عائلات تونسية تطالب بكشف مصير مهاجرين فُقدوا في «قوارب الموت»

عائلات تونسية تطالب بكشف مصير مهاجرين فُقدوا في «قوارب الموت»

تحرك احتجاجي في اليوم العالمي لـ«محاربة نظام الحدود القاتل»
الأحد - 15 رجب 1444 هـ - 05 فبراير 2023 مـ رقم العدد [ 16140]
قارب اعترضه خفر السواحل التونسي يضم بعض التونسيين والأفارقة خلال توجههم إلىإيطاليا (أ.ف.ب)

لا تقوى حياة المزليني على كبح دموعها، وهي تصرخ بحرقة على مدرج المسرح البلدي بشارع الحبيب بورقيبة، وسط العاصمة التونسية، «نريد الحقيقة»، بينما تحمل بين يديها، مثل باقي الأمهات المشاركات في الوقفة الاحتجاجية، صورة ابنها المفقود في البحر منذ يوليو (تموز) 2022.
ومثل حياة تجمعت العشرات من العائلات التونسية، أمس، وسط الشارع في تحرك احتجاجي رمزي، يحدث بشكل متزامن أيضاً في عدد من مدن الضفة الجنوبية لحوض البحر المتوسط، لإحياء «اليوم العالمي لمحاربة نظام الحدود القاتل»، والتنديد بالقيود المفروضة على حرية التنقل بين الشمال والجنوب. ووضع النشطاء المحتجون قارباً رمزياً من الكرتون، كتب عليه «حرية» ورسم لطائر الحمام، ومن تحت القارب عربة مغطاة بقماش أزرق يجسد البحر الأبيض المتوسط، وقد كتب عليه «مقبرة المهاجرين».
ويُقدر عدد المهاجرين المفقودين، الذين انطلقوا من السواحل التونسية وحدها في 2022، بنحو 600 مهاجر من جنسيات مختلفة، بينما وصل السواحل الإيطالية أكثر من 18 ألف تونسي، وفق بيانات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. لكن أعداد الضحايا والمفقودين أعلى من ذلك بكثير، إذا تمت إضافة أولئك الذين شاركوا في موجات الهجرة منذ نحو عقد، ولا يعرف شيء عن مصيرهم حتى اليوم.
تقول حياة، التي فقدت ابنها سيف الدين العبيدي (23 عاماً)، بعد أن غادر تونس على متن قارب من سواحل مدينة منزل تميم بولاية نابل، ومعه أربعة مرافقين على المركب نفسه باتجاه السواحل الإيطالية، لوكالة الأنباء الألمانية، «غادر الكثير من أصدقاء ابني، وبدأوا يحثونه على اللحاق بهم. أرسلوا له صورهم، وقدموا له تطمينات عن الرحلة. لكنه ذهب ولم يعد... وتقطعت السبل بحياتي منذ ذلك الحين، وأصبحت أتردد يومياً على سجون البلاد ووزارة الخارجية لمعرفة أي شيء عن ابني»، مضيفة: «لم أترك مكاناً لم أذهب إليه. لكن دائماً أتلقى الإجابة نفسها: لا معلومات. ولا أعرف حتى اليوم مصير ابني. سأتقبل الأمر في كل الحالات إن كان ميتاً أو حياً. فقط أريد الحقيقة».
ولا يختلف حال حياة عن والدة بدر الدين حسين (26 عاماً)، الذي غادر البلاد عبر سواحل قليبية شمال شرقي تونس في 27 من يوليو 2022، على متن «قارب الكياك» مع أربعة من أصدقائه. وقالت والدة بدر الدين، «في اليوم التالي تدخل صيادون لإنقاذهم في البحر. وقال رفاقه الأربعة الموقوفون في السجن اليوم إنه سقط في البحر بسبب موجة قوية، ولم يطف بعدها على السطح».
وتابعت والدة بدر الدين وهي تقاوم البكاء: «ابني قوي البنية ويجيد الغطس والعوم. فإذا توفي فأين الجثة؟ أخشى أن يكون حدث شيء مشابه لما حدث في جرجيس» (جنوب)، التي لا يزال مواطنوها تحت الصدمة بعد غرق مركب، كان يقل 18 شاباً من المدينة، لقوا حتفهم في حادث مأساوي في سبتمبر (أيلول) الماضي، وقد تبين لاحقاً أن عدداً من أبنائهم دفنوا سراً من قبل السلطات، دون إخطارهم. وما زاد من صدمة السكان هو تصريح للرئيس قيس سعيد هذا الأسبوع، أكد فيه أن هناك أدلة تشير إلى أن الحادث كان مدبراً، وأن المركب جرى إغراقه عمداً.
وشهدت تونس طفرة مهمة في أعداد المغادرين للبلاد منذ عام 2011، وقد رافق الأشهر الأولى للانفلات الأمني، الذي أعقب أحداث الثورة ضد حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في ذلك العام، خروج نحو 20 ألفاً في فترة قصيرة، انتهى المطاف بأغلبها على سواحل جزيرة لامبيدوزا الإيطالية.
يقول محمد الرحموني، الذي فقد ابنه مهيب في السادس من سبتمبر 2012، ولا يملك أي أدلة بشأنه منذ ذلك الوقت: «لقد قال أصدقاؤه إنهم وصلوا إلى السواحل الإيطالية سباحة، وإن مركبهم تعطل في عرض البحر. لكن المعلومات متضاربة وبعضها غير منطقي... نحن فقط نريد الجثة لنرتاح... زوجتي هبط وزنها إلى 48 كيلوغراماً... والعائلة كاملة دُمرت».
من جهتهم، قال بعض النشطاء المشاركين، أمس، في الوقفة الاحتجاجية بمناسبة «اليوم العالمي لمحاربة نظام الحدود القاتل»، في بيان مشترك، «عاماً بعد عام، نشهد مذابح مستمرة على الحدود، وفي أماكن الاحتجاز المصممة لثني المهاجرين عن مغادرة البلاد. لا نستطيع أن ننسى هؤلاء الضحايا... ولا نريد أن نبقى صامتين أمام ما يحدث».
بدوره، قال الناشط عمر بن رمضان، عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، «نحن هنا للتأكيد على التضامن مع كل العائلات، والتنديد بسياسات الحدود القاتلة للاتحاد الأوروبي، التي حولت البحر المتوسط إلى أكبر مقبرة... وهذه مناسبة لندعو السلطات هنا في تونس لمراجعة سياساتها، ومقاربتها للبحث والإنقاذ على طول السواحل، ولمنح العائلات إجابات واضحة عن مصير ذويهم المفقودين».
وغالباً ما يمثل ملف الهجرة موضع خلاف بين تونس وشركائها الأوروبيين، وقد وجهت منظمات حقوقية في تونس انتقادات متكررة لسياسات اعتراض قوارب المهاجرين في البحر، وللقيود الأوروبية ضد الهجرة، بما في ذلك القيود على الهجرة النظامية عبر نظام التأشيرة. وفي هذا السياق قال بن رمضان، «نعد العلاقات بين الشمال والجنوب غير متوازنة. فحرية التنقل الآن في اتجاه واحد... يجب أن تكون الحريات متبادلة، وعلى تونس أن تتخلى عن هذه السياسات التي تفرضها دول الشمال، وأن تدافع عن مبدأ حرية التنقل لأفرادها».


تونس تونس

اختيارات المحرر

فيديو