«الاهتزاز» يرافق يومهم... سوريون يفضّلون الاحتماء بالعراء

مناشدات بتقديم الدعم النفسي في ظل هجرة غالبية الاختصاصيين

منقذ إماراتي يبحث بمساعدة كلب عن ضحايا وسط أنقاض مبنى في جبلة بمحافظة اللاذقية (أ.ف.ب)
منقذ إماراتي يبحث بمساعدة كلب عن ضحايا وسط أنقاض مبنى في جبلة بمحافظة اللاذقية (أ.ف.ب)
TT

«الاهتزاز» يرافق يومهم... سوريون يفضّلون الاحتماء بالعراء

منقذ إماراتي يبحث بمساعدة كلب عن ضحايا وسط أنقاض مبنى في جبلة بمحافظة اللاذقية (أ.ف.ب)
منقذ إماراتي يبحث بمساعدة كلب عن ضحايا وسط أنقاض مبنى في جبلة بمحافظة اللاذقية (أ.ف.ب)

«لا أريد شيئاً لا أريد مساعدة أريد أن أبقى في الخيمة مع ابني»، كلمات كررتها سيدة من بلدة الحفة بريف اللاذقية نجت من الزلزال بعد انهيار منزلها، رداً على إلحاح متطوعين سوريين لإنقاذها من المبيت في العراء والبرد القارس.
أم محمد لم تتوقف عن البكاء ورفضت ظهورها أمام الكاميرا، وعبثاً حاول الفريق وعلى مدى ساعات طويلة إقناعها بالانتقال إلى بيت أو مركز إيواء أو جامع أو كنيسة أو أي مكان تريده. وبعد جهد نجحوا في حملها إلى السيارة مع حفيدها ذي الـ10 سنوات، وتمكنوا من إقناعها بمشاركتهم الطعام وبدا كل شيء يسير على ما يرام وقد قبلت اللجوء إلى الكنيسة وكانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل والبرد يشتد، وتم الاتفاق على أن يتوجهوا صباحاً إلى بيت آمن حيث تريد، لكن بضع دقائق وعادت أم محمد للبكاء طالبة إعادتها إلى خيمتها بجوار ابنها وحفيدها بالقرب من بيتها المهدم.
ماجد عجلاني، الذي كان على رأس المتطوعين لإغاثة هذه العائلة، عبر عن صدمته مما حصل، معلناً العجز وطالباً ممن يستطيع تقديم الدعم النفسي بالتدخل.
أم محمد ليست حالة خاصة، بل هي واحدة من مئات الحالات الناجمة عن الزلزال بعد 12 عاماً من الحرب والانهيار الاقتصادي. ومن كان يعتبر أن وجود سقف و4 جدران خط أمان أخير، جاء الزلزال ليقضي على هذا الخط، وما زال شعور الاهتزاز يرافق يومياتهم.
صيدلاني في مدينة حماة، يقول إنه منذ يوم الزلزال تخلى عن النوم على السرير، موضحاً: «أنام وأطفالي الأربعة وزوجتي على فراش على الأرض كي يكونوا في حضني إذا حصل زلزال مجدداً، وأضع في زوايا الغرفة زجاجات ماء في حال لم نتمكن من النجاة فوراً. وطوال الوقت أدقق في الأشياء عما إذا كانت تهتز وأشعر بأن دماغي هو الذي يهتز».
في حلب، ما زالت عشرات الأسر تتدفق إلى الحدائق بلا مأوى مع تواصل إخلاء المباني المتصدعة، بينها حالات كثيرة ترفض اللجوء إلى مبانٍ طابقية. أحد المتطوعين في جمعية أهلية قال لـ«الشرق الأوسط»: «السؤال الأول الذي يواجهنا عندما نعرض على الموجودين في العراء تأمين مكان: هل البناء طابقي؟ كما أن هناك عائلات تحتمي عند أقرباء لهم بضع ساعات في اليوم ثم يعودون ليلاً ليبيتوا في الشارع بجوار بيوتهم المهددة بالسقوط. منهم من صنع خيمة ومنهم من غطى هيكل سيارة (بيك آب) بشادر أو كرتون أو حرامات ليحتموا بها في أحوال جوية قاسية جداً».
«الصدمة خلفت ذعراً شديداً في النفوس»، بحسب المتطوع الذي أكد إجلاء عشرات العائلات من مبانٍ آيلة للسقوط في أحياء بستان القصر والصالحين في حلب، ويرفضون مغادرة محيطها وأغلبهم بلا مأوى بل لا يفكرون حتى في اللجوء إلى مراكز الإيواء. يلفت المتطوع الانتباه إلى أن «هناك احتياجاً شديداً لكل شيء، إلا أن أهم شيء لا يأخذ الاهتمام اللازم هو الدعم النفسي، بمعنى وجود فرق دعم نفسي مختصة وأطباء يمكنهم وصف مهدئات أو علاج يساعد المتضررين على مواجهة هول الفاجعة التي حلت بهم».
يتابع: «رغم كل ما يبذله المتطوعون من جهود وتفانٍ وصبر وثبات، فإنهم يعجزون عن تقديم الدعم النفسي لحالات صعبة... هناك حالات تجعلنا ننهار مثل وجود أمراض عصبية أو إعاقات جسدية تفاقمت جراء الزلزال».
وتعاني سوريا بالأساس من نقص حاد في عدد الاختصاصيين النفسيين، حيث لا يتجاوز عدد الأطباء النفسيين، 45 طبيباً في سوريا الآن. كانوا عام 2011 نحو 60 طبيباً، بينما الاحتياج الفعلي إلى 10 آلاف طبيب نفسي بالحد الأدنى، بحسب معايير منظمة الصحة العالمية التي تقول بضرورة توفر طبيب نفسي واحد على الأقل لكل مائة ألف نسمة.
وبحسب تقارير منظمات دولية، فإن نحو 70 في المائة من العاملين في القطاع الصحي غادروا سوريا خلال الحرب. وفي محاولة لتعويض النقص، يضطر العاملون في هذا المجال إلى العمل أكثر من 80 ساعة في الأسبوع.
سيدة في اللاذقية نجت من الزلزال وتمكنت من إنقاذ طفلها الرضيع من تحت الأنقاض، قالت وهي تحتضن ابنها بخوف رغم مرور ستة أيام على الزلزال، إنه لا ينام بشكل متواصل ويستيقظ عدة مرات باكياً: «ربما ظن أنني رميته أرضاً. كيف أقنعه بأن ما حصل كان زلزالاً».
وفي حالة أخرى، رفض طفل حلبي نجا من الزلزال وفقد كل عائلته، الحديث عما جرى مكرراً أنه لا يتذكر شيئاً على الإطلاق مواصلاً الصراخ والبكاء، وسط عجز الكادر الطبي عن تهدئته، فأغلبهم وبعد 6 أيام من الزلزال والعمل المضني لساعات طويلة كانوا هم أنفسهم بحاجة لدعم نفسي.
يذكر أن تقريراً لمجلة الصليب الأحمر الدولية أفاد عام 2019 بأن 4 في المائة من السوريين في مناطق سيطرة النظام يعانون من اضطرابات نفسية شديدة، و5 في المائة من السوريين يعانون من اضطرابات نفسية متوسطة الشدة، وأن نحو 90 في المائة من حالات الاضطراب لا تخضع للمتابعة.


