لبنان: عقبات مالية وقانونية تعترض إجراء الانتخابات البلدية

وزير الداخلية مصرّ على إنجازها في مايو رغم التحديات

TT

لبنان: عقبات مالية وقانونية تعترض إجراء الانتخابات البلدية

وضع وزير الداخلية اللبناني بسام المولوي نفسه أمام تحدي إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في موعدها المقرر خلال شهر مايو (أيار) المقبل، وبدا مصرّاً على إدارة الاستحقاق رغم الصعوبات التي تعترضه، في وقت يرى فيه خبراء أن المولوي «يسبح عكس التيّار»، بالنظر للصعوبات الإدارية واللوجيستية والمالية والأمنية التي تواجهه، وهي الأسباب التي أجّلت الانتخابات من العام الماضي، وتبدو الآن أكثر صعوبة، بالنظر لأن الدولة التي أجرت الانتخابات البرلمانية قبل سنة، كانت عاجزة عن تأمين مستلزماتها، واستعانت بمساعدات دولية، بات الحصول عليها الآن أكثر صعوبة.
ولا يدع الوزير المولوي مناسبة إلا ويجدد تأكيده على أن وزارته «مصرّة على إنجاز الانتخابات البلدية والاختيارية في شهر مايو المقبل إن شاء الله، ضمن المهلة القانونّية». ويشدد على «الالتزام بتطبيق القانون، وحقّ جميع اللّبنانيّين في أن تكون لديهم مجالس بلدية تسهر على خدمتهم، وعلى العمل الاجتماعي والإنماء كما هو مفترض». ويؤكد أن «هناك 110 بلديات من مجموع عدد البلديات في لبنان منحلة، وأصبحت التحضيرات في وزارة الداخلية جاهزة، وخلال شهر فبراير (شباط) الحالي ستعلن القوائم الانتخابية، ونحن مصرون على إنجاز الاستحقاقات الدستورية والقانونية في وقتها، ولن أطلب تأجيل الانتخابات، خصوصاً أن هذا الاستحقاق ضروري من أجل تغيير الدم في البلديات والناس في انتظاره، وسيتأكد الجميع أن إنجازه سيساعد على تهدئة الوضع الأمني أكثر فأكثر».
وتواجه الانتخابات تحديات كبرى؛ أهمها العامل المالي الذي يشكل رافعة أساسية لهذا الاستحقاق، بالإضافة إلى العامل الأمني. وأوضح مصدر مسؤول في وزارة الداخلية لـ«الشرق الأوسط»، أن المولوي «وجه كتاباً للأمانة العامة لمجلس الوزراء، حدد فيه الكلفة المالية للانتخابات، والمقدرة بنحو 9 مليارات ليرة لبنانية (ما يعادل 215 ألف دولار، وفق سعر منصّة «صيرفة» حالياً)». وقال المصدر: «مطلوب تعاون بين الحكومة والمجلس النيابي؛ لأن فتح الاعتمادات يحتاج إلى جلسة تشريعية». ورأى أن «العامل الأمني ليس سبباً لتأجيل الانتخابات، ولا داعي لإثارة هذا الهاجس عشية موعدها؛ لأن الأمن ممسوك والظروف تسمح بإجرائها، وكذلك الأسباب المالية طالما أن الحكومة معنية بإجراء الاستحقاق في موعده».
اندفاعة وزارة الداخلية في مواجهة هذا التحدي، يقابلها تشكيك بقدرتها على إنجازها في موعدها، واعتبر الخبير الانتخابي كمال فغالي أن «مصير الانتخابات البلدية متوقف على تأمين التمويل الكافي لها». ورأى أن «الدولة لم ترصد حتى الآن الموازنة اللازمة لها». وذكّر فغالي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأنه «في الانتخابات النيابية تكفّلت البلديات بتأمين الكهرباء لأقلام الاقتراع والفرز ولجان القيد، أما الآن فالتكلفة أكبر في ظلّ ارتفاع أسعار المحروقات؛ نظراً لانهيار العملة الوطنية، وتلاشي القدرة المالية لدى المجالس البلدية». وقال: «إذا تكفّل الاتحاد الأوروبي بتأمين النفقات المالية للانتخابات البلدية فسيمكن إجراؤها في موعدها»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «القوى الأمنية لا تستطيع تأمين المحروقات للآليات العسكرية، وتوزيع عناصرها على المراكز والأقلام الانتخابية»، مبدياً أسفه لـ«غياب أي خطة إنقاذية لدى الحكومة، ولعدم اطلاع اللبنانيين عمّا إذا كان لديها تمويل سرّي لهذه العملية أم لا».
وتبدو الانتخابات البلدية أكثر كلفة من الانتخابات النيابية، باعتبار أن الاستحقاق النيابي يجري في يوم واحد، أما الانتخابات البلدية فتجري على مدى 4 أسابيع، وتحتاج إلى جهوزية أكبر، وبالتالي أعباء مالية بزيادة 3 أضعاف. ويرى الخبير القانوني والدستوري المحامي الدكتور سعيد مالك، أن «الانتخابات البلدية والاختيارية تواجهها عقبتان لوجيستية وقانونية». وأشار إلى أن «العقبة اللوجيستية تكمن في تأمين الاعتمادات المالية باعتبار أن موازنة عام 2022 خالية من أي مبلغ للانتخابات، وعدم وجود موازنة للعام 2023». ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الحكومة مضطرة للذهاب إلى المجلس النيابي لإقرار قانون لتأمين الاعتمادات المالية». ويتخوّف «ألّا تعقد جلسة تشريعية؛ لأن هناك معارضة من شرائح سياسية كبيرة تعارض عقد جلسة تشريعية قبل انتخاب رئيس للجمهورية».
ويشدد مالك على أن «الحلّ الأفضل للحكومة أن تبحث عن تمويل خارجي من المنظمات والمؤسسات الدولية لتأمين التمويل، وعندها تكتفي الحكومة بالاجتماع وإصدار مراسيم قبول الهبات الخارجية».
أما العقبة القانونية فهي أكثر صعوبة وتعقيداً من توفير الأموال، وباعتقاد مالك، تكمن المعضلة في أن «الانتخابات البلدية تعتمد نفس أصول انتخاب أعضاء المجلس النيابي، أي أنها يفترض أن تحصل وفق القانون النسبي». وأشار إلى أن «المادتين 11 و16 من قانون البلديات الصادر في عام 1977، تنصان على أن أصول انتخاب أعضاء المجلس النيابي تنطبق على الانتخابات البلدية، ما يقتضي إجراء الانتخابات وفق القانون النسبي الذي يستحيل تطبيقه الآن، علماً بأن كتلة «الجمهورية القوية» تقدمت باقتراح قانون لتعديل هاتين المادتين، والعودة بالانتخابات البلدية إلى القانون الأكثري». ورجّح الخبير الدستوري أن «يتجه البرلمان اللبناني إلى تمديد آخر للمجالس البلدية والاختيارية، في ظلّ هذه العقبة القانونية».
وتخوّف مالك من أن «يصل اللبنانيون إلى 31 مايو المقبل من دون إجراء الانتخابات، ومن دون التمديد للمجالس البلدية، عندها تُحلّ هذه المجالس وتتحول إلى تصريف الأعمال، وتصبح تحت سلطة القائمقام في كلّ قضاء من الأقضية اللبنانية».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

