يراقب سكان العاصمة الليبية طرابلس، تصاعد معدل تكرار الاشتباكات بين بعض الميليشيات المتمركزة بالقرب من المطار الدولي، المتوقف عن العمل منذ ثماني سنوات. ويتندرون لما يرونه على أرض الواقع، وما تعلنه حكومة «الوحدة»، عن بدء أعمال صيانة لإعادة تفعيل العمل بإحدى الصالات الكبرى، بل وإطلاق التصريحات بالمضي قدماً في إنشاء «مطار طرابلس العالمي».
عضو «ملتقى الحوار السياسي» أحمد الشركسي، عدَّ أن تجدد أعمال العنف مؤخراً بالقرب من محيط المطار الدولي «جزء من الاشتباكات التي تندلع بين الفترة والأخرى بين التشكيلات المسلحة المتمركزة بالعاصمة بهدف فرض النفوذ على المواقع المهمة بتلك العاصمة».
وأوضح الشركسي لـ«الشرق الأوسط»، أن «إعادة الحياة لمطار طرابلس، ولو بشكل جزئي، تعني انتهاء دور مطار معيتيقة، الذي يعد حالياً هو المطار الرئيسي للمدينة، والذي تسيطر عليه قوات «جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة» برئاسة عبد الرؤوف كارة، ما يعني انتهاء انفراد عناصر هذا الجهاز بالتحكم بحركة الركاب، وعمليات الشحن ونقل البضائع بمطار معيتيقة، والأخيرة تعد أبواباً واسعة لجني الأرباح».
ولفت في السياق إلى ما توارد من أنباء عن رغبة واشنطن في وجود قواتها خلال الفترة المقبلة بقاعدة معيتيقة بالقرب من المقر الجديد لسفارتها بالعاصمة الليبية، والمزمع إقامته شرق تلك القاعدة، وهو ما يعني «أن (الردع) ستضطر لمغادرة الموقع الاستراتيجي المهم الذي تتمركز به حالياً».
وفي منتصف يوليو (تموز) 2014، تقرر إيقاف العمل بمطار طرابلس الدولي نظراً لتعرضه لأضرار فادحة خلال اشتباكات مسلحة فيما عرف بأحداث «فجر ليبيا»، ووفقاً لشهادة بعض المسؤولين بقطاع الطيران حينذاك، فإن نسبة الأضرار التي ألحقت بمباني المطار والطائرات، تقترب من 90 في المائة، ورجح خبراء أن يتجاوز حجم الخسائر أكثر من 300 مليون دولار.
وعلى ضوء المعلومات السابقة، يرى الشركسي أن «(الردع) باتت تواجه معركة وجود، لذا تحاول استباق كل ما يجري بإثارة المناوشات والاشتباكات مع القوات المتمركزة بمحيط المطار الدولي، في مقدمتها (اللواء 111) مجحفل، بقيادة عبد السلام الزوبي، أملاً بأن يسفر ذلك إما عن إيقاف أعمال الصيانة بصالة الركاب، أو أن تتمكن (الردع) من فرض نفوذها بمنطقة المطار الدولي قبل أن تنجح أي ميليشيا أخرى في هذا الهدف».
وبالتزامن مع عقد رئيس حكومة «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة، اجتماعاً بديوان وزارة الموصلات، الأسبوع الماضي، لمتابعة الصعوبات التي تواجه مشروع إنشاء صالة الركاب بمطار طرابلس، تجددت الاشتباكات بين قوات «الردع» وقوات «اللواء 111»، التي كانت شرارتها الأولى اندلعت في 19 من يناير (كانون الثاني) الماضي، وتبادل خلالها الطرفان إطلاق النار بالأسلحة الثقيلة، وأسفرت عن وقوع ثلاثة من القتلى و13 جريحاً من الطرفين.
ورغم أن «الردع» كانت مقربة من الدبيبة لمشاركتها في التصدي لمحاولة غريمه رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان فتحي باشاغا، الدخول للعاصمة نهاية أغسطس (آب) الماضي، يتوقع الشركسي أن «يتخلى الدبيبة عن هذا الجهاز وعناصره وقياداته، ويمضي قدماً في إتمام افتتاح صالة الركاب، بل ومنح حق تأمينها كمرفق مهم لميليشيا أخرى مقربة منه، وهي على الأرجح (اللواء 444) برئاسة محمود حمزة».
وأوضح: «إذا تمكن الدبيبة فعلياً من افتتاح الصالة خلال أشهر معدودة، فستقل معاناة التنقل أمام سكان طرابلس والمنطقة الغربية، وبالتالي سترتفع أسهم شعبيته، خصوصاً إذا تمكن أيضاً من افتتاح المدينة الرياضية التي تم استئناف أعمال الصيانة بها أخيراً بعد توقف استمر لسنوات». وأضاف: «لن يكترث الدبيبة بما ستقدم عليه (الردع) من مناوشات أو اشتباكات، فالرجل صار أكثر اعتماداً على الميليشيات المنتمية لمدينته مصراتة مقارنة بالميليشيات المتمركزة بالعاصمة».
من جانبه، استبعد المحلل السياسي الليبي محمد محفوظ، إمكانية مباشرة حكومة «الوحدة» أي نوع من التفاهمات مع الميليشيات التي تعد نفسها متضررة من إعادة تفعيل العمل بصالة الركاب بالمطار الدولي، بما يضمن عدم عرقلة عمليات الصيانة الموكلة لشركة إيطالية.
وقال محفوظ لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأمر ليس هيناً على الإطلاق، فالمطار مركز استراتيجي مهم، ومن الصعب إرضاء العديد من الميليشيات المسلحة المتطلعة لإيجاد موطأ قدم به»، مضيفاً: «تجهيزات العمل الفعلية لم تبدأ بعد، والشركة الإيطالية المنفذة لم تدفع بعناصر وخبرائها للموقع، فإذا تجددت الاشتباكات بهذا العنف، كما حدث الشهر الماضي، لن تغامر تلك الشركة ومن قبلها السفارة الإيطالية بتعريض سلامة هؤلاء للخطر».
ويرى محفوظ أن «إخفاق الحكومة في اكتمال أعمال الصيانة بصالة الركاب وافتتاحها خلال أشهر سيبدد أي آمال مستقبلية لدى سكان العاصمة بإمكانية ترميم وتجديد كامل لمطار طرابلس». ويشير المحلل السياسي إلى «افتقاد المؤسسات والسلطات الليبية الراهنة، منها حكومة (الوحدة) للزخم الشعبي، ما يؤدي لأن يبقى قرارها دائماً مرتهناً لسلاح الميليشيات».
الخبير الاقتصادي الليبي سليمان الشحومي، ورداً على ما يثيره البعض حول المبالغة في قيمة التكلفة المرصودة لصيانة صالة الركاب، قال لـ«الشرق الأوسط»، «هناك احتمالية عدم إتاحة طرح عقد الصيانة في صورة عطاء بين الشركات الدولية، لعدم ترحيب البعض بالعمل في ظل الظروف والأوضاع الأمنية التي تشهدها البلاد حالياً».
وشدد الشحومي على أن «التخوف الحقيقي في ما يتعلق بهذه النوعية من العقود الكبيرة أن تتم عرقلتها بشكل أو بآخر، أو يشق الفساد طريقه إليها، ويتضاعف حجم الاستنزاف لخزينة الدولة».
ويردد بعض النشطاء والسياسيين المعارضين لحكومة «الوحدة» أن الأخيرة تعاقدت مع الشركة الإيطالية على مبلغ يقترب من 90 مليون يورو، ويشيرون إلى أنه تقريباً الرقم ذاته الذي كان النظام السابق رصده لتوسيع وتجديد مطار طرابلس عام 2007 وبدأ العمل به فعلياً، إلا أنه توقف مع اندلاع ثورة فبراير (شباط) 2011.
أما في ما يتعلق بالفوائد الاقتصادية المتوقعة إذا ما أنجز هذا المشروع، قال الشحومي، «بالطبع الفائدة ستكون كبيرة عبر استيعاب عدد أكبر من الرحلات والركاب والبضائع، بالإضافة لعودة خطوط الطيران الدولية، فمنذ 2014 لم يوجد بالبلاد سوى شركات طيران محلية أو طيران دول الجوار».
«صراع النفوذ» بين الميليشيات يهدد آمال الليبيين في عودة مطار طرابلس
متوقف عن العمل منذ ثماني سنوات
«صراع النفوذ» بين الميليشيات يهدد آمال الليبيين في عودة مطار طرابلس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة