كيف التقت موريسون والطحاوي عند التلال والقيعان والجدران العازلة؟

الأمكنة آيديولوجية محملة بمعانٍ ودلالات اجتماعية

كيف التقت موريسون والطحاوي عند التلال والقيعان والجدران العازلة؟
TT

كيف التقت موريسون والطحاوي عند التلال والقيعان والجدران العازلة؟

كيف التقت موريسون والطحاوي عند التلال والقيعان والجدران العازلة؟

لو أن قارئاً لرواية توني موريسون «سولا (1973)» نبض في داخله الفضول لمعرفة موقع مدينة «مِدَاليون» بولاية أوهايو الأميركية، حيث تقع أحداث الرواية، فإن كل السبل التي يسلكها ليهتدي إلى موقعها، ستفضي به إلى لا شيء؛ إلى «نهايات ميتة»؛ لأن «مِدَاليون» لا وجود لها إطلاقاً؛ لا في الواقع ولا في الذاكرة التاريخية ولا «الأسطورية» للولاية؛ لأنها مدينة «وهمية»، متخيلة انبثقت من خيال موريسون، وبالتالي لا طريق إليها إلا عبر الخطاب السردي في الرواية. فلا وجود لها خارجه مثل كل الشخصيات، والأشياء والموجودات، وكل ما يحدث في عالمها التخييلي، كما في أي رواية.
وينتهي قارئ رواية «أيام الشمس المشرقة (2022)» للروائية ميرال الطحاوي إلى مثل ما ينتهي إليه قارئ «سولا»: «نهايات ميتة»، في سعيه إلى معرفة مدينة «الشمس المشرقة» وتحديد موقعها بدقة على الخريطة. فمدينة «الشمس المشرقة» متخيلة مثل «مِداليون»، لكنها تختلف في أن الروائية أحاطت موقعها بالغموض. فرغم ورود ولاية أريزونا في الخطاب، فإنها ليست المكان الذي تقع فيه الأحداث؛ لأنها «ولاية لا تطل على بحر (landlocked state)»، بينما مدينة الطحاوي ساحلية، في بقعة ما على الساحل الغربي الأميركي.
إن «سولا» و«أيام الشمس المشرقة» ليستا الروايتين الوحيدتين اللتين تقع أحداثهما في فضاءات خيالية؛ ليس هذا ما يميزهما أو تتفردان به بين الروايات الأخرى، فالأمكنة في الروايات إما تكون متخيلة؛ والأمثلة على ذلك تفوق الحصر، وإما حقيقية تتعرض لإعادة تشكيل تنزع عنها مألوفيتها لتصبح مدن أو أحياء الروائي أو الروائية: لندن تشارلز ديكنز، ودبلن جيمس جويس، وخان خليلي نجيب محفوظ؛ أو تُمْنَحُ أسماءً جديدة. لكن هذه الأمكنة الثلاثة تلتقي في أنها مواقع أحداث، تشبه تماماً «مواقع التصوير (filming locations)» وتؤدي الوظيفة نفسها التي تقوم بها لأي فيلم. فمواقع التصوير؛ وفق ليونارد جي ديفيس، في حالتها وملامحها في أثناء التصوير، لم تكن موجودة من قبل؛ لأنها تمر بعملية إعادة تشكيل وتصميم وإضاءة لتهيئتها للكاميرا. وبهذا تفقد الأمكنة مألوفيتها وأنها معروفة، وكلما ازدادت تفاصيل التشكيل والإعداد، ازدادت غرابة ولا مألوفية الأماكن، مثلما أن زيادة الوصف للأمكنة المعروفة في الرواية تجعلها غير معروفة أكثر، وتُعزز وجودها بوصفها ظاهرة لغوية؛ امتداداً لكون الرواية ذاتها ظاهرة لغوية «ديفيس - 1987: 2 - 61».