«حكومة الجولاني» تتسلم سوريا بـ«جيش بلا مخالب»


صورة جوية تُظهر سفناً سورية حربية دُمّرت خلال هجوم إسرائيلي على مدينة اللاذقية الساحلية أمس (أ.ف.ب)
صورة جوية تُظهر سفناً سورية حربية دُمّرت خلال هجوم إسرائيلي على مدينة اللاذقية الساحلية أمس (أ.ف.ب)
TT

«حكومة الجولاني» تتسلم سوريا بـ«جيش بلا مخالب»


صورة جوية تُظهر سفناً سورية حربية دُمّرت خلال هجوم إسرائيلي على مدينة اللاذقية الساحلية أمس (أ.ف.ب)
صورة جوية تُظهر سفناً سورية حربية دُمّرت خلال هجوم إسرائيلي على مدينة اللاذقية الساحلية أمس (أ.ف.ب)

أعلن رئيس الوزراء الجديد في «حكومة الجولاني»، محمد البشير، توليه مهامه رسمياً، أمس الثلاثاء، وذلك غداة غارات إسرائيلية ليلية، قدر عددها بنحو 300، واستهدفت مواقع عسكرية استراتيجية سورية، مما جعل السلطة الجديدة بـ«جيش من دون مخالب». وأفاد البشير، في بيان بثه التلفزيون، بأنه تم تكليفه رسمياً برئاسة حكومة انتقالية في سوريا حتى الأول من مارس (آذار) 2025.

وعُقد في دمشق أمس الاجتماع الأول للحكومة الجديدة برئاسة القائد العام لإدارة العمليات أحمد الشرع (محمد الجولاني)، وضم الاجتماع رئيس الحكومة السابق محمد غازي الجلالي، ورئيس الحكومة المؤقتة، ووزراء من الحكومة السابقة، مع نظرائهم من السلطة الجديدة.

وبينما انشغل السوريون بالصور والمعلومات الصادمة القادمة من معتقلات ومشارح النظام السابق، أعلن الشرع، قرب نشر «قائمة أولى بأسماء كبار المتورّطين بتعذيب الشعب السوري» لملاحقتهم ومحاسبتهم.

وأوضح في بيان، أنّ الحكومة المقبلة ستقدّم «مكافآت لمن يدلي بمعلومات عن كبار ضباط الجيش والأمن المتورطين في جرائم حرب».

وتابع الجولاني: «لقد أكّدنا التزامنا بالتسامح مع من لم تتلطّخ أيديهم بدماء الشعب السوري، ومنحنا العفو لمن كان ضمن الخدمة الإلزامية»، مؤكّداً أنّ «دماء وحقوق» القتلى والمعتقلين الأبرياء «لن تُهدر أو تنسى».

في غضون ذلك، عقد عدد من كبار الدبلوماسيين الأميركيين، اجتماعات في كل من تركيا والأردن ولبنان والعراق وإسرائيل، في سياق جهود تهدف للحفاظ على الاستقرار في سوريا ومحاولة دعم عملية الانتقال السياسي بمساعدة من الأمم المتحدة.

وفي الأثناء، أمرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، بعمليات عسكرية واسعة النطاق ضد تنظيم «داعش»، في سوريا، سعياً لمنعه من استغلال الفوضى التي تلت إطاحة حكم الأسد، إلا أنها غضت الطرف عن تقدم القوات الإسرائيلية إلى المنطقة العازلة في مرتفعات الجولان والغارات على كل الأراضي السورية.

وحذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القادة الجدد لسوريا من السير على خطى بشار الأسد، ومن السماح لإيران «بإعادة ترسيخ» وجودها في البلاد.