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر
TT

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر

خلافاً للكثير من القادة الذين عاشوا في الظل طويلا، ولم يفرج عن أسمائهم إلا بعد مقتلهم، يعتبر محمد حيدر، الذي يعتقد أنه المستهدف بالغارة على بيروت فجر السبت، واحداً من قلائل القادة في «حزب الله» الذين خرجوا من العلن إلى الظل.

النائب السابق، والإعلامي السابق، اختفى فجأة عن مسرح العمل السياسي والإعلامي، بعد اغتيال القيادي البارز عماد مغنية عام 2008، فتخلى عن المقعد النيابي واختفت آثاره ليبدأ اسمه يتردد في دوائر الاستخبارات العالمية كواحد من القادة العسكريين الميدانيين، ثم «قائداً جهادياً»، أي عضواً في المجلس الجهادي الذي يقود العمل العسكري للحزب.

ويعتبر حيدر قائداً بارزاً في مجلس الجهاد في الحزب. وتقول تقارير غربية إنه كان يرأس «الوحدة 113»، وكان يدير شبكات «حزب الله» العاملة خارج لبنان وعين قادة من مختلف الوحدات. كان قريباً جداً من مسؤول «حزب الله» العسكري السابق عماد مغنية. كما أنه إحدى الشخصيات الثلاث المعروفة في مجلس الجهاد الخاص بالحزب، مع طلال حمية، وخضر يوسف نادر.

ويعتقد أن حيدر كان المستهدف في عملية تفجير نفذت في ضاحية بيروت الجنوبية عام 2019، عبر مسيرتين مفخختين انفجرت إحداهما في محلة معوض بضاحية بيروت الجنوبية.

عمال الإنقاذ يبحثون عن ضحايا في موقع غارة جوية إسرائيلية ضربت منطقة البسطة في قلب بيروت (أ.ب)

ولد حيدر في بلدة قبريخا في جنوب لبنان عام 1959، وهو حاصل على شهادة في التعليم المهني، كما درس سنوات عدة في الحوزة العلمية بين لبنان وإيران، وخضع لدورات تدريبية بينها دورة في «رسم وتدوين الاستراتيجيات العليا والإدارة الإشرافية على الأفراد والمؤسسات والتخطيط الاستراتيجي، وتقنيات ومصطلحات العمل السياسي».

بدأ حيدر عمله إدارياً في شركة «طيران الشرق الأوسط»، الناقل الوطني اللبناني، ومن ثم غادرها للتفرغ للعمل الحزبي حيث تولى مسؤوليات عدة في العمل العسكري أولاً، ليتولى بعدها موقع نائب رئيس المجلس التنفيذي وفي الوقت نفسه عضواً في مجلس التخطيط العام. وبعدها بنحو ثماني سنوات عيّن رئيساً لمجلس إدارة تلفزيون «المنار».

انتخب في العام 2005، نائباً في البرلمان اللبناني عن إحدى دوائر الجنوب.