الأمكنة، في الرواية والفيلم، مواقع ذات وظائف، وهي بالضرورة آيديولوجية محملة بمعانٍ ودلالات اجتماعية. وفي هاتين الروايتين تتجسد هذه الفكرة على نحو عميق وشديد الوضوح؛ فالأماكن فيهما تتوزع وتمتد على طول وعرض خطوط وحدود عرقية وعنصرية وطبقية تقوم بوظيفة الجدران العازلة غير المرئية. «مِداليون» «والشمس المشرقة» مدينتا فصل عرقي وطبقي؛ فصل تسهم التضاريس الطبيعية في تحقيقه وتجسيده بانقسام الفضاء الروائي إلى تلال وقيعان وهضاب، تتباين التركيبة السكانية في كل منها من ناحية العرق والهوية والانتماء الطبقي. لا تماس ولا تواصل بين أفراد هذه التركيبات السكانية إلا وفق ما تمليه الحاجة، أو تفرضه اعتبارات المصلحة عند الطبقة المهيمنة على نحو خاص.
كلتا المدينتين صورة للمدينة الرأسمالية المؤسسة على فكرة التقسيم والإقصاء الفضائي (spatial exclusion)، الذي بواسطته تتحقق، وتتجلى خلاله، إقصاءات أخرى: العرقية، والطبقية، والاقتصادية. إن الإقصاء المكاني سبب وأثر لتلك الإقصاءات في الوقت نفسه.
في «سولا» تصور موريسون عالماً مقلوباً رأساً على عقب؛ فالقاع في «مِداليون» في الأعلى، وما يفترض أنه القمة هو القاع - الوادي. إنه قلب لغوي آيديولوجي عنصري في حقيقته؛ فـ«القاع (the Bottom)» هو الجزء التلي المرتفع من «مِداليون» الذي يقطنه السود، والوادي هو القمة حيث يقيم البيض. وحكاية هذا القلب اللغوي بما له من دلالات آيديولوجية عنصرية، أن أحد مُلاّك العبيد وعد أحد عبيده بأن يعتقه إذا أدى له خدمات معينة، ووعده أيضاً بمنحه قطعة أرض. لما أنجز «الزنجي» ما وعد بإنجازه، استرد حريته، لكن الجزء الثاني من الاتفاق بينهما لم يأتِ كما توقع. كان يتوقع الحصول على قطعة من أرض الوادي الخصبة والغنية وسهلة الزراعة، لكن السيد الأبيض منحه أرضاً في التلال التي أطلق عليها اسم «القاع». لما استغرب «الزنجي» أن يكون القاع في التلال بدلاً من الوادي، كان التبرير جاهزاً عند الرجل الأبيض بأن التلال هي القاع؛ أرض غنية وخصبة، وهي القاع عندما ينظر الرب للأسفل؛ إنها قاع الجنة. باءت توسلات «الزنجي» للحصول على أرض في الوادي بالفشل، فقبل على مضض الأرض التَّلِّيِّة حيث الزراعة شاقة؛ تقول الساردة، وتقصم الظهر، والتربة تنزلق وتجرف معها البذور، والريح تستمر طوال الشتاء. وبهذه الحكاية، أو «النكتة» كما تسميها الساردة، بدأ تاريخ القاع، وكان السود؛ وفق قولها، يجدون بعض العزاء عندما يُطِلون، كل يوم، على البيض في الأسفل. لكن ما لم تقله هو أن هذا لا يلغي حقيقة أن البيض يقيمون على أرض الوادي الغنية، وأنهم يرون أن القاع حيث يكون السود دائماً.
