ رقم العدد [
16155]


جدة: «الشرق الأوسط»