حوار ساخن بين بوركينا فاسو وبعثة من الاتحاد الأفريقي

البعثة أتت لتبادل الأفكار فوجدت نفسها أمام اتهامات قاسية

جنود بوركينا فاسو منتشرون في العاصمة واغادوغو عقب هجوم إرهابي شنه متطرفون مشتبه بهم أسفر عن مقتل 13 شخصًا (أ.ف.ب)
جنود بوركينا فاسو منتشرون في العاصمة واغادوغو عقب هجوم إرهابي شنه متطرفون مشتبه بهم أسفر عن مقتل 13 شخصًا (أ.ف.ب)
TT

حوار ساخن بين بوركينا فاسو وبعثة من الاتحاد الأفريقي

جنود بوركينا فاسو منتشرون في العاصمة واغادوغو عقب هجوم إرهابي شنه متطرفون مشتبه بهم أسفر عن مقتل 13 شخصًا (أ.ف.ب)
جنود بوركينا فاسو منتشرون في العاصمة واغادوغو عقب هجوم إرهابي شنه متطرفون مشتبه بهم أسفر عن مقتل 13 شخصًا (أ.ف.ب)

أنهت بعثة من مفوضية الاتحاد الأفريقي أمس (السبت)، زيارة إلى بوركينا فاسو للاطلاع على الوضع في البلد الذي يعاني من أزمات أمنية وسياسية واجتماعية، وشهد انقلابين عسكريين العام الماضي، ولكن الزيارة تحولت إلى ما يشبه مساءلة للبعثة الأفريقية خلال لقاءات جمعتها برئيس البلاد النقيب إبراهيم تراوري، ورئيس حكومته الانتقالية فاسو أبولينير يواكيم كييليم دو تامبيلا.
البعثة كان يقودها رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد، مع عدد من مستشاريه البارزين، فأعلن فقي محمد في مستهل الزيارة أن الهدف منها هو «التعبير عن تضامن ودعم الاتحاد الأفريقي مع بوركينا فاسو. إنها مهمة للاستماع والاطلاع، من أجل تقدير الوضعية في البلد»، وأوضح الدبلوماسي التشادي: «نحن هنا لتبادل الأفكار، حتى نضع الإصبع على حقيقة ما يجري في بوركينا فاسو».
ولكن رئيس حكومة بوركينا فاسو خلال حديثه مع البعثة، عبر عن خيبة أمل بلاده في الاتحاد الأفريقي، وأضاف: «ماذا فعل الاتحاد الأفريقي حين كان بلدنا في وضعية صعبة، لقد كان يحدثنا عن أجندة العودة إلى الوضع الدستوري، يحدثنا عن الانتخابات. لماذا تنظم الانتخابات ولمن؟ نحن أولويتنا هي محاربة الإرهاب وتحقيق الأمن في حوزتنا الترابية، إذ لا يمكن الحديث عن تنمية إلا إذا كانت هنالك أراض آمنة وسكان يستفيدون من هذه التنمية».
ونشرت حكومة بوركينا فاسو بياناً تضمن فحوى اللقاء، مشيرةً إلى أن رئيس الحكومة وجه انتقادات لاذعة للاتحاد الأفريقي، وقال إنه «لم يقدم أي دعم ملموس لشعب بوركينا فاسو على الخصوص، ولشعوب أفريقيا على العموم»، وأضاف في السياق ذاته: «في وضعيتنا الحالية، ننتظر من الاتحاد الأفريقي حلولاً ملموسة. إننا في مرحلة نبحث عن أشياء ملموسة تساعدنا في حل الأزمة الأمنية».
وشدد رئيس الحكومة على أن «الاتحاد الأفريقي منفصل عن واقع الشعوب، ولم يفعل طيلة 60 سنة سوى عقد الدورات. يجب عليه أن يستيقظ. إنه يكثر من الإملاءات بدل تقديم حلول ملموسة لمشاكل الشعوب، وإذا استمر في هذا التوجه ستتركه كل الدول في نهاية المطاف».
وتأتي هذه التصريحات اللاذعة في وقت يفرض الاتحاد الأفريقي عقوبات على بوركينا فاسو، من أبرزها تجميد عضوية البلد في مؤسسات الاتحاد الأفريقي بسبب الوضع غير الدستوري الذي يعيشه من العام الماضي، إثر انقلابين عسكريين اللذين كان آخرهما انقلاب سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، وبالتالي فإن العلاقة بين الطرفين متوترة إلى حد كبير، خاصةً في ظل تقارير تتحدث عن وجود مرتزقة من مقاتلي «فاغنر» الروسية الخاصة في بوركينا فاسو، وهو ما يثير مخاوف العديد من الدول الأفريقية، رغم النفي المتكرر من طرف السلطات في بوركينا فاسو.
وفي سياق الرد على تصريحات رئيس حكومة بوركينا فاسو، قال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي إنه يتفهم «الإحباط» الذي عبر عنه مسؤولو بوركينا فاسو، وأضاف: «نحن لسنا هنا لتقديم الدروس، الاتحاد الأفريقي تحكمه نصوص هي التي نتحرك من خلالها لنقوم بعملنا، وللأسف ليس بحوزتنا أي وسائل تمكننا من التدخل حين تحدث وضعية في إحدى الدول».
وأوضح فقي محمد أن «بوركينا فاسو دولة ذات سيادة، ولا أحد يمكنه أن يفرض عليها أي شريك»، ولكن الدبلوماسي التشادي أكد أن الاتحاد الأفريقي «يدافع عن الشراكة بين الدول الأفريقية. لأن أفريقيا لا يمكن أن ينقذها سوى أبنائها، ويتوجب علينا أن نعمل معاً». ودعا إلى «التعاون والتآزر بين دول الجوار التي تواجه نفس ظاهرة الإرهاب».
وخلص الدبلوماسي التشادي الذي يقود واحدة من أهم هيئات الاتحاد الأفريقي، إلى التأكيد على «الهدف الذي نسعى إليه هدف مشترك، ونحن مقتنعون بخطورة الوضع في بوركينا فاسو، لذا لسنا عديمي الإحساس تجاه ما يمر به البلد حالياً».
من جانبه عاد رئيس حكومة بوركينا فاسو ليشدد على أن بلده يريد دعماً ملموساً في حربه على الإرهاب، في إشارة ضمنية إلى السلاح والعتاد، وقال مخاطبا مسؤولي الاتحاد الأفريقي: «يجب أن تمتلكوا الشجاعة لمواجهة الأمور، نحن نريد مواكبة ملموسة غير نظرية، لأن هدفنا هو القضاء على الإرهاب. لقد قررنا أن نمتلك السيادة. واخترنا طريقنا لتحقيق ذلك، ونتمنى أن يدعمنا الاتحاد الأفريقي، ولكن حتى ولو لم نحصل على ذلك الدعم، سنواصل طريقنا». وأضاف في نهاية حديثه مع البعثة أن «الاتحاد الأفريقي معروف بغيابه، ومعروف بالكلام أكثر من العمل»، داعياً في السياق ذاته إلى «إصلاح وإعادة هيكلة» الاتحاد الأفريقي حتى يكون مؤسسة «أكثر فعالية»، مع التركيز على البحث عن آلية تمويل جديدة للمؤسسة، وذلك في إشارة ضمنية إلى أن النسبة الأكبر من تمويل الاتحاد الأفريقي تقدمها دول الغرب، وخاصةً الاتحاد الأوروبي.
بوركينا فاسو تواجه منذ 2015 هجمات إرهابية متصاعدة، إذ تشير التقديرات إلى أن 40 في المائة من مساحة البلد في قبضة مجموعات موالية للقاعدة وداعش، ولكن ضباطا من الجيش سيطروا على الحكم العام الماضي وأعلنوا أن هدفهم الوحيد هو القضاء على الإرهاب، وطلبوا من القوات الخاصة الفرنسية الانسحاب وبدأوا يخططون لعقد شراكة عسكرية مع روسيا، على غرار ما وقع في الجارة مالي.