ومن القاع يتحدر الشُبّان السود إلى الوادي ليعملوا نُدُلاً في مطاعم الجزء الأبيض من «مِداليون»، ومائطي أوساخ من شوارعها؛ ويحلمون متألمين بأن يعملوا في أعمال أخرى مثل شق الطرق وحفر وإنشاء الأنفاق، ليتفاخروا بأنهم شاركوا في إنشائها. لكن بينهم وبين تلك الأعمال الشبان البيض، أو المهاجرون الأوروبيون المتأخرون - الجدد: الآيرلنديون أو اليونانيون.
وتحلم «نِعَم الخبّاز» - الشخصية الرئيسية في رواية الطحاوي -، ويحلم معها العاطلون من الطبقة العاملة، من اللاجئين والمهاجرين بمختلف أعراقهم وبلدانهم الأصلية، بالسير في الاتجاه المعاكس لسير السود في «سولا»؛ فهؤلاء يحلمون بالصعود من القاع - السفح إلى التلال للعمل في «الجنة الأبدية» بعد أن خابت آمالهم في دخول جنة الحلم الأميركي. في «أيام الشمس المشرقة» لا تقلب الطحاوي العالم كما فعلت موريسون في روايتها، بل تبقي هرم التركيبة الديموغرافية والطبقية على حاله؛ القمة في الأعلى والقاع في الأسفل، ولكنها مثل موريسون تقدم المكان بوصفه قوة فاعلة في الأحداث، حيث تتجسد وتمتد عبر تضاريس المكان حدود الفصل وجدران العزل غير المرئية بين الطبقات الثلاث: الطبقة العليا، والطبقة الوسطى، والطبقة الكادحة؛ أو، وبكلمات الناقد محمود عبد الشكور؛ «تحدد الجغرافيا الفوارق الطبقية والمعيشية أيضاً، وتختار كل منطقة شخصياتها (الشروق - 20 أغسطس/ آب 2022)».
في التلال؛ يتمدد ويأخذ في الاتساع عالم الطبقة العليا، «الجنة الأبدية»، «المحرّم» على «نعم الخباز» وبقية أهل القاع دخلوها إلا عندما يُطْلَبُون للعمل في تنظيف البيوت، خصوصاً عندما تندلع الحرائق وتنزل الكوارث الموسمية ببيوت ومنتجعات أصحاب الجنة. هذه هي العلاقة التي تربط أهل القمة «الجنة الأبدية» بأهل القاع، الذين أوصلهم البؤس والفقر وسوء الأحوال إلى حد انتظار نزول الكوارث بمنتجعات الأثرياء؛ لأنه حينها تكبر الغنائم. المفارقة المثيرة هو أن لأهل القاع - السفح جنتهم؛ «حديقة الأرواح»، المقبرة التي حولوها إلى موقع لالتقاط الصور بين الأزهار والأشجار، يبعثون بها إلى أهلهم في بلدانهم الأصلية، ليثبتوا نجاحاً زائفاً، ونيلهم «حصصهم» من الحلم الأميركي.
وما بين «القاع» و«الجنة الأبدية»، تنتصب هضبة «سنام الجمل»، التي تحتلها مساكن الطبقة الوسطى؛ من الموظفين والمدرسين والممرضات والفنانين والمتقاعدين والمثقفين الرومانسيين. تبدو الطحاوي هنا كأنها نقلت معلماً تضاريسياً من ولاية أريزونا إلى «المدينة المشرقة»... فقد تكون هضبة «سنام الجمل» هي «جبل ظهر الجمل (Camelback Mountain)» في مدينة فينِكس.
باختصار؛ في روايتيهما الممتعتين التقت موريسون والطحاوي في التلال والقيعان وعند الجدران العازلة!
* كاتب وناقد سعودي


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج (جنوب مصر). وذكرت البعثة الأثرية المشتركة بين «المجلس الأعلى للآثار» في مصر وجامعة «توبنغن» الألمانية أنه جرى اكتشاف الصرح خلال العمل في الناحية الغربية لمعبد أتريبس الكبير.

وعدّ الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد، هذا الكشف «النواة الأولى لإزاحة الستار عن باقي عناصر المعبد الجديد بالموقع»، وأوضح أنّ واجهة الصرح التي كُشف عنها بالكامل يصل اتساعها إلى 51 متراً، مقسمة إلى برجين؛ كل برج باتّساع 24 متراً، تفصل بينهما بوابة المدخل.

ولفت إسماعيل إلى أنّ الارتفاع الأصلي للصرح بلغ نحو 18 متراً، وفق زاوية ميل الأبراج، ما يضاهي أبعاد صرح معبد الأقصر، مؤكداً على استكمال أعمال البعثة في الموقع للكشف عن باقي المعبد بالكامل خلال مواسم الحفائر المقبلة، وفق بيان للوزارة.

جانب من صرح المعبد المُكتشف (وزارة السياحة والآثار)

بدوره، قال رئيس «الإدارة المركزية لآثار مصر العليا»، ورئيس البعثة من الجانب المصري، محمد عبد البديع، إنه كُشف عن النصوص الهيروغليفية التي تزيّن الواجهة الداخلية والجدران، خلال أعمال تنظيف البوابة الرئيسية التي تتوسَّط الصرح، كما وجدت البعثة نقوشاً لمناظر تصوّر الملك وهو يستقبل «ربيت» ربة أتريبس، التي تتمثّل برأس أنثى الأسد، وكذلك ابنها المعبود الطفل «كولنتس».

وأوضح أنّ هذه البوابة تعود إلى عصر الملك بطليموس الثامن الذي قد يكون هو نفسه مؤسّس المعبد، ومن المرجح أيضاً وجود خرطوش باسم زوجته الملكة كليوباترا الثالثة بين النصوص، وفق دراسة الخراطيش المكتشفة في المدخل وعلى أحد الجوانب الداخلية.

وقال رئيس البعثة من الجانب الألماني، الدكتور كريستيان ليتز، إنّ البعثة استكملت الكشف عن الغرفة الجنوبية التي كان قد كُشف عن جزء منها خلال أعمال البعثة الأثرية الإنجليزية في الموقع بين عامَي 1907 و1908، والتي زُيّن جانبا مدخلها بنصوص هيروغليفية ومناظر تمثّل المعبودة «ربيت» ورب الخصوبة «مين» وهو محوط بهيئات لمعبودات ثانوية فلكية، بمثابة نجوم سماوية لقياس ساعات الليل.

رسوم ونجوم تشير إلى ساعات الليل في المعبد البطلمي (وزارة السياحة والآثار)

وأضاف مدير موقع الحفائر من الجانب الألماني، الدكتور ماركوس مولر، أنّ البعثة كشفت عن غرفة في سلّم لم تكن معروفة سابقاً، ويمكن الوصول إليها من خلال مدخل صغير يقع في الواجهة الخارجية للصرح، وتشير درجات السلالم الأربع إلى أنها كانت تقود إلى طابق علوي تعرّض للتدمير عام 752.

يُذكر أنّ البعثة المصرية الألمانية المشتركة تعمل في منطقة أتريبس منذ أكثر من 10 سنوات؛ وأسفرت أعمالها عن الكشف الكامل لجميع أجزاء معبد أتريبس الكبير، بالإضافة إلى ما يزيد على 30 ألف أوستراكا، عليها نصوص ديموطيقية وقبطية وهيراطيقة، وعدد من اللقى الأثرية.

وعدَّ عالم الآثار المصري، الدكتور حسين عبد البصير، «الكشف عن صرح معبد بطلمي جديد في منطقة أتريبس بسوهاج إنجازاً أثرياً كبيراً، يُضيء على عمق التاريخ المصري في فترة البطالمة، الذين تركوا بصمة مميزة في الحضارة المصرية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنّ «هذا الاكتشاف يعكس أهمية أتريبس موقعاً أثرياً غنياً بالموروث التاريخي، ويُبرز تواصل الحضارات التي تعاقبت على أرض مصر».

ورأى استمرار أعمال البعثة الأثرية للكشف عن باقي عناصر المعبد خطوة ضرورية لفهم السياق التاريخي والمعماري الكامل لهذا الصرح، «فمن خلال التنقيب، يمكن التعرّف إلى طبيعة استخدام المعبد، والطقوس التي مورست فيه، والصلات الثقافية التي ربطته بالمجتمع المحيط به»، وفق قوله.

ووصف عبد البصير هذا الاكتشاف بأنه «إضافة نوعية للجهود الأثرية التي تُبذل في صعيد مصر، ويدعو إلى تعزيز الاهتمام بالمواقع الأثرية في سوهاج، التي لا تزال تخفي كثيراً من الكنوز».