وسط جدل متصاعد في الأوساط الحقوقية والاجتماعية الليبية، قبضت الأجهزة الأمنية في مدينة بنغازي بـ(شرق البلاد) على صانعة المحتوى حنين العبدلي، والمطربة الشعبية أحلام اليمني، على ذمة قضايا وُصفت بأنها «مُخلّة بالشرف والآداب العامة»، ولمُخالفتهما قانون الجرائم الإلكترونية رقم (5) لسنة 2022، الذي سبق أن أصدره مجلس النواب.
وسادت حالة من اللغط، في أعقاب القبض على الليبيتين، مساء (الخميس) بالتزامن مع ما أشيع عن خطف العبدلي من منزلها، عقب عودتها من تركيا، لكن وكيل وزارة الداخلية بالحكومة الليبية الموازية برئاسة فتحي باشاغا، فرج قعيم، سارع بالتأكيد على أن «المتّهمتَين تم القبض عليهما من قبل قوات وزارة الداخلية؛ وأنهما متواجدتَان حالياً في السجن النسائي؛ عملاً بقوانين ولوائح الدولة الليبية».
وقُبيل القبض على العبدلي، واليمني، بساعات، نشر وكيل وزارة الداخلية، ما سماه «تعميماً هاماً» إلى الشعب الليبي، أعلن فيه عن تفعيل قانون الجريمة الإلكترونية رقم (5) لسنة 2022 الصادر عن مجلس النواب.
وتعد العبدلي، التي سبق أن احتُجزت قبل ذلك، من مقدمي المحتوى في ليبيا، ولها متابعون كُثر على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي ابنة المحامية حنان البرعي، التي اغتيلت نهاراً بأحد شوارع بنغازي في الحادي عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، كما تقدم اليمني، نوعاً من الغناء الشعبي، وتواجه اتهاماً بأنها «تطعن في الليبيات».
وقال وكيل وزارة الداخلية بشرق ليبيا، إنه تم القبض على العبدلي، واليمني، «لإساءتهما لمكانة المرأة الليبية العفيفة والكريمة في مُجتمعنا المُحافظ بأفعالٍ وسلوكياتٍ دخيلة علينا، ومُسيئة لعاداتنا وتقاليدنا وديننا الحنيف».
وكان مجلس النواب، قد أقر قانون مكافحة «الجرائم الإلكترونية» في 27 سبتمبر (أيلول) 2022، متغاضياً عن مطالبات منظمات المجتمع المدني، وأربعة من المقررين الخاصين للأمم المتحدة، بسحب القانون وعدم تطبيقه لما يرونه معارضاً مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان والتزامات ليبيا الدولية، إضافة لغياب مبدأ الحوار والتشارك مع مختلف الفاعلين وأصحاب المصلحة عند صياغته.
ورأت قرابة 20 منظمة ليبية، أن القانون انطوى على مصطلحات «عامة وفضفاضة مخالفة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان». وسعت «الشرق الأوسط» إلى استيضاح وجهة نظر حقوقيين ليبيين حول ملابسات القبض على العبدلي واليمني، لكنهم رفضوا التعليق، مفضلين الانتظار ما دامتا ستُعْرضان على القضاء لاحقاً.
بَيْدَ أن غالبية الحقوقيين الليبيين أشاروا إلى أن المادة الرابعة من القانون تنص على أن يكون «استخدام شبكة المعلومات الدولية ووسائل التقنية الحديثة مشروعة، ما لم تترتب عليه مخالفة للنظام العام أو الآداب العامة»، ولفتوا إلى أن المادة بصفة آلية عَدَّتْ أن كل استعمال قد يخالف مصطلحات فضفاضة مثل «النظام العام»، أو «الآداب العامة» غير مشروع، وبالتالي غير قانوني حسب المنظمات.