مقالات ذات صلة

«مذبحة الكرمة» تفاقم الوضع الأمني في بوركينا فاسو

العالم «مذبحة الكرمة» تفاقم الوضع الأمني في بوركينا فاسو

«مذبحة الكرمة» تفاقم الوضع الأمني في بوركينا فاسو

بدأت بوركينا فاسو التحقيق في «مذبحة» وقعت في قرية الكرمة شمال البلاد، أسفرت عن مقتل عشرات المدنيين، بينهم نساء وأطفال، على أيدي مسلحين يرتدون زي القوات المسلحة البوركينابية. وقُتل نحو 136 شخصاً في الهجوم، الذي وقع في 20 أبريل (نيسان) واتَّهم فيه مواطنون قوات الجيش بالمسؤولية عنه، لكنّ مسؤولين قالوا إن «مرتكبي المذبحة إرهابيون ارتدوا ملابس العسكريين»، في حين ندّدت الحكومة بالهجوم على القرية، في بيان صدر في 27 أبريل، دون ذكر تفاصيل عن الضحايا، قائلة إنها «تواكب عن كثب سير التحقيق الذي فتحه المدعي العام للمحكمة العليا في واهيغويا، لامين كابوري، من أجل توضيح الحقائق واستدعاء جميع الأشخاص المعنيين»

محمد عبده حسنين (القاهرة)
العالم الحرب على الإرهاب في بوركينا فاسو... مقتل 33 جندياً و40 إرهابياً

الحرب على الإرهاب في بوركينا فاسو... مقتل 33 جندياً و40 إرهابياً

أعلن الجيش في بوركينا فاسو أن 33 من جنوده قتلوا في هجوم نفذته مجموعة إرهابية على موقع عسكري، يقع في شرق البلاد، وذلك في آخر تطورات الحرب الدائرة على الإرهاب بهذا البلد الأفريقي الذي يعاني من انعدام الأمن منذ 2015. وقال الجيش في بيان صحافي إن مجموعة من المسلحين هاجمت فجر الخميس موقعاً عسكرياً في منطقة أوجارو، شرق البلاد، على الحدود مع دولة النيجر، وحاصروا وحدة من الجيش كانت تتمركز في الموقع، لتقع اشتباكات عنيفة بين الطرفين. وأعلن الجيش أن الحصيلة تشير إلى مقتل 33 جندياً وإصابة 12 آخرين، لكنهم في المقابل قتلوا ما لا يقلُّ عن 40 من عناصر المجموعة الإرهابية التي ظلت تحاصرهم حتى وصلت تعزيزات فكت عن

الشيخ محمد (نواكشوط)
العالم بوركينا فاسو: العنف يحصد مزيداً من الضحايا رغم «التعبئة العامة»

بوركينا فاسو: العنف يحصد مزيداً من الضحايا رغم «التعبئة العامة»

على الرغم من إعلان المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو «تعبئة عامة» لمنح الدولة «الوسائل اللازمة» لمكافحة الإرهاب، تزايدت الجماعات المسلحة في الأسابيع الأخيرة، والتي يتم تحميل مسؤوليتها عادة إلى مسلحين مرتبطين بتنظيمي «القاعدة» و«داعش». وتشهد بوركينا فاسو (غرب أفريقيا)، أعمال عنف ونشاطاً للجماعات المتطرفة منذ 2015 طالها من دولة مالي المجاورة. وقتل مسلحون يرتدون أزياء عسكرية في بوركينا فاسو نحو 60 شخصاً، بحسب مصدر قضائي، الاثنين، ذكر لوكالة «الصحافة الفرنسية»، نقلاً عن جهاز الشرطة، أن «الهجوم وقع (الخميس) في قرية كارما في شمال إقليم ياتنغا»، مضيفاً أن المسلحين «استولوا» على كميات من البضائع ا

العالم بوركينا فاسو: العنف يحصد مزيداً من الضحايا رغم «التعبئة العامة»

بوركينا فاسو: العنف يحصد مزيداً من الضحايا رغم «التعبئة العامة»

على الرغم من إعلان المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو «تعبئة عامة» لمنح الدولة «الوسائل اللازمة» لمكافحة الإرهاب، تزايدت الهجمات المسلحة في الأسابيع الأخيرة، التي يتم تحميل مسؤوليتها عادة إلى مسلحين مرتبطين بتنظيمي «القاعدة» و«داعش». وتشهد بوركينا فاسو (غرب أفريقيا)، أعمال عنف ونشاطاً للجماعات المتطرفة منذ 2015 طالاها من دولة مالي المجاورة. وقتل مسلحون يرتدون أزياء عسكرية في بوركينا فاسو نحو 60 شخصاً، حسب مصدر قضائي (الاثنين) ذكر لوكالة الصحافة الفرنسية، نقلاً عن جهاز الشرطة، أن الهجوم وقع (الخميس) في قرية كارما شمال إقليم ياتنغا، مضيفاً أن المسلحين «استولوا» على كميات من البضائع المتنوعة خ

أفريقيا مقتل 60 مدنياً بهجوم في شمال بوركينا فاسو

مقتل 60 مدنياً بهجوم في شمال بوركينا فاسو

قال مسؤول من بلدة أواهيجويا في بوركينا فاسو، أمس الأحد، نقلاً عن معلومات من الشرطة إن نحو 60 مدنياً قُتلوا، يوم الجمعة، في شمال البلاد على أيدي أشخاص يرتدون زي القوات المسلحة البوركينية. وأضاف المدعي العام المحلي لامين كابوري أن تحقيقاً بدأ بعد الهجوم على قرية الكرمة في إقليم ياتنجا في المناطق الحدودية قرب مالي وهي منطقة اجتاحتها جماعات إسلامية مرتبطة بـ«القاعدة» وتنظيم «داعش» وتشن هجمات متكررة منذ سنوات. ولم يذكر البيان مزيداً من التفاصيل بشأن الهجوم، وفق ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء. وذكرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في مارس (آذار) أن هجمات الجماعات المسلحة على المدنيين تصاعدت منذ عام 2022 ب

«الشرق الأوسط» (واغادوغو)

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.