كما تنص المادة السابعة من القانون على أنه بإمكان «الهيئة الوطنية لأمن وسلامة المعلومات» «حجب كل ما ينشر النعرات، أو الأفكار التي من شأنها زعزعة أمن المجتمع واستقراره، أو المساس بسلمه الاجتماعي» دون تحديد واضح لمعنى «أمن المجتمع» و«سلمه الاجتماعي»، وهو ما اعترضت عليه منظمات المجتمع المدني.
وتفرض المادة الثامنة على الهيئة نفسها حجب المواقع أو الصفحات الإلكترونية التي تعرض مواد «مخلة بالآداب العامة». كما نصت المادة (37) على عقوبات بالسجن والغرامة قاسية لـ«كل من بث إشاعة، أو نشر بيانات أو معلومات تهدد الأمن والسلامة العامة في الدولة أو أي دولة أخرى»، وفق المنظمات نفسها.
وفي مواجهة الشائعات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عن خطفهما، ردت وزارة الداخلية، ممثلة في قعيم، بأن هذه الأخبار «عارية عن الصحة؛ وغرضها الفتنة والنَّيل من الاستقرار الأمني الذي تحقّق بفضل الجهود الأمنية ورجال الوطن الشرفاء».
ومضت الداخلية محذرة «كل من تسوّل له نفسه العبث وارتكاب مثل هذه الأفعال، بأنه سيُلقى خلف القضبان، وسيُقدّم للقضاء الليبي العادل بلا هوادة ودون استثناء، والقانون فوق الجميع».
ولمزيد من الحسم بتفعيل القانون، قال مكتب وكيل وزارة الداخلية، إنه شدد «بشكل صارم» على جميع الأجهزة الأمنية بـ«ملاحقة مرتكبي الجرائم المخلة بالشرف».
ووجهت وزارة الداخلية، حديثها للمواطنين، بأنها «ستشرع باستخدام أحدث التقنيات الرادعة؛ وبأن عمليات الضبط والإحضار بدأت فعلياً منذ الأمس (الخميس) لكل من يُشكل سلوكه أو أفعاله مساساً بالآداب العامة، أو غيرها من جرائم الابتزاز والنصب والاحتيال؛ وكذلك حالات الشعوذة المُنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
وسبق لمكونات المجتمع المدني والمنظمات المعترضة على القانون، ومن بينها مبادرة أنير، ومحامون من أجل العدالة في ليبيا، مطالبة مجلس النواب الليبي بالإلغاء الفوري للقانون، كما دعت السلطات الليبية إلى عدم التطبيق، والعمل على صياغة قانون جديد يتوافق مع الإعلان الدستوري الليبي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان والتزامات ليبيا الدولية.
ونوهت المنظمات إلى أن «استعمال العبارات والمصطلحات الفضفاضة، يُخالف المعايير الدولية لحقوق الإنسان، المعتمدة في صياغة التشريعات المتعلقة بتقييد حق الرأي والتعبير»؛ إذ يجب أن «تُصاغ هذه النصوص بدقة كافية؛ حتى يتسنى للفرد ضبط سلوكه وفقاً لها»، مثلما نص عليه التعليق العام رقم (34) لمجلس حقوق الإنسان بالمادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وانتهت منظمات المجتمع المدني إلى دعوة مجلس النواب، وبقية السلطات الليبية، إلى اعتماد مبدأ الحوار والتشارك مع المجتمع المدني الليبي، والمنظمات الدولية المختصة، عند صياغة أي مشروع قانون يخص الحقوق والحريات الأساسية.
وانفتحت جميع الأجيال بشكل لافت، على الفضاء الإلكتروني، منذ اندلاع ثورة 17 فبراير (شباط) عام 2011، مع وجود عدد كبير من صنّاع المحتوى و«المؤثرين»، فضلاً عن تزايد صفحات تعتمد الدس، وتزييف المعلومات، والوقيعة بين الفرقاء على خلفية سياسية.
صانعة محتوى ومطربة ليبيتان للسجن بتهمة «الإخلال بالشرف»
عقب الإعلان عن تفعيل قانون «الجرائم الإلكترونية»
صانعة محتوى ومطربة ليبيتان للسجن بتهمة «الإخلال بالشرف